أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - كاظم حبيب - لتتسع جادة الحوار الديمقراطي ... ليتسع صدر الإنسان لسماع الرأي الآخر.. أين ألتقي وأين أختلف مع الأستاذ الدكتور سيَّار الجميل ؟ الحلقة الخامسة















المزيد.....


لتتسع جادة الحوار الديمقراطي ... ليتسع صدر الإنسان لسماع الرأي الآخر.. أين ألتقي وأين أختلف مع الأستاذ الدكتور سيَّار الجميل ؟ الحلقة الخامسة


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 2183 - 2008 / 2 / 6 - 11:18
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


حول العلاقات الإنتاجية في العراق

قرأت بعناية كبيرة المادة الغنية التي كتبها الأستاذ الدكتور سيّار الجميل بشأن تاريخ العلاقات الإنتاجية في العراق طبيعتها وحول العشائر العراقية والعلاقات التي تحيط بها وتميزها. وبسبب أهمية هذا الموضوع ووجود نقاط التقاء كثيرة حول ما ورد في مقالات الزميل , سأحاول أن أشير إلى بعض النقاط المهمة التي تسهل وتختصر الحوار بشأنها.
1 . لا يمكن لأي باحث في العلاقات الزراعية في العراق أن يدعي بأن العلاقات الإنتاجية وبعد مرور ما يزيد على 1400 سنة أنها بقيت على حالها كما كانت في زمن الخليفة عمر بن الخطاب , كما أني لم ادع ذلك ولم يرد في كل ما كتبت سابقاً ما يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد. إذ أن هذه العلاقات قد مرت بعهود وتغيرات كثيرة ابتداءً من الدولة الأموية فالعباسية وما واجهه الوضع في العراق خلال الفترة قبل وبعد وبين سقوط بغداد وهيمنة الصفويين ومن ثم هيمنة الدول العثمانية على العراق , وكذلك الفترة التي عرفت بهيمنة المماليك على بغداد وتأثيرها على مناطق العراق الأخرى. وفي كل ذلك تعرضت علاقات الإنسان بالأرض واستغلالها إلى تغيرات كثيرة تطرق لها الكثير من الكتاب الذين أتى على ذكرهم الأستاذ الدكتور الجميل أو ممن لم يرد ذكرهم هنا أيضاً.
2 . وليس من باحث جاد يمكن أن يدعي بأن الحكام العثمانيين وحدهم , أو الحكام في العراق في العهد الملكي وحدهم , كانوا مسئولين عما حل بالعراق من وضع زراعي معقد ومتخلف , فلكل من هؤلاء وقبلهم ومن جاء من بعدهم مسئولية في كل ذلك. ومن لم يتخذ الإجراءات لتحقيق التغيير والتصحيح قد شارك بهذا القدر أو ذاك في تكريس الوضع أو زيادة سوءاته.
3 . وليس هناك من باحث جاد يمكن أن يدعي بأن العراق كله متشابه في مشكلاته الزراعية , وأن مشكلات الشمال وكُردستان العراق هي مماثلة لما كان عليه الوضع في الجنوب أو الوسط , أو حتى محافظات الوسط والجنوب كانت متباينة إلى حدود كبيرة. وينطبق هذا على بلدان منقطة الشرق الأوسط أيضاً.
كما أن طبيعة العلاقات الزراعية في الريف العراقي وفي مختلف المحاصيل الزراعية وفي منطقة واحدة هي الأخرى كانت هي الأخرى متباينة , وعلى الباحث أن يأخذها بنظر الاعتبار , سواء أكان ذلك بالنسبة لمحاصيل الحنطة والشعير والرز , أم بالنسبة لعلاقات البستنة , أم بالنسبة لمنطقة الحساوية المتخصصة بزراعة الخضرة في البصرة , أم بالنسبة للمناطق الجبلية في كُردستان حيث المساحات الصغيرة التي يجبر الفلاح على زراعتها وعلاقته بالأغا ورئيس العشيرة التي ترتبط بالأرض التي تسكنها المجموعة البشرية , وكذلك الحال بالنسبة لمنطقة الجزيرة بالموصل. ومع أن هذا كله صحيح , فأنه لا يمنع من وجود سمات مشتركة عامة وأخرى متباينة على صعيد تأثير تلك العلاقات على الاقتصاد العراقي بشكل عام.

