أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - حكايات الغربة -2 -















المزيد.....

حكايات الغربة -2 -


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2176 - 2008 / 1 / 30 - 10:08
المحور: الادب والفن
    


1 - حكواتي في بلاد غريبة

كتلة آدمية متحفزة حاضرة, الوجه أسمر مسحوب عن استطالة قاسية غير منفرة, الشعر مسترسل متمرد, والقد الممصوص تنازل عن كل لحمه,وحافظ على بهاء معذب اختزن رحلة العمر يسكن حدقتين ما زالتا على توهجهما رغم سيماء القلق.
تحاضنا ودق القلب على القلب, وأرسل بؤبؤ العين إشارته في رجفة امتطت دفق الم في دمي, حفزّت رغباتي فعبرني البكاء, قلت قبل أن يقول:
- كيف كانت دورة الأيام؟
- بوصلة الجنوب لا تخطئ دروبها, ولا تضيّع حاديها.
- وكيف تطلق المواويل في هذه البلاد؟
- ملأتني الحكايات فانطلقت.
قرأ الحيرة في وجهي فأدركني:
- الحياة لا تقبل الاعتذار.
عن أي شيء يعتذر هذا الجنوبي الذي ناوشته الدنيا, فأدرك حاجة حقل أبيه لبندقية تحرس المحراث, انطلق إلى بيروت,علمته الشوارع والحواري واليافطات وبلاغة الخطاب, أن البندقية بحاجة إلى من يجيد التعامل معها ويطلقها مواويلا.. وفي مدرسة الهدف تعلم على غسان كنفاني, أن الكتاب ضرورة لحماية الحقل, وفهم لماذا توشح أبوه بالبندقية خلف المحراث حتى ذرته القذيفة العمياء, ورسبته مع الهواء الواجم بين مسامات التربة فأورق حنونا أحمر, فأضاف الفتى إلى مواويله موال الحنون الذي يزهر على مدار العام, ويطيّر بتلاته أجنة عصافير لم تفقد لغتها, ولم تعتذر ألسنتها عن ترديد النشيد, حتى وإن وصلت القوافل جنوب الجنوب في فرنسا. قلتُ:
- ماذا تفعل الحكايات, والناس هنا مشغولون عنا وعنكَ ؟
- أُمارس رياضتي فالتواريخ تُكتب على غير ما نشتهي.
غادر جهاد درويش بيروت مع الرجال, عمل صحافيا وناشر كتب ومدرس في الجامعة, وردد حكاياته بالفرنسية وبالعربية لجمهور العرب وهم كثر في البلد المضيف,اتسع الجمهور فانحاز الحكواتي للحكاية, قلتُ:
- وهل تتخذ من الهواية مهنة؟
- في هذه البلاد يستقبلون الحكواتي باحترام.
- هل تدر دخلا يمكنكَ من اجتياز الدروب؟
- صدقني, لم أعد أعرف من منا وقع تحت سطوة الآخر أنا أم الحكاية!
تلكَ الليلة وفي المدينة الفرنسية الجنوبية حاضرت وزملائي حول الكتابة تحت نير الاحتلال, وقام جهاد بالترجمة بأداء ساحر,وبعد المحاضرة شاهدنا سويا الفنان محمد بكري في مسرحية المتشائل.
تسمر جهاد, عيناه مصوبتان نحو المسرح, ذهنه مع المتشائل, يطارد الماضي في الحاضر..
انتهى العرض وأضيئت الصالة, كانت الدموع تبلل وجهه, لم يمسحها وتركها تهبط عند قدمي بكري وهو يتمتم:
- هي الحقيقة لا غير.
صمتنا, تلعثم بكري ولم يحر جوابا, قال الحكواتي:
- تعلمت في مدرسة غسان, واليوم أستكمل دروسي في مدرسة بكري.
أخذه بكري إلى صدره :
- العفو يا أخي جهاد.
- أننا جميعا أولاد الحكاية .
نظر إلى ساعته, كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل, اعتذر لارتباطه بعرض حكاياته في مدينة أخرى, حمل حقيبته الصغيرة على كتفه ومضى بوحهه الأسمر المسحوب على استطالة محببة,وقده الممصوص الذي تنازل عن معظم لحمه..رأيتُ الحكايات تصطف طابورا طويلا من خلفه, غذ الخطى فهرولت الحكايات وأخذت تتقافز من حوله, تداعبه, تتقافز أمامه, لا أدري لماذا خّيل إليّ أنني سمعته ينادي عليها, حتى لا تضيع منه في الزحام..
-----------------
----------------

