أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - لا تدعوا جريمة البرلمان العراقي العنصرية تغور في ذاكرة العرب عن الكرد















المزيد.....


لا تدعوا جريمة البرلمان العراقي العنصرية تغور في ذاكرة العرب عن الكرد


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2196 - 2008 / 2 / 19 - 12:24
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


فضيحة التصويت التي اختتم بها البرلمان العراقي موسمه تكشف حقائق خطيرة. العراق يتكون من كتل لايهم اغلبها انهياره وسقوط حكومته وديمقراطيته ومؤسساته. هذه نقطة قوة الكتل، وتلك نقطة ضعف العراق. بل ان معادلة "القوة" هذه تدخل الى كتل الحكومة العراقية نفسها، فلا يبدو على كتلها اي قلق يوحدها لحماية الحكومة كما في العالم، بل ان بعضها يعتبر سقوط الحكومة مكسباً يسعى لتحقيقه فيما تحاول كتل اخرى منعه!

فضيحة التصويت الشامل

ليس من الغريب ان ينجب مثل هذا الوضع الفضائح، وقد انجب قبل ايام فضيحتين تأريخيتن – حسب تقديري – فاختتم برلمانيوا العراق موسمهم، ليس بالمسك بل برائحة ضعف وعنصرية نتنة.

الفضيحة الأولى هي الطريقة التي جرى بها التصويت على القوانين، حيث تم التصويت على القوانين الثلاثة بالجملة. وقد كان هناك اقتراح لفضيحة بديلة وهو التصويت السري، لكن فضيحة التصويت الشامل فازت بالإختيار.

لماذا التصويت السري فضيحة، لأننا لن نعلم من صوت وبأي شكل، وإذا تكررت بدع التصويت السري بشكل كاف، فسنكون "مثل الأطرش بالزفة" في الإنتخابات القادمة: لا ندري من نصدق ومن نكذّب، وسنصوت على الثقة!
لم يكن المانع من اللجوء الى فضيحة التصويت السري الحرص على الشفافية و ايصال الحقيقة الى العراقيين بل عدم الثقة بين الكتل. عدم الثقة امر ايجابي بشكل عام حسب تصوري، لكن عندما يصل الى درجة افتراض الغش المباشر والكذب المباشر والفوري بين الأعضاء فهو امر خطير. انهم يعرفون بعضهم افضل منا، وليس لنا سوى ان نصدق ان اعضاء برلماننا من الكذابين الذين لايمكنك إغماض عينك عنهم دقيقة واحدة!

ولماذا التصويت الشامل فضيحة، فلأن الطبيعي ان ينتخب النائب او كتلته الخيار الذي يرى انه في صالح البلاد. ومن الطبيعي ان يختلف المصوتون بل من الطبيعي ان يتناقضوا، وعندها يرفض القانون ليعدل قليلاً هنا وهناك حتى يتم الوصول الى اتفاق. فحتى النائب او الكتلة التي ترى ان التعديل الفلاني ليس في صالح البلاد بتقديرها، ستعتبر ان هذه الخسارة خير للبلاد من عدم اقرار قانون، وهكذا يتم الإتفاق على صيغة ما لكل قانون، بل لكل فقرة على حدة.