هذه الحقيقة تسمح بتشخيص ثلاث مسائل جوهرية , وهي :
1. وجود علاقات إنتاجية شبه إقطاعية تطبع بخصائصها الاقتصاد العراقي في فترة الملكية وما بعدها.
2. وأن هناك جمهرة من الملاكين الكبار في العراق الذين ارتفعت ملكياتهم إلى عشرات بل مئات ألوف الدونمات , وكانوا يمارسون الاستغلال ضد فلاحيهم.
3. وأن الريف العراق عرف استغلالاً من جانب كبار ملاكي الأراضي الزراعية في إطار العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية , رغم التداخل بين هؤلاء الملاكين وأبناء العشيرة الواحدة أو الفلاحين.
لم أكن أول من تحدث عن وجود علاقات إنتاجية شبه إقطاعية في الريف والزراعة العراقية, بل كان الحزب الشيوعي العراقي هو أول من طرح ذلك في ضوء تحليل فهد لها , وكان تحليلاً واقعياً وسليماً. فقد جاء في كراس للشهيد الراحل فهد باسم البطالة ما يلي:
"2 – النظام شبه الإقطاعي الفاسد السائد في الريف ونتائجه الوبيلة على الاقتصاد الوطني , وإفقاره الفلاحين الذين يؤلفون الأكثرية الساحقة من الشعب العراقي , وحرمان السوق الداخلية (الصناعة خصوصاً) منهم كبائعين ومشترين , أو بالأحرى حرمان الصناعة الوطنية من السوق الداخلية التي لا يمكن أن تنمو وتزدهر صناعتنا دون الاستناد إليها باعتبارها (السوق الداخلية) الأساس الثابت لصناعتنا الوطنية ولاقتصادنا الوطني بشكل عام". ( كتابات فهد, البطالة. ص 207 ). وفي مكان آخر من هذا الكراس وتحت عنوان "النظام شبه الإقطاعي السائد في الريف وتأثيره على تأخير الصناعة وبالتالي على وجود البطالة يقول فيه ما يلي:
"يعتبر النظام الفاسد السائد في الريف العراقي من أهم العامل – بعد العامل الاستعماري – المسؤولة عن تأخر التطور الصناعي في القطر , وبالتالي عن مشكلة البطالة. فالاستثمار الفظيع في الريف من قبل الملاكين والشيوخ والسراكيل والمرابين وغيرهم قد قلص حصة الفلاح من المنتوج إلى دون مستوى الكفاية , بحيث أصبحت حصة العائلة الفلاحية من المنتوج لا تكفيها حتى موسم الحصاد الثاني. وأصبح الفلاح مغرقاً بالديون وعاجزاً عن شراء أبسط الضروريات من المواد الصناعية , عدا ما يستر بع العورة. وهذا يعني أن السوق الداخلية للمصنوعات الوطنية قد فقدت نتيجة لفقر الفلاح مجالات واسعة لتصريف البضائع الاستهلاكية ولوسائل الإنتاج التي يحتاجها الفلاح لعمله. فلو كان الفلاحون , الذين يؤلفون أكبر مجموعة من الشعب العراقي , في وضع اقتصادي يمكنهم من شراء المنسوجات والأحذية والمنتوجات الوطنية الأخرى , ومن تجديد وتبديل أدوات الإنتاج , لنشطت الصناعة الوطنية أضعاف ما هي عليه الآن , ولامتصت جميع الأيدي العاملة العاطلة الآن ...". ( كتابات فهد, البطالة. ص 205/206). يلاحظ هنا أن فهد لم يستخدم كلمة إقطاعي , بل استخدم كلمة الملاكين والسراكيل والمرابين الذين كانوا يستغلون الفلاح بصور شتى , وهو تشخيص دقيق. ولكنه ربط تلك العلاقات المتخلفة مع تأثيرها السلبي على إمكانيات تطوير الصناعة المحلية وعلى وجود بطالة في البلاد , والعلاقة بينهما جدلية سليمة. وحسب علمي لم يتحدث أي شيوعي عراقي عن علاقات إقطاعية في العراق إذ أنها تتناقض مع التحليل العلمي لواقع العلاقات القائمة في العراق ولطبيعة العلاقات الإقطاعية المعروفة في أوروبا مثلاً. يمكن هنا العودة إلى كتاب الأستاذ الراحل زكي خيري عن "الإصلاح الزراعي" , أو كتاب الأخ الكاتب والصحفي عزيز سباهي عن "الحزب الشيوعي العراقي والمسألة الزراعية" , أو الكتاب المشترك بين الدكتور مكرم الطالباني وبيني (كاظم حبيب) حول الإصلاح الزراعي في العراق , إضافة إلى كتابي عن الإصلاح والتعاون الزراعي وكتابات أخرى كثيرة منشورة لي بهذا الصدد , إذ لم يرد فيها بأي حال الحديث عن علاقات إنتاجية إقطاعية , بل عن علاقات إنتاجية شبه إقطاعية وحللنا أسباب مثل هذا التشخيص الذي يؤيده الزميل الدكتور الجميل , كما لم نعمم المسألة على سائر القطر , ولكن قلنا بأن السمة المميزة للاقتصاد العراقي هي هيمنة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية في الريف العراقي. كما أن هناك دراسة قيمة قدمت لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة أكسفورد / لندن بحثت في المسألة الزراعية في العراق في العهود التي سبقت الملكية , أي في العهد العثماني وفي العهد الملكي وأنجزت في العام 1941/1942 ونال بموجبها صالح حيدر على درجة الدكتوراه.
يتعارض مع ما جاء في أعلاه مع ما كتبه الزميل الفاضل الدكتور سيّار الجميل حين كتب ما يلي:
" 5/ استلاب المفهوم الماركسي
إن هذا الذي أذاعه ونشره الماركسيون والشيوعيون العراقيون ولاكته الألسن ، بل وترسّخ في الوجدان العراقي لم يبق أسير التيار اليساري .. بل استلبه الآخرون من عراقيين وغير عراقيين ، فمن يكونوا ؟
أولا : لقد أخذه الآخرون من تيارات سياسية عراقية أخرى ليسوقوا بضاعته باسمهم .. إنهم لم يستعيرونه ويعترفوا بفضل من منحهم إياه ، بل أخذوه عنوة وأخذوا يجاهرون به بضاعة سياسية وإعلامية وصل بعضهم للسلطة من خلاله . إن تعبير " الإقطاع " أخذه الإصلاحيون والفئة البورجوازية والاشتراكيون والقوميون والبعثيون والناصريون وحتى بعض الأحزاب الدينية في العراق .. لقد أصبح المفهوم بالرغم من خطأ استخدامه بضاعة سياسية للتقرب من الجماهير والكسب السياسي من خلاله .." (مقتطف من الحلقة الثالثة للأستاذ الجميل)
وتحت عنوان 4/ نزاهة المقاصد مقارنة باستلابات الماضي العقيم
كتب الصديق العزيز ما يلي:
"وأود هنا أن أشير على الأخ الدكتور كاظم وكل الأخوة الكتّاب الماركسيين إنني عندما أقدم ملاحظات نقدية ، اشهد أنها تنطلق من رغبة علمية جامحة ولا يمكنها أن تنطلق أبدا من نزعة قومية فاشية أو من تخندق حزبي شوفيني أو من موقف سياسي رجعي أو من تزّمت ماضوي سلفي..". (المقتطف من الحلقة الثالثة أيضاً).
أقول مرة أخرى , لا أشك في ذلك فقد تعرفت على زميلي جيداً , ولكن ملاحظة واحدة لا بد لي أن أشير بها إلى الأستاذ الجميل هي أن هناك الكثير من الادعاءات والإساءات للشيوعيين على امتداد تاريخهم المنصرم من أناس كرهوا الشيوعيين لأسباب كثيرة , بل غمس البعض الكثير منهم أيديه بدماء الشيوعيين أو من كان معهم , وبعضهم لم يعرف شيئاً عنهم , ولكن بتأثير الدعاية ضدهم. ولكن دور المؤرخ يبرز في ضرورة عودته إلى كتابات الشيوعيين في العراق والمتوفرة في كل مكان والوصول إليها ليس صعباً لتبين الخطأ من الصواب. ويمكن للأستاذ العزيز أن يساهم في تفنيد ما كتب عن الشيوعيين العراقيين بهذا الصدد أم بغيره , لأنه مؤرخ يثق الإنسان بتحليلاته.
لم تأخذ القوى السياسية العراقية , ومنها حزب البعث العربي الاشتراكي والقوى القومية عن الحزب الشيوعي العراقي موضوعة الإقطاعية في العراق , بل كانت جزءاً من تشخيص خاص بتلك القوى وليس الحزب الشيوعي مسئولاً عن هذا الخطأ , فهو تعبير سياسي بالنسبة للعراق أكثر من كونه تعبيراً يشير إلى الواقع الاقتصادي القائم علمياً. وسوف لن يجد الصديق العزيز في أي من كتابات الشيوعيين الجادين مثل هذا التشخيص أو في وثائقه الرسمية , بما في ذلك الميثاق الوطني الذي اقره المؤتمر الوطني الأول في العام 1944 , إذ جاء فيه بشأن القضية الزراعية والفلاحين في الريف العراقي ما يلي:
" نناضل من أجل إيقاف نهرب أراضي الفلاحين والملاكين الصغار والمحافظة على ملكيات التعابة , وإيقاف نهب الأراضي والمقاطعات الأميرية من قبل المتنفذين , وإيقاف إعطاء اللزمات الكبيرة _ المقاطعات – إلى الشيوخ المتنفذين , وتوزيع هذه الأراضي بقطع صغيرة على الفلاحين مباشرة بدون بدل , من أجل مساعدة الفلاحين وتخليصهم من نهب السراكيل والمرابين , منحهم القروض الحكومية – نقدية وبذور – رفع الضرائب والرسوم "الخاوات" والإيجارات غير العادلة واللاقانونية عنهم , تلك التي يفرضها عليهم الشيوخ والسراكيل , من أجل تخليص الفلاح من سرقات التجار له , وذلك بإنشاء جمعيات تعاونية له". (فهد. كتابات. ص 134).
من المفيد هنا أن أشير إلى عدد من الملاحظات السريعة قبل أن أخوض في الحلقة القادمة الموقف من الإصلاح الزراعي في العراق.