2 -الريح الدوارة والجدار الصامت

قال الراوي:
كان وسيكون سلطانا حزينا يملك المال والجواري والقصور, يبحث عن حب صادق مع أجمل نساء المملكة, تمنحه الاستقرار والذرية الصالحة..وعندما يدرك الوزير الأول مزاج عذابات مولاه السلطان, يدعو مجلس الوزراء لاجتماع عاجل للبحث في اختيار زوجة للسلطان في سلطنة تعداد سكانها ستة ملايين نصفهم من أجمل نساء الأرض, ما يجعل الوقوف على أجملهن غاية في الصعوبة,وما يجعل المجلس يتفق على تعين وزيرا يختص بشؤون زواج السلطان.
وفي الحكاية.
يكلف الوزير المختص أمهر الخبراء في الحب ومعرفة أمزجة النساء, ويصدر قرارا سلطانيا يحظر الزواج وعدم مغادرة النساء السلطنة لمدة شهرين من تاريخ صدور القرار, تسهيلا لعمل فرق الإحصاء المزودة باستبيان يضم ألف سؤال وسؤال, وضعت من قبل فريق متخصص.
يحين الموعد وتفرغ ملايين الأوراق وتبقى ملايين أخرى قيد البحث, ما يزيد من حيرة السلطان فيمهل الوزير شهرا إضافيا لتقديم الجميلة المطلوبة أو يقطع رأسه.
يلجأ الوزير إلى صديقه السفير الأمريكي في السلطن, فيزوده بآلاف الصناديق العجيبة التي تتغذى على الورق وتفرز النتائج.
وفي الموعد المحدد رسمت الشاشات العجيبة أجمل الجميلات, وهلل الخبراء لصدق توقعاتهم ودقة فروضهم, ما عدا أمر لم تأبه به الفروض, فقد كانت الجميلة ريفية تعيش في قرية عند أطراف الغابة, لكن ذلك لم يشكل عائقا لدى السلطان, فهو سيعيد النظر في أصلها وحسبها ونسبها وفق مقاييس أعدت سلفا في وزارة الدم الأزرق.
المفاجأة أن الصبية رفضت الزواج من السلطان لأن قلبها معلق بالراعي الوسيم,الذي يتغنى بها ويطلق مواويل تضئ أيامها وتجعلها أغنى نساء الأرض.
يغضب السلطان ويأمر بقتل الفتاة والراعي, لكن وزير الأديان يحذر من تسرب الأمر إلى وسائل الإعلام فتروج الأمر إلى فضيحة تؤثر سلبا على السلطان والسلطنة, وإذا تغاضى السلطان عن الفضيحة فإن فقهاء الشرع يحتسبوهما شهيدين يلتقيان في رياض الجنة لقاءً أبديا, واقترح عليه الاستعانة بالساحر العظيم .
استفتى الساحر أبراجه, وسحر الفتاة إلى ريح دوارة هائمة في الصحراء, وسحر الراعي إلى جدار صلد أصم تدور الريح من حوله ولا تلتقي به.
تمر السنون, وتغور الممالك والدول, وتحافظ الصحراء على الجدار الأصم الأعشاب الصحراوية بين مساماته, ترصد نبض الريح, وتوشوش قلب الجدار.
تعبت الريح فلجأت إلى جدتها العاصفة.
ضحكت العاصفة من الريح التي لم تتعلم أن دمعة الصخر تحفر وتتفجر نبعا يفيض بالخير والحياة والخضرة,وتوصي الريح بالصلاة عند الجدار خمس مرات كل ليل ونهار.
ومرت النهارات والليالي, وفي يوم رأت الريح قلب الجدار ينبض ويتحول إلى رمال ناعمة تصبح عاصفة تقطع الصحراء.
***
وفي الحكاية.
يتوقف الراوي, يشرب ماءً بارداً ويتفقد العاصفة في صدور المستمعين,حتى إذا هدأت الصدور, يقوم إلى لوحة ناصعة البياض ويرسم الراعي العاشق.
مستمع يافع يسأل:
- لماذا لم ترسم السلطان؟
لأن زمنه مضى أو سيمضى, ولأن ريشتي لا تستجيب للأحقاد.
- أرسم الصبية إذن.
- لا يستطيع ذلك غير الراعي الذي يتنفسها مع مواويله, ويلعب على وتر روحها مع قوس ربابته.
----------------------
*الحكاية مأخوذة عن الفنان الدمشقي المرحوم برهان كركوتلى الذي تقاذفته المنافي, فراح يجوب العواصم بزي عربي,يجلس على بساط من وبر الجمال, ويعالج ربابة عتيقة ويخبر الناس كيف ذهب السلطان وبقيت الحكاية.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات الغربة -1 -
- حكايات في واقع الحال -3 -
- حكايات في واقع الحال - 2 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -10 -
- حكايات في واقع الحال - 1 -
- بيضاء مثل القمر - قصة قصيرة
- أجندة غزة وشطب الذاكرة - 9
- حكايات عن واقع الحال
- أجندة غزة وشط الذاكرة - 8 -
- غزة وشطب الذاكرة -7 -
- البلياردو
- غزة وشطب الذاكرة -6 -
- الطبيب والزائر الغريب
- غزة وشطب الذاكرة - 5 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة- 4-
- أجندة غزة وشطب الذاكرة-3 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -2 -
- أجندو غزة وشطب الذاكرة
- اجندة غزة وشطب الذاكرة
- بطاقة تهنئة في عرس مصادر


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - حكايات الغربة -2 -