حديث الروح(10)

فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 2206 - 2008 / 2 / 29 - 11:03
المحور: سيرة ذاتية
    

نتائج الأنتخابات
وقد جرت الانتخابات في حزيران 1954 ووقفت مجاميع من قوات الأمن والشرطة في أبواب القاعات الانتخابية وجرت اعتدا آت واعتقالات للناخبين وعدم السماح للبعض من أنصار الجبهة للدخول والمشاركة في الانتخابات,وجرت عملية تزوير كبرى شاركت فيها الإدارة المحلية وموفد البلاط الملكي الذي كان قد حضر خصيصا لإفشال انتخاب مرشح الجبهة لما يتمتع به الشيخ من جماهيرية وتأييد في اللواء بوصفه الزعيم الروحي لأبناء الحلة،مما أدى إلى عدم فوزه بالانتخابات،ولكن رغم عمليات التزوير والأساليب الوحشية والإرهابية التي مارستها السلطة العميلة استطاعت الجبهة الحصول على (11)مقعد في المجلس النيابي،وقد أثار فوز القوى الوطنية ضغينة وغضب البلاط مما جعل العمري يقدم استقالته وجيء بعميلهم المخضرم والمعتمد في الأزمات نوري السعيد لتشكيل وزارة جديدة فكان باكورة إعماله حل مجلس النواب قبل أن ينتخب رئيسه والدعوة لإجراء انتخابات جديدة جاءت بأغلبية برلمانية عن طريق التزكية والتزوير،وقام بإغلاق الصحف وتعطيل الحياة الحزبية بإلغاء إجازة الأحزاب وشن حملة اعتقالات طالت الكثير من القوى الوطنية التي نشطت في الانتخابات،وأصدرت الحكومة الجديدة مراسيم مجحفة وتعسفية خولت القوى الأمنية بموجبها اعتقال أي إنسان بمجرد الشك والشبهة وأضيفت فقرة جديدة للدستور(89 أ)أصبحت بموجبها عقوبة السجن والإعدام لا تشمل الشيوعيين فقط بل تشمل جميع أعضاء المنظمات والجمعيات والحركات،كما أغلقت النقابات والنوادي والجمعيات وأصدر مرسوم بإسقاط الجنسية العراقية عن كل إنسان وطني وتقدمي بحجة انتمائه للحزب الشيوعي،وقد أسقطت الجنسية عن الشهيدين توفيق منير وكامل قزانجي،وبعد إكمال محكومتيهم اقتيدا إلى الحدود التركية حيث ألقت السلطات التركية القبض عليهم،وبعد ثورة الرابع عشر من تموز عادا إلى الوطن وأعيدت لهم الجنسية العراقية،وفي سنة 1955 ألقى نوري السعيد خطابا من دار الإذاعة العراقية اظهر من خلاله استهتاره وغروره وكبريائه وأعلن أهزوجته الفاضحة(دار السيد مأمونة) وكانت إجابة الشعب مفحمة صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 إذ أحالت تلك الدار إلى خراب ينعب فيها البوم.
وعندما زار عدنان مندرس رئيس وزراء تركيا آنذاك بغداد للتوقيع على حلف بغداد استقبلته الجماهير بالبيض الفاسد والطماطم ،وخرجت في الحلة مظاهرة احتجاجية شاركت فيها قطاعات واسعة ،وقد نشطنا في تلك الفترة بلصق البيانات المنددة بالزيارة والكتابة على الجدران،وخرجت مظاهرات احتجاجية في جميع المدن العراقية،وأصبح المطلب العظيم إسقاط الحلف المشئوم،وفي نيسان من نفس العام تمت المصادقة على اتفاقية جديدة مع بريطانيا لتحل محل اتفاقية 1930 وانضمت بريطانيا إلى الحلف العراقي التركي،وفي ذات الفترة جمدت الأحزاب الوطنية نشاطها احتجاجا وخوفا من الإرهاب الذي فرضه الحكم الملكي المقبور،وظل الحزب الشيوعي العراقي رافعا راية النضال والكفاح ضد ذلك الحكم الجائر،وفي تلك الفترة تم تحويل الحلف إلى حلف بغداد بعد انضمام بريطانيا وإيران،وأعلنت الحكومة المصرية عن عقد اتفاقية مع جيكوسلوفاكيا لشراء كمية من الأسلحة لتجهيز الجيش المصري بعد إن رفضت الولايات المتحدة الأمريكية تجهيز مصر بالأسلحة،واحدث ذلك الاتفاق هزة عنيفة في الأوساط الغربية،وكانت ردود الفعل الايجابية للشعوب العربية قوية وعنيفة،ووقفت الى جانب مصر في خطوتها التي كسرت