لقد تضافرت جهود كبار ملاكي الأراضي الزراعية من جهة , والشركات التجارية الأجنبية من جهة ثانية , وكبار التجار العراقيين الذين ارتبطوا بالشركات الأجنبية من جهة ثالثة , وبدعم من الحكومة العراقية , لتؤدي مجتمعة إلى إعاقة حصول تطور إيجابي في القطاع الزراعي من خلال حل المسألة الزراعية أو تغيير بنية الإنتاج الزراعي ذاته أو تأمين التقنيات المناسبة , إذ كان الريع المتحقق في الزراعة بكل أنواعه يحط في جيوب الملاكين ولا يستخدم لأغراض إعادة وتنمية وتوسيع الإنتاج بل كان يستخدم لأغراض الاستهلاك البذخي لهؤلاء الشيوخ الملاكين والملاكين من غير الشيوخ الذين كانوا كلهم في الغالب الأعم قد انتقلوا للسكن والعيش في المدن. كما لم يكن في مقدور الفلاح تحقيق استثمارات إضافية في الريف والزراعة , إذ كان مورده السنوي لا يكفي لتغطية حاجاته الفعلية وإعادة إنتاج قواه العضلية , وكان متوسط عمره واطئاً جداً لهذا السبب أيضاً , إضافة إلى أسباب أخرى معروفة لنا جميعاً. فبقى الريف متأخراً. كما أن السياسة التجارية للشركات الأجنبية والمحلية التي أغرقت الأسواق المحلية بسلعها الحديثة والرخيصة بالمقارنة مع الإنتاج المحلي إلى عرقلة نمو الأسواق المحلية أمام السلع والصناعة المحلية , وهو ما أشار إليه فهد بوضوح بصيغة سهلة مفهومة من مختلف فئات المجتمع في المقطفات التي أوردتها في أعلاه.
يشير الدكتور الجميل إلى أن الإنتاج الزراعي كان في الفترات السابقة يصدر ويكفي الشعب , في حين أن هذا لم يحصل لاحقاً , بل بدأ العراق بالاستيراد. ويبدو لي أن من الصعب تصور عدم توصل الأستاذ الصديق إلى تفسير واقعي لهذه القضية التي برزت في فترة العهد الملكي وليس بعد سقوط النظام. والأرقام المتوفرة تؤكد ذلك بما لا يقبل الشك. أن تفسير هذه الظاهرة يرتبط بعدد من العوامل المهمة , ومنها:
1. إن طبيعة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية , رغم كونها لم تكن إقطاعية كالحالة الأوروبية , إلا أن الفلاح لم يكن حراً في انتقاله إلى المدينة , إذ كان يلاحق من قبل الملاك والسركال ويعتقل ويعاد إلى الأرض التي هرب منها. وكانت عودته تتم تحت غطاء مديونيته للملاك أو السركال أو التاجر , إذ كان الملاك يقيم عليه الدعوى القضائية. وحين كنت معتقلاً في مواقف العراق كنت التقي في منتصف الخمسينات بهؤلاء الفلاحين الموقوفين الذين أعيدوا من المدن ليسلموا على الملاكين.
2. كان عدد السكان محدوداً بالمقارنة مع المساحات التي كانت تزرع بالرغم من الفلاحين , وبالتالي كان الإنتاج أكبر رغم ضعف الإنتاجية.
3. وكان الدخل القومي العام ضعيفاً ومتوسط دخل الفرد واطئاً , إضافة إلى وجود نسبة عالية من الفقراء , مما كان لا يسمح بقوة شرائية عالية , كانت تسمح بتصدير كميات من المنتجات الزراعية إلى الخارج وعبر الشركات الأجنبية. وعلينا أن نتذكر بأن دخل الفلاح الفعلي في ريف الفرات كان واطئاً جداً. ففي العام 1955 اعتقلت في بغداد ووقع في أيديهم بحث عن حياة الفلاحين ودخلهم اليومي والسنوي في الريف في بابل. وقد أشير فيه على أن الفلاح لا يحقق دخلاً يومياً أكثر من 32 فلساً في اليوم. وإذا ما ضربنا هذا الرقم بسبعة أفراد كمعدل للعائلة الفلاحية ومن ثم في 30 يوماً في الشهر ومن ثم في 12 شهراً لحصلنا على دخل سنوي قدره 80,6 دينار عراقي. وإذا ما ضربنا هذا الرقم بـ 3,2 دولار أمريكي , وفق سعر الصرف حينذاك , فسيكون المجموع 258 دولاراً في السنة ولعائلة كاملة من سبعة أشخاص. وهو كما نرى ضئيل جداً. وفي حينها اتهمت بكتابة هذا التقرير أو البحث. فأحيل إلى خبير الخطوط , فجاء مؤكداً بأن الخط هو لكاظم حبيب. وبعد مرور 52 سنة على ذلك أقول من جديد , كما قلت في حينها لرجال التحقيقات الجنائية , بأن التقرير لم يكن صادراً عني ولم يكتب بخط يدي , بل نسب إلي زوراً من أجل إصدار حكم بحقي , وهو ما حصل فعلاً في العام 1956. ولكن التقرير كان مهماً إذ قدم صورة واقعية دقيقة وصريحة عن حالة الفقر التي كان يعاني منها الفلاح العراقي في منطقة لم تكن فقيرة بالمياه والأرض والشمس.
4. وعلينا أن نتذكر بأنه وبمرور الزمن بدأت الأرض تفقد الكثير من خصوبتها بسبب عدم استخدام الري والبزل المناسبين وتملح الأرض والاستخدام غير العقلاني للماء وهجرة الفلاحين إلى المدن في أعقاب سقوط النظام الملكي ... والتي سأبحث فيها لاحقاً.
وملاحظة أخيرة لا بد منها بشأن تعليق الأستاذ الفاضل الجميل حول الأستاذ الدكتور الراحل حنا بطاطو , إذ ورد بشان الرجل الراحل تحت عنوان "كتاب بطاطو ليس تاريخا مقدّسا!" ما يلي:
يتمنى الأخ الدكتور كاظم حبيب عليّ أن أراجع الجزء الأول من كتاب حنا بطاطو وكأنني لم اطلّع عليه وعلى نسخته الأولى بالإنكليزية مذ نشر عام 1978 بمجلد واحد وعرفّت به العالم ونشرت عنه أكثر من مقال واعتمدت عليه وقمت بتفكيك بعض معلوماته وانتقدت بعض مصادره وقمت بتصويب بعض ما جاء به الرجل بطاطو وقمت بإعلامه شخصيا عن ذلك في أكثر من لقاء جمعني به .. إن مشكلة بعض الأخوة اليساريين أنهم يتلقفون كتاب بطاطو وكأنه كتاب منزل من دون فحص كل ما جاء به المؤرخ بطاطو ، وبأي أهداف وظّف كتابه وبأي نتائج خرج منها وكلنا يدرك أن بطاطو كان ماركسيا في شبابه وعاش هوسا او فوضى فكرية في أيام كهولته ، فلقد اخطأ أخطاء جسيمة في إسقاط ما كان يراه من رؤية مسبقة على المجتمع العراقي من دون ان يعرف خفايا المجتمع العراقي وعناصره والعلاقات العضوية التي ميزته عن غيره من المجتمعات . ان من اكبر الاخطاء المنهجية ان يلجأ اكاديميون ومؤرخون عراقيون لكتاب بطاطو ، وهم باستطاعتهم تبيان حقائق العلاقات الانتاجية على الارض ، لأن هناك من يعرف دواخل كل بيئة عراقية ، وان الملكيات للارض الزراعية معروفة .. ناهيكم عن تجنب الاخطاء التي وقع بها بطاطو .. انني ادرك بأن اعجابا عراقيا لا متناهيا بعمل المؤرخ بطاطو لئن من يقرأه من غير المضطلعين بشؤون العراق التاريخية سيأخذ ما نشره بطاطو حقائق ثابتة ، وهذا من اسوأ الاخطاء ، فالرجل قد خلط بعض المعلومات بعضها بالبعض الاخر ، وفي تشكيلاته للنسب والارقام زاد وانقص من عندياته فضلا عن كونه درس العراق برؤية ايديولوجية مسبقة وهذا ما يؤخذ عليه تماما ، واذا كان بطاطو قد انهك تاريخنا الاجتماعي العراقي بفرضياته الجاهزة ، فان المؤرخ البريطاني بيتر اسلاكليت قد انهك تاريخنا السياسي العراقي باحكامه البليدة ! وكلاهما من ابعد الناس عن فهم العراق تاريخا ومجتمعا وثقافات .