في "اليوم التأريخي" تم الأمر بشكل اخر. في "العرس" لم تكن المناقشة تدور حول مصلحة البلد ولم يكن الخلاف على رؤية كل كتلة لتلك المصلحة. كانت كل من الكتل الكبيرة تهتم بقانون واحد، ولم يكن يهمها كيف يجري التصويت على الأثنين الباقين، ان سمحتم ببعض التبسيط لتوضيح الصورة.
الكتلة التي يهمها التصويت بالإيجاب لقانون المحافظات لم تكن تهتم بالنسبة التي ستعطى لإقليم كردستان, ولا بقانون العفو العام. القانونان لايعنيان لها شيئاً وهي مستعدة للموافقة عليهما بلا تردد، لكنهما ترفض بشدة وحماس لأنهما يعنيان ورقتا ضغط على الباقين ويعنيان فرصتها في تمرير قانون المحافظات لاتريد الكتلة ان تفرط بهما! وهكذا الأمر بالنسبة لبقية القوانين والكتل. هذه الكتل لم تكن تنظر الى القوانين كقوانين عراقية تسعى كل منها لإعطائها الشكل الذي تراه انسب للعراق، بل ان لدى كل كتلة قانون يهمها، وقانونين اخرين تراهما ورقتين لإبتزاز الكتل الأخرى او معادلة ابتزازها. لهذا السبب تأجلت الجلسات السابقة حين رفضت اي من الكتل القاء اوراق ابتزازها قبل الأخرى فكل واحدة تريد ابقاء تلك الورقة بيدها حتى تتأكد من حصولها على قانونها.

إنها اشبه بلعبة بوكر بين "شلاتية" يراقب كل منهم يد الأخر وهو يضع يده على جيبه والأخرى على سكينه. لقد فشلوا في جولات سابقة حين رفض اي منهم ان يبدأ بالقاء ورقة ابتزازه الرابحة قبل الأخرين، ثم توصلوا الى فكرة ان يلقوا بكل الأوراق مرة واحدة، فاحتفلوا بانجازهم "الذكي" واسموه "عرساً".

فضيحة 17%

فضيحة التصويت بالجملة هي الفضيحة المشتركة للكتل أما الفضيحة الثانية فتخص الكتلة الكردستانية بشكل رئيس. انها "المكسب الكبير للشعب الكردي" حسبما وصفه نائب رئيس الوزراء برهم صالح.
المشكلة بدأت حين "انتبه البعض فجأة" الى ان المبدأ الذي اعطي الأكراد على اساسه نسبة 17% من الواردات لايستند على شيء اطلاقاً! وان هذه النسبة التي استند عليها في توزيع الثروات للسنوات الماضية، بعيدة عن نسبة سكان كردستان فقرر الإعتراض عليها.
الإعتراضات
اسامة النجيفي من القائمة العراقية اشار إلى أنه وحسب الإحصاءات السابقة وأخذ الزيادة السكانية في الاعتبار فإن عدد سكان العراق يبلغ 30 مليون و 600 ألف نسمة بينما يبلغ عدد السكان في إقليم كردستان 3 ملايين و 900 ألف نسمة بحيث يشكل نسبة 12.8في المئة. ويتفق هذا الرقم مع ما اورده أعضاء الكتلة الصدرية وحزب الدعوة حين رفضوا بشدة تخصيص الحصة القديمة لإقليم كردستان وطالبوا بتقليلها الى 13%، وهو الرقم الذي اقترحته الدائرة الإقتصادية في وزارة المالية اكثر من مرة، وأيضاً الرقم المعتمد في تطبيق مشروع النفط مقابل الغذاء، اما البطاقة التموينية فاعتمدت على نسبة 13.5%.
رأى حيدر العبادي رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب أن تخصيص نسبة 17% من ميزانية البلاد للإقليم غير دستوري وبعيد من عملية تقسيم الميزانية على أساس نسبة السكان وهو أخذٌ لحقوق الناس الآخرين في العراق ومنحها للأكراد . وأضاف "لقد كانت عملية تقسيم الميزانية في الأعوام السابقة تجرى على أساس الاتفاقات السياسية وليس القانونية" مشيرا إلى أنه من الجائز بل من الضروري أن يتم حل تلك المشاكل وذلك بقيام كل طرف بتقديم بعض التنازلات للطرف الآخر .

من المثير للإهتمام هنا ان العبادي في الوقت الذي يشير الى ان الأمر " غير دستوري" و "اخذ لحقوق الناس الآخرين" لكنه يقفز الى "حل المشاكل" عن طريق التنازلات! لاحظوا ان الطبيعي ليس فقط وقف هذا الـ "اخذ لحقوق الآخرين" فوراً, بل وأيضاً اعادة ما اخذ منهم في السنوات السابقة، وربما اعتباره قرضاً وحساب ارباح عليه. لكن العبادي رغم انه تحدث عن الخطأ، فهو لايعي انه امام مسألة دستورية ومبدأية ويقترح حلها من خلال التنازلات، والتي لا تعني سواء ازالة بعض الظلم وابقاء الباقي، ولا نفهم الأساس لذلك. لا افهم لماذا، حين اكتشف انك كنت تسلبني 10 دولارات من حقي سنوياً ، ان افاوضك ان تسلب مني هذه السنة 5 فقط.
عادل عبد المهدي كان كعادته: حرباء متلونة حسب المحيط وقواه كما كان حينما بدل حزبه بين الشيوعية والبعثية والإسلامية، فصرح ان الأكراد يجب ان يحتفظوا بالنسبة لأنها " مقررة قانونًا" متجاهلاً الدستور الذي يؤكد على حصة متساوية. واما موقف الحزب الشيوعي فكان على لسان حميد مجيد موسى كالعادة اشبه بتقرير صحفي محايد يخبرنا عما يجري في حالة عدم الأتفاق من اجراءات...الخ دون المخاطرة باتخاذ موقف محدد. وجاء على لسان مفيد الجزائري على شكل حديث عن "تنفس الصعداء" بعد القرار وعن " مصالح ذاتية وحزبية وفئوية ضيقة" والتجربة المؤسفة التي عاشها المجلس دون تحديد القصد ومن يلوم في ذلك ولماذا. وهو حين يقول ان التوصل الى القرار جاء عن طريق التنازلات "المتقابلة" فهو لا يخبرنا عن التنازل الذي قدمه الكرد ويفشل في ان يقول لنا ان الكتل الباقية تنازلت عن ما هو ليس حقها في سبيل مصلحتها المباشرة.

ردود الفعل الكردية

كان رد فعل القادة الأكراد بلا استثناء احتجاجياً، على "الحملة الشوفينية العربية" التي تريد سلب الشعب الكردي "حقه". مسعود البارزاني قال عن الـ 17% انها جاءت " بموجب اتفاق سياسي تم الاتفاق على هذه النسبة لاقليم كردستان ونحن نرى ان هذه النسبة هي اقل من النسبة الحقيقة ولكن قبلنا بهذا حسب اتفاق سياسي الى ان يجري احصاء في العراق."
وقال دارا يارة ممثل رئيس إقليم كردستان لشؤون الأعمار إن "الحكومة المركزية تحاول تقليص حصة إقليم كردستان من الميزانية العامة للعراق إلى 13%، وتقوم بخلق الأعذار والحجج لتحقيق ذلك". وأكد يارة ان "القيادة الكردية متفقة فيما بينها من اجل الحفاظ على المكتسبات التي حققتها".
وخلال اجتماع مع وفد السفارة الأميركية شدد رئيس برلمان الإقليم عدنان المفتي على انه "لا يمكن تخفيض نسبة الإقليم ... إلى اقل من نسبة 17% لان هذه النسبة مقرة منذ عهد مجلس الحكم الذي تشكل اثر سقوط النظام السابق عام 2003".
وقال عضو البرلمان عن كتلة (التحالف الكردستاني) سامي عبدالله الاتروشي: " المشكله الرئيسية تتمحور حول عدم وجود أرقام وإحصائيات دقيقة للنسب السكانية، فالعراق لم يشهد إجراء أي إحصاء سكاني منذ العام (1987).. وبالتالي فنحن نعتقد بأن هناك زيادات طرأت على سكان إقليم كردستان."
ومحمود عثمان رفض الفكرة وذكّر بأن الحصة الكردية في ميزانية الدولة قد تم إقرارها في عهد رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي بموجب اتفاق سياسي وبعلم من الولايات المتحدة وبريطانيا.
وتتفق الصحافة الكردية مع سياسييها فمثلاً نقرأ للكاتب سامان حمه كريم أن "عددا من الكتل السياسية اعترضت على حصة الإقليم من الميزانية العامة وطالبوا بأن تقلص النسبة إلى 12,5% بحسب عدد سكان كردستان"...لكنه يقف ضد هذا الطلب الذي لايستند الى احصاء.
وزارة التخطيط: احصاءات غير دقيقة
لحل الخلاف لجأ مجلس النواب في اوائل شباط الحالي الى وزارة التخطيط لدراسة وتقدير نسبة سكان كردستان، وهو اجراء منطقي وصرح الساسة انهم سيقبلون تقدير الوزارة وقال الكرد انهم سيقبلونها ايضاً ان كانت "قريبة من الواقع" – اقرأ ان كانت قريبة من تقديراتنا – حسب كلمات آزاد بامرني.

لكن حين جاءت تقديرات الوزارة اقرب الى تقديرات المعترضين لجأت الكتلة الكردية الى الرفض القاطع والتمسك بالـ 17% على اساس عدم دقة الإحصاءات وشكك فؤاد معصوم بتلاعب الموضفين بالأرقام.

هنا لابأس من الإشارة الى انه في الوقت الذي يمكن تفهم اعتراضات الكرد على دقة الإحصاءات، يذكر انهم لايستندون الى اية احصاءات على الإطلاق، بل على قرار سياسي، ولايترددون في اتهام معارضيهم المستندين على الأرقام غير الدقيقة المتوفرة بأن ارقامهم "سياسية". الطبيعي هو انك حين تفتقد الإحصاء الدقيق فأنك تلجأ الى اقرب احصاء يتوفر لك الى الدقة، ونحن نعتمد بشكل مستمر وفي كل العالم على احصاءات تفتقد الدقة بدرجة او اخرى, ولولا هذا المبدأ لتوجب اعطاء الحق للمعترضينن على الحكومة و الديمقراطية العراقية كلها بضمنها حكومة كردستان، على اساس انها جرت وفق انتخابات واحصاءات غير دقيقة! في الوقت الذي نتفهم شكوك الكرد بأرقام تم التلاعب بها فمن الأجدر ان نتفهم شكوك العرب بـ "ارقام مختلقة" بين علاوي والكتلة الكردستانية، تحت مظلة البريطانيين والأمريكان، وليس بينها اي طرف يحضى بأية درجة من الثقة لدى العراقيين، فاياد علاوي معروف بفضائحه ولم يكن اخرها مسعاه لدى مكتب لوبي امريكي لتشويه سمعة المالكي عند الأمريكان واقناعهم باحلاله محله.فقد سبق ان لجأ الحزبان الكرديان الى نفس المكتب لتوجيه القرار السياسي من واشنطن للحصول على اكبر حصة ممكنة من سلة النفط مقابل الغذاء ولإنهاء مشكلة كركوك لصالحهم، كذلك نذكر ان الأكراد حاولوا في بداية الأمر بإصرار الحصول على نسبة 25% من الموازنة وهو ما يقارب ضعف تقديرهم السكاني وفق الإحصاءات المتوفرة!

من النقاط المثيرة للإهتمام ايضاً انه رغم الأصوات المزايدة مثل مسعود البرزاني الذي اكد ان نسبة الكرد تزيد عن 17% فقد كان بالإمكان بسهولة ملاحظة بعض التردد في تقديرات الكرد واستعدادهم لتقديم بعض التراجع عن ارقامهم استناداً الى تصريحاتهم انفسها مثل عبارة آزاد بامرني اعلاه و الأتروشي الذي قال:"لو كانت الأرقام التي ستقدها وزارة التخطيط متطابقة مع الأرقام التي بحوزتنا فلسيت هناك خلافات بشأن ذلك (!!)، أما إذا كانت الأرقام غير متقاربة فسنعمل على نقض مشروع الموازنة، حتى لو وصل إلى هيئة الرئاسة."
فلماذا فشلت الكتل المعارضة في الإستفادة من هذا الإستعداد للوصول الى ارقام "قريبة من الواقع" (بامرني) او "متقاربة" (الأتروشي) على الأقل؟ اليس هذا دليلاً قاطعاً على زيف اهتمام تلك الكتل بالتوزيع نفسه إلا كورقة مساومة مع الكتلة الكردستانية! انهم لايريدون منها ان تتراجع عن جزء من مطالبها التي يعتبرونها غير عادلة، وانما فقط ان تعطيهم ما يريدون في القوانين الأخرى ولتأخذ كل "المكسب التأريخي" الذي تريده.

مثيرة للإهتمام اكثر عبارة سامي الاتروشي الذي ذهب ابعد من ذلك وقال: "حسب أرقام وزارة التجارة في حكومة كردستان، فإن نفوس سكان الإقليم تبلغ أربعة ملايين وسبعمائة ألف نسمة، ما يعني أن نسبة الإقليم تكون (16%) من واردات النفط". وهذا استعداد اوضح لبعض التراجع، واهم من ذلك فان هذا يعني ان هناك اعترافاً بان النسبة التي استمر العمل بها لسنوات عديدة وتم دفعها سنة اخرى، انما هي نسبة مزيفة، حتى ان اعتمدنا التقدير الكردي.

لماذا تطالب الكلتة الكردستانية للكرد باكثر من حقهم؟ هناك تفسيران: اما ان المقصود هو نهب المبالغ من قبل السياسيين– وهو التفسير الذي اعتمده، فمن يسرق يسرق عادة لنفسه وليس لشعبه – وبهذا فهم يعترفون بانهم عصابة لصوص متفقة، او انهم يقصدون فعلاً توزيع هذه المال على الشعب الكردي، وفي هذه الحالة يمكن اتهامهم بالتمييز العنصري ضد العرب والمجموعات غيرالكردية في العراق!

كم هي نسبة التمييز العنصري؟

إذا اعتمدنا الإحصائيات المتوفرة، وكانت النسبة فعلاً – بدون تعديلات – بحدود 13% فسيكون هناك 4-13 اي حوالي 30% اضيفت الى حصة كل كردي من الموازنة من خلال خسارة 4-87 اي حوالي4.5% من حصة كل عراقي اخر، اي ان النسبة ستكون متحيزة بشكل كبير بين الكرد وغير الكرد فمثلاً ان كل كردي سيساوي عربي وثلث او ان العربي سيساوي اقل قليلاً من ثلاثة ارباع كردي!

إنها قسمة ضيزى، قسمة عنصرية وهي عار على من سعى اليها وكسبها وعار مثله على من وافق عليها! في اي زمن واي حال نعيش لكي يكون مثل هذا ممكناً؟ لنفرض ان الحسابات غير دقيقة، وهي يمكن ان تكون خاطئة زيادة او نقصاناً، فستبقى الفكرة لصوصية من جهة وتخاذل مبدئي مثير للإشمئزاز من الجهة الأخرى. ولعل خير ما يمثل التخاذل المبدئي تصريحات وزير التخطيط بابان الذي يقر ان حصة الأكراد قد تبقى 17% في نفس الوقت الذي يؤكد فيه انها ليست نسبتهم السكانية, ولا يجد ضيراً من مثل هذا التصريح.

"ألتعويض" كتبرير لـ "المكسب التأريخي"

اما التبرير بأنه تعويض لهم عن الظلم الذي لحق بهم فليس اقل سخفاً وعنصرية من التوزيع نفسه، فلماذا يعوض الأكراد عموماً حتى من لم يتضرر منهم، بل حتى من ساهم في قتل الأكراد انفسهم، ولا يعوض المتضرر العربي الجنوبي مثلاً او السني الذي قضى صدام على عائلته؟ ان ربط التمييز بين الأكراد وغيرهم بالتعويض عن الضرر الذي اصابهم نفاق سخيف ليس فقط لأنه يميز بين المتضررين على اساس عنصري، بل لأن هذا التمييز لم يجر على اي اساس تعويض. هل تم تحديد من يجب ان يعوض؟ هل تم حساب قيمة ما يعوض به؟ هل من الواضح ان الضحايا ستحصل فعلاً على هذا الفرق كتعويض ام انه سيختفي في جيوب الأغنياء والسياسيين؟ هل طالب به السياسيين الكرد كتعويض ام بشكل ادعاء لا اساس له عن نسبة الأكراد؟ هل وافق عليه الباقون كتعويض ام لأن اذرعهم كانت ملوية؟ البعض اراد اعطاءه لأنه يريد نظام محافظات يزيد من فرصته في كراسي الحكم والبعض الآخر لم يجد بداً من قبوله بعد ان وضع برلمانيو الكتلة الكردية هذا القبول في كفة ميزان وفي الكفة الأخرى مصير سجنائه الذي يأمل اطلاقهم، بل ومصير مجلس النواب الذي هددوا بمقاطعته ان لم يحصلوا على الـ 17%!

أي مستقبل يريد من يعمل بهذا الإتجاه للعلاقة بين الكرد وغيرهم في العراق؟ وهل يتوقع ان يكفي الصراخ بالتهم بالشوفينية والبعثية والصدامية لإقناع عربي عندما يعلم ان نصف او ربع ما له من حصة قد اعطي لكردي لا لشيء إلا لأنه عربي وذاك كردي؟ هل يريد الساسة الكرد اقناع العرب ان مساواتهم مرهونة بعودة الى نظام مثل نظام صدام؟ لقد حققوا على كل حال تقدماً كبيراً في هذا! من الذي يشير على الساسة الكرد في اتخاذ قراراتهم هذه؟

من المسؤول الأكبر عن تفشي الشوفينية؟

الأتروشي كان منزعجاً من البرلمانيين الكرد، ليس لموقفهم اللامبدئي, وانما لعجزهم عن التصدي لـ "المد الشوفيني الذي يسود بغداد ومدننا عراقية اخرى" متجاهلاً ان اكبر محرض على المد الشوفيني العربي هو مثل هذه "المكاسب التأريخية" الشوفينية في سرقة النفط (&) ونسبة الموازنة التي يحققها السياسيين الكرد انفسهم, وان قدرة هذه المواقف على اقناع الشارع العربي بالشوفينية اقوى بما لايقارن من قدرة مهووس عربي يصرخ بدعوات شوفينية مضحكة. من الذي يقدم للشوفينين الحجج الداعمة لدعوتهم؟

بعد هذا، عندما يقول محمود عثمان " في حال إعادة تشكيل الحكومة العراقية ينبغي على التحالف الكردستاني أن يطالب بوزارة النفط أو المالية بدل الخارجية أو الداخلية، فالحقيبتين أكثر أهمية للشعب الكردي" لايجب الإستغراب من رد الفعل العربي بالريبة!

أصوات واضحة وأمل

من الظلم ان نكتفي بالأصوات المثيرة للإشمئزاز في البرلمان من معتدية وقابلة للإعتداء، ولنا العوض في ان نتمكن من انهاء هذه المغثة بصوت جميل يفتخر به وهو صوت النائب اليزيدي (الوحيد) أمين فرحان، عضو مجلس النواب العراقي ورئيس الحركة الآيزيدية من أجل الإصلاح والتطور الذي رفض هذه الإنهيار المبدئي القبيح بصراحة ووضوح قائلاً" إلى جانب اعتراضنا على آلية توزيع حصص الواردات النفطية على المحافظات والأقاليم، فهي ليست متكافئة مع النسب السكانية لكل منطقة.. فنحن نعتقد بأن إقليم كردستان أخذ أكثر مما يستحق في الواقع السكاني، وهذا بحد ذاته إشكالا يجعلنا أمام مسؤولية عدم التصويت لصالح الموازنة المالية".
فتحية لك ايها السيد فرحان وتهنئة لليزيدين الذين تجنبوا بفضل حكمتك ان يوسخوا تأريخهم بهذا اليوم "التأريخي"، بالإحتفال بهذا "العرس البرلماني" الذي لم يكن إلا حفلة اغتصاب جماعية سيذكرها الآخرون بأسف وخجل.

هل من فرصة لإصلاح ما دمره اللصوص؟ ليس الأمر مستحيلاً ان توفرت الإرادة واستبدلت حركات علاوي وتلونات عادل عبد المهدي وعنتريات محمود باليات ادارية محددة واضحه يشعر فيها المواطن مهما كان اصله بالثقة، وقد ساق بالفعل صديقي شيروان محمود اقتراحاً في مقالته الرائعة (@) يقول: "علينا بالتالي الدعوة الى آلية تعيد للطرف المغبون ما حرم منه اذا اثبتت احصائية قادمة صحة ادعاءاته, او تجبره على اعادة ما اخذه دون استحقاق اذا ما ثبت العكس." اكتبوا قانوناً إذن يعيد الحق بعد الإحصاء، ليس لهذه السنة وحدها بل للسنوات السابقة ايضاً. إفعلوا شيئاً من هذا ولا تدعوا هذا الخطأ يثبت، لاتدعوا هذا الإغتصاب يغور في الذاكرة.


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=125208 (@)

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=125077 (&)



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فساد بغداد وفساد كردستان: 1- الإقليم يسطو على حقول نفط جيران ...
- أغنية الخوف
- حلبجة وغيرها...تحدثوا لنا ولا تتعبوا...نريد ان نعرف لغتكم..
- عندما تقود الخيوط الى الإتجاه غير المناسب لتفسير الإرهاب: مص ...
- لماذا كانت جريمة قتل مبدر الدليمي -شديدة الغرابة-؟
- الإتفاقية الأمريكية العراقية: وزير الخارجية وقضية لاتجد سوى ...
- مرة ثانية يبدأ التأريخ من جديد على الفلسطينيين وسيبقى يبدأ م ...
- الخلط بين مقاييس نجاح -التجربة- و -تطبيق النظرية- – مناقشات ...
- وثائق سرية:أميركا فكرت باحتلال حقول النفط عام 73، فكيف مع قو ...
- إعلان النوايا: العراق وقصة الفصل السابع
- تصميم مقترح لشعار وعلم العراق
- الإحساس بالدونية في منطق شاكر النابلسي واسلوبه
- اخيراً، همسات انتصارات قادمة لشعب العراق....
- من لم يكن منكم صداماً فليرم المالكي بحجر
- اصوات اليوم واصوات الأمس
- حول نقل التجربة بين مجتمعات مختلفة: مناقشات يسارية مع د.كاظم ...
- شروط نفي النظرية - مشاركة حوار اليسار كاظم حبيب – سيار الجمي ...
- إكشفوا اين اختفت المنحة النفطية الكويتية للأردن قبل توقيع ال ...
- العراق والأردن - ديون غريبة ومفاوضات مريبة
- العلاقة المخجلة للحكومة العراقية بالحكومة الأردنية


المزيد.....




- مدير CIA يعلق على رفض -حماس- لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار
- تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 %
- بايدن يتابع مسلسل زلات لسانه.. -لأن هذه هي أمريكا-!
- السفير الروسي ورئيس مجلس النواب الليبي يبحثان آخر المستجدات ...
- سي إن إن: تشاد تهدد واشنطن بفسخ الاتفاقية العسكرية معها
- سوريا تتحسب لرد إسرائيلي على أراضيها
- صحيفة: ضغط أمريكي على نتنياهو لقبول إقامة دولة فلسطينية مقاب ...
- استخباراتي أمريكي سابق: ستولتنبرغ ينافق بزعمه أن روسيا تشكل ...
- تصوير جوي يظهر اجتياح الفيضانات مقاطعة كورغان الروسية
- بعد الاتحاد الأوروبي.. عقوبات أمريكية بريطانية على إيران بسب ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - لا تدعوا جريمة البرلمان العراقي العنصرية تغور في ذاكرة العرب عن الكرد