أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهند عبد الحميد - جورج حبش.. حي في ذاكرتنا















المزيد.....

جورج حبش.. حي في ذاكرتنا


مهند عبد الحميد

الحوار المتمدن-العدد: 2179 - 2008 / 2 / 2 - 10:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كتبتُ مادةً بعنوان "الحكيم رمز ومدرسة" لصحيفة "صوت النساء" تعرّضت فيها إلى مواقف إنسانية وفكرية في تجربة الراحل الكبير. صبيحة اليوم التالي تساءل زميلي الـمختص بالقصة الصحافية بسام الكعبي، بعد قراءته الـمادة: لـماذا اخترت الكتابة التقليدية؟. قلت: ما يهم في الكتابة هو الـملامسة العميقة وطرح الأسئلة الإشكالية؟. رد علي: كثيرون سيتحدثون عن فكر ومواقف الفقيد، لـماذا لا تأخذ بعداً آخر وخاصة في لحظة الفقد. اقتنعت بالفكرة التي تعزّزت عندما قالت لي زميلة أخرى: لـماذا لـم تكتب عن قصص عايشتها مع الحكيم؟ اندفعت بعد هذه الـملاحظات لتجاوز الشكل التقليدي ومحاولة التعبير بأسلوب آخر. بدأت أقدح ذاكرتي مفتشاً عن الجانب الإنساني في التجربة عبر قصص حدثت وكنت شاهداً عليها.
"الجاكيت الجلدي الأسود الذي ترتديه جميلٌ جداً يا رفيق" قال الـمقاتل للحكيم أثناء زيارته إحدى القواعد. نظر الحكيم مبتسماً وقال: "بعرف، لا يوجد عندي غيره وهذه الـمرة مش راح أهديه لأحد". في مرات سابقة عندما كان الرفيق أو الرفيقة يبدي إعجابه بجاكيت الحكيم الجلدي، كان يخلعه على الفور ويقدمه كهدية. حدث ذلك ثلاث مرات، وبعد أن انتشرت الأخبار زاد عدد الـمعجبين بجاكيت الحكيم في مواسم الشتاء، ولـم يعد في الإمكان مادياً وعملياً تكرار الهدية! احتفظ الحكيم بجاكيته هذه الـمرة وعقّب مازحاً: نريد زيادة العضوية على أساس البرنامج والفكر وليس على أساس آخر!!.
كان مخيم تل الزعتر تحت الحصار الـمحكم من كل الجهات ويتعرض لقصف تدميري، خرج الحكيم في جولة تفقدية لـمواقع الـمقاتلين في الجبل، سمع آراء من رغبوا بالحديث، كان يعرفهم ويسميهم بأسمائهم، وحاول تشجيع من لـم يتحدثوا ولا يعرفهم، لفت نظره وجود رفيقة لـم يشاهدها من قبل وفوجئ بأنها زوجة رفيق لـم يمض على زواجهما أسبوعان، اندهش، وسأل: من الذي أتى بكما في شهر العسل؟ سارع الرفيق إلى القول: جئنا ندافع عن الـمخيم. بدأ يتحدث للـمجموعات الـمقاتلة التي تحاول دخول الـمخيم وإدخال ما تيسّر من مواد طبية وتموينية. الـمجموعة التي تسللت في الليلة الـماضية لـم تعد حتى اللحظة، قال مسؤول الـموقع، وقد انعكس ذلك على عمل مجموعات الحماية التي تقصف أجزاءً من محيط الـمخيم لتعيق تقدم القوات الـمهاجمة. تحدث طويلاً حول أهمية إنقاذ أبناء الـمخيم الأبرياء، وأضاف: كل واحد فينا يتخيل أنه داخل مخيم يتعرض للدمار كل واحد فينا مسؤول عن حياتهم. تحدث الـمقاتلون بحمية وطالبوا بوضع خطة للاقتحام وإنقاذ الـمخيم. رد عليهم بالقول: لا نريد الـمزيد من الخسائر في صفوفكم وصفوفهم، نريد إنقاذهم وحمايتهم، لا بد من دراسة رد مشترك مع رفاقنا وإخواننا في القوات الـمشتركة اللبنانية الفلسطينية. أنهى اللقاء متوقفاً عند العروسين الرفيقين، شد على يديهما متمنياً لهما السلامة لقضاء شهر عسل آخر.
