أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - صديقي : حسب الشيخ جعفر















المزيد.....

صديقي : حسب الشيخ جعفر


خالد السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 679 - 2003 / 12 / 11 - 05:17
المحور: الادب والفن
    


أنا عائدٌ (والطُرقُ تُقعرُ كالعشايا
وبلا جوازٍ أو هدايا)
ضيفاً أدُقُ عليّ بيتي..
‎‎‎. . . .
وأنا إلي قدحي أعودُ مُسارعا
وغطاءُ طاولتي البقايا من مقال
أتفحّصُ التاريخ سطراً مائعا..
‎‎‎. . .
كم قد صحبتُ أبا نواس
(وأنا أحدّقُ في المرايا)
في القعر من كاسٍ لكاس..
 

حسب الشيخ جعفر
" من قصيدة يا صائداً وطواط حرف "

 

نال الشاعر المبدع حسب الشيخ جعفر جائزة  العويس الادبية للشعر لهذه السنة 2003 ، وهو حدث ،  عدا كونه امرا مفرحا ، فانه يؤشر ايضاً الى حضور الشاعر المييز ومكانته في المشهد الثقافي العربي .
ادناه محاولة لرسم صورة قلمية لحسب : الانسان ، والمثقف ، والصديق ؛ تاركا المجال للكلام عن شاعرية حسب ومنجزه الشعري الى النقاد المختصيين .
اعرف " حسب الشيخ جعفر " منذ عقود ، وبالتحيد من بداية الستينات ، اذ جمعتنا مدينة موسكو معا – هو الاتي من قرى العمارة ، وانا القادم من مدينة صغيرة من اعمال الكوت ...وبسبب تقاربنا في السن ، وكذلك بسبب تقارب مرجعياتنا الفكرية ، وحبنا للثقافة بكل تنويعاتها ، فقد نشأت صداقة حميمية منذ اليوم الاول الذي تقابلنا به !
وازداد اعجابى بحسب ، وتعاطفي معه ، وفخري به عندما كنا نلتقي مرارا بصحبة غائب طعمة فرمان وعبد الوهاب البياتي وكثير من الشخصيات العراقية الثقافية المرموقة ، المقيمة وقت ذاك في العاصمة السوفيتية .
 واذكر جيدا اللقاء الذي نظم بعيد فاجعة 8 شباط المشؤومة من عام 1963 على مدرجات متحف " البولتكنيك " في موسكو والذي شارك فيه الشعراء الجواهري والبياتي .. وحسب الشيخ جعفروغيرهم من المثقفين العراقيين ، بالطبع كانت الاجواء ، واللحظة الراهنة ،  والحدث ،  والمكان ،  كلها تعمل عملها لصالح الجواهري وشعره الخطابي التحريضي المباشر ، بحيث ان اكفنا " احترقت " جراء تعاقب  سلسلة  من التصفيقات المدوية التى صاحبت قراءة الجواهري لقصائده ، واستجابة لشعره وطريقة القاءه المعبرة ، ذلك الالقاء المنطوي على التكرار والفخامة والايقاع السريع ، والشد والترقب والمباغته الكلامية ، الامر الذي حدا بسكرتير اتحاد الادباء السوفيت  وقتذاك ، والذي كان حاضرا ، بصفته الجهة الراعية للاجتماع  ،الى ربط حرارة القاء الشاعر و" هياج " تجاوب القاعة ( رغم عدم فهمه لمغردات اللغة التى تدور بين الشاعر ومتلقيه ! ) مع اجواء الندوات الفريدة والصاخبة  التى كانت تنظم بحضور الشاعر ماياكوفسكي وشعرة الثوري الطليعي  على ذات  المدرجات  بعينها .
وفي تلك الاجواء المشحونه بالعواطف الجياشة ، وقف صديقي الشاعر حسب ،  ليكلم الجمهور بمفردات  " مابعد حداثية "  تضئ المغزي الدلالي لمعناها ، وتحاول ان  تستدعي الفواجع الانسانية العديدة التى شهدها التاريخ  البشري ، للتذكير بحدث المأساة العراقية  ومن ثم ليربطها       " بتناص " متعمد ،  مع مثيلاتها التراجيديات الانسانية الكبرى الاخرى !
بالطبع ، كانت الصورة مختلفة ومغايرة تماما بين الشاعرين في كل النواحي ، لكنها من جانب اخر ، قدمت " حسبا" كشاعر مجد ، يقف برسوخ مع ممثلي اعمدة  الشعرالكلاسيكي والطليعي .
.. في موسكو ، كنا نسكن في اقسام داخلية ، حالنا حال جميع الطلبة الاجانب ، وكان لكل كلية او جامعة  اقسامها الخاصة بها ، كنت ازوره في قسمه الخاص بمعهد غوركي ، كان يسكن معه طلاب اجانب من دول مختلفة ، هم ادباء المستفبل ،  وكان من ضمنهم طلبة من اليمن والسودان ، وكان يحذرني  دائما من مشهد قناني الفودكا الفارغة التى ستتطاير حتما فوق رؤسننا اثناء "حوارات" الطلبة السودانيين التى تتناول  شؤون الادب والثقافة ...والسياسة بالطبع !
في عام 1965 كنت الشاهد العربي الوحيد لمنح الشاعر العراقي المميزشهداة الماجستير في الاداب  من معهد غوركي المعروف عالمياً ، وحرصت بشكل خاص ان اساهم في تلك المراسيم الثقافية والعلمية المفعمة بالاحاسيس ،/ عندما يقف الشاعر لاخر مرة ..كطالب ، امام لجنة خاصة تمنحه الدرجة العلمية بعد انتهاء الدراسة واجتيازه لاختبارات عديدة . بالنسبة الى الاخرين تمثل هذه اللحظات مناسبة مهمة تحفظها الذاكرة : لحظة التحول من طالب علم .. الى مختص باختصاص معين  تكرسه شهادة علمية معترف بها قانونيا وعلميا ً ، وكما هو متوقع فقد خصت القاعة بجمهور غفير من اصدقاء الخرجيين وعوائلهم  ، فاليوم هو يوم منح الشهادة علنا لادباء المستقبل ، ومن ضمنهم حسب الشيخ جعفر . كانت الاستاذة المشرفة على دراسة حسب  قلقة ومتوترة قليلا من ان  لحظة التخرج  ستمر من دون ان يشهدها احد ، من اصدقاء ومعارف الشاعر الغريب ! 
وبدخولي الى القاعة التى كانت تجري بها مراسيم المناقشة الاكاديمية ، و" بسمرتي " الواضحة ووجهي المميز الذي يشي بانتسابي الى بلدان شبيه لبلد الشاعر الغريب ، تنفست الاستاذة الصعداء < حسب ما رواه لي حسب بعدئذ > ، من ان اللحظة التاريخية التى ستمر تواً سيقبض عليها وستسجلها الذاكرة ، لتعيد انتاجها مرة اخرى بعد حدوثها ،  قبل ما يقارب اربعة عقود مضت!
ينبغي ان اعترف بان مشروع الشاعر االشعري الذي كرس حسب حياته لاجله لم يكن مفهوما لدي تماما  في بدء تعارفنا ، اعرف انه شاعر ، وشاعر مجد وطليعي ، ومبتكر .. ولكن ماهي حدود ابتكاره ، ماهي ادوات طليعيته ، لم يكن ذلك واضحا لي في تلك الايام ، وهل هذا يهم ؟ فانا دائما ، كنت ولازال احتفي بالانسان المبدع ، ايا كان ابداعه ، فبل ان احتفي بنوعية ابداعه ، من هنا ،  فقد كنت انظر الى حسب وانجازه الفني  كانسان قريب وصديق اولا ، بكل تميزه الانساني .. ونواقصه الانسانية .. ايضاً ؛ ولهذا فقد حافظت على صداقته طيلة هذه الفترة الطويلة ..
في المرات العديدة التى تجمعني لقاءات  مع حسب وغائب طعمة فرمان وجلال الماشطة ، كنا جميعا نفهم صمت حسب الخفيض ، وشروده الدائم ، كنا نعرف بانه في عالم اخر ، عالم الشعر  الذي ينتمي اليه بكل  نزوعه واحاسيسه .
