أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم سوزه - الفيدرالية وعي جماهيري لمصلحة وطنية















المزيد.....

الفيدرالية وعي جماهيري لمصلحة وطنية


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 2180 - 2008 / 2 / 3 - 11:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل الشروع بالحديث عن موضوع لطالما يعتبر واحد من اكبر المعضلات في المشهد السياسي العراقي الحالي وأحد اهم المواضيع المعقدة والمستعصية على عقلية النخب السياسية الا وهي الفيدرالية، ينبغي علينا اولا توضيح ما يعنيه هذا المفهوم وما هي اهم الدول التي تتبع هذا النظام وما سر قبوله من البعض ورفضه من قبل آخرين ؟ سوف نتناول كل ذلك خلال الاسطر القليلة القادمة بعيدا عن صراخ السياسيين وعويل المفلسين الذين شوّهوا هذا المصطلح اما عن جهل تارة او عن عناد أخرى.
اولا وقبل كل شيء الفيدرالية كمصطلح تعني نظام سياسي واداري يضمن توزيع السلطات والصلاحيات بين اقاليم مختلفة تتحد في دولة واحدة اي بمعنى آخر مجموعة دويلات تتخذ حكما ذاتيا في اطار دولة مركزية واحدة فتكون هناك حكومات محلية فضلا عن الحكومة المركزية وتتوزع السلطات وفق اتفاق سياسي عقدي يكفله الدستور.
يعيش حوالي 40% من سكان العالم في دول فيدرالية وهناك ما يقارب 25 نوع من انواع الفيدرالية في العالم تبعا للاتفاق الذي يتوافق عليه الفرقاء السياسيين واكثر من 76 دولة من بين دول العالم تطبّق هذا النظام في ادراتها وذلك لانه النظام الوحيد على ما يبدو الذي يتكفل بحل مشكلة الحكم بصورة جيدة في الدول التي تضم في ثناياها خليط من قوميات وطوائف متعددة يستحيل معها حكم مركزي دونما حساسية بين هذه القوميات او هذه الطوائف الاّ اللهم حكم دكتاتوري دموي وهو ما لا يرضاه الجميع، فلو اخذنا على سبيل المثال النظام الفيدرالي المتّبع في دولة سويسرا سنجد ان هذه الدولة تضم 22 مقاطعة، حوالي 11 مقاطعة منها تتحدّث اللغة الالمانية لانهم من اصول المانية و7 اخرى تتحدث الفرنسية في حين الاربعة البقية تتكلم الايطالية وقد اختارت هذه المقاطعات النظام الفيدرالي بعد ان كانت عبارة عن دول مستقلة سابقاً اتّحدت فيما بينها وفق نظام كونفدرالي اي بصلاحيات اوسع للاقاليم ثم لتتحول بعد ذلك الى نظام فيدرالي رصين تشترك كل المكونات السويسرية في قيادة وادارة مؤسساتها الدستورية والتنفيذية دون اي تهميش او تمييز.
حتى على مستوى العملة فقد كُتبت قيمة العملة بثلاث لغات على الاوراق النقدية وهي الالمانية والفرنسية والايطالية كي يحس كل مواطن بان هذه العملة تمثله فعلا بالاضافة الى موضوع العلم الوطني الذي جسّد ايضا هذه القوميات بل حتى القطارات والباصات اوضحت اتجاهاتها ومساراتها بهذه اللغات القومية الثلاث، وبهذه الطريقة ضمن السويسريون اتفاق وتوافق الجميع حول دعم النظام السياسي وفيدراليته المطبّقة لان الدولة للجميع وليس لطائفة او قومية دون الاخرى والاهم من ذلك احساس الكل بالمشاركة القوية في حكم البلاد من خلال حرية الممارسة للثقافات والتقاليد والعادات الخاصة بكل قومية وطائفة والتي كفلها النظام الفيدرالي دستوريا.
مثال آخر على النظام الفيدرالي في دولة من دول امريكا الشمالية وهي كندا حيث تطبّق هذه الدولة الفيدرالية كنظام لامركزي يقسّم الصلاحيات والسلطات بين الحكومة المركزية ومقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية، هذه المقاطعة الغنية بالموارد اجرت عدة مرات استفتاءاً للانقسام عن كندا بل ربما تجري كل سنة ذلك ولم يختار سكانها الانفصال اطلاقا نتيجة الرفاهية الاقتصادية والمعيشية ناهيك عن الحرية الطبيعية التي يعيشونها مما يجعل الانفصال نوع من انواع الترف وعدم وعي، فما جدوى الانفصال عن دولة كبيرة ذات اقتصاد ضخم يتمتع اهلها بارقى انواع الحرية والمشاركة السياسية، ليس ذلك سوى عبث فيما لو ارادت الانفصال او مجرد التفكير في ذلك.
اما على مستوى آسيا فلدينا العديد من الدول الفيدرالية اسوةً بالدول الاوربية والهند واحدة من هذه الدول حيث طبّقت هذا النظام بعد ان تحررت من الاحتلال البريطاني وشهدت في البداية مظاهرات شعبية عارمة ترفض الفيدرالية على اساس قومي او طائفي بعد ان طالب به عدد غير قليل من التيارات السياسية الهندية آنذاك والتي ارادت تقسيم المدن والمحافظات المتضمنة لخليط من قوميات وطوائف حسب التوزيع الديموغرافي اي على اساس قوميتها وطائفتها، ولكنها قبلت بالفيدرالية الادراية كواحدة من خيارات حكم الدولة المتعددة القوميات والاديان خصوصا اذا علمنا ان في الهند حوالي اكثر من مئتين ديانة وطائفة، وفعلاً استجابت الطبقة السياسية لرغبة المتظاهرين وطبقت الهند النظام الفيدرالي على اساس اداري بحت يُقسّم الهند اداريا الى عدد من الاقاليم والمقاطعات، لكن الغريب في الامر (وهو ما كان متوقع بالنسبة لذوي النظرة البعيدة) ان هذه الجماهير التي تظاهرت في السابق لتطبيق هذا النوع من الفيدرالية هي نفسها التي انقلبت عليه وطالبت بتغييره نحو تطبيق الفيدرالية القومية والطائفية اي تقسيم المدينة الواحدة ذات القوميات والاديان المتعددة تبعاً لهذه القوميات والاديان ولهذا غيّرت الهند شكل نظامها الفيدرالي واصبحت في عام 1959 دولة فيدرالية مُقسّمة على اقاليم ومقاطعات قومية ودينية وطائفية.
ان السبب الاساسي وراء مطالبة الجماهير الهندية لتطبيق الفيدرالية القومية بدلاً من الفيدرالية الادارية هي المشاكل والتعقيدات الادارية التي برزت فيما بعد نتيجة التعارض والتصادم الذي حصل في بعض الامور الاجرائية والتنفيذية بين القوميات المتعددة للاقليم الواحد واهمها مشكلة المناهج الدراسية وكيفية جعلها ملائمة بحيث توافق وتنسجم مع كل المعتقدات المختلفة الموجودة في المدينة المختلطة فضلا عن صعوبة تبني قانون موحد للاحوال الشخصية على سبيل المثال في مقاطعة فيها معتقدات متعددة، بالاضافة الى تعطيل عدد كبير من القوانين المحلية التي لا يمكن لها ان تستوعب هذا الاختلاف العرقي مما ارغم المواطنين على رفض الشكل الاول للفيدرالية وتبنّي الخيار الثاني اي الفيدرالية القومية بعد ان عرفوا جيدا بانها نموذج حضاري لنظام سياسي عصري وحل مناسب لمشكلة التعدد القومي في اطار الدولة الواحدة، بحيث تستطيع كل قومية او طائفة ممارسة طقوسها وسن قوانينها وكذلك دراسة لغتها وثقافتها الخاصة بكل حرية في اقليمها دون تقاطع او تعارض مع الآخر ضمن الدولة المركزية الواحدة، وعلى هذا الاساس اختارت الهند نظامها السياسي ونجحت بصورة رائعة كغيرها من الدول الفيدرالية في استيعاب التنوع القومي والديني بعد اكثر من 49 عام على تطبيق هذا النظام فشهدت استقراراً مثالياً الى درجة وصلت فيها الى مصاف الدول المتقدمة في المجال الصناعي، كيف لا وهي دولة نووية حالياً.
طبعاً لا مجال لنا هنا ان نذكر جميع الدول الفيدرالية في العالم وندرس اهم خصائصها مكتفين بالامثلة التي ذكرناها اعلاه فقط كي نبيّن مدى نجاح هذا النظام وقدرته على احتواء اي مشكلة اثنية او طائفية او دينية ممكن لها ان تنشأ داخل الدولة الواحدة ناهيك عن ان اغلب الدول الفيدرالية اذا لم يكن جميعها قد نجحت في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية الى حد ممتاز، فمن النادر جدا ان نجد دولة تطبّق هذا النظام وفي نفس الوقت تعاني من مشاكل ادارية او اقتصادية الاّ اللهم في بعض الدول كالاتحاد السوفيتي السابق والسبب هي الدكتاتورية الحاكمة ونظامها الشيوعي الشمولي وليست الفيدرالية على اية حال.
