أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - كفاح حسن - الأشجار تموت واقفة















المزيد.....

الأشجار تموت واقفة


كفاح حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2192 - 2008 / 2 / 15 - 10:44
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في وداع مام ره سول به ناوي
الأشجار تموت واقفة

وصلني في الإسبوع الماضي نبأ وفاة الكادر الفلاحي مام ره سول به ناوي في ناحية خليفان. لقد صعقني النبأ و أحيا ذكرياتي عن هذا الفقيد البطل، الذي وهب حياته من أجل الدفاع عن هموم الفلاحين الفقراء و المعدمين.

تعرفت على مام رسول في بارزان عند خريف 1983، عندما تجمعت هناك ما تبقى من قوات أنصار الحزب الشيوعي في محافظة أربيل. و كان الحماس يدب لدى الجميع للعق الجراح و الإنطلاق من جديد. و عند مقر محلية أربيل، إلتقيت بالشهيد توفيق حريري، كادر الحزب المحبوب عند جماهير سهل حرير، و الذي أغتيل غدرا في إحدى قرى حرير فيما عد من قبل عملاء السلطة. و كان معه نجله ديله (دلشاد) و مام رسول و الشهيد بروسك راوندوزي. و كان المرح يعتلي محيى الشهيد توفيق، رغم جراح عام 1983، و إستشهاد زوج إبنته الشهيد أزاد سه رسور (إبن شقلاوة المعدم). و كان الشهيد يتحدث بتفاؤل و تصميم على العودة في بناء منظمات الحزب الفلاحية في ده شت حرير و خوشناوه تي. و كان إعتماده كبيرا على مام رسول ، إبن دولي باليسان، الذي حفظ وديان و صخور و مرتفعات هذا الوادي.

و بعد عام جمعتني مع مام رسول و الشهيد بروسك و ديله مفرزة مشتركة شكلها قاطع أربيل و محلية أربيل للتحرك وسط قرى خوشناوه تي و باليسان من أجل تمتين صلاتنا بمنظمات الحزب في المنطقة ، و البحث عن طرق لتحرك مفارزنا بشكل بارتزاني لخرق الحصار المفروض ضدها بعد معركة سفين البطولية. وكان معنا في المفرزة أيضا الشهيد نوزاد عينكاوة و الصديق العزيز جاسم خيلاني و النصير المدلل آري شقلاوة (كاسترو).

لقد سلمنا لحانا بيد مام رسول، و تركناه ليتنقل بنا وسط قرى المنطقة في جو من المخاطر المتلاحقة. و كنا نتحرك في الليل و نختفي في النهار. و رغم ظروف المفرزة القاسية، إلا إن مام رسول لن يكل أو يتذمر من الصعوبات و المخاطر التي رافقتنا بشكل يومي. كما إنه كان مواظبا على إداء الصلاة في مواعيدها. و هذا أمرا كنا نحترمه و نقدره، رغم إنه كان أحيانا يصلي في أوقات كانت الدقائق مهمة جدا لنا لتجاوز مناطق الحظر.

و هنا أتذكر المواطن المسكين من العشائر البارزانية، الذي خاطبني مستفسرا عن موقع مقر الحزب في ريزان. فأجبته مستغربا حيث كان قادما من المقر. فقاطعني بغرابة تزيد عن غرابتي، حيث قال لي إنه كان في جامع و ليس مقر الحزب. فسألته عن سبب إستنتاجه ذلك. فقال لي بإنه شاهد عند باب المقر شخصان يؤ ديان الصلاة ( كانا مام رسول و مام مجيد كوي) و أما الحرس فإسمه حاجي مجيد. و عند المطبخ كان ملا عثمان (الشهيد توفيق من عينكاوة).

وفي مفرزتنا هذه كنا نسلك طرق جبلية وعرة ، لم يسلكها سوى رعاة الماعز. و في صباح اليوم التالي كنا نرى الطريق الذي سلكناه ليلا. و تعتلينا الدهشة بكيفية قطعنا لهذه الطرق ليلا، في وقت لا يجرأ أحدا على قطعها حتى في وضح النهار. و كنا مدينين لمام رسول لقدرته الفائقة على حفظ الطرق و الإتجاهات و محاكاة الطبيعة. فلقد رسخت خارطة المنطقة و طرقها في ذهن مام رسول منذ طفولته لإمتهانه مهنة الرعي التي علمته الإهتداء إلى مسالك الطرق ليلا. و لكون مام رسول فلاحا عاش هموم الفلاحين المعدمين، و تلظى بنيران الإقطاع. فكان حديثه مع الفلاحين طبيعيا و غير متكلف. كما و إن الفلاحين كانوا ينتظرون قدومه و سماع أحاديثه القريبة إلى قلوبهم.

لقد عمل أنصار قاطع أربيل بشكل جماعي و بطولي معتمدين على قاعدة جماهيرية واسعة في مدن و قرى أربيل. و رغم التضارب مابين عمل القاطع و محلية أربيل. إلا إن الجميع كان يشعر بالحاجة الماسة للعودة إلى الجماهير، و العمل وسطها، غير مبالين بالمخاطر المحدقة. إن التضارب مابين القاطع و المحلية يعود لكون عمل القاطع كان "علنيا" وسط جماهير المنطقة. بينما منظمات المحلية كانت سرية، و مشكلة من عدة خطوط متوازية ،هدفها حماية المنظمات من الضربات و الإندساسات.

وكان لطيبة القلب و الثقة العالية بالنفس مردودا سلبيا ، دفعنا ثمنه غاليا. حيث إستطاع المجرم مه مو إستغلال ذلك، و الإندساس في صفوف الأنصار، و منظمات الحزب في مدينة أربيل، و من ثم تسليم أنصارنا و رفاقنا في أربيل إلى السلطة، التي قامت بتصفيتهم جسديا. لقد فقدنا بخيانة مه مو و طيبة قلب خيرة كوادرنا في محافظة أربيل في عامي 1984 ـ 1985 حيث كان وقع هذه الضربة علينا أقسى من الضربة التي وجهها البعث لمنظمات حزبنا في نهاية السبعينيات.

لقد فقدنا الشهيد عباس آمر سرية أربيل، و قرابة ستين نصير و كادر كانوا مختفين في مدينة أربيل. ولايمكن تحميل مسؤولية خيانة ...... كادر أو شخص مححد في الحزب. بل إن الأمر يتحمل مسؤوليته معظم الكادر الحزبي و العسكري في المحلية و القاطع.

كما إن إستشهاد النصير بروسك راوندوزي مثالا آخر عن سلبية الثقة العالية بالنفس. حيث إستشهد عند قرية قنديل في مدخل كلي به خمه مع الشهداء شيدا (الحالم القادم من شقلاوة) و أحمد عرب (النصير العربي الذي يدخل القلب بطيبته و تواضعه) وأخ الشهيد محمد الحلاق و شهيد آخر من سرية الكوي. فلقد تم تكليف بروسك و رفاقه بنقل شخص مجرم من دشت حرير إلى مقراتنا في بارزان. و كان طريق المفرزة يمر عند كلي به خمه. و هناك يتم عبور الزاب عبر الكلك (إطارات تركتر تطوف على ماء الزاب). وكان أنصارنا في حالة من الإنهاك و التعب و الطيبة، فلم يتوقعوا من الشخص المعتقل أن يغدر بهم. فإستسلموا للنوم في إنتظار مقدم الكلك. و هنا إستغل المجرم ذلك و قام بتصفية الأنصار جسديا، و الهرب عائدا إلى مواقع السلطة العدوة.

و في صيف العام الماضي ، وقفت مابين صخور كلي به خمه، و كأنني أبحث عن بروسك أو شيدا أو أحمد عرب و رفاقهم. و كأنني أشم رائحة بارود طلقات الغدر و الحقد. و لعل النصير العزيز آري شقلاوة يتذكر تلك الليلة التي كنا فيها معا ننتظر الكلك لعبور الزاب. و إذا بنا نسمع أصوات مقلقة قريبة. فإنطلقنا نحو مصدر الصوت، فوجدنا أمامنا بعض من أفراد الجحوش مشغولين في تهريب بعض الأشياء. و عندما شاهدونا لاذوا بالفرار مذعورين، في نفس الوقت لذنا نحن بالفرار في الجهة المعاكسة.

و يثير إستشهاد النصير أحمد عرب في ذاكرتي هموم ثقيلة. فلقد إلتحق أحمد مع زميلين له في الدراسة الجامعية إلى مفارز الأنصار في أربيل، رغم إنهم لم يكونوا من العاملين في منظمات حزبنا في الداخل، بل إلتحقوا بالأنصار نتيجة لرفضهم لسلوك النظام الفاشي، و لتعبير عن حماسهم في رفع السلاح في وجه هذا النظام. و لم يبقى منهم سوى نصير واحد، لا أدري أين حل به الدهر.
فقبل إستشهاد أحمد عرب ، إستشهد زميله النصير آري (القادم من خانقين) في إحدى ربايا مقرنا في ئاسته. لقد إستشهد غدرأ بيد أحد أنصارنا في الموقع. و كان القاتل في وضع نفسي و عقلي متوعك، أدت به إلى إرتكاب جريمة القتل هذه. و لقد كنا في الموقع قادرين على حل هذه القضية بتنفيذ حكم الإعدام بالقاتل. إلا إن ضعف قيادة قاطع أربيل، و سفر آمر القاطع في مهمة حزبية نحو الحدود الإيرانية، أدى إلى إستغلال هذه الحادثة بشكل معاكس، و إستغلال الحادث لتصفية حسابات تتعلق بالخلافات التي دارت وسط قيادة الحزب و منظماته، بعد إنهيار التحالف الهش مع البعث.

فتم تفسير الحادثة على إنها محاولة لإستخدام السلاح من قبل أطراف موجودة داخل الحزب، و تعارض سياسة قيادته. و تطور الأمر إلى إعتقال عدد من الرفاق الأنصار في سجن للحزب في باران، و تعرضهم للتعذيب القاسي لإجبارهم على الإعتراف على إمور لم يقترفونها. و إستشهد تحت التعذيب الشهيد النصير منتصر. و بعد التذمر و الإحتجاج الذي أبداه الرفاق الأنصار في بارزان، تم غلق هذا الملف المحزن، و أطلق سراح الرفاق المعتقلين و تسفيرهم إلى خارج مناطق مقراتنا، و إعدام القاتل الذي إرتكب جريمة قتل الشهيد آري. و تم ذلك بعد عودة آمر القاطع إلى بارزان مع وفد من م.س بقيادة الرفيق سكرتير الحزب.

لقد كان عملي مع مام رسول مفيدا لي في التعرف على واقع و حياة القرى الكردية، إلى جانب تعلمي للتحدث باللغة الكردية. لقد هالتني الطيبة و النخوة التي يتمتع بها فلاحي المنطقة. كانوا يشعرون بالفخر عندما يجدون بين صففنا مسلحين عرب. و في إحدى المرات كنت مع أخي وضاح في بيت أحد الفلاحين ، حيث أصر على تزويج إبنته لوضاح. و عند إستفسارنا عن سبب إلحاحه، أوضح لنا بأن زواج إبنته من عربي سيكون ضمان له و لعائلته بملاذ آمن كلما هاجمت قوات النظام المنطقة.

و مثلما إستفدت من عملي مع مام رسول في تعلم اللغة الكردية و التعرف على مزاج و عادات أبناء القرى الكردية. حاول مام رسول الإستفادة من العلاقة معي لتعلم اللغة العربية، و التعرف على عاداتنا و تقاليدنا.

و جاء إنشغالنا بأعمال و مهام جديدة إلى أن نفترق. و حاولت خلال زيارتي لأربيل في الصيف الماضي زيارته عند قريته، إلا إن ضيق الوقت قد أعاقني عن ذلك.
سيبقى مام رسول شجرة باسقة يغطي ظلالها قرى باليسان..

كفاح حسن
شباط 2008
السويد





#كفاح_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شامي غريبون -عشاء الغرباء-
- مناجاة لفتى الفتيان
- أحلام كالأوهام..و أوهام كالأحلام
- الجموع تصيح ..إعدم!!؟
- من لم يمت بالسيف مات بدونه
- نفتح قلوبنا لنلقاك ياوضاح
- أستاذنا العزيز..وصلت الوصية، ولكن ما باليد حيلة! - تعقيب على ...
- في وداع النصير أكرم
- وضاح..كفاك جيلان محمولان على سفر!
- غادرتنا..لتسكن قلوبنا


المزيد.....




- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...
- النيجر: آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع نيامي للمطالبة برحي ...
- تيسير خالد : قرية المغير شاهد على وحشية وبربرية ميليشيات بن ...
- على طريقة البوعزيزي.. وفاة شاب تونسي في القيروان


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - كفاح حسن - الأشجار تموت واقفة