قال قائد سيارة الحماية: يوجد قنص في الطريق ( إلى الـموقع القريب من البقاع الذي يود الحكيم زيارته) الدبابات اقتربت من الـموقع والحركة محفوفة بالخطر، هذا ما أبلغنا به الرفاق في الـموقع عبر الجهاز، وهذا ما قاله السائقون الذين توقفوا عن الذهاب. استشعر الـمرافقون الخطر فأرسلوا سيارة للاستطلاع سرعان ما عادت بعد تعرضها للقنص. رغم ذلك قرر الحكيم الذهاب للـموقع وقال مازحاً "أكيد مش راح يصيبونا"!! عند وصول السيارة الأولى تعرضت لإطلاق النار وفي هذه اللحظة تولى مسؤول الحراسة الشأن فأصدر أوامره بالضد من رغبة الحكيم أو هكذا بدا الـموقف، وأقفل الـموكب عائداً لتسود لحظات من الصمت قبل أن يبددها رهان الحكيم الساخر القائل بأن "الجنود لا يصيبون الهدف"!!.
أنهت مجموعات من الطلبة الآتين من دول عربية وأوروبية ومن الأميركيتين معسكراً تدريبياً، وكان الختام لقاء مفتوح مع الحكيم. تحدث الحكيم وبعد ذلك أخذ يستمع للآراء خلافاً لتقليده الـمتبع مع الـمقاتلين. بعض الأسئلة كان نقدياً فوق العادة، وبعضها كان جارحاً، والبعض الآخر عبر عن فخره واعتزازه بمواقف الجبهة الشعبية. بدأ الحكيم الإجابة بالقول: أولاً، أشكر الذين نقدوا رغم أنهم مدوا الأمور إلى نهاياتها، وأضاف، صحيح أن النقد يستفز لكنه يفرض علينا مراجعة الـمواقف ومعرفة أين أخطأنا وأين أصبنا. أريد أن أكون صريحاً معكم، (قالها بنبرة واثقة لا تخلو من عتب): من كان يعتقد بأنه في تنظيم لا يخطئ فهو مخطئ، ومن يرغب في الانتماء إلى تنظيم منزّه عن الخطأ فليسمح لنا بالقول: لانستطيع تلبية رغبتك لأننا تنظيم يخطئ. وتساءل: أتعرفون لـماذا نخطئ؟ثم أجاب بعد هنيهة صمت: لأنكم لا تشاركوننا العمل في مختلف الـمجالات بصفتكم فئة مثقفة متعلـمة، أنتم تنتقدون من بعيد، من خارج العملية وهذا حقكم، ولكن إذا أردنا الاستجابة للنقد فنحن نحتاج لجهود إضافية وربما نوعية. لـماذا لا ينخرط البعض في العملية التنظيمية والنضالية؟، ولـماذا لا تقدمون أفكاركم بصيغة مقترحات وبرامج حتى لو كان ذلك من بعيد؟ ... كم واحد منكم بادر إلى ذلك. انتقل الطلبة الى مواقع الدفاع وشرعوا بنقد أحوالهم.
ما هي علاقتكم بالقوى الثورية في البلد الذي تعملون به؟ السؤال الأول الذي كان يطرحه بنوع من الاهتمام الـمركز لـمسؤولي الساحات والـمواقع. كان يربط نهوض القوى الديمقراطية والثورية في هذا البلد أو ذاك بتطور الـمقاومة وأشكال العمل الجماهيري الفلسطيني. ولا يكتفي بالسؤال بل كان حريصاً على إقامة علاقات تحالف مع تلك القوى، ولـم يتوان عن تقديم الدعم الـمطلوب. في لقائه مع قوى ثورية مصرية قبل اتفاقية كامب ديفيد، انصب اهتمامه على الجانب الفكري والنظري وأكد حاجة الجبهة للتطوّر بمساعدة حلفائها الـمتقدمين فكرياً والذين حققوا تطوراً على هذا الصعيد، وقال: إنه سيعرض على الـمكتب السياسي مشروع دعم طباعة مجلات وكتب ــ صدر قرار بالدعم لاحقاً ــ ولقاءات لنقاش القضايا الشائكة وتبادل الأفكار والـمقترحات.
القضية الثانية التي طرحها بصيغة سؤال: لـماذا لا تطلقوا مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي في سيناء؟حتى وإن كان ذلك بصورة رمزية ودعائية.
وفي لقائه مع قوى سورية ثورية طرح القضايا نفسها إلى حد كبير وشدد على سؤال: لـماذا لا تفكرون بالـمقاومة في الجولان الـمحتل؟ ونحن مستعدون لدعمكم.

الحكيم رمز ومدرسة

توقف القلب الكبير عن الخفقان‘ جورج حبش ضمير ثورة والضمير يبقى حيا.مأثرته الابرز الدفىء الانساني والعاطفة الصادقة ، كان المقاتلون يشعرون بالأمان، بحب واحتضان ابوي من طراز لم يعتادوا عليه. الحكيم يتوحد بالمناضلين والمناضلات بعد إزالته الحواجز عبر حوار مفتوح يسمع فيه كثيرا ويتفوه بالقليل. وفقا لذلك، أنت تذهب عبره الى ثورة من موقع ثقة واطمئنان فتزداد وطنية وثورية. في مجتمعنا كما في المجتمعات الاخرى صورة القائد تترك بصماتها على الجميع. نزاهة تواضع أمانة أخلاق، صفات أصيلة حقا صنعت مصداقية الحكيم وأضحت جزءا من مدرسته الفكرية وشخصيته المميزة.
اندفاعة الحكيم الثورية بدأت مع الفكر القومي الذي احتل مركز الصدارة آنذاك، كان الثابت لديه هو الثورية والمتحرك هو الفكر، صعد نحو القومية بنسختها الناصرية، وتقدم نحو اليسار المقاوم بعد هزيمة المشروع القومي، غادر القومية دون طلاق واقترب من فكر الوطنية الفلسطينية بهويته اليسارية الجديدة.
انجذب يساريون عرب بالمئات الى اليسار المقاتل فأعطوه قوة وزخما بأفكارهم وحواراتهم ، فأعلوا من شأن النقد وساهموا في اسناد الجانب التنويري الحداثي ضمن هذه التجربة الثورية.لكن انفصالهم عن مجتمعاتهم بدون الاندماج في المجتمع الفلسطيني، وضعف بنية اليسار الجديد الفكرية والتنظيمية أعادتهم من حيث أتوا، ذهبوا ليصنعوا يسارهم الجديد على أرضهم ومن داخل بلدانهم، ثم عادوا لينسجوا علاقة جديدة مع اليسار الفلسطيني عبر بوابة الحكيم ا الذي احتضنهم بالدعم والرعاية الرفاقية.، وحاول ان يؤسس محورا جذريا ثوريا معهم.
تجربة الحكيم كانت محط اهتمام منظمات ثورية يسارية عالمية، لكن تلك العلاقة سرعان ما تلاشت بفعل التحالف مع معسكر الدول الاشتراكية وحركات التحرر الدائرة في فلكها.
العنصر الاهم في فكر الحكيم تبنيه لقضية المرأة بما هي قضية تحررية. التحرر الوطني ارتبط عنده بالتحرر المجتمعي ومساواة المرأة بالرجل. كان اقتناعه بقضية المرأة عميقا، فحرص على نصوص برنامجية غير ملتبسة في شأن حرية المرأة وحقوقها، وأقرن النص بمسعى دؤوب في الجانب التطبيقي. وحرص على استقطاب وإشراك وتمثيل النساء والفتيات في كل قضية ومعركة ومفصل.
والتجسيد الاهم في فكر جورج حبش هو الوحدة الوطنية ‘ جسد وحدة اسلامية مسيحية نموذجية في إطار التنظيم والحركة الوطنية والمجتمع داخل وخارج الوطن. ولعب دور صمام الامان للوحدة الوطنية في إطار المنظمة والثورة، صحيح انه اقترب من أنظمة في إطار تحافه السياسي لكنه سرعان ما كان يبتعد عن الانظمة في لحظة تهديدها للوحدة الوطنية، وابتعد عن المنظمة في إطار اختلافه السياسي معها لكنه سرعان ما يقترب ويعود الى البيت، كان يفعل ذلك في الوقت المناسب لان بوصلته فلسطين ولا بوصلة لديه غير فلسطين .
وجسد الديمقراطية بالنقد الذاتي ونقد الاخر بشجاعة وثقة، بابتعاده الطوعي المبادر عن الامانة العامة للتنظيم فاتحا المجال لكفاءات أخرى، كان يستطيع البقاء حتى اللحظة الاخيرة لكنه احترم الديمقراطية وجسدها من موقع الاقتدار وقدم نموذجا رائعا ومميزا. جورج حبش مدرسة علمتنا الكثير انه ضميرنا الاخلاقي الحي والنجم الذي يضيء المسيرة الطويلة حتى نهاياتها الظافرة.



#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة الأبية.. تستحق محاسبة الذات
- فيلم مغارة ماريا..ثورة ضد المسكوت عنه
- استعادة عرفات رمزا ...
- نوستالجيا باب الحارة
- مؤتمران وخريف واحد
- إذا فشل انابوليس..هل نملك خيارا آخر؟
- إذا فشل انابوليس ..هل نملك خيارا آخر؟
- الملك الاسد وصناعة الكراهية
- إنقلاب أسود
- أجمل الزهور لتانيا رينهارت
- معركة الحجاب
- السيكولوجية الفلسطينية
- الجندي الذهبي
- الترابي بين نارين
- الحريات العامة ..مخاوف ومحاذير
- جرائم الشرف
- ارفعوا ايديكم عن اطفالنا
- لم ينتصــروا.. ولم ننهزم
- يوم واحد للمرأة ... لا يكفي
- الطيارون الرافضون: نقطة مضيئة في ظلام اسرائيلي


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهند عبد الحميد - جورج حبش.. حي في ذاكرتنا