من هنا ومن خلال ما تقدّم ان من يحاول ان يطبّق الفيدرالية القومية او الطائفية في العراق اي تقسيم العراق فيدرالياً حسب الكثافة السكانية القومية والطائفية او حتى الدينية هو بالفعل من يمتلك النظرة المستقبلية الصحيحة والرأي الموضوعي السليم والمنطقي حسب وجهة نظري التي اعتقد انها سوف لن تُستساغ من قبل مدّعي الوطنية وادعياء الحميّة العربية بالتأكيد لانهم يروّجون دوما لفكرة ان الفيدرالية عبارة عن تقسيم او مشروع تفكك مستقبلي يضر بمصالح الشعب العراقي في حين اغلب الدول الفيدرالية ولمدة طويلة جدا تعيش مستقرة ومزدهرة وما الامارات العربية المتحدة الاّ مثال على ما نقول فهي دولة عربية وليست غربية لكنها فيدرالية حتى النخاع، والحق ان النظام المركزي هو الاخطر والاضر بمصلحة الشعب او على الاقل قسم من الشعب دون الآخر وتجربة الحكم الملكي والجمهوري منذ فترة نشوء الدولة العراقية 1920 ولحد الآن خير شاهد على ذلك. حيث من المعروف في دولنا الشرق اوسطية بصورة عامة ان من يسيطر على الحكم في هذه الدول يحاول بل يُجبر كل المكوّنات الاجتماعية على تبني ذات الفكر او ذات العقيدة التي يؤمن بها هذا الحاكم واذا كانت الانظمة العراقية السابقة قد ضيّقت على فئة معينة من الشعب العراقي في ممارسة شعائرهم الخاصة فالخوف ما زال موجوداً من ان تقوم الحكومة الحالية او الحكومات القادمة بممارسة نفس الشيء مع المخالفين لها في المذهب والعقيدة لا سمح الله، لذا فالاولى لنا ولكل مكوّنات المجتمع العراقي دعم النظام الفيدرالي وتأييده في العراق لما له من ايجابيات كثيرة في حل مشكلة التعدد القومي والطائفي والديني في العراق باعتباره ضرورة وطنية ناتجة عن وعي جماهيري لمصلحة عامة استفادت من النضوج الهندي بهذا الخصوص.
يقيناً سوف اكون صفوياً مجوسياً خائناً غير وطنياً محبّاً لتقسيم بلدي من وجهة نظر بعض المزايدين اذا ما قلت بان الفيدرالية التي تكون على الاساس القومي والطائفي اي فيدرالية شيعية وسنية وكردية في العراق كلٌّ حسب مناطقها الجغرافية هي الحل الانسب والامثل من بين الحلول والخيارات السياسية المطروحة لحكم العراق حالياً، لكنّي غير معني بترهات هؤلاء لانني مؤمن بأن هذا النظام يضمن وبشكل مطلق حرية ممارسة العقائد ودراسة الثقافة واللغة الخاصة لكل طائفة او عرق ضمن اقليمها الخاص دون فرض اي فكر او فقه خاص بالبعض على البعض الآخر مثلما كان في السابق ولفترة اكثر من ثمانين عاماً على شريحة معينة من العراقيين، حيث كان يُفرض عليهم فقه ليس فقههم واحوال شخصية ليست وفق مذهبهم ولابد ان لا يتكرر ذلك مع طوائف البلد الاخرى التي من حقها ايضا ممارسة شعائرها وعقائدها بحرية ودون تدخل من الحكومة او اي طرف آخر مهما كان عددها او حجمها في المجتمع، ولا اعتقد ان هناك نظاماً يستطيع ان يضمن ذلك سوى النظام الفيدرالي، واذا كان حب الحرية لكل طوائف العراق يراه البعض تقسيماً وخيانة فيا محلى هذا التقسيم ومحلى هذه الخيانة.
ختاماً انا من الداعمين لتطبيق هكذا نظام على اساس القومية والطائفة في العراق لكن بشرط ان يصار الى اتفاق سياسي عادل للجميع حول طريقة وآلية توزيع الثروات بين الاقاليم والمركز كي لا يشكّك بعض المعارضين لهذا النظام بضرورته والذي يعارضه اغلبهم بسبب تفكير عنصري وعقلية شوفينية عروبية مريضة مُحبّة للتسلط المركزي ليس الاّ.



#سليم_سوزه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحنين الى الحرية
- مازن مكيّة ودعوة الدعوة
- آن الآوان لمحاكمة العقل العربي
- الاعلام بين استقلالية الخطاب وانتمائية الممارسة
- ثقافة العنف ... عنف الثقافة


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم سوزه - الفيدرالية وعي جماهيري لمصلحة وطنية