أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهدى بندق - عرض لكتاب - يساريون في عصر اليمين-















المزيد.....

عرض لكتاب - يساريون في عصر اليمين-


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2196 - 2008 / 2 / 19 - 12:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


مذكرات رموز اليسار المصري في مرحلة التحول

المؤلف: د. محمد الجوادي
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب

بدء من عام 1979 كرس هذا المثقف الجاد أربعين كتاباً ونيف من مجموع مؤلفاته السبعين لدراسة فترة صعود وإنحدار الليبرالية المصرية في القرن العشرين, وذلك من خلال آلية محددة يعَّرفها علم الاجتماع بأنها: فن كتابة التاريخ أو استخدامه Historiography
والحق أن هذا العمل الضخم الذي اضطلع به الجوادي إنما كان استجابتً رائدةً للدعوة التي أطلقها كولن بل, وهوارد نيوباي للحد من الإسراف في الاهتمام بالقضايا الإبستمولوجية المتعلقة بهذا العلم, ذلك الإسراف المؤدي إلى تحجيم البحث الإمبريقي في القضايا ذات الطابع السوسيولوجي (الاجتماعي والاقتصادي والسياسي) ومن هنا جاءت أبحاث الجوادي في شكل استعراض نقديّ لمذكرات النخب الفاعلة من ناحية, ومن أخرى في هيئة قراءة تحليلية للسير الذاتية Memoirs للشخصيات المؤثرة جذرياً داخل الدائرة النخبوية: رؤساء وزارات, وزراء, قادة عسكريين, رجالات أحزاب, رواد فكر وأدب.... ألخ
ومن الواضح أن الدكتور الجوادي قد وضع لنفسه, ومنذ البداية, استراتيجية نصية هدفها دراسة تلك الفترة المفصلية في تاريخ مصر الحديث (فترة صعود وهبوط الليبرالية) كأحداث تم اكتمالها, ومن ثم صارت عملية كتابة تاريخها متاحة ً في مظهرها البياني, شريطة أن تُرتب مُدخلاتها ومخرجاتها في هيئة تعيد بناء الفترة موضوع الدراسة. وهو ما حققه فعلاً مؤلفنا الجوادي بامتياز, حتى أنه صار مستحقاً للقب مؤرخ السير الذاتية
Mr., Historiographer of Memoirs فضلاً عن استحقاقه لنيل جائزة مبارك, حيث صار الآن ترشيحه لها واجباً من واجبات أقسام التاريخ بالجامعات, فضلاً عن المؤسسات الثقافية مثل اتحاد الكتاب, ومكتبة الإسكندرية, والمجلس الأعلى للثقافة.. والجمعية التاريخية الخ. يزكيه في هذا الترشيح حصوله على جائزة مجمع اللغة العربية الأولى في الأدب عام 1978, وحصوله على جائزة الدولة التشجيعية في أدب التراجم عام 1982, وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2003 علاوة على إنجازه (مع أ.د. محمد عبد اللطيف) لذلك الأثر العلمي الثقافي الهائل "القاموس الطبي نوبل" والصادر في ثلاثة أجزاء, حيث يضم 60000 مصطلح بمقابلاته في الإنجليزية والفرنسية والألمانية, وهو ما لا يستبعد من رجل يتولى رئاسة تحرير أكبر مجلة طبية في مصر: المجلة الطبية المصرية الجديدة.

وفي تقديري أن الكتاب الذي نعرض له هنا (يساريون في عصر اليمين) الذي هو بالمناسبة أخر إصداراته, إنما يكشف بوضوح تام عن رؤية المؤلف لطبيعة الفترة الناصرية باعتبارها تواصلاً تاريخياً للاستبداد الذي أسماه مؤلفنا: اليمين. وهي رؤية تخالف ما روج له البعض من وهم شاع بين قطاعات عريضة من النخب الثقافية, كانت – وربما ما زالت – تنظر إلى تلك الفترة بحسابها تجلياً لليسار غير الشيوعي في عالمنا الثالث. ومن الإنصاف أن يُشار إلى أن هذا الخطأ قد وقع في سياق تحلل الفكر الماركسي اللينيني اعتبارا ً من رحيل ستالين 1953 والتحول عن الماركسية الأرثوذكسية الذي بدأه خروشوف السكرتير العام نفسه في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الروسي عام 1956 مما حدا بالكثيرين إلى إعادة ترسيم مصطلح اليسار بالهيئة التي ظهر بها أول مرة إبان الثورة الفرنسية, حين جلس النواب "اللبراليون" نواب الطبقة الشعبية – في ذلك الوقت - إلى يسار الملك لويس السادس عشر في أول اجتماع لممثلي الطبقات الثلاث (النبلاء – رجال الدين – العامة) أوائل عام 1789 وعشية انفجار الثورة.
غير أن اليسارية – في تطورها المصطلحيّ – لم تعد تشير إلى ذلك الوضع حسبُ, بل صارت تعبر عن اتجاهات فكرية وسياسية جد مختلفة في الزمان والمكان. فاليسارية في أوربا القرن العشرين تمثلت في التيارات والأحزاب التي تبنت الاشتراكية والديمقراطية ذات المحتوى الاجتماعي, لكنها كانت "مرض أطفال" بنظر لينين وثورة البلاشفة, وهي "اللبرالية"-بمعناها اللغوى الآن في أمريكا.
فإلى أي معنى قصد مؤلفنا حين صنف الناصرية في خانة اليمين؟ واضح أنه يتبنى المفهوم الأمريكي ذا المحتوى اللبراليّ, بالنظر إلى المعضلة الفكرية والسياسية التي تعيشها مصر منذ العصر الفرعوني وحتى الآن , أعني معضلة استبداد الحكومات, المتدرجة ضمن نموذج دولة الطغيان الشرقيٍstate of Oriental Despotism فالدولة – حسب تعبير ماكس فيبر – وهي "ذلك الجهاز الذي يحتكر القوة المشروعة داخل حدود إقليم معين" ولما كانت مصر الدولة قد ظهرت في التاريخ القديم تعبيراً عن إقليم جغرافيّ متماسك Concreet ذي وحدة هيدروليكية لا غش فيها؛ فلقد صار منطقياً أن يتمتع جهاز الدولة بأسباب الهيمنة ليس فحسب على مؤسساته الضرورية مثل الجيش والشرطة بل وأيضاً على النشاط الاقتصادي, والحياة الثقافية (الدين, التعليم, النقابات....الخ) غير مفسح ولو لمساحة ضئيلة لما يعرف اليوم بالمجتمع المدني. وبالطبع جرى ذلك في ظل ما يسمى بالنمط الآسيوي للإنتاج
Production Asiatic mode ofالذي يرتكز على معطيات ديموجرافية تحتم وجود حكومة مركزية قوية لدواعي الأمن والإنتاج المستقر.
غير أن هذا النمط الآسيوي. ما يلبث حتى يسم المجتمع بطابعه, فيغدو المجتمع جامداً Inorganic مفتقراً للحيوية, مذعناً للمتسلط بوصفه قدراً مقدراً. ويظل هذا هو الحال إلى أن تتغير أنماط الإنتاج, بأن ينتقل المجتمع من الاعتماد على الزراعة وحدها إلى مرحلة الإنتاج الصناعي, عندئذ يجد الناس فرصتهم لتغيير الثقافة السائدة, بإحلال ثقافة جديدة محلها, ويطلق على ذلك الانتقال المجتمعي مصطلح الثورة, وهو ما جرى بالضبط في الأعوام من 1919 إلى 1923 حيث تمخضت تلك الفترة عن ميلاد اللبرالية المصرية تعبيراً عن نضج المجتمع البورجوازي (المدني) واستعداده للحاق بركب التحول إلى النمط الرأسمالي في الإنتاج, ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, وآية ذلك أن تقسيم العمل الدولي – بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 1929 – استدعى أولاً قيام حرب عالمية جديدة, واستدعى ثانياً إعادة هيكلة السوق الرأسمالي العالمي بما يغلق الباب أمام الأطراف Peripheries حتى تظل بمنأى عن منافسة المركز الغربي في أمريكا وأوربا. فماذا كان على مصر أن تفعله إلا بأن تقوم "الدولة" باستعادة هيمنتها التقليدية تكديساً لمصادر القوة, وبحثاً عن أسواق موازية؟! ذلك ما يفسر إجراءات التمصير والتأميم ورفع شعارات الاشتراكية التي تغرطش على حقيقة نظام رأسمالية الدولة البيروقراطية.
ربما كان هذا هو سبب إعراض مؤلفنا عن تحليل مواقف ومذكرات قادة اليسار الشيوعي امثال محمود أمين العالم, ود. رفعت السعيد, ود. فتحي عبد الفتاح ود. مأمون البسيوني ممن كتبوا عن معاناتهم داخل المعتقلات وخارجها, ولو في هيئة أعمال أدبية, فمؤلفنا د. الجوادي أراد بكتابه هذا – أن يعرض لليسار غير الشيوعي بالمفهوم اللبرالي الذي أشرنا إليه آنفا ً. ولهذا اختار لكتابه أربعة من الأعلام ذوي التوجه اليساري (يسار السلطة من داخلها وليس من خارجها) ليدرس أدوارهم في صناعة القرار أو في تعديله أو حتى في إلغائه. فكان أن وقع اختياره على الدكتور محمد مراد غالب الذي شغل مناصب وزارية في العهدين الناصري والساداتي دون أن يفهم حتى معنى الطبقة! ثم الدكتور رشدي سعيد عالم الجيولوجيا الذي تولى رئاسة مؤسسة التعدين لعشرة أعوام أهدر فيها الملايين على مشروع فوسفات أبي طرطور. ثم د.حامد عمار استاذ التربية الشهير ذي الأخلاق البيورتيانية والمرتعب إلى حد الوسوسة من ذكر أجهزة الأمن! وربما لهذا داعبه د. الجوداي بأن :اشتغل" عليه كضابط أمن "لغوي" يضبطه متلبساً بالخطأ تلو الخطأ , مذكراً إياه بالصواب المفترض الأخذ به.
أما رابع الفرسان اليساريين فكان الدكتور عبد العظيم أنيس, وهو الوحيد بخلاف زملائه الثلاثة السابق ذكرهم الذي عاين تجربة الأعتقال قبل 1952, وعاينها ثانية في عام 1959 حيث ظل حبيساً ضمن الشيوعيين المنظمين- ربما نتيجة خطأ إداري من أجهزة عبد الناصر – فجاءه مذكراته حية مليئة بالمشاهد الإنسانية الأليمة, مثل مشهد مقتل شهدي عطية في اوردى أبو زعبل, ومشهد الإفراج عنه( عبد العظيم وليس شهدى طبعا ً ) بعد سنوات تغيرت فيها معالم المدينة إلى الدرجة التي كاد فيها يضل طريق العودة إلى بيته....الخ ومع ذلك تبقى هذه المذكرات خالية من إعمال الفكر الثاقب تحليلاً لطبيعة السلطة, ورسماً لمناهج العمل الثوري المطلوب لتحرر الطبقة العاملة من نير الرأسماليين. ومن ثم لا يمكن بحال مقارنة كتاب عبد العظيم "رسائل الحزن والسجن والثورة" رغم صدقه وسجنه الجميل, بكتاب أنطونيوجرامشي Gramsci "كراسات السجن" ذلك الكتاب التنظيري الهام والذي أمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من محنة مؤلفه الشخصية بآلاف الأميال. ولعل هذا هو ما حدا بالدكتور الجوادي للأزورار عن متابعة استفاضة عبد العظيم أنيس في شرح فظائع المعتقل معبراً عن ذلك بقوله: وهذا ما لانحب أن نكثر الكلام فيه. وهو امر طبيعي بالنسبة لمؤرخ يود أن يستخلص القمح من الزوان, وأن يستبعد الزبد ، مركزاً على ما ينفع.. والذي- وحده - يمكث في الأرض.



#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اضمحلال أمريكا وعلم المستقبليات
- حوارات مهدى بندق -9 - مع المفكر الفلسطينى الراحل هشام شرابى
- إعلان إسرائيل دولة يهودية استدراج للمسلمين إلى الحرب
- هل الإنسان مسير أم مخير؟!
- نظام الحكم الدينى يعذب حتى المتدينين
- الجديد في كتاب المصطلحات الدرامية لمحمد عنانى
- الفرصة التاريخية لأقباط مصر
- لبنان إمارة فارسية فهل تصبح دول الخليج ولايات أمريكية؟!
- قصيدة : مقام الفراق
- بيروت : طائر الفينيق الذى يحترق لينهض
- تعليق ثقافى على الحكم بسجن مواطنة قبطية
- الحوار المتمدن : استجابة رائدة لتحديات العصر
- الشاعر العربى يبحر نحو المستقبل - قراءة فى شعر خالد البرادعى ...
- المشروع الحداثى لجابر عصفور إلى أين
- وماذا بعد أن تسقط أمريكا ؟
- القصيدة في نشوء آخر .. قراءةفي شطح الغياب لمهدى بندق
- هل تقوم الحرب بين سوريا وإسرائيل ؟
- قصيدة : الخروج
- قصيدة : جاء دوري
- رشدى


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهدى بندق - عرض لكتاب - يساريون في عصر اليمين-