أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول (5)















المزيد.....


ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول (5)


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2174 - 2008 / 1 / 28 - 12:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول (5)
(سعد محمد رحيم)

أقول اليوم بقوة للماركسيين الذين ألقوا براياتهم في الوحول، ومنهم بشكل خاص كبار الدارسين لماركس، أن كارل ماركس نفسه ما كان ليكون ماركسياً حقيقياً ويبني علماً إقتصادياً سياسيا واجتماعياً في غاية الموضوعية لولا انحيازه المطلق مسبقاً للإنسان المتأنسن فقط من خلال إنكبابه على تشغيل أدوات الإنتاج وهو في النهاية العامل البروليتاري. عبثاً يجتهد المجتهدون في دراسة ماركس كيما يكونوا ماركسيين حقيقيين إذا لم ينحازوا مقدماً للبروليتاريا انحيازاً مطلقاً بغض النظر عن كل الشروط. هكذا انحاز كل من كارل ماركس وفردريك إنجلز فكتبا البيان الشيوعي وأصبحا ماركسيين؛ وهكذا انحاز فلاديمير لينين فكان يتساءل دائماً أمام كل أطروحة: ما فائدة البروليتاريا من كل هذا؟ ؛ وهكذا انحاز جوزيف ستالين فكتب رسالته في العام 1901 حول " المسائل الملحة في الحزب " منتقداً القيادة (بليخانوف ولينين) نظراً لتركيز اهتمامها في تثقيف الإنتلجنسيا أكثر من العمال الذين هم ذوو المصلحة الحقيقية في الثورة الإشتراكية وعمادها الوحيد. وقياساً يمكن القول أن كبار الدارسين للماركسية ما كانوا ليلقوا براياتهم في الوحول لو أنهم كانوا قد انحازوا للبروليتاريا قبل انصرافهم لدراسة ماركس.

من هؤلاء الذين ألقوا براياتهم في الوحول السيد سعد محمد رحيم الذي بذل جهداً مميزاً في دراسة ماركس دون أن ينحاز ولو بمقدار للبروليتاريا. الانحياز للبروليتاريا لا يتم من خلال الشعور بضرورة العدالة والحؤول دون استغلال الإنسان للإنسان فقط بل من باب أولى هو الانحياز للإنسان الذي لا يتأنسن إلا من خلال تشغيل الآلة. السيد رحيم يشارك في بعض ما يكتب أولئك الذين يزعمون بأن الماركسية إنما هي إبنة زمانها ومكانها ولهذا يتوجب طرحها إلى الخلف. فهو يقول .. " ليس من اللائق وضعه (ماركس) فوق التاريخ والنظر إليه من وراء الزمان والمكان وإلباسه جبة القداسة " ؛ بل إنه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عامداً أن يجهز على ماركس فيقول .. " روح الماركسية .. تتجاوز الأسس النظرية والمنهج المادي الجدلي والمادي التاريخي وتلك التصورات كلها التي أطلقها ماركس المتموضع في أوروبا القرن التاسع عشر ". لعل الإعتذار ليس مستوجباً هنا من السيد رحيم طالما أنه ما زال يعتبر نفسه " ماركسياً " إذ أنه يلعب بهذا دور العدو من داخل البيت. والعدو من داخل البيت، كما هو معروف، أشد ضرراً وأبلغ أذىً بالطبع من العدو خارجه، ولنا عبرة فيما صنعه خروشتشوف بالإتحاد السوفياتي الذي عجزت جيوش النازية والفاشية والإمبريالية عن النيل منه لكن خروشتشوف قاده إلى الإنهدام الكلي. من الغريب حقاً أن تجد امرئً، ومن البلدان المتخلفة في العالم الثالث، يستطيل قامته فيزعم أن كل ما جاء به ماركس بما في ذلك فلسفته الجدلية والتاريخية إنما هو مجرد " تصورات " لرجل عاش في القرن التاسع عشر !!

أقول للسيد سعد أن عبقرية كارل ماركس تجاوزت الزمان والمكان طالما أنه هو من وضع أو الأحرى اكتشف بالتعاون مع رفيقه فردريك إنجلز قانون الحركة في الطبيعة بمواده الثلاث: وحدة الأضداد، والتغير الكيفي بعد التغيرات الكمية، ونفي النفي؛ هذا القانون الذي لا يحكم الحركة في الطبيعة فقط بل إنه الطبيعة ذاتها بوحدة شكليها، الطاقة والمادة. كما وضع أو اكتشف قانون تطور الإنسان والمجتمع عبر التاريخ وهو قانون المادية التاريخية. كل الأشياء المادية والحية لن تفلت من نفاذ هذين القانونين عبر كل الأزمنة وجميع الأمكنة. وعليه لا تقل لي يا سعد أن ليس من اللائق أن تنظر إلى ماركس من وراء الزمان والمكان! ليس من اللائق لكنه من الواجب حقاً أن تنظر إلى المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية خارج الزمان والمكان.

إذاً نحن أمام عبقرية أخرى تحتفظ "بالروح النقدية" من كل ما أتى به ماركس من تهويمات وتصورات عتيقة وبالية! حسناً، لنطرح الاستغراب جانباً لبعض الوقت كي نسأل عبقرية السيد سعد محمد رحيم عن التهويمات والتصورات البالية التي جاء بها ماركس؟ نسأله وهو " الماركسي " ـ روحياً فقط بزعمه ـ عن أية أطروحة ماركسية دحضتها عبقريته أو تلك التي انتقدتها فقط أو التي قومتها، كما يقول؟ نقول للسيد رحيم أن أحداً يدعي أنه يحمل روح ماركس النقدية لا يجوز له أن يطلق الكلام الرخيص على عواهنه فيلقى آخراً مثلي يسأله عن الجوز الفارغ الذي يطعم عليه.

كتابات السيد رحيم تشي بأن الرجل قد بذل جهداً كبيراً في دراسة ماركس، لكنه بعد كل هذا وبالرغم من تخصصه في الإقتصاد فإنه لم يفهم شيئاً من قراءته لكتاب (رأس المال). لقد ابتذل ماركس ابتذالاً غير مسبوق فقال .. " الحرية والمساواة والعدالة هي الكلمات الأساسية في (رأس مال) ماركس " . مسكين أنت يا ماركس !! ضيعت من عمرك أكثر من عشرين عاماً منكباً على كتابة (رأس المال) وجاء أساسه بالتالي لا يتجاوز أدبيات الثورة الفرنسية قبل أن تولد بنصف قرن !!

بالرغم من أنه ليس من طبيعتي أن أعرض مشاعري الإنسانية إلا أنني هنا لا أستطيع أن أحبس مشاعر الرثاء والشفقة على السيد رحيم وأقواله المبتذلة. كتاب (رأس المال) لماركس بحث علمي للإقتصاد الرأسمالي بشكل خاص. وأول شروط البحث العلمي هو ابتعاد البحث عن أية مشاعر وقيم، سلبية كانت أم إيجابية، يؤمن بها الباحث، وكان ماركس بالطبع يدرك هذا الشرط جيداً فتتبع دورة الإنتاج الرأسمالي بكل دقة دون إغراض منه على الإطلاق؛ ولو سمح لأية أغراض الدخول في البحث لما اكتسب (رأس المال) بمجلداته الثلاثة كل شهرته التي لا توازيها شهرة أي كتاب آخر.

وفي ابتذال مماثل يقول السيد رحيم أن .. " ماركس فيلسوف الحياة، الخير والمحبة والحق والحرية والجمال، وأية فلسفة لا تضع الحياة بهذا المفهوم مركزاً لها ستتردى بالممارسة ". التعريف العام للفلسفة هو البحث عن الحقيقة المطلقة. الحقيقة المطلقة بالنسبة للفلسفات المثالية هي " ألله " والذي هو بوصف المثاليين والمتدينين الحياة والخير والمحبة والحق والحرية والجمال. لكن السيد رحيم يعلم تماماً أن فلسفة ماركس فلسفة مادية تنفي نفياً مطلقاً كل ما هو وراء الطبيعة. الحقيقة المطلقة لدى ماركس هي حقيقة مادية أولاً وأخيراً وهي "الديالكتيك" وهو حركة النقائض التبادلية في الوحدة الواحدة والتي تشكل جسم الوحدة ووجودها، ولادتها ونهايتها. لا يستطيع رحيم أو غير رحيم الإدعاء بأن الحركة التبادلية للنقائض في الوحدة الواحدة تنطوي على أي معنى، لا الخير ولا المحبة ولا الحق ولا الحرية ولا الجمال. تتسارع جزيئات الماء فتصبح بخاراً وتتباطأ فتغدو جليداً ، وهي ماء في سرعاتها المتوسطة لا لتسقي البشر والحيوان والنبات بل لأن درجات الحرارة العامة لكوكب الأرض هي متوسطة وقد سبق وجود الماء وجود كل أشكال الحياة. وبفعل الحركة الديالكتيكية تتغير الأشياء تغيراً نوعياً على فترات ويتم ذلك في اقتراب نحو الموت والموت يفتقد الحياة والخير والمحبة والحرية والجمال.

لا أملك إلا أن أدعي بأن الماركسيين الذين ألقوا براياتهم في الوحول، حتى وإن جرى وصف بعضهم بجهابذة الماركسية، لا يعلمون منها حتى أبجديتها. لا يجوز الإدعاء بالماركسية إذا لم يدرك المدعي أن الإشتراكية ليست نظاماً إجتماعياً بأي شكل من الأشكال بل هي على العكس تماماً، إنها تغييب النظام القائم مهما كانت طينته. لقد ظل لينين يكرر القول بأن الإشتراكية إنما هي محو الطبقات. أبدى رحيم عبقريته فنقض الماركسية مشترطا .. " عليها أن تعيد النظر بالوسائل التي تقترحها لتحقق وعدها، أو تسير نحو تحقيقه بنبذ العنف أولاً مهما حاولنا أن نعطي لهذا العنف من تسميات وصفات ملطفة. فطرق العنف لم تفض إلا إلى المآسي والفشل الذريع " . وهنا نسأل السيد رحيم عن كيفية إنتقال المجتمع من الرأسمالية إلى الإشتراكية؟ هل يتم ذلك بإقناع الرأسماليين بأن الإشتراكية هي الأفضل وأن عليهم أن يتخلوا طوعاً عن ممتلكاتهم ويعملوا بأيديهم كي يحصلوا على معاشهم؟ تسن الدولة الإشتراكية قانونا يقضي بمصادرة أدوات الإنتاج ملك الرأسماليين فهل يسلم الرأسماليون ممتلكاتهم برضا ودون عنف؟ وكيف تصادر الدولة الإشتراكية أراضي الفلاحين؟ هل سيتخلى الفلاحون طوعاً عن أراضيهم؟ جند السماء يحاربون ذوداً عن مملكتهم فهل الرأسماليون والفلاحون أرقى من جند السماء كما تشي أقوال السيد رحيم؟ الإشتراكية العلمية تقضي بمحو الطبقات؛ لئن ارتضت الطبقات أن تمّحي طوعاً فلسوف يحيي كل من ماركس وستالين مثل هذه الشهامة الاستثنائية ولسوف يصفقان لها بحرارة. عندما انتