أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحميد السياب - ( حصان شهاب )















المزيد.....


( حصان شهاب )


عبد الحميد السياب

الحوار المتمدن-العدد: 2186 - 2008 / 2 / 9 - 09:45
المحور: الادب والفن
    



لا ادري من هو البطل في هذه الحكاية هل هو المرحوم شهاب أم حصانه الذي قضى نحبه
لا محال بعد مضي اكثر من ثلاثين عاما على هذه الحكاية حيث لم يزل المرحوم شهاب بطلا
يعيش في خاطري تعرفت عليه بالصدفة العجيبة وقد كان المرحوم صديقا حميما لابن خالتي وهذه الحكاية زمانها الستينات من القرن الماضي ومكانها قضاء ابي الخصيب التابع الى محافظة البصرة ا لواقع جنوب البصرة حيث الانهار المتفرعة من نهر شط العرب الحبيب وغابات النخيل التي تصنع ظلا للسائرين في شهور الصيف الملتهبة عند الظهر والشمس عمودية تسقط على الرؤوس لتحيلها الى افران متنقلة لولا ظلال النخيل لصار السير صعبا عند الظهر وها نحن عرفنا المكان والزمان نرجع الى المرحوم شهاب بطل حكايتنا لاننا لو اخذنا الحديث عن ابي الخصيب جنة الله في ارضه لما انتهينا الى حال اقول تعرفت عليه وقد كنت واقفا على جسر يربط ضفاف نهر جميل يقع بقربه بيت خالتي وقد جئت لهم زائرا حيث اهلي واصقائي في قضاء ابي الخصيب ولكنني في هذا الوقت الذي صارت به معرفتي بالمرحوم كنا قد انتقلنا الى قضاء القرنة وهو ايضا من اقضية محافظة البصرة ويقع شمالها باكثر من ثمانين كيلو متر وكلما تحل العطل المدرسية اشد الرحال الى ابي الخصيب موطني ومسقط رأسي وذكرياتي وطفولتي حيث جيكور قريتي الساحرة الم اقل لكم حين يأخذني الحديت وينزلق من اصبعي الحرف واتذكر كل خطوة سرتها في ارض جيكور معشوقتي الاولى سري الاول والاخير أتيهه في حنايها وحضنها الدافئ الذي تعلمت منه الكثير والى الان انا مدين لها فلقد علمتني كيف يكون الشموخ لان جيكور شامخة رغم جور السنين وما في بلدي من دمار وحروب واقول لجيكور اعذريني فالحديث عن صاحبي المرحوم شهاب وانت ياجيكور المسرح الحقيقي لحكايتي واعود الى الجسر وكيف تعرفت على المرحوم حيث كنت واقفا بعيدا عن ابن خالتي ببضع امتار ولا يوجد أي شبه بيني وبين ابن خالتي فأنا اسمر حنطي اللون مائل للسماروابن خا لتي ابيض ناصع البياض ولوقوفي بعيدا عن ابن خالتي في اللحظة التي جاء بها المرحوم الذي نزل من دراجته الهوائية وسلم على صديقه الذي يأتي اليه كل يوم لزيارته ليصطادا السمك أو السباحة والمرحوم يمتلك لسانا سليطا لا يرحم فلما وجدني غريبا وقد وقفت مستمعا ومن بعيد اليهما المرحوم وابن خالتي اقصد نظر لي نظرة فيها احتقرار وتعالي وراح يكيل علي من النقد اللاذع والسخرية ما اثار بي الغضب ورغم ان الفارق العمري بيننا واضح واجسامنا متفاوته في حجمها فالمرحوم يعادل مني الضعفين لكنني رفعت يدي قاصدا ضربه لكن ابن خالتي وقف في منتصفنا واضعا يده الشمال في صدر المرحوم واليد الاخرى في صدري ودافعا ومبعدا الواحد عن الاخر وهو يصيح على صاحبه الم تعرفه انه ابن خالتي الذي تكلمت لك عنه بالامس وقلت لك سيكون عندنا ضيفا من القرنه إنبهت المرحوم ولم ينطق بكلمة واحدة وقطع هذا الصمت ابن خالتي الذي طلب من المرحوم أن يعتذر عن غلطته اتجاهي ولكوني ضيف قادم من أقاصي شمال المدينة صار الاعتذار قويا من المرحوم الذي راح يقهقه بطرقته العجيبة وراح يعلق ياسبحان الله لا شبه بينكما تماما وقفته ونظرته لنا أثارت كل حفيظتي فهجمت عليه بالكلام وهو لم يقصر هجم علي لضربي انني احييك ياابن خالة العزيز وارجوا المعذرة وانت الان ليس ضيفا بل الصديق الحميم صافحني وقبلني بحرارة ومن يومها صار المرحوم صديقي حيث أهداني زوج حمام غريب الشكل والحجم والنوعية أخذته معي الى القرنة ليصبح هذا الزوج بعد سنتين اكثر من ثلاثين حمامة مختلفة الالوان وعرفت بعد ذلك إن المرحوم أعطاني زوج الحمام هذا لأسباب خاصة حيث اخذ هذا الزوج من شخص سرق من المرحوم ديكا ثمينا فهو نكاية بذلك السارق اراد ان يفعلها به ويحرق قلبه كما قال لي بعد شهور وقام بأخذ هذا الزوج النادر ولما كنت في أقصى الشمال وهم بالجنوب ستضيع هذه السرقة ثم ان هذا الزوج ليس من الحمام الذي يصلح للمسابقات وهو ما يدخل تحت بند المطيرجيه لا فهذا حمام للزينة فقط والمرحوم يعرف إني لا اجيد تربية الحمام ولا اعرف أنواعها واني غشيم بهذا الجانب الذي يجيده هو إجادة تامه وحين يتحد ث عن حمامه يأخذه الزهو والاعجاب بنفسه وحمامه وهو كما يقول يمتلك حماما غالي الثمن فالاشعل ابو احدى عشر مثلا يعتبره شئ والمرشش والصخري ويظل يعدد بانواع الحمام ونحن ننظر الى السماء الصافية وحمامه يتلاعب واحدة صاعدة واخرى تلوت بنفسها كأنها تحس بصاحبها وكيف هو الان يفتخر بها ويقول انظروا الى تلك الصافية كيف تلف وتلوت في السماء انها ياخوتي طير ثمين وصل سعره مائة دينار فتحنا أفواهنا متعجبين من هذا المبلغ العجيب. يُدفع بطير صغير ليس به فائدة وكاد المرحوم ان يخرج من طوره يااخوان انتم مع احترامي لكم جهله بهذا الجانب الذي هو علم عميق ويحتاج الى خبراء يفهمون ولهم دراية بتربية الطيور انتم تتعجبون من سعر كهذا هناك طير وصل سعره الى ألف دينار وصرخنا بوجهه وأين يوجد مثل هذا الطير ومن يملكه؟ ضحك المرحوم من جهلنا ثم أردف قائلا وهو يجاملنا الان تمتعوا بالطيور التي فوقكم بعدها نذهب الى البرج لكي اريكم الافراخ وبعض الطيور التي لم تحلق في السماء لانها نائمة على بيوضها وبقينا مشدوهين ....مشدودين الى هذا الجو الغريب علينا , برج بني بعناية فوق السطح وشِباك وضعت هنا وهناك وكيس من الحنطة دثره المرحوم بدثار سميك وماء صا فٍ وضع في اواني اعدت لشرب الحمام وصفائح وضعت على بعضها بتنسيق وترتيب تدل على جهد واضح وعناية خاصة يقوم بها المرحوم لتلك الهواية وذلك الولع وهو ربما يحتج على كلمة هوايه فهو ليس هاو بل هو يبيع ويشتري من حمامه ليعيش فمرتب الموظف في الدولة لا يتعدى الثلاثين دينار وانا ابيع بالشهر اضعاف هذا المرتب صحيح ان المسألة تحتاج الى تضحية وتعب ومتابعة ولكن هي متعة وفي نفس الوقت أوفر منها لقمة العيش وهكذا عرفنا ان المرحوم يهتم بالحمام وهوأيضا مرب الى الديكة وعنده عدد من البطوط بيضاء كالقطن المندوف وهي تصرخ امام بيتة كأنها تحيي الضيوف القادمين ويمتلك كلبين وضع في رقبتيهما سلاسل لها صوت وكلاب تنبح بغضب واضح ويعقب المرحوم في أ طلقهما بالليل من السلاسل لتحمي هذا الحلال وهو يؤشر على الديكة والبطوط والحمام فوق السطح وهذا الاصيل العزيز ويقصد حصانه ذو اللون الاحمر وذيله الاسود الطويل الذي راح يلفه على ظهره الممتلئ ليطرد الذباب وهو مزهوا كصاحبه بما جناه من انواع مختلفة من الطيور والحيوانات وسأله احدنا وبخبث ومكر وماذا انت فاعل بالحصان؟ نظر لحظة وهو يتأمل وجوهنا التي بدت على ملامحها الاستخفاف وعدم الجدية في تلك الامور التي بدت عالم غريب وجديد نعيشه الان وقد تفاجئنا ان المرحوم يمتلك عربة يشد عليها هذا الحصان العزيز لكي يذهب به صباحا الى المدينة ليحمل البضائع من التمور والطحين والرز وكل مايشترى من خراف وماعز وتصعد معه النساء والرجال وقد اشتروا من السوق ما طاب لهم والمرحوم وحصانه يوصلهم الى بيوتهم والى أي قرية هم ينشدون. وبحركة سريعة كما هم لاعبي السيرك اخذ بيده السوط وقال هذا سلاحي مع هذا الصديق حين يعاندني لكنه لا يستحق الضرب وانا احبه بعشق واشفق عليه واغذيه بالتمر اليابس والشعير واسقيه ماء من النهر حين يكون المد في النهر اعلاة ليشرب الماء الصافي واملأ له الاواني واسقيه حتى عند الليل وقال المرحوم يستاهل ( شجاع ) وهذا اسمه وهو يستحقه بجداره وانتهينا من زيارتنا لبيت المرحوم التي دامت اكثر من ثلاث ساعات ولولا إن الليل داهمنا وعندنا طريق طويل الى قريتنا جيكور لبقينا اكثر وهكذا رجعنا انا وابن خالتي صديقه الحميم وابن عمي الذي تعرف عليه من خلالنا انا وابن خالتي وصرنا اربعة نتزاور فيما بيننا وكانت الزيارات التي يقوم بها لنا المرحوم مع أبن خالتي موسمية فكلما نضج العنب عندنا عرفنا إن زيارة ستتم قريبا للمرحوم وصاحبه وذات يوم وعند العصر واذا بالمرحوم على ظهر حصانه قادم الينا لوحده منظر اثار العجب عندنا ليس من عادتة ان يأتي بحصانه أنه يركب دراجته الهوائيه رادفا صاحبه معه في خلف الدراجة اما ان يأتي وعلى ظهر حصانه فتلك مسألة تثير ا لدهشة والاستغراب ثم ان الزمن مختلف حيث لم يزل العنب حامضا ولما قرأ المرحوم الدهشة في وجوهنا فنحن القرويون تفضحنا وجوهنا فهي لا تخفي ما في دواخلها وبساطتها تعلن عن نفسها وبوضوح وفي الكثير من السذاجة والسطحية الباهته . انطلق صوته المدوي من فوق حصانه الاحمر ليقطع الشك باليقين جئت به وهو يؤشر على حصانه لكي تجربوا ركوب الخيل الم تسمعوا كيف ان العرب تمسكوا بالقيم والاصالة وعلموا اولادهم الرماية والسباحة وركوب الخيل؟ وأضاف وبمكر وإستخفاف واضح بألتاكيد انتم تجيدون الرماية والسباحة وبقى ركوب الخيل وها اني اكمل الدرس لكم فجئت به ونزل من ظهر حصانه وامسك بلجامه باليد اليسرى ليحينا باليمين وستقبل المرحوم كالعادة استقبالا حارا ولكنه هذه المرة استقبال الفارس الاصيل واتجهنا الى بستان ابن عمنا والذي نستقبل به أصدقائنا القادمين من البصرة وابي الخصيب وحتى من ا لمناطق الثانيه وكان المرحوم في حينها يرتدي دشداشة أنيقة وما يسمى بالسديري وهو بلوزة بلا ردان على دشداشته وقد تطاير شعره الطويل الناعم على جبينه الاسمر وكان قد حلق لحيته بدقة وفيما يبدو قبل قدومه بقليل وهو يطلق شاربيه على سجيتهما بحيث تضيف له الشاربان مظهرا يؤكد بانه من الفرسان العرب الاصلاء وهكذا سار موكبنا مهللا بالضيف العزيز الذي لم يحتر بحصانه حيث زرعت في جوانب ارض بيت ابن العم بالشعير وكأنها على موعد مع حصان المرحوم وفرح المرحوم وانطلقت أساريره لما قال له ابن العم اطلقه ليأكل الشعير وبراحته وانت ياأبا احمد هيا معنا لتأخذ راحتك في مكاننا المعتاد تحت قمرية العنب قرب البيت حيث بني ( كشكا ) من جذع النخيل والسعف لصبح مكانا نجلس به وبين غابة النخيل وأشجار المنجة والنهر الجاري جلسنا نرتشف الشاي وبعد الشاي وصل اللبن الطازج ومعه الزبدة الطافحة فوق اللبن الدسم وقد وضع بصينية كبيرة ليستوعب الخبز الحار الذي تم خبزه قبل لحظات لأ ن حرارته واضحة من دخانه المتطاير وملمسه الحار وشربنا البن وأكلنا الخبز الحار مع الزبد اللذيذ وكلها كانت بمناسبة قدوم صديقنا المرحوم الذي لا تخلو جلسته من النكات والطرف والحكايات التي ينسجها ويجيد التحدث بها ويأخذه التجلي حين يرانا مصغين له وبشغف نبتسم مرة ومرات نقهقه ومرات أصواتنا تعلو ضاحكين من كل قلوبنا لان حديث المرحوم له وقع خاص وهو يجيد فن التمثيل فوجهه كله يتحرك حيث يقال ان في وجه الانسان ستة عشر عضله واعتقد ان المرحوم يستعمل معظمها وبنجاح وإمكانية وذكاء وهو يمتلك صوتا يلونه بهشة وفطنة وحسب ألنكتة والطرفة والحكاية وكل وضعية وموقف له أداء وصوت خاص وتأخذنا الجلسة أكثر من ساعتين او ربما اكثر ولولا ان المساء يداهمنا وينذر جلستنا لبقينا لاطول وقت ممكن ثم ان المرحوم وعدنا في بداية وصوله ان نجرب ركوب الخيل وكنا فعلا منتظرين بلهفة كبيرة ان تصل تلك اللحظة حيث يقول المرحوم هيا لركوب الخيل وكنا قلقين فعلا لان الشمس مالت الى الغرب تعلن منذرة ان الظلام آت وسوف تلغى فقرة ركوب الخيل لكن المرحوم اعلن وبصوت عال لا وقت عندنا فأنهظوا ناحية الحصان الذي وضع عنده الماء والتمر اليابس والشعير وأردف المرحوم قائلا أشبعتموني وأشبعتم حصاني فماذا اريد اكثر ؟ إنها نعمة الرب حين نجد مثلكم بشر أخجلنا كلامه حتى احمرت خدودنا التي نضبت بها الدماء ربما لفقر دم مستديم وقلنا له وكأننا نغنى السلام الجمهوري وبصوت واحد انت صديقنا وتستحق اكثر ثم إننا لم نفعل شيئا كفى من مدحنا لا تخجلنا أيها الرجل وكانت خطواتنا تسرع وقلوبنا ترتجف وهذا ما صرح به ابن العم حيث قال لا داعي ان نركب الحصان ثم انني لم اجرب هذه المسألة فرد عليه المرحوم أية مسألة تقصد؟ لا تعقد الامور الحصان حصانكم ها هو جاهزمن سيكون الاول؟ ولما نظرت لابن العم الذي افهمه من معاشرتي المستمرة له أحسست التردد في عينيه تقدمت رغم خوفي وارتباكي لانها التجربة الاولى والتي صارت الاخيرة والحمد لله وقد لاحظ المرحوم بي هذا الارتباك والخوف فقال لي هيا .....هيا تقدم لا تخف منه انه عاقل ومطيع شجعتني كلماته ووجدت نفسي في موقف لا احسد عليه أمام الاخرين الذين تجمعوا لمشاهدة هذا المشهد والحدث الغريب ولما دنوت من الحصان ساعدني المرحوم بالصعود على ظهره والذي بدا لي عاليا كالجبل وفعلا صرت على ظهر الحصان بين مصدق ومكذب نفسي وبأني صعدت
وصرت الفارس الاصيل وبين تصفيق الحاضرين وضحكهم على خوفي وحالتي المزرية ودهشتهم حيث يروني وقد امتطيت الحصان واذا بالحصان يتجه بي غربا تاركا الشارع العام ومتجها الى درب ضيق على يساره نخيل كثيف ويمينه جدار صنع من سعف النخيل اليابس وحشرت مابين سعفات النخيل أشواك وعصي سميكة وضعيفة لتقوية الجدار وصار الشوك فيه والعصي غير منتظم فالبارز منه اكثر من الداخل وهكذا وجدت نفسي وانا فوق ظهر الحصان وهو يهرول بي والكل يصيح أين انت ذاهب ؟ وانا استغيث بالمرحوم ان ينقذني من ورطتي ومحنتي التي صرت بها حيث ان رجلي اليمنى صارت تحتك بالجدار وبقوة والشوك والعصي الزائدة تخترق ساقي الذي رفعت عنه الدشداشة لحد الركبة وشعرت بحرقة وألم في ساقي وصحت على المرحوم بأعلى صوتي أسرع ...أسرع ألا ترى ما انا به ؟وصاح بي ان امسك باللجام وان اتماسك حتى لا أسقط أرضا وان لا اصرخ لان الحصان سيفزع وربما يرميني للأرض سكت على مضض وانا اداري جراحي ولاني اعرف ان الحصان سينتهي الى نهرصغير وضعت عليه قنطرة ليعبر عليها المشاة العابرين وفعلا وصل الحصان الى القنطرة وقف بدون حراك نظرت واذا بالمرحوم بقربي يمسك بيدي لأنزل من ظهر حصانه وهو يضحك مازحا ليس كل من ركب الحصان صار فارسا انزل يا صاحبي انزل نزلت وغطيت رجلي التي سال الدم متدفقا والذي اشعر بحرارته والم الجروح لكنني كابرت ورجعت مع المرحوم وحصانه الى الجموع التي اخذت تتحمد السلامة لي وان هذه النهاية جيدة لانني لو سقطت على تلك الارض الصلبه لكسر ظهري وربما رجلي وربما سحقني الحصان قال احدهم وهو يشجعني لقد تمالكت نفسك لقد وضعنا ايدينا على قلوبنا وقلنا هذه نهايتك الحمد لله على السلامه لكن المرحوم صار يعلق وباستخفاف وسخرية واضحة ان صاحبنا لا يجيد مسك اللجام ولا كيفية الجلوس الصحيح فوق ظهر الحصان ان الحصان يحتاج الى خبرة ومقدرة وقوة انا لم اكن أعرف انه غشيم لهذا الحد وسألني مستفزا ايايّ وانا بحالة اقرب الى تضميد جرحي حيث الفشل الذي حصل لكن المرحوم وجدها فرصة ليعبر بها عن حالتة وانه الفارس الوحيد الذي يجيد مسك اللجام وترويض الخيول وهنا نادى المرحوم على ابن العم هل تجرب؟ تعال تقرب اصعد ...... امتنع ابن العم تماما من ان يقوم بتجربة تكون هي الاخرى فاشلة كما صار علي لكن إلحاح الحاضرين وتشجيع المرحوم جعل من ابن العم مجبراالذي أراد ان يجرب عسى ان ينجح بالتجربة وبهذا الامتحان الصعب وقف الحصان واقترب ابن العم للحصان ولما كان ابن العم اطول مني وجسمه ذا قوة وخشونة صارت مسألة صعوده أيسر مني بعد مساعدة المرحوم له لكن ابن العم كان قلقا متوترا حيث الجموع ازدادت عددا ولتجربتي السابقة الفاشلة وقع لم يزل يعيش لحظاتها ولكونه مثلي يصعد على ظهر الحصان اول مرة والمرحوم أسمعّه كلمات تدل على إحساسه بأن التجربة كسابقتها حيث قال لابن العم ها لا تفشلنا مثل صاحبنا امسك باللجام (الرشمة)وهذا اسمها الدارج وتوكل وحين صعد ابن العم الحصان والاجواء كلها مرتبكة تنظر ما يحل بالفارس الجديد واذا بالحصان يقف امام حفرة عميقة صنعتها امطار الاعوام السابقة فصارت كالأخدود في الارض العطشى في طريق تملأه الحفروالشقوق. وقف الكل في حالة ترقب ووجوم ابن العم فوق الحصان والحصان واقف لا يتحرك امام تلك الحفرة العميقة صاح ابن العم على المرحوم تعال انزلي خوفا من ان الحصان ينزل في هذه الحفرة تعال خذ بي بالحصان لا اريد ان اركبه وعلت على وجه ابن العم علامات الغضب والخوف فأسرع المرحوم الى حصانه واخذ اللجام من يد ابن العم وبقوة ادار رأس الحصان ناحية الشارع واوقفه ثم مسك بيد ابن العم مساعدا اياه للنزول وهو يضحك وبقهقهة عالية امام الجميع انزل ........انزل انكم ومع الاسف الشديد لا تجيدون هذه الأمور انا الان سأرحل لان الغروب قد حل علينا سأقوم مرة اخرى بزيارتكم واحاول ان ادربكم جيدا فأنتم تحتاجون الى تدريب والى وقت كاف هيا وصعد بين اعجاب الحاضرين حتى ان احدهم قال بصوت عال هذا هو الفارس الاصيل معروف من صعدته ......نظر له المرحوم ضاحكا وهازا رأسه وكأنه يؤكد ما وصل له هذا المشاهد الجيد هرول الحصان والمرحوم ممسكا باليد اليسرى باللجام ومحييا الجموع التي راحت تحييه مودعة ذلك الفارس وحصانه الاحمر سار الحصان بحدود الخمسين متر واذا به يقف بلا حراك اندفعنا ناحيته لنعرف سبب وقوفه المفاجئ ...........الحصان بلا أي حركة جمد في مكانه والمرحوم صامت فوق الحصان بلا أي كلمة ونحن في حالة وجوم وسكون ننظر ونتسائل ماالذي حصل ؟ والمرحوم صامت بلا جواب وهو يشد باللجام وبقوة على حصانه وحصانه بلا أي حركة وقفنا الكل بلا حراك صامتين واذا بالمرحوم يطلب عصا وكان في يد احدهم منجلا نزل ذلك الصبي صاحب المنجل الى شجرة من الدفلى كانت في البستان الذي بقربنا وبسرعة قطع عصاة غليظة زال عنها ورقها بحركة تدل على معرفته ودراية بالفلاحة وجاء بالعصا الى المرحوم وناوله اياها ونحن ننتظر ماذا سيفعل المرحوم واذا به وبغضب وقسوة يصعد العصا الى فوق رأسه وينزلها على ظهر الحصان ناعتا إياه بأردأ الاسماء ولاعنا الساعة التي ولد فيها ذلك الحصان الذي اوقعه بهذا الموقف المحرج والحصان يلتوي من الضرب وبدون رحمة والمرحوم على ظهره صاعدا نازلاارجل الحصان صارت ترتفع الى الاعلى من شدة الضرب والمرحوم يسب ويلعن به والحصان بلا حركة
كأنه تسمر في تلك البقعة الفارس فوقه مضطربا غاضبا والحصان في هيجان ونحن بين المندهش وبين الشامت وخاصة انا الذي لم تزل دمائي غير جافة وآلامي من جراح ندية فعلها هذا الحصان واستخف مني صاحبه امام الحاضرين .........نظرت الى ابن العم واذا به مبتسما
للموقف الذي صار به المرحوم والكل فاغرا فاه لهذا المشهد الغريب ما الذي حصل ؟ وبينما الكل ينتظر نهاية الحالة واذا بالحصان يلتف الى الوراء كأنه سمع إيعازا الى الوراء در ونطلق الى الناحيه الاخرى حيث ان طريقا آخر يربط القرية بالمدينة ربما اختاره الحصان بديلا لطريقه الذي جاء منه وهنا لوح المرحوم بيده محييا الجموع المحتشدة ومودعا ومنطلقا على حصانه والكل يودعه متمنيا له الوصول بالسلامة حيث حل الظلام وبعد اقل من دقيقة واذا بالحصان راجع والمرحوم على ظهره وهو يصيح باعلى صوته لقد استغرب من الطريق ورجع للطريق الذي جاء به هيا ..........هيا اسمحوا لي فأنا على عجلة من أمري مع السلامة .............مع السلامة مع السلامة وتصل بالسلامة وبعد مائة متر وقف الحصان وهنا نزل الفارس من حصانه وترجل وامسك باللجام وسار به بخطوات فيها الكثير من التعثر والارتباك وقفنا بصمت ننظر له ولحصانه الأحمر وهما يختفيان في الظلام لينزلقا في درب القرية الموحش وفي اليوم التالي عرفنا ان المرحوم وصل الى قريتهم في ساعة متأخرة حيث وجد اهله في حالة من القلق والإستنفار. اعطى الحصان لأخيه الصغير وراح الى غرفته وغلق الباب عليه ولم ينطق بأي كلمة وهذا ما اخبرنا به والده في اليوم التالي عندما ذهبنا لكي نطمأن عليه ولم نجده ويقال انه ذهب ليبيع الحصان الذي خذله وربما علمه درسا لم ينسه حين ضن ّ بأنه الفارس الأصيل .



#عبد_الحميد_السياب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرتل
- ألتكنولوجيا سلبا وإيجابا ..........
- ( ( ما هكذا تورد ألابل يا سيد خلف )
- ( نقاش عقيم بالعراقي حول العلم العراقي )


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحميد السياب - ( حصان شهاب )