احتكار الحصول على السلاح،وكان الحزب الشيوعي ينشر في بياناته وأدبياته وجريدته تلك التطورات المهمة،وقد قدم بعض قادة الأحزاب الوطنية مذكرات الى البلاط الملكي عن الأوضاع السياسية وتردي الحالة المعاشية لجماهير الشعب وسلوك نوري السعيد ألتأمري مع سوريا ومصر وخرقه لقرارات مؤتمر باندونغ ودول عدم الانحياز بدخول العراق في التكتلات والأحلاف الحربية العدوانية،مما يعرض أمن وسلامة المنطقة للخطر في حالة نشوب نزاع مسلح بين الدول الاستعمارية ودول المعسكر الاشتراكي،كما قدم رئيس الوزراء السابق صالح جبر مذكرة الى البلاط شرح فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية التي آلت إليها سياسة وسلوك نوري السعيد،وقدم العديد من الشخصيات من جميع المدن العراقية مذكراتهم ،واصدر مجلس السلم بيانا دعا الى إقالة نوري السعيد وإطلاق الحريات الديمقراطية وإقامة العلاقات الطبيعية مع الدول العربية التي أدت سياسة نوري السعيد الى عزل العراق عنها،واستقال سبعة من رؤساء الوزارات السابقين من مجلس الأعيان،واصدر الحزب بيانا حذر فيه من النتائج السيئة التي انساق إليها العراق بسبب سياسة نوري سعيد وارتباطه بالمخططات الاستعمارية،ودعا جماهير الشعب الى النضال ضد هذه السياسة الشوهاء.
وقد حدثت انشقاقات في الحزب الشيوعي العراقي،وتكتلات أضعفت من وحدة الحزب ولكن السياسة التي اتبعها سلام عادل في التقريب بين وجهات النظر المختلفة أدت الى عودة تلك التكتلات الحزب وبذلك استعاد الحزب وحدته ليتصدر النضال موحدا متماسكا،واستبدل اسم الجريدة من القاعدة الى اتحاد الشعب بعد أن أجرى الحزب استفتاء لأعضاء الحزب حول تسمية الجريدة فكانت الأكثرية مع اتحاد الشعب بدلا من صوت الشعب،وفي تلك الفترة بدء دوامي في الصف الأول المتوسط في متوسطة الحلة المركزية،وبدء نشاطي الطلابي في اتحاد الطلبة في المتوسطة المذكورة،وقد انفرد الحزب الشيوعي بقيادة نضال الشعب العراقي بعد تجميد الأحزاب الوطنية لنشاطها،وبالرغم من قلة عددنا لكن القاعدة الجماهيرية الصلدة التي نقف عليها دفعت بنضالنا الى الأمام،فاستمرت الإضرابات والاعتصام والمظاهرات تزلزل الأرض تحت أقدام العملاء،وكنا نكتب شعارات الحزب على الجدران ونلصق بياناته ومنشوراته على أعمدة النور،ونوزع المناشير في المقاهي والأحياء والمدارس والمعامل والأحياء من نهايات الجنوب حتى أقاصي كردستان،وقد خلقت هذه النضال ردة فعل عنيفة في الأوساط الحاكمة وأضعفت من غرور نوري السعيد،وكانت تحديا لممارسات النظام القذرة في الحبس والاعتقال والفصل الكيفي،وعمل الحزب بكل طاقاته النضالية من اجل الشعب وحقه في الحياة الحرة الكريمة،وكانت اتصالاته بالقوى الوطنية لتوحيد صفوفها وتحشد طاقاتها للعمل المشترك والنضال من اجل بناء عراق حر ديمقراطي،وقد استطاع تكوين لجنة من الشباب المثقف من شيوعيين وديمقراطيين ووطنيين وقوميين مستقلين في أواسط 1955،وكرس الحزب جهده للاتصال بالأحزاب الوطنية والديمقراطية وتمتين العلاقات معها للاتفاق على ميثاق عمل وطني مشترك وإنشاء جبهة وطنية موحدة سياسيا،كما سعى لتوحيد النضال والعمل بين اتحاد الطلبة وممثلي القوى الوطنية والطلابية لتوحيد الحركة الطلابية وضم جميع الطلبة من مختلف الاتجاهات والميول وتمثيلهم في اتحاد الطلبة العام،كما تم إدماج التنظيمات الطلابية في كردستان،وتشكيل وفد طلابي مشترك في صيف عام 1956 لحضور مؤتمر الطلبة الأسيويين الإفريقيين في باندونغ،وسعى الحزب لتوحيد منظمات الشباب،غير إن ذلك لم يتم لتخوف بعض الأحزاب الوطنية وترددها من الاتحاد مع الحزب الشيوعي،إلا إن الضغط المتزايد على الأحزاب الوطنية،والظروف المأساوية التي تلقي بظلالها على أبناء الشعب،وتصاعد حركة التحرر في البلدان العربية وإنحاء العالم،وانعزال نوري السعيد داخليا وإقليميا وعالميا،هيأت كل مقومات وأسباب الاتصال والتعاون بين الأحزاب المختلفة،وفي مقدمتها الحزب الشيوعي الذي كان أوسع نشاطا وجماهيرية واصلب تنظيما وأكثر استعدادا للتضحية من اجل الشعب،دفعت القوى الوطنية لإقامة تحالفها،فقد اتحدت أجزاء من البارت وتم تأسيس الحزب الديمقراطي الموحد لكردستان العراق،وبالرغم من الجهود التي بذلها الحزب الشيوعي في توحيد الحزب الكردستاني والعلاقة بينهما وتبادل المعونة والاتصالات،إلا إن الحزب الديمقراطي الكردستاني طرح فكرة حل الحزب الشيوعي في كردستان ،بحجة أن الأكراد يجب إن ينظموا أليه من اجل وحدة الأكراد،وتوحيد العمل لتحرير كردستان،مما أنتج خلافات وأرغم الحزب الشيوعي على خوض صراع كبير لتنفيذ هذه الفكرة الخاطئة دفاعا عن كيانه ومبادئه ووحدة الطبقة العاملة العراقية،وفي أواسط عام 1956 قدم قادة حزبي الاستقلال والوطني الديمقراطي طلبا لتأسيس حزب واحد باسم(المؤتمر الوطني) ولكن الحكومة رفضت الطلب.
في هذه الفترة أممت مصر شركة قناة السويس فألهبت مشاعر الجماهير التي كانت تتفجر غضبا لما تراكم في نفوسها نتيجة الأوضاع المأساوية التي تعيشها،وعبرت عن شعورها بتأييد منقطع النظير لموقف مصر الجريء،وجاء العدوان الثلاثي ليصب الزيت على لهيب المشاعر،فكانت انتفاضة تشرين 1956 التي جرفت كل العوائق والمطبات أمام تحالف القوى الوطنية لتقود متكاتفة ومتضامنة الجماهير المتطلعة الى الحرية والديمقراطية والاستقلال،والسير والتضامن في موكب التحرر من اجل بناء الوحدة الوطنية،وقد دعا الحزب الشيوعي في بيان وزع بنطاق واسع الى الإضراب العام لنصرة الشعب المصري،وفي آب1956 دعت للإضراب الأحزاب الوطنية فخرجت المظاهرات العاصفة في الكثير من المدن العراقية تصدت لها الشرطة وأمطرتها بوابل من الرصاص ومارست ضدها كل أشكال القمع والتنكيل،واعتقلت إعداد غفيرة من المتظاهرين،وطوقت الشرطة دار السفارة المصرية ومنعت وطاردت الوفود التي توافدت إليها لإعلان تأييدها وتضامنها مع الشعب المصري الشقيق وإعلان تطوعها للدفاع عن مصر الشقيقة،ومحاربة القوات الغازية والدفاع عن مصر وكرمتها واستقلالها الوطني،وقد اجتمع ممثلو الأحزاب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث وبعض الشخصيات الوطنية الديمقراطية في اليوم الأول لوقوع العدوان،وتدارسوا الموقف واتخذوا قرارات موحدة ومهمة وضرورة استمرار الاجتماعات المشتركة وتأليف قيادة ميدانية مشتركة لقيادة المظاهرات والإضرابات في إنحاء العراق،فاندلعت المظاهرات واستمرت بعنف وصلابة لأكثر من شهرين مما جعل حكومة نوري السعيد تتخذ أكثر الأساليب شراسة وعدوانية،فأعلنت الأحكام العرفية،وأغلقت الكليات والمعاهد والمدارس ،واعتقلت قادة الأحزاب المتحالفة،ورمى الحزب الشيوعي بكل ثقله في تلك الانتفاضة المجيدة،فكان أول شهيد يسقط في ميدان النضال في تلك الانتفاضة الشهيد الشيوعي عواد رضا الصفار،وكانت آلاف المنشورات التحريضية التي أصدرها الحزب تملأ الشوارع وتتلقفها جماهير الشعب بفخر واعتزاز،وكان الشيوعيون يخطبون في المظاهرات والتجمعات والمقاهي ويحرضون الجماهير على التظاهر والإضراب وشحذ الهمم وإشعال جذوة الكفاح الوطني،وخاضت الجماهير معركة دموية مع أزلام السلطة وقواها البوليسية.

#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات