أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لمودن - قصة للأطفال: لو أن الحمار يدافع عن نفسه














المزيد.....

قصة للأطفال: لو أن الحمار يدافع عن نفسه


مصطفى لمودن

الحوار المتمدن-العدد: 2192 - 2008 / 2 / 15 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


كان لإدريس حمارٌ قويُّ العضلاتِ يساعده في جميع أعماله، طول النهار وهو إما يجرُّ عربة صغيرةً يجلب عليها إدريس أو ابنه يوسف الحطب أو الماء... أو تراه يجر محراثا خشبيا عتيقا، يقلب الأرض لتعطي منتوجا وافرا، والحمار يعمل بجدٍ وتفانٍ دون كلل أو شكوى، لا يتلقى أجرا عن عمله، لا يطالب بأي شيء، سوى ما يجود به إدريس أحيانا من حفنات شعير، أو حزمة من التبن يُجلب من الحقول على العربة الصغيرة التي يجرها الحمار نفسُهُ، أما بقية غذائه الضروري لاستمراره على قيد الحياة، وتوفير الطاقة الضرورية لجسمه، فهو من يسعى إليه عندما يطلقه من رباطه إدريس أو يوسف على أربع، فيسرح مرحًا بَيْن السواقي وفي المساحات الفارغة من المزروعات، ينتف بشدقيه نبتة من هنا ونبتة من هناك، وهو سعيد بذلك، مكتف بما هو عليه، إلى أن سمع يوما إدريس وهو في حالة غضبٍ شديدٍ يسب ابنه يوسف، ناعتا إياه بالحمار، والشرر يكاد يتطاير من عينيه، فتساءل مع نفسه، هل اسمي أنا الحمار يصلح للسب بين البشر؟ لماذا اسمي بالضبط ما يستعمل للقًَََدْحِ في كل من يثير حنق(*) الآخرين؟

أحس الحمار بظلم شديد، وقرر أن يدافع عن اسمه وشرفه، حتى يتوقف استعمال اسمه مقرونا بأقبح النعوت.

ما كدتُ أكمل كتابة هذه القصة حتى وقف بجانبي إدريس، توقَّفْتُ عن الكتابة، رفعت رأسي، فلمحتُ على وجهه تأجج الغضب، وهو يلتهم بعينيه الجاحظتين ما خططتُ على ورقة، ما أن انتهى من قراءتها بسرعة حتى ثار غاضبا وهو يصيح:

ـ كيف لك أن تكب عن حماري؟ هل تريد أن تألبه ضدي؟

وراح يخبط بكلتا يديه على الطاولة، حتى بدأت تتقافز أوراقي، لم أجدْ بُدًّا من الوقوف بدوري، قلت له بعدما تساوت قاماتنا:

ـ أنا مجرد كاتب أكره الظلم، بل أمقته، وأسعى ألا يبقى العمل به إطلاقا.

تراجع إدريس إلى الوراء، ونظر إلي شَزَرًا من أخمص قدميّ إلى قمة رأسي، كأنه يزنني بنظراته، أو هو يحاول أن يزن كلماته قبل إخراجها، ثم صاح بصوت مرتفع:

ـ كن ما شئت ولا تكتب عن حماري.

وأضاف بعدما خفّظ قليلا من حدة صوته:

ـ الحمار وُجِد للعمل والمشقة، وما دخلك أنت؟

قلت له بهدوء:

ـ طبعا ليس لي دخل، لن أنزع منك حمارك، ولن أدفعه ليرفع عنك دعوى لدى القضاء، فقط أُنبِّه الناس إلى مساوئ الظلم أينما كان....

قاطعني: ـ أكتب ما تشاء إلا عن حماري...

بدأ إدريس يستفزني بملاحظاته الكثيرة، ومحاولته التدخل فيما أكتب، هل يحق له أن يفرض علي المواضيع التي سأكتب فيها؟ أنا كاتب ولستُ مشَغَّلاً عنده، ولا مصداقية لأي كاتب يُخططُ ما يُمْلى عليه، حاولت أن أشرح له، بكل هدوء دور الكاتب في الحديث عن قيم العدل والتسامح والمساواة...لكنه لا يريد أن يسمع، قلت له:

ـ تصور لو أن كل هؤلاء الحمير الذين يشقون صباح مساء دُون رفع كلمة احتجاج سوى الشهيق بعد الشبع، تصور لو أنهم تنظموا وقادوا حركة احتجاجية ضد مستغلِّيهم، تصور لو أضربوا عن العمل، وقرروا ألا يستأنفوه إلا بعد تلبية مطالبهم العادلة في حرية التعبير والتنظيم والعمل في أوقات محدد قانونيا، وتوفير حقهم في الضمان الاجتماعي والتقاعد والتطبيب والسكن اللائق، والعطلة المؤدى الأجرُ عنها، تصور لو...

قاطعني بإشارة من يده، نظر مليا إلى الأرض، وقال:

ـ أنا إدريس أُحْسَبُ على جنس البشر، وليست لدي مثلُ هذه الحقوق التي تتحدث عنها، لكن يظهر لي أنني أكلّف حماري بأشغال كثيرة، أعدك بأنني سأخفف عنه جزءً من الأتعاب...

وانصرف بخطى متثاقلة، بينما أنا بقيت جالسا أسعى لإتمام قصتي، لستُ أدري كيف سأنهيها، هل فعلا سيطالب الحمار بحقوقه؟ هل سيتحدث في الموضوع مع رفاقه وزملائه الحمير؟
ــــــــــــــــ
(*): غضب
ـــــــــــــــ
الكاتب مشرف على مدونة: http://zide.maktoobblog.com/



#مصطفى_لمودن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدن صغيرة ومتوسطة أشبه بقرى كبيرة (المغرب)
- مراجعة أوضاع المراكز الفلاحية (المغرب)
- قرية بن اصميم تحتج من جديد على قرار تفويت الماء (المغرب)
- من قصده إهانة وزير سابق؟ (المغرب)
- من يؤكد سلامة لعب الأطفال في المغرب ؟
- يتهيأ المدونون المغاربة لتأسيس إطار تنظيمي خاص بهم
- عين على مهزلة
- قصة قصيرة: الحيرة
- قصة: تاء التأنيث المتحركة
- تأسيس جمعية العقد العالمي للماء بالمغرب (أكمي المغرب) خطورة ...
- حسين السلاوي، جرأة في التعبير وجدارة في الإبداع (من الفن الم ...
- المعروف على الرصيف!
- اسبانيا تستورد اليد العاملة النسوية من منطقة الغرب (المغرب)
- المعروف على الصيف
- أعمال شاقة وعائد هزيل
- قصة قصيرة: الحيرة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لمودن - قصة للأطفال: لو أن الحمار يدافع عن نفسه