في بغداد ، وبعد ان انهينا دراستنا في بلد الشمال ، شاهدته ، صدفة ، : رجل ملتح ، بنظارات سوداء ، ضعيف البنية ، وبسروال جينز ، اخبرني بان هذه الهيئة ضرورية للتمويه من مراقبة شرطة الحكم العارفي ، فقد كان مطلوباً  ، ليس لانه اقترف ذنباً ما ، ولكنه مطلوب كونه ظل وفياً على طول الخط لقناعاته ومبادئه التى ينتمى اليها ، القناعات والمبادئ التى كانتا حاضرتين بوضوح كخلفية زاهيه،  لونت منجزه الشعري ، وصاغت اسلوب حياته  في التعاطي مع ذاته  ومع الاخرين. ورغم ظلم وجور وبشاعة الحكم الدكتاتوري الاستبدادي البعثي ، ومحاولة ازلامه النيل من الشاعر المجد ، فقد ظل حسب الشيخ جعفر ، محتفظا لنفسه بمسافة بعيدة عنهم وعن توجهاتهم ، عازفا عن مغرياتهم وعطاياهم المسمومة ، رافضا المشاركة  في اعمالهم الشعبوية الفجة ،   متوجا  هذا الرفض بخطوته الجريئة في الخروج من العراق ، ومن ثم ليتهم بشتى التهم من قبل سلطات الحكم البائد للنيل من عزيمته، وحرمانه من حقوقه المدنية العادية .
.. وتجمعنا الصدفة ، مرة اخرى ، في عمان ، المدينة التى وصل اليها تاركا بلده وعائلته . في عمان ،  كان يدرك تماما من ان خطوته في الخروج من العراق ستكلفه الكثير ، وكلفته الكثير !..
كنت ازوره في "مسكنه " ؛ وكلمة "مسكن " – هنا مجازية ، فهي لا تعكس معنى النزل بمفهومه الدلالي ، ولئن  حدد المعمار العا لمي " لو كوربوزيه " < العمارة > بانها " الفضاء المحصور " ، فان عمارة " مسكن " حسب " العماني الاول  ، كان فضاءا مفتوحا واسعا  لبستان اشجار، وفي هذا البستان ثمة مكان < مكان ، لاغير > لنوم حسب ، وصحبه  الابرار ! ورغم قسوة الظروف التى مر بها ، فقد كان معتزا كثيرا بصوابية خطوته الشجاعة في اعلان احتجاحه ورفضه للنظام الاستبدادي البائد !
كان يفرح كثيرا عندما ازوره ، واحس بانه يستدعي بحضوري في تلك المدينة الغريبة عليه ، مسار حياته المتعب والمضني ، ذلك المسار الذي واكبته منذ ايام موسكو الاثيرة لديه ، والى هنا  ،في عمان . كان يعتز كثيرا في الزيارات التى اشاركه فيها  الى دار سعدي يوسف ؛ كان يعتبرها اوقاتا ممتعة ، تزيل عنه عسر و شظف الحياة العمانية القاسية الموحشة التى كان  يعيشها وحيدا ، في غرفة منزوية ، كنت ، وانا المعمار ، اشعربنوع من الحيرة ، عن آهلية " البعض " في تصميم هكذا احياز ؛ فالوصول الى غرفة حسب يتم عبر الصعود الى الطابق الثاني ، ثم الخروج الى السطح ، فالنزول الى الارضي من خلال سلم اخر منزوي للوصول الى الغرفة ؛ الغرفة التى تحتوي على طاولة تغطيها صفيحة لجريدة قديمة ، وكتب .. قليلة .. وثمة قنينة حاضرة دوما في احدى زوايا الغرفة ، ادرك انها سلوته ، في وقت لا احد يسليه !
دائما ، كنت اتساءل ، وانا انظر اليه ، في لقائتنا العديدة والتى كنت اصغي الى صمته وشروده ، هل ان قدر الانسان  العراقي المبدع الحقيقي ، ان  يظل بائسا ، ومدقعا ، ومعدما ، ومعوزا ؟ واذا كان ذلك حقاً ، وهو ما ابتلى به كثير من المبدعيين العراقيين ، وبضمنهم حسب ، فان ذلك ماهو الا : لعنة ؛ لعنة لا احد يعرف مصدرها ، والكل تحاول ان تتناساها وتتغافل عنها ..
فهل تضع الايام القادمة حدا ونهاية " لطرفة " لعنـة الابداع العراقيـة ؟..
.. نتمى ذلك  ؛ ولحسب الموفقية والسعادة ... والشعر الجميل .   

معمار ، واكاديمي عراقي



#خالد_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - صديقي : حسب الشيخ جعفر