اننا لسنا بحاجة الى جدولية بطاطو الا للمقارنة مع المعلومات التي بحوزتنا .. وكنت اتمنى ان يرجع كتابنا الى اطروحات عراقية وغير عراقية ليتأكدوا من الاراء التي يحملونها منذ خمسين سنة عن الإقطاع في العراق . وعليه ، فانني اود ان اعلم الاخ الدكتور حبيب بأنني مؤرخ عراقي لن يرجع الى كتاب بطاطو يستقي منه المعلومات ، بل يرجع اليه لينتقده ويوضح الاخطاء التي ارتكبها بحق تاريخ العراق وهذا ما فعلته ولعل الأخ الدكتور حبيب غير مطّلع على بعض اعمالي الفكرية ، ولكنه غير مطلع على كل اعمالي العلمية!".
أشم سيدي الفاضل رائحة غير مشروعة. وفي بعض الأحكام المسبقة التي تعود إلى ما يطلق عليه بعلم النفس الاجتماعي بـ "الستريو توب". فالاستخفاف والتهكم ليس من عادات وتقاليد العلماء والباحثين الجادين الذين أنت منهم. النقد مطلوب , ولكن ليس الاستهزاء والسخرية حتى من كهولته , فنحن جميعاً يمكن أن نمر بهذه المرحلة وليس فينا من يمكن أن ينجو منها بالضرورة. وحين أشير إلى كتاب الراحل حنا بطاطو فهو لا يعني كتاباً مقدساً وليس هناك يسارياً اعتبره كتاباً منزلاً , ولا افهم لم هذا الحكم على قضية لم يقل بها أحد , بل كل اليساريين الجادين الذين أعرفهم اعتبروا كتاب الراحل بطاطو أحد المصادر المهمة التي يمكن العودة إليه سواء للاستفادة منه أم للمقارنة , وهو أول كتاب بهذا السعة والتفصيل ولا يمكن أن يخلوا أي كتاب من أخطاء وفق ما هو متوفر من معلومات في حينها أو حتى أخطاء في التحليل. ولكن إحدى مناقب هذا الجل أنه تصدى لمشكلة لم يتصد لها العراقيون بالطريقة العلمية التي تصدى لها من قبل. ولهذا فعمله ريادي ولا يمكن أي كتاب ريادي أن يخلو من أخطاء أو هنّات. من حق الدكتور الجميل بل , ومن واجبه كباحث ومؤرخ جاد , نقد ما يراه خطأً , ولكن السؤال هو: كيف؟ وهل تستوجب السخرية من كاتب عالم بهذه الصورة , رغم أن المقال الذي نشره عن حنا بطاطو قد تضمن نقداً مهماً , ولكنه لم يتضمن سخرية بقدر ما جاء في حواراته معي حين أشرت إلى ضرورة الإطلاع على كتابه. لديَّ , كما لديه النسخة الإنجليزية والنسخة العربية المترجمة. وحين كنت أستاذا في جامعة الجزائر في العام 1980 بدأ بعض الأخوة الكرام بترجمة أجزاء من ذلك الكتاب لأغراض النشر.
