أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - حكايات الغربة -1 -















المزيد.....

حكايات الغربة -1 -


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29 - 09:01
المحور: الادب والفن
    


1- في القطار السريع

- كم تستغرق الرحلة من شفا عمر إلى غزة ؟
- اقل من ساعة بالقطار السريع.
- كم انتظرنا حتى التقينا يا رياض,في توقيت غير الذي اشتهينا, وعلى أرض لم نخترها ملعبا للقاء.
- أكثر من عشرين سنة شوق!!
رياض بيدس قاص يعيش في شفا عمر الجليلية, التي يعلم كبارها صغارها أنها روما الصغيرة,كبر الطفل رياض سأل: - - لماذا روما بالذات؟
- لأن روما معلقة على سبعة جبال.
نظر من حوله, لم يجد غير تلين,فأخذ يبحث عن التلال المسروقة,تصده اللافتات, فقفد حوصرت بلدته بطرق الثعبانية افترشت المرافق والمواقع والأرض.
هلَ الصبا وابيض الرأس, ورطن اللسان بلغة غير لغته, وقرأت العين وسمعت الأذن لغة طارئة, أجبروه على التحدث بها فارتد إلى قريته, أمه, أخته, الناس الحارة المقهى, يدخل دفيئته ويمارس عاداته. العالم ضيق, والتلال توارت, وروما الصغرى تتباهى بتواريخ وحكايات بريئة جميلة, وواقع مصادر مموه ومقلص, تهاجمه يوميا الإشارات وعلامات المرور والعبور, يسأل عن هويته وقد تبدلت لغته, تطل عليه شفا عمر بأدواتها الحجرية منذ سرح الزعتر وزيت الزيتون في عروق الصخر, وسرب رحيقه إلى وجه أمه, وابتسامة أخته, وغضون وجه الجارة والبراويز والصور المعلقة.. البراويز تهبط وترتفع, والفتى يمتشق قلمه يكتب لأقلية مشغولة بالرغيف الذي صار رقيقا يطيره الهواء, أو منفوشا تضيع في فراغاته رائحة الزعتر ويتوه إكسير الزيت, يكتب عن أهله في وطنه "الذي لم يعد وطنه" يرتب الأوراق والأشياء والأشجار والأزهار وعناقيد الكرز, ويحاور السنديان ويلعب بقرون الخروب البنية الجافة على عسلها, يكتشف أن لديه مخزونا كافيا للمبادرة والمغامرة والخروج من الدفيئة الرحيمة إلى أتون النار.. والنار من حوله حرائق تأكل فرص التعليم والعمل وحتى الحلم بأرض لم تعد أرضه ودولة تمثله ولا ينتمي لها, وديانة سحبوها من رحم الرحمة إلى حريق العنصرية والتعصب..وروما مل زالت معلقة على تلين.
***
القطار السريع ينقلنا من باريس إلى مرسيليا ترافقنا الشاعرة السورية سلوى النعيمي مترجمة وباحثة عن قصص في بلاد غريبة, كنت أوغل في وجه الشاب الذي بحثت عنه عشرين سنة, أخجلني وهو يؤكد أنه ما زال يقتفي آثاري على صفحات الجرائد والمجلات, يحمل المسؤولية عني في منفاه القريب.. صمت وتشاغل بمراقبة الريف الفرنسي من نافذة القطار.
بحة سلوى النعيمي :
- هيه وبعدين
قال:
- اتركوني
وعندما أفاق حدق فيَّ يلاحق تضاريس وجهي..همس:
- متى نلتقي ثانية يا غريب؟
- سنلتقي حتما
- إذن زودني بالحكايات حتى نلتقي..
وتحدثنا عني وعنه, وعن خمسين سنة أخذته معي وأخذني معه..صوت سلوى ينتشلنا:
- دخل القطار مرسيليا
في باحة المحطة أخذته إلى صدري وهمست :
- لا تضيع مني في زحام الغربة يا ولد..
***

