|
نقد / مسرح يحيى صاحب
شاكر رزيج فرج
الحوار المتمدن-العدد: 2200 - 2008 / 2 / 23 - 09:55
المحور:
الادب والفن
الاقصاء الجبري لمقبولة ـ الخلود ـ في مسرح (يحيى صاحب) الشعري قراءة تأويلية للمسرحية الشعرية ـ تموز، موته وحياته ـ تتحدد مدركات الفهم المعرفي ـ الابستمولوجياـ لدى المتلقي حقيقيا كان او مفترضا او ما سمي احيانا بـ ـ المروي له ـ وفق معيار ينفتح على عدة مندرجات اولها ، مستويات الوعي والقدرة المتاحة على تفسير دلالات المنجز ضمن حدوده الزمكانية وطبيعة البنى المعمارية الهندسية للنص والتي يرتكن اليها ـ بنيويته اللغوية وتراتبية الافعال والوقائع ـ والايقاع كقوة موضوعية ومن ثم الحبكة وثيمته الخابية ، يضاف لها جملة من الاعتبارات الاخرى والتي تخضع الى مباضع النقاد وفق اتجاهات ومدارس لاحصر لها من الرؤى المتيسرة في الفضاء الادبي ، وعادة ما تنفتح المداخل البدئية لذلك المعيارومكوناته ، حال الشروع في الاستهلال النقدي ومن ثم التوظيف الاعتباري لمجسات اللمس في المواضع الاشد بروزا وتأثيرا ، نزولا الى المفاصل الاخرى ـ الهامشية او التكميلية ـ الشاحبة ، والتي بمجموعها تشكل كامل الانساق والبؤر والفواصل ، وهي بالتأكيد غير سهلة التناول لكل الاجناس الادبية بدرجة واحدة ، وحقيقة الاختلاف واضحة وواقعة من عدة نواحي ، فقد تبلغ درجة التعقيد وصعوبة ايجاد توصيفات نقدية حدود العجز عن ايجاد مخارج مناسبة لاسيما / برأينا / الاعمال الشعرية السردية لوجود فوارق جوهرية وعميقة مابين الشعر والنثر، مع الاقرار بان الكثير من مثل هذه الاعمال لم تعد مضامينها خافية ، عصية على الفهم ، سيما تلك التي ارقتها محنة ـ الموت ـ فاخترعت الخلود كمعادل له . وعلى هذا المنحى يمكن ان نموضع المسرحية الشعرية لـ ـ يحيى صاحب ـ ( تموز ـ موته وحياته ـ ) والتي كتبها عام 1977 ورأت النور عام 2005م أي الاقصاء للمضمون الذي لم يكن اصلا خافيا وراء تهويمات لفظية او تقاطعات لسانية واركانه جانبا ( كمقبولة قارة ) والبحث خلفه وبين ثناياه عن ـ ممسكات ـ اخرى تقصدها الكاتب ـ كاحتمال نرجحه ـ كما يمكن ان نؤكد ان يحيى صاحب وقبل ان يبدأ مشواره ، قد جهز نفسه تماما وفق مخطط / فكرة لتلك ـ الممسكات ـ لكي تمرر عبر نافذة بظلفتين تنفتحان بحركة لولبية الى الداخل والخارج في آن واحد ، الاطارالسردي الحواري ـ وهو تأسيسا من متطلبات النص المسرحي ـ عدا البانتوميم الذي تقوم الايماءة والاشارة مقام اللغة ، ( هي لغة بنظرالبنيويين ايضا ) ، والاخر الاطار الشعري باعتبارها صورا تتجاذبها متغيرات تجري مجرى الانساق ويشدها الخيال المبدع لتكون اساسايؤثث على مرتكزاته كامل النص المسرحي ،( وفي هذا الصدد يقول ما معناه ، ان بوسع الشاعر ان يمسرح أي شئ ولكن عليه ان يدرك ان هذه العملية هي في الاساس موقفا من الناس والاشياء ، موقف من العالم ) وهنا نتذكر مقولتين ، الاولى لـ ماياكوفسكي في مقالته ، كيف نصنع الشعر؟ (تدريجيا نبدأ في استخلاص كلمات متفرقة من هذا الطنين ـ يقصد هنا الايقاع ـ بعضها يتناثر بكل بساطة ولا يعود وبعضها الاخر يتريث ويتقلب ويدور عشرات المرات الى ان تشعر ان الكلمة وجدت مكانها ... ) والمقولة الثانية لـ غوته والذي يقترح لكشف المضمون المحض الكامل لاي عمل شعري ـ خاصة العمل الملحمي ـ هو قي اعادة صياغة الشعر ،صياغة نثرية ! . واذا ما اخذنا بهذين الرأيين ـ وبعد ان استثنينا المضمون المحض الكامل ـ كونه مدركا ـ بضم الاول وفتح الثالث ـ فان تلك الممسكات التي نحن بصددها ،بالامكان استظهارها وانتشالها من عدة زوايا ومسقفات مخبوءة داخلها ، وهذا يعني ان فكرة الانبعاث والخلود للانسان هي ليست غائية عن الكاتب او هي موضوعة ـ كما اسلفنا ـ جديدة يطرق بابها او يتمالح معها لاول مرة ، فهو على ما نعتقد يتوافق معنا في الرغبة بالتعامل مع جملة من الاعتقادات والاعتبارات التي هي خارج السياق الظاهري للنص لينفتح على مسارات ـ نحن بصددها ـ أي مجموعة من القناعات الريؤية والمثيرات التي تتضايف والمعطيات الفكرية للصور الشعرية والتي يشكل العنصر الوجداني احد روافدها باعتبار الشاعر / القاص يتحرك ضمن فضاء نفسي اضافة الى الفضاء المادي وما يقع ايضا بينهما من خيال يرتهن الشعر سرديا في اللحظة المناسبة . في البدء لابد من الاقراران يحيى صاحب لجأ الى ـ المثيولوجيا ـ للاستسقاء والارتواءمنها كرافد اثيرلنصه الشعري الممسرح ، الا انه انزل الاسطورة من عرشها الاثيربكل شخوصها وادواتها وغرائبيتها ـ الماورائية ـ ليأرضنها مجردا الالهة من قواها الخرافية ـ الفتشية ـ مقتربا بها الى حد مناسب من الانسنة حيث لم تعد تمتلك تلك القوى السحرية الفاعلة بقدر الضعف الذي يعصف بها فعشتار ملكة اورورك ـ آله الحب والجمال ـ تقع كاي فتاة من البشر في حب جارف للراعي ـ تموز ـ والذي تفضله على غريمه ـ انكي آمدو ـ الفلاح لكن الحبيب الآثير يختطف من قبل شقيقتها ـ ارشيكال ـ آلهة العالم السفلي ، ولكي تستعيد ـ عشتارـ حبيبها ( ولعدم قدرتها رغم كونها آلهة على استرجاعه ) فانها تتنازل عن هيبتها وجبروتها ، بل وكرامتها لنيل بغيتها ، اذ يشترط عليها بواب العالم السفلي ان تدخل لمقابلة شقيقتها وهي عارية . سيسهل ذا امر مرورك / عبر مداخل رحلتك السبعة ،سيدتي /هي ذي دونك اجتازيها / هاتي تاجك سيدتي / هاتي قرطيك الذهبيين / هاتي قلادتك الماسية / هاتي سوارك سيدتي / هاتي خلاليك سيدتي / هاتي حزامك ياسيدتي / اما الآن فهاتي آخر ما ظل عليك / مئزرك الابيض، سيدتي . وبعد ان جرد الالهة من قواها السحرية ساقها باتجاه ـ ممسك ارضي آخرـ الا وهو الصراع ووفق مسلمة معروفة ـ الخير والشرـ كمثيرين معرفيين لهما احتمالين اما يتأطران او يتناحران ووفق اسباب ليس نحن الان بصددها ، فالحب يقابله الكره والنوريناطح الظلمة وعالم الحياة هو غيرالعالم السفلي ، عالم الموت والفناء حيث تمثل كل من ، عشتار وارشيكال طرفا الصراع ، اذ تختزل عشتار العالم العلوي في صورتها ـ ممثلة له بكل ما يضم من حيوات وموجودات وعواطف وافكار...الخ بينما تقوم شقيقتها بنفس الدور، ولكن بالضد تماما، ويحيى صاحب ـ باعتقادي ـ قد تقصد ان تديرهذا الصراع ، انثتان ( من الناحية الانثروبولوجية ) وخلفها ينجر جنس الذكور طائعا ، تابعا ، ملبيا رغباتهما واوامرهما ، وهو دون ريب اشارة تلميحية علمية ذكية لـ ـ عصر الامومة ـ قبل ان يستعلي العصر ـ البطريركي ـ ، وهو من الناحية التأريخانية يقع تحت مظلة التطورات ذات الطابع المادي المحض أي بما يتصل بمجمل التطورات الاجتماعية ،وعلاقات الانتاج ، واختصارا ان الفروق التي حدثت على امتداد حقبة طويلة هي بتأثيرات ايديولوجية ، هذا الشئ الذي يفهمه ـ يحيى صاحب ـ دون شك ( وهو ايضا ما نرى اثره في مسرحيته الشعرية ـ المستنقع ـ وهي بانوروما مستوحاة من مطولات السياب الثلاث ، المومس العمياء ، حفار القبور ،الاسلحة والاطفال والصدرة في ايلول عام 2005 م فارشيكال مثلا تصرخ باتباعها :ـ ابعث بعض رجال الكالا/ وليأتوني بـ اكلي آمدو في اسوأ حال/ خذ هذين الرجلين ، الآن ، الى الداخل / ومن الكاحل / لتعلق كلا في خطاف / كما تصورعشتار رجال شقيقتها قائلة:ـ لو لهم آذان / لكن تماثيلك هذه لايبدو ان لها فيها/ والا كانت قد سمعت / وليس لها حتى اعين !/ والا قد شهدت ، ايضا/ وعلى م تكون لها السن !/ ببغاوات التهمت افضل ما تملك !/ قولوا شيئا ، لا ، لآلهتكم يا انوناكي !/ ام انكم محض دمى لاتحسن الا /هزالروؤس والقول، نعم / واذا ما اخذنا بمقولة ( ان الوعي القديم كان يقوم باسقاط ضمني للعلاقات الاجتماعية على الطبيعة وان الانسان الذي عاش في ظروف المجتمع البدائي لم يكن يفهم الا بواسطة علاقات القربى ـ لوسيف ) فليس من المستغرب ان يكون الصراع بين شقيقتين ، لا لانهما آلهتين بل لانهما فتشيين ( كل فتش يشكل جزءا ممثلا لكل ) وان هذا الصراع انما مبعثه يعود اصلا الى حب ـ التملك ـ والاستحواذ على شئ اسمه ـ تموز ـ وهو احد البدايات الاولية لظهور المجتمع الطبقي الذي شرعن ـ الملكية ومنها الملكية الخاصة ـ واذا كان الترميزهوـ تموزـ المؤثث على العاطفة الوجدانية ـ الحب ـ كان وجهة المقبولية للصراع فانه يمثل تماما وبحد ذاته ـ موضوعة الملكية ـ المتنازع عليها . ان ـ يحيى صاحب ـ قد تعاطف بشدة مع آلهة الجمال والحب والنور( وما كان له الا ان يفعل هذا) فانتزع ـ تموز من براثن العالم السفلي ـ الظلمة والموت ـ لصالح الحياة وذلك لموائمة ـ موضوعة التملك بالانتماء الجبري لما يجري فوق ـ سطح الارض ـ وليس تحتها كحالة غير غائية او ما ورائية ـ ميتافيزيقية ـ بل واقعة حقيقية تجري وفق قوانين تتصل والتطورالجاري ، كما ان هذا الانتزاع لم يلغ ـ الصراع ـ او يوقفه ، بقدرتغيير وجهته ، واذا كان يحيى صاحب قد اقنعنا بقوة ـ الحجية ـ التي هزمت بها عشتار شقيقتها ـ ارشيكال ـ فانه كان يتكئ على قناعات مسبوقة لدينا ـ الخير ينتصرنهاية الامرـ رغم ان التأريخ يقدم نماذجا على امتداده الطويل ، ولحد هذه اللحظة ، مفادها :ـ ان الانسان سيظل مقهورا مضطهدا بهذا الشكل او ذاك ـ المجتمع الطبقي ـ فلا غرابة ان يضعنا عند نهاية مفتوحة تحتمل وقوع حوادث وافعال قد يصطنعها مخيال القارئ / الناقد دون ان تنتهي عند حدود ماهو مدون وهو باعتقادي غير ما اراده الكاتب ، وهو محق في ذلك .
#شاكر_رزيج_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اذكر ..... اني
-
نقد الغرائبية
-
نقد مجموعة نجمة الظهر
-
نقد قصصي
-
نقد مجموعة قصصية
-
نقد لمجموعة قصصية
المزيد.....
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
-
رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات
...
-
بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ
...
-
مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل
...
-
الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|