أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟














المزيد.....

من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2191 - 2008 / 2 / 14 - 12:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لو تباعدنا عن الحاضر، وتصورنا أننا نلقي نظرة عليه من بعد زماني كاف، نصف قرن من اليوم مثلا، لربما وصنا زمننا هذا بأنه الزمن الإسرائيلي. ليس لأن إسرائيل تتفوق على العرب أجمعين، الأمر الذي ينبغي أن يبقى أعجوبة رغم كل شيء، ولكن لأنه يبدو أن سياسات العرب في المشرق وتنظيمات دولهم "تأسرلت"، أي انجذبت كالمنوم مغناطيسيا إلى إسرائيل، ترفضها أو تقبلها أو تتحملها، لكنها تتصرف دوما بدلالتها، فغدت إسرائيل التافهة القطب الذي تدور حوله حياتنا السياسية والوجدانية كلها.
الثقافة ذاتها إما منشغلة برفض الواقعة الإسرائيلية والتنديد بها، أو برفض المقاربة السائدة الرافضة للواقعة الإسرائيلية؛ إما تدعو للحرب ضد إسرائيل أو للسلام مع إسرائيل، أو تشغل نفسها برفض محتدم لتلك الدعوة أو هذه، فتدور هي الأخرى حول المحور الإسرائيلي.
ألم نصنع إسرائيل إذن؟ ألا نسهم بفرط انشغالنا بها في صنع السحر الإسرائيلي والانسحار به؟ ألا "نتأسرل"، سياسة وثقافة، بهذا الدوران المستمر حولها، فنغدو سندا لها ولدوامها من وراء توهمنا مقاومتها؟ ألا نبدو كمن أدمنوا السّكْْرة الإسرائيلية، لا يصحون منها ولا يستغنون عنها؟
أتكون إسرائيل حاجة لنا قبل أن تكون عدوا فرض نفسه علينا؟ أكنا سنخترعها لو لم توجد؟ وإذا كان مفهوما أن تحتاج نظم استبدادية لدينا إلى "عدو قومي" كي يحوز استبدادها شرعية لا يحوزها من مصدر آخر، أتكون حاجة قطاعات واسعة من المثقفين إلى "العدو الإسرائيلي" من الصنف نفسه: توفر لهم فرصة نادرة لا تتوفر من مصدر آخر لإثبات فائدتهم ووطنيتهم؟
ألا يبدو أننا استسلمنا لاحتلال إسرائيل لنفوسنا وضمائرنا من وراء تثبتنا المفترض على مقاومة احتلالها لأرضنا؟ بل ألا نكون "عملاء لإسرائيل" مجانا بقدر تمركزنا حولها وتمكينها من احتلال أرواحنا؟ وأي الاحتلالين، يا ترى، أخطر: احتلال الروح أم احتلال الأرض؟
لكن ما إسرائيل هذه التي نجحت في ذلك كله؟ ما مصدر فتنتها الجبارة هذه؟ ليست إسرائيل في واقع الأمر غير اسم آخر لما هو متراكم لدينا من تأخر واستبداد وزيف وسطحية وكذب وهشاشة. هي اسم الذريعة التي ننتحلها لتجنب مواجهة الذات وإصلاحها. لعله لذلك ربما يفيد أن نميز بين إسرائيلين. إسرائيل اليهودية التي قامت قبل ستين عاما في أرض فلسطين. وهي دولة قوية، لكنها دولة مثل غيرها، لا شيء سحريا أو غيبيا بشأنها. وما توكيدها أنها وجدت لتبقى غير تعبير عن شعور دفين يتملكها بأنها طارئة عابرة. وإذ تتصرف بعدوانية وعنصرية وطيش، تكشف عن هشاشتها وغربتها عن المنطقة. أما إسرائيل الأخرى، فهي سحر وجبروت وتفوق، لها ألف ذراع، وعقل يستوعب العالم كله، وتنصر بالرعب، ولها قدرات شيطانية على السيادة على الزمان والمكان والنفوس. إسرائيل الأخيرة هذه من صنعنا مئة بالمئة. من سوء تدبيرنا، ومن حيرتنا وعجزنا، وبالخصوص من هشاشتنا النفسية والروحية التي تهرب من مواجهة ذاتها إلى التخوين والتكفير، فتجعل من العدو الغادر ومن الشيطان الرجيم مركزا لذات لا مركز لها في داخلها، ولا ينتظم عالمها من دونه. لكنها مصنوعة أيضا من حاجتنا إلى تحمل إخفاقنا المتمادي. فإذا كانت إسرائيل على هذه الدرجة من الجبروت والدهاء فإن كرامتنا لا تهدر كلها حين نخسر أمامها. بيد أن الهروب من مواجهة الذات والخشية من فراغ الذات المنخورة هذه، هو ما يفسر في آن إخفاقنا العريق وردود أفعالنا الهوجاء والعنيفة ضد إسرائيل والعالم، ردود أفعال لا تسهم إلا بمزيد من غرقنا في تاريخ ضحل ومن هشاشتنا ومن تعزيز المركزية الإسرائيلية في العالم وفي نفوسنا بالذات.
لقد احتلت إسرائيل أراضي عربية، بيد أنها بفضل سلطات رثة وأنانية احتلت سياساتنا أيضا. وبفضل مثقفين من صنف الأنظمة هذه تحتل ثقافتنا ووعينا. ولقد كانت تحتل فلسطين، لكنها اليوم تحتل الفلسطينيين أيضا. "أسرلتهم"، فصاروا يعملون ما تشتهي مثل المنومين مغنطيسيا.
إن أول التحرر من إسرائيل هو التحرر من "الأسرلة"، أي من المركزية الإسرائيلية. وهذا فعل ثقافي ونفسي وأخلاقي عسير، نقوم به ضد أنفسنا أولا. فعل ثوري نتحرر به من إسرائيل الثانية، الأمر الذي سيفتح الطريق مستقيما إلى التحرر من إسرائيل الأولى. وليس من الضروري أن يأخذ التحرر هذا شكل "تحرير فلسطين"، بل لعل من الضروري ألا يأخذ هذا الشكل. أكرم وأنبل وأعدل لأنفسنا وللعالم، ولليهود أنفسهم، أن يأخذ شكل وطن مفتوح للعرب والإسرائيليين، لليهود والمسيحيين وللمسلمين.
ومثلما هناك إسرائيلان ثمة فلسطينان أيضا. فلسطين التي احتلتها إسرائيل على دفعتين قبل ستين وقبل أربعين عاما، وفلسطين كاسم محتمل للسداد والكرم والشجاعة والقوة الأخلاقية. فلسطين الأخيرة هذه تحوز منها إسرائيل، رغم عنصريتها وعدوانيتها، أكثر مما نحوز.
وبقدر ما نجترح فلسطين هذه سنقترب من فلسطين تلك. وهذا لا يقتضي مواجهة تكاد تكون مستحيلة اليوم مع إسرائيل، بل فقط مواجهة صعبة مع الذات. فتحرير فلسطين مثل التحرر من إسرائيل، شيء نفعله لأنفسنا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية
- نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية
- إيديولوجيات السوريين وصعود الجيوسياسي
- الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وحدٍّ له
- في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