2 - بيت في بروكسل

اندلقت دمعته الأولى عند سور عكا,وتسربت إلى السراديب, صعدت وسكنت الصبي اليافع, تطفح أريجا ينقر يافوخه ويجثم على لسانه..فلا تسعفه الكلمات, ولا تشفي غليله ثرثرة من حوله,تحركت الدمعة ونملت أصابعه فلاعب ريشته يرسم ساحاته ودروبه إلى السور الذي يحرس البحر, وانطلق ميشيل نجار يروض روحه للفرح الآتي, يذكي شعلة الوهج داخله, يفعمها بالعشق والألوان مهما كان الوقت..
أما دمعته الثانية هطلت وكان نزفها ضرورة ليرتشفها ثرى ولده غسان, الذي افتقدته نواصي بيروت, وشرفات قلب الوالدين, انبثقت زهرة حمراء في مقبرة نائية عند أطراف المدينة, ترفض الانحناء وتقبل وجه الشمس عند الشروق والغروب, تستحلب رحيقها من غور بعيد, وتبقى منتصبة عند رأس صبي غازل الحلم ولم يدخل شعابه.
أما دمعته الثالثة فقد ذرفها ميشيل عند حافة الماء, يوم عاهد الرجال أن يبقى في مرسمه يسجل حالات الناس, يوم ودع المقاتلين المصابين ومبتوري الأطراف الذين كم توكأوا على كتفه في أزقة بيروت, ورسم لهم الأطراف المفقودة وهو المؤمن بأن الأطراف غادرت لوقت معلوم.ولم يكن ميشيل يتوقع في أن ذات المركب ستبحر به إلى الموانئ البعيدة, ضاقت به بيروت, وحاصرته ثعابينها واستأسدت على غسان وضربت وردته الحمراء, ووقفت للصبي في ثراه كي لا يمارس الحلم ويظل الشاهد الشهيد.
حمل كيس أدواته وبقايا لوحات, واصطحب زوجة جبست لوعتها وثلاثة أطفال حملوا حقائبهم المدرسية, ولم يحملوا ألعابهم.
حطت بهم الرحال في بلاد الصقيع حيث يتنازل الربيع عن ألوانه, ويمر الصيف عابرا خجولا.. كل المنافي عصية والبيت مؤقت موطئ انطلاق.
قالت رفيقته:
- لِمَ لا يكون المنفى ساحة فروسية لمن يثق بأدواته ويختزن بلورته.
وقف أمام خرابة مهددة بالسقوط, أهم حسناتها قدم المبنى, وعبق المعنى, وصغر المساحة ورخص الثمن..قلّب بلورته في ضباب بروكسل, امتصت بقايا إشعاعات نفذت من الغيوم وخرجت من البلورة قوس قزح أدهش المارة..
كيف يستحضر الشرقي الستيني قوس قزح, يتكئ على فنه في ظلال الحلم, وبقايا عمر وعنف وتمرد.
البيت على مساحة خمسين مترا لا يزيد, ثلاثة سقوف خشبية وبعض دعامات, أصبح الجاليري والمرسم والنادي والمضافة وملعب الحكواتي ودار الإقامة والبيت الفلسطيني في بروكسل, لا يتوه عنه السائل, تشير الأيدي والعيون والألسنة إلى واجهة زجاجية تعرض مشغولات وبطاقات وأزياء, يقف خلفها رجل أشيب وامرأة أليفة لم تتغلب الأيام على حزنها, دعوتها تسبقها دوما:
- لكم في بروكسل بيت
على المائدة كنا أسرة فلسطينية, ربة البيت فرحة بنا, سألت أطمئن:
- كيف تتدبرون أحوال المعيشة يا أبا غسان؟
- نستضيف المعارض, ونشارك في الفعاليات, وأعلم الخط العربي واللغة العربية والرسم.
- وهل تحقق دخلا يستر الحال؟
أشار إلى صورة معلقة على الجدار لعروسين ينشران ابتسامتهما في المكان:
- ابنتي تزوجت قبل شهرين.
اعتذرت منا الابنة الثانية حتى لا تتأخر عن دروس الجامعة, وبقي الصبي يتأملنا بصمت.
عند الباب همست أم غسان
- لا تنسى بيتك في بروكسل
قبلت يدها ومضيت يلفني ضباب المدينة, أسأل نفسي كيف يضيع منا الرجل, ولماذا تتعذب السيدة في البلد البعيد..ولم أحاصر ماء العين.
***

3 - ماريون في مخيم الدهيشة

حول الكتابة كان اللقاء, وكان علىّ وزميلي الحديث حول الكتابة في ظل الاحتلال, وقراءة نماذج قصصية من إنتاجنا ترجمت إلى الفرنسية,انضمت إلينا السيدة ماريون سيجون متأخرة بعض الوقت بسبب إضراب عمال القطارات, وتساءلت وزميلي عن جدوى وجود السيدة سيجون, ولكنها فاجأتنا بمعرفتها الدقيقة والموثقة لتاريخ شعبنا, وإلمامها الواسع بحياة اللاجئين في المخيمات, تحدثت باندفاع وحماس, وبذلت جهدا كبيرا لإزالة أى لبس أو غموض قد يراود الفرنسيين حول حقوقنا التاريخية.
لم تقدم ماريون درسا جافا في التاريخ أو الجغرافيا, ولم تجهد الحضور بالتنظير السياسي, قدمت فقط تجربتها الشخصية الغنية..عن الفتاة الغضة العفية المتفتحة للحياة,المندفعة نحو المعرفة,التي انساقت زارت إسرائيل وعاشت في الكيبوتس وانبهرت بالتجربة الفريدة,عملت في الحقول وقادت الآلات الزراعية ومارست رياضة ركوب الخيل, وتدربت على السلاح وتعلمت العبرية, وحرست الكيبوتس, وتشربت تاريخ أرض إسرائيل التي انتظرت عودة شعب الله ليعمرها, ويجعل منها جنة في الأرض..علموها أن التاريخ يبدأ بهم وينتهي بهم, وأن أرض الميعاد لم تعرف أقواما غيرهم, ولن تعرف أقواما غيرهم كما وعد الرب.
حتى جاء يوم, كانت وصديقها الإسرائيلي يتنزهان على ظهور الخيل, يمارسان الأشواق تاركان للخيول السير إلى حيث تريد..
وصلت الخيول إلى رابية مغطاة بالأشواك البرية, ونباتات التين والصبار, وبقايا شجيرات,وأبنية مهدمة وبقايا قبور, أصدر حصانها حمحمة حزينة, وأخذ يتشمم شاهد قبر, رأت ماريون كتابة غريبه على شاهد القبر, سألت صديقها عن أسم الموقع, رد باستهتار:
- لا أدري!
- من كان يسكن هنا, هل كانوا يهودا؟
- ربما كانوا من الهمج..
كانت تعلق على صدرها صليبا يسكن نجمة سداسية, شعرت بابن العذراء يبكي في قلبها.
لم تتلق إجابات من عمدة الكيبوتس ,ولم تعثر على الموقع في خارطة إسرائيل الكبرى أو الصغرى, رجعت إلى القبر, رسمت الكتابة المنقوشة على الشاهد, وعادت إلى باريس تبحث عن سيرة الناس وسيرة التاريخ, حتى أخذتها السيرة إلى مخيم الدهيشة, والتقت بأولاد وأحفاد صاحب القبر, وسمعت عن سيرة الخيول العربية التي صودرت مع القرية, قابلت من خرجوا في النزوح الكبير, ومن ولدوا في المخيم, عرفت تواريخ أخرى وجغرافية حقيقية, استوعبت التضاريس والقرى والمدن والأشجار والكائنات, وأخذت تبشر وتناقش وتحاور وتؤلف, أصدرت كتابها الأول بعد جهد وهي تستعد لإصدار كتابها الثاني.
***
في الفندق واصلنا الحوار, قلت:
- مفتاح السلام هو إزالة المستوطنات, والإقرار بحق عودة اللاجئين.
قالت بعربية تعلمتها في مخيم الدهيشة:
- مظبوط ونصف
- وعودة أهل الدهيشة إلى قراهم.
صفقت بفرح:
- على راسي
وفي الصباح تحاضنا كان المسيح يغفو على صدرها مطمئنا..ودعتنا وانطلقت إلى مدينة أخرى للمشاركة في مناظرة حول فلسطين..

**



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات في واقع الحال -3 -
- حكايات في واقع الحال - 2 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -10 -
- حكايات في واقع الحال - 1 -
- بيضاء مثل القمر - قصة قصيرة
- أجندة غزة وشطب الذاكرة - 9
- حكايات عن واقع الحال
- أجندة غزة وشط الذاكرة - 8 -
- غزة وشطب الذاكرة -7 -
- البلياردو
- غزة وشطب الذاكرة -6 -
- الطبيب والزائر الغريب
- غزة وشطب الذاكرة - 5 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة- 4-
- أجندة غزة وشطب الذاكرة-3 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -2 -
- أجندو غزة وشطب الذاكرة
- اجندة غزة وشطب الذاكرة
- بطاقة تهنئة في عرس مصادر
- الضرب على قشرة الدماغ


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - حكايات الغربة -1 -