أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا حسين - كيف سنمشي خلف النعش؟ ل ماركوس أورتس*














المزيد.....

كيف سنمشي خلف النعش؟ ل ماركوس أورتس*


ليندا حسين

الحوار المتمدن-العدد: 2191 - 2008 / 2 / 14 - 09:52
المحور: الادب والفن
    


كانت جدتي تسكن في الطابق السفلي لبيتنا، وحين أفكر بمنزلها أتذكر أول ما أتذكر تكات ساعة المطبخ، وأتساءل لماذا تكون تكات الساعات بهذا الصخب في منازل العجائز.
حين كنت صبيا كنت كثيرا ما أقرأ لجدتي، لأن عينيها كانتا ضعيفتين جدا. كنت أحيانا حتى أصلي معها صلاة المسبحة. كانت تجلس دائما إلى الطاولة على نفس الكرسي مؤمنة بكل جوارحها بما كانت تتلو في صلاتها.
ماتت في أحضان العائلة. كانوا هنا جميعا، إلا أنا. أنا كنت قد انتقلت للتو وسكنت بعيدا في فرايبورج. العم يوسف قرأ ـ بينما كانت تحتضر ـ من كتاب الصلوات. وجاءت الجملة التي تقول: "ارحمنا يا رب". ثم تلاها بين قوسين توجيه يقول: ثلاث مرات. هذا كان موجها بالتأكيد للمبتدئين من الذين يرتادون الكنيسة، ويعني أنه يجب على المرء أن يردد:" ارحمنا يا رب، ارحمنا يا رب، ارحمنا يا رب". إلا أن عمي يوسف كان من الذين يترددون على الكنيسة، وأنا لم أفهم لماذا بدلا من " ارحمنا يا رب، ارحمنا يا رب، ارحمنا يا رب" قال: "ارحمنا يا رب ثلاث مرات" كلهم ضحكوا ـ هكذا حكوا لي ـ أو حاولوا كتم ضحكهم، وهنا ماتت جدتي.
أنا أحب هذه الحكاية جدا، لأن تصوري بأن الجدة قد لفظت نفسها الأخير وسط الضحك يخلف فيّ شعورا مريحا، كما لو أن أحدهم بهذا قد اقتلع سنا من فم الموت.
حين وصلت البيت، كانوا يعقدون اجتماعا. إذ أن الموت يجر خلفه تفاصيل لا تنتهي. وبالنسبة لي لم يكن واضحا ما الذي يجب القيام به، وأية تفاصيل يجب الاعتناء بها والتخطيط لها: كتابة وإرسال البطاقات، إجراء الاتصالات، توزيع المهام، شراء التابوت، حفار القبور، قس، قبر، وشاهدة القبر. جلست صامتا هناك، والغرفة عجت هكذا فقط بالحمى والضجيج: الموت كان هنا، لكن أحدا لم يكن يريده.
عن مراسم الجنازة تحدثوا. اختاروا الأناشيد، النصوص، ماذا كانت تحب؟ ماذا يلائم المناسبة؟ ( أنا اقترحت عليهم: "القبر فارغ، المسيح قام". هم قالوا: لا تكن قاتما) أي من صلوات الشفاعة؟ أية تلاوة؟ ماذا يكتبون على ورقة النعي؟ أية صورة؟ وجاء السؤال: "كيف سنمشي خلف النعش؟"
لم يبد أي أثر للانزعاج، سؤال عادي جدا. لم يرفع أحد الصوت، أحدهم قال: أولا أبناء المتوفاة (الإخوة الأربعة) ثم أزواج الأولاد، ثم الأحفاد ثم الناس. عمي يوسف سأل في أي ترتيب يجب أن يمشي الإخوة خلف النعش، أيمشي الإخوة أولا ثم الأخوات، أم يمشي الجميع في صف واحد؟ قال أحدهم الأفضل تشكيل صف من أربعة أشخاص. رفع عمي هاينرش إصبعه وسأل إن كان ليس من الأفضل أن يمشي الإخوة الأربعة جنبا إلى جنب مع أزواجهم؟ قال أحدهم: هذا ليس اقتراحا سيئا، لكن لن يتسع الصف الأول خلف النعش لثمانية أشخاص: بحيث قد يحدث أن يمشي الصهر أو الكنة قبل واحد من الأبناء، وهذا سيبدو طبعا غير لائق. والسيدة شيرجر؟ (أعز صديقات الجدة) حك أحدهم رأسه. هل يجب أن تمشي وسطهم؟ لا، هذا سيبدو بالتأكيد غير مناسب، قال أحدهم، هي في النهاية ليست فردا من العائلة، والأفضل أن يكون مكانها خلف الأحفاد، مباشرة خلفهم. والعمة ماريا؟ (أخت الجدة) سألتُهم. لا..لا، قال أحدهم وهز رأسه، إنها ميتة من زمان. أخ، قلت. حقا؟ منذ ثلاث سنوات، جاء الرد. بعد ذلك قلت محاولا قدر الإمكان أن أبدو جادا، بأنني لست راضيا عن مكاني في الصف الأخير (بالترتيب العائلي). أنا عشت معها تحت سقف واحد، كثيرا ما قرأت لها، وكنت حتى أصلي معها صلاة المسبحة. أنا لي الحق بأن أكون في الصف الأول. وإذا تعذر هذا فعلى الأقل في الصف الثاني مع الأزواج. قلب أحدهم المسألة على كل الأوجه، وقال أن بقية الأحفاد قد يطالبون بنفس هذا المطلب، لا، قرر أحدهم، علي أن ألتزم بالترتيب المتفق عليه، هم متأسفون لأنهم لا يستطيعون فعل شيء حيال هذا. عمتي إرمجارد قالت أنها لا تود حقيقة أن تكون مباشرة خلف النعش، بل تماما في مؤخرة الموكب، وحدها، سيكون ذلك أفضل بالنسبة لها. لكنهم ارتأوا أن هذا لا يجوز أبدا. عمتي يجب "بكل الأحوال" أن تمشي خلف النعش، مثل بقية الإخوة، لأنه بغير هذا قد يفكر الناس أن هناك مشاكل عائلية. لا، يجب أن يمشوا خلف النعش، ولا نقاش حول هذا الموضوع. قلت لهم من الممكن تحديد الترتيب خلف النعش بالقرعة. ثم تركت الغرفة.
ودعت جدتي، ولأجل هذا كان يجب أن أزورها في المشرحة. كانت تلك هي المرة الأولى والوحيدة التي أرى فيها شخصا ميتا. هي لم تكن تتحرك، وأنا قلت شيئا ما قبل أن أعود أدراجي. لم أذهب إلى دفن جدتي، ولا أعرف حتى اليوم بأي ترتيب مشوا خلف النعش.

* ماركوس أورتس كاتب ألماني شاب من مواليد 1969، والنص عن مجموعة قصصية تحمل نفس العنوان، الطبعة الأولى عن دار شوفلينج (فرانكفورت 2001)

الترجمة عن الألمانية: ليندا حسين



#ليندا_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن قتل النساء.. عن قتل مجتمع
- وجهي الحزين هاينرش بول
- الانترنت تنجح مجددا بإغواء الروائيين.. ( ينفع لريح الشمال ) ...
- هه يسوع.. هه بوش
- فيلم - العطر- للألماني توم توكفر.. إدانة صريحة لقطيع البشرية ...
- الرجل السيء في لوحة الموزاييك
- الانفصال في علاقة نساء سوريا برجالها
- علي رطل
- رغم الإرهاب الإسلامي: عدد الألمان الذين يدخلون الإسلام تضاعف ...
- أقدام حافية


المزيد.....




- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- صدور ديوان الغُرنوقُ الدَّنِف للشاعر الراحل عبداللطيف خطاب
- صدر حديثاً رواية - هذا أوان الحبّ- للأديبة الفلسطينية: إسرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا حسين - كيف سنمشي خلف النعش؟ ل ماركوس أورتس*