أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قصة قصيرة: ضاحية التيه














المزيد.....

قصة قصيرة: ضاحية التيه


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2185 - 2008 / 2 / 8 - 11:50
المحور: الادب والفن
    


رأيا المجنزرة واقفة في مدخل الزقاق، أمامها جندي يحمل بندقية، وفوقها آخر يمسك بالرشاش الكبير.. قال الأب؛
ـ لنذهب من الجهة الأخرى.
في نهاية الزقاق عبرا الشريط الضيق الجاف لصق الحائط.. كاد الولد يسقط في بركة الماء التي تتوسط الشارع وتمتلئ بالصفائح وزجاجات البلاستك وأوراق الشوكولا.. نبهه أبوه لئلا تنزلق رجلاه، وحمل عنه حقيبته.
ـ على كيفك.
فوجئا بمجنزرة ثانية في الشارع الخلفي.. سار الأب ملتقطاً يد الطفل.. طلب الطفل حقيبته بإشارة من أصابعه.. قال الأب:
ـ خلها.
ولم ينظر إلى الجندي الجالس وراء رشاشه الكبير، لكن الطفل حدق بالمجنزرة.. أعجبه الرشاش وخوذة الجندي.. غمز الجندي، ورطن بكلام غريب لم يفهمه الأب وابنه وضحك، إلاّ أن الطفل لم يستطع الابتسام.. سارا بمحاذاة المجنزرة وتلفت الطفل إلى الجندي الذي تشاغل عنه الآن.. قال الأب:
ـ امشِ.
وبدا كأنه يجر الطفل الذي لم يحد بنظره عن هيكل المجنزرة ورشاشها وخوذة الجندي.. عاود طلب حقيبته بإيماءة من أصابعه.. قال الأب:
ـ حسناً، خذها.
علّقها الابن على ظهره وهو يخطو بسرعة ليجاري أباه في خطواته الواسعة.. دخلا زقاقاً مجاوراً.. وجدا مجنزرة ثالثة عند نهايته..أشار الجندي الواقف أمامها؛ أنْ عودا.. عادا إلى الشارع الخلفي.. قال الأب:
ـ قد نجد زقاقاً سالكاً.
في الزقاق الثالث والرابع والأخير لم يسمح الجنود الواقفون أمام المجنزرات لهما بالمرور.. كانا قد وصلا نهاية الشارع الخلفي.. كانت الأزقة خالية من الناس الاعتياديين الذين تضج بهم في مثل هذا الوقت من النهار في كل يوم.. قال الأب:
ـ لعلهم أعلنوا حظر التجوال. قد نضطر للعودة إلى البيت.
لم يعلّق الطفل بشيء.. وصلا قريباً من المجنزرة التي عليها الجندي صاحب الرطانة والكلام الغريب والضحكة.. هز لهما سبابته طالباً منهما التراجع.. حاول الأب أن يُفهمه أن بيته قريب، في هذا الزقاق عينه.. لم يفهم الجندي، أو ربما فهم لكنه ظل مصراً على رأيه.. قال الأب:
ـ أين يمكننا أن نذهب الآن؟
ومسح عرقه بمنديل أخرجه من جيبه، وقال الطفل انه عطشان.. كانت الشمس تصعد بتؤدة حارقة في قوس السماء.. قال الطفل:
ـ لنقف في الظل.
قال الأب:
ـ قد يحسبوننا معادين ويطلقون النار.
ـ إذن ماذا سنفعل؟
ـ سنروح ونجيء حتى يغادروا.
وخطر له أن فكرته هذه غير صائبة فرواحهما ومجيؤهما سيجعلهم يشكّون.. سأل الطفل:
ـ ومتى سيغادرون؟
قال الأب:
ـ قد نجد مكاناً ملائماً لا يجدوننا فيه، وهناك نبقى حتى ينسحبوا.
ـ قد لا يكون هناك ظل.
ارتفعت الشمس وعثرا على نصف هيكل بناء بين دارين.. دلفا إلى الداخل.. كان مملوءاً بالنفايات..زكمت رائحة العفونة أنفيهما وهما يجلسان في العتمة الظليلة. وحيث خفتت سطوة الضوء عرف الأب كم هو شاحب هذا الطفل، مكدود في العطش والجوع.. مد رأسه ليرى إن كانت المجنزرات قد انسحبت.. قال:
ـ ما زالت هناك، لكنها في الليل لابد أن تنسحب.
سأل الطفل:
ـ هل سنبقى هنا إلى الليل؟.
لم يرد الأب،أردف الابن:
ـ وهل حقاً ستنسحب؟.
ارتعشت شفتا الأب ولم يحر جواباً.. بعد نصف ساعة قال:
ـ لم أعد أطيق الرائحة، سنخرج إلى الأرض الخلاء خلف الحي. ونلتف علنا نصل المدرسة.. تأخرنا.. لا بأس.. سيتفهم المدير الأمر.
كانت الأرض الخلاء حقلاً شاسعاً.. مشيا بين أعواد النباتات الجافة قبل أن يفطنا إلى شبح مجنزرة يلوح على مبعدة.. اقترح الأب أن يرجعا ويدورا حول الحي من الجهة الثانية.. نبه الطفل أباه إلى مجنزرة تربض ثمة أيضاً.. قال الأب:
ـ ماذا لو نجلس هنا لنرتاح قليلاً..
اختارا بقعة مزدحمة بنباتات برية كثيفة، والشمس ترتفع في حلق السماء.
ـ حارة.
قال الطفل.. سأل الأب:
ـ أليست زمزمية الماء في حقيبتك؟
أخرج الطفل الزمزمية وشربا شيئاً من الماء الفاتر.. مسح الأب وجهه بمنديله، كذلك مسح وجه ابنه.. سحق الطفل بعض الأعواد الجافة بين أصابعه.. طلب منه أبوه أن يجلس.. جلس، وبعد دقائق راح يهرش جسمه.. قال الأب:
ـ أظنه النمل.
خلع الأب قميص ابنه الأبيض وفانلته وراح يلتقط النمل من على جلده.
ـ اخلع بنطالك، كيف لم تحس به؟
ـ ربما صعد إلى جسمك أيضاً.
ـ أعتقد، فعلاً.
تركا مكانهما وجلسا في ظل نباتات قصيرة.. بدءا ينظفان جسميهما من النمل.. سمعا أصوات مجنزرات تتحرك.. قال الأب:
ـ ربما كانت تنسحب.
لم تكن تنسحب.. كانت اثنتان أخريتان تجثمان في الجهة المقابلة لهما.. قال الأب:
ـ الآن لن نستطيع أن نعود.
ـ علينا أن ننتظر.
ـ هنا لا يوجد نمل، اغف قليلاً.
ـ أخاف.
ـ لا تخف، لن يطلقوا النار على طفل ورجل أعزل.
ـ لماذا تحاصر الدبابات الحي؟.
ـ من يدري لعلهم يبحثون عن أشخاص.
مع حلول الظهيرة سمعا صوت المؤذن يأتي من بعيد.. قال الأب:
ـ فاتك يومك الأول في المدرسة.
قال الطفل:
ـ غداً.
كرر الأب:
ـ غداً.
أخرج الطفل شطيرة من حقيبته وناولها لأبيه.. قال الأب:
ـ كل، لا أريد.
أكل الطفل الشطيرة وشرب ما تبقى من ماء في الزمزمية.
* * *
أراح الطفل رأسه على ساق أبيه وغفا.. دخل ثلة من الجنود لتمشيط الحقل.. خطواتهم حذرة وبنادقهم مصوّبة.. وقف من يتقدمهم وجاراه الآخرون.. أشار بحركة من رأسه إلى جهة ما.. إنه يسمع صوتاً أو يحس بحركة بين النباتات.. أدار الجنود عيونهم بوجل مرهفين آذانهم، وأصابعهم متوترة..
همس الأب، وهو يمسح بسبابته جبين الطفل؛
ـ أتحلم؟
2007




#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هناك مع الوردة حلم زنزانة
- السرد وميثاق التخييل
- ماركس الناقد
- غوايات القراءة: -أن تحسب حصاد السنين بعدد الكتب التي قرأت-
- بحثاً عن ماركس
- رعد عبد القادر ومؤيد سامي: في ذكرى رحيلهما المبكر
- استعادة ماركس
- أسئلة عام جديد
- كاواباتا في ( العاصمة القديمة )
- أحلامنا المؤجلة
- قيم السرد بين كالفينو وإيكو
- حروب المياه
- ( العمى ) لساراماغو
- حفلة التيس؛ فضح البلاغة الرثة للديكتاتورية
- على قلق..
- تباشير فكر النهضة في العراق: 8 نحو الراديكالية
- تباشير فكر النهضة في العراق: 7 بطاطو، والطبقة الوسطى العراقي ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 6 فكر النهضة؛ السرد والصحافة وع ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 5 الشعراء والنهضة ( الرصاقي وال ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 4 الشعراء والنهضة ( الزهاوي مثا ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قصة قصيرة: ضاحية التيه