أنت يا صديقي العزيز تنتقد من يعود إلى كتاب أجانب , ولكنك تستشهد بكتاب أجانب في مواقع كثيرة في كتبك, وفي هذه الحوارات الدائرة بيننا نراك تقدم لنا الكثير من الاستشهادات لكتاب أجانب , وليس في ذلك أي خطأ أو عيب. إذ ما العيب في ذلك إن كانت دراساتهم قيمة حتى لو كانت تشتمل على بعض الأخطاء؟ ما نختلف بشأنه لا يستوجب رفضه كلية. يشير الدكتور الجميل إلى أني لم أطلع على دراساته العلمية. ولكني اطلعت على العديد من كتبه وأستطيع أن أقدر نهجه واتجاه تفكيره ومواقفه , وسأسعى للإطلاع على كل كتبه إن وفقت في شرائها. ولكنه هو الآخر لم يطلع أيضاً على أكثر من 25 كتاباً لي وعشرات الأبحاث ومئات المقالات عبر هذا العمر الذي بلغ السبعين ونيف , ولم أذكره بذلك لولا إشارته بشأن كتبه العلمية التي لم أطلع عليها. كما أنه لم يطلع على تلك المسائل التي ناقشها حول مواقف الحزب الشيوعي العراقي من مسألة الأرض , ولكن مع ذلك سمح لنفسه بنقد ما هو غير موجود أصلاً في كتابات الشيوعيين العراقيين , ومنها الموقف من الإقطاع الذي لم يرد في كتابات الشيوعيين على سبيل المثال لا الحصر. وفي الحلقات القادمة سنلتقي مع مسائل أخرى مماثلة. لا أشعر بالراحة النفسية بأي حال حين اقرأ ما كتبه الدكتور الجميل : " ... فإنني أود أن اعلم الأخ الدكتور حبيب بأنني مؤرخ عراقي لن يرجع إلى كتاب بطاطو يستقي منه المعلومات ، بل يرجع إليه لينتقده ويوضح الأخطاء التي ارتكبها بحق تاريخ العراق وهذا ما فعلته ولعل الأخ الدكتور حبيب غير مطّلع على بعض أعمالي الفكرية ، ولكنه غير مطلع على كل أعمالي العلمية". أحس من جانبي بتواضع جم أمام كل الباحثين الجادين , ومنهم الأستاذ الراحل بطاطو وأمام الأستاذ الجميل , الذي أرجو له العمر المديد , ولكن هذا المقطع لم يعلمني في أن أكون أكثر تواضعاً , وكنت أتمنى العكس.

انتهت الحلقة الخامسة وستليها الحلقة السادسة وتبحث في الإصلاح الزراعي.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحل عنا بهدوء الشخصية الوطنية والديمقراطية العراقية والشاعر ...
- أين ألتقي وأين أختلف مع الأستاذ الدكتور سيَّار الجميل ؟لتتسع ...
- في الذكرى الأربعينية لرحيل الأستاذ كامل الجادرجي
- أين تكمن أهمية نداء -مدنيون- في المرحلة الراهنة ؟
- لست أنا المقصود .. بل المقصود غيري ..!
- قتل الناس الأبرياء يعني النهاية القريبة التي تنتظر كل الإرها ...
- لتتسع جادة الحوار الديمقراطي ... ليتسع صدر الإنسان لسماع الر ...
- في الذكرى الأربعينية لرحيل الصديق الشاعر مرتضى الشيخ حسين
- رسالة مفتوحة إلى كافة القوى اليسارية والديمقراطية والعلمانية ...
- ألا تنتهي معاناة الكُرد الفيلية رغم سقوط نظام السياسات الفاش ...
- لتتسع جادة الحوار الديمقراطي ... ليتسع صدر الإنسان لسماع الر ...
- هل من حراك سياسي إيجابي في العراق؟
- تحية إكبار وتقدير للكاتبة والشاعرة بلقيس حميد حسن في دفاعها ...
- بعض الدول النفطية العربية تهيمن على أجهزة الإعلام العربية
- نحو تطبيق إنساني وعقلاني لقانون المساءلة والعدالة
- بين نقد الوعي النقدي والتجريح الشخصي
- ملف خاص في الذكرى العشرينية لمجازر الأنفال وحلبچة ضد الإنسان ...
- ماذا تمخض عن اجتماع قيادتي الحزبين , الحزب الديمقراطي الكردس ...
- ماذا تمخض عن اجتماع قيادتي الحزبين , الحزب الديمقراطي الكردس ...
- حصاد عام مضى وآمال بعام بدأ لتوه!


المزيد.....




- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - كاظم حبيب - لتتسع جادة الحوار الديمقراطي ... ليتسع صدر الإنسان لسماع الرأي الآخر.. أين ألتقي وأين أختلف مع الأستاذ الدكتور سيَّار الجميل ؟ الحلقة الخامسة