أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - أحزان العمة درخشان














المزيد.....

أحزان العمة درخشان


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 681 - 2003 / 12 / 13 - 04:41
المحور: الادب والفن
    


هذه أعتق رواية ناقصة أكتبها ويعود تاريخها إلى عام 76 يوم كنت جنديا في قضاء جومان الواقع بين رايات وكلاله وفي كل مرة أتركها وأعود مرة أخرى .

والعمة درخشان فلاحة كردية بسيطة ومفعمة بالطيبة ولحكمة والجمال الانساني الصافي كانت تعيش مع ابنة وحيدة في منزل يقع أسفل الجبل الذي تقوم عليها رابية عسكرية وكان طريق المرور إلى البلدة يمر من منزل العمة درخشان.

وكانت مطلعة على كل شيء يخص حياتنا الشخصية كجنود، الوحل، والأمطار، والرصاص في الليل ومهاجمة الربايا، ومعاناة الجنود الأبرياء، والظلم المشترك الذي يعانونه من قبل ضباطهم ومن قبل مفارز التمرد  الجبلية.

كان عندها عدة بقرات مع حقل صغير وأكداس تبن وعلف وتعيش في منزل صغير مع تلك البنت الصامتة التي لم تتكلم معي أبدا رغم كل العلاقة الحميمة مع الأم.

كنت أمر بها في طريق الصعود والهبوط نحو الرابية وكانت تعطي ما لديها من حنان ودفء ومحبة وكرزات ولبن وحليب ،خلسة، وكنت لا أبخل عليها ببعض المعلبات التي تأخذها مجاملة وفي بعض الأوقات حين تكون مريضة أقوم بحلب بقراتها لأني من خبرة سابقة في حلب الجاموس أستطيع ذلك وقد يظن القارئ أن هذه مسألة سهلة. ليس الأمر كذلك لأنها تحتاج تقنية خاصة وقص الأظافر والتعود على رائحة الشخص بل التمويه أحيانا بلبس ثيابه ومسك الثدي بطريقة خاصة جدا والضغط عليه على نحو هادئ وبطئ وقوي دون جرح.

وفي أيام الاجازات كنت أمر عليها مودعا لكي أستلم منها هدايا للعائلة وخاصة لأمي التي كانت بدورها ترسل لها هدايا خاصة وبهذه الصورة تفاهمت المراتان، عن بعد، وصارت عندهما ذاكرة مشتركة وكنت سعيدا بهذه العشرة التي كانت نقيض العمليات العسكرية الكريهة ونقيض صراخ الفتك والحقد والموت. إنها قصة حب امومية بين جندي جنوبي وعجوز رائعة شمالية. بل أبعد من ذلك: حكاية الجنوب والشمال في حب نقي مشترك وظلم مشترك، سري، خارج الأطماع والثكنات والمصالح والعرق والدم.

إلى أن نزلت في أواخر كانون الأول 76 في أجازة مارا كالعادة بالعمة درخشان( ربما يكون معنى الاسم قطر الندى)  مستأذنا ومودعا وكالعادة حملت معي بلوزة حياكة نسائية وأشياء أخرى ( جوز ولوز) وسافرت لمدة أسبوع.

في نهاية الاجازة عدت ومررت بمنزل العمة وناديت، وكنت افعل  ذلك خلسة لأن الأوامر العسكرية كانت تحرم تكوين علاقات انسانية مع السكان، مما أعطى هذه العلاقة البريئة جمالا وسرية، ولكن هذه المرة لم تخرج العمة البهية الطلعة.

ناديت اقوى فخرجت الفتاة التي لم اسمعها تتكلم يوما وهذه المرة وقفت أمامي تنظر بعينين غارقتين بالضباب والأسى في حين كان الثلج يتساقط ودخان المدخنة يخرج من فوق الكوخ الجبلي.

كان واضحا ان الفتاة تعاني من أمر ما، أو أنها تحت تأثير صدمة نفسية متواصلة ولذلك قطعت صمتها الذي ذكرني بصمت البحر لترفع يدها بالاشارة نحو مكان مرتفع يطمره الثلج الهاطل تلك اللحظة وتبرز منه بقايا شاهدة رخامية.

صرخت بصوت مرتج:( ماتت العمة درخشان؟!).
أومأت الفتاة لأول مرة.

كان الثلج يهطل فوق الشاهدة التي تبدو كذراع ممدودة نحو السماء الرصاصية، وظل  الثلج يهطل على ذلك المشهد في كل مكان عشت فيه، في طهران، في مدن النرويج، على ضفاف الدانوب الأزرق الخ.

ولا أدري متى أفرغ من هذه الرواية التي تحولت إلى هاجس ملح بما فيها من صمت وحب نظيف وثلج وشاهدة ومدخنة وجنود يصعدون الرابية وهم يحملون تلك الصخرة الأسطورية كعقاب على جريمة وهمية؟



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهرب ونسمّى منقذين،ونخون ونُعتبر أبطالا
- الحروب السعيدة
- المنشق والمؤسسة والراقصة
- سجناء بلا قضبان
- الصحافة الالكترونية وسلوك الزقاق
- آخر طفل عراقي يبكي غرناطة
- قتلى الورق أهم من قتلى الشوارع
- مكتشفو السراب
- ذهنية السنجاب المحاصر
- حين يختزل الوطن بمسميات
- رائحة الوحش
- محمد شكري وعشاء الثعالب الأخير
- الزعيم الغائب
- زمن الأخطاء الجميلة
- السياسة والشعوذة
- الكلب الأرقط النابح على العالم
- محاربو الغسق والشفق
- السياسي العراقي من الخازوق إلى المسمار
- حنين إلى حفلة
- مغني الفيدرالية


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - أحزان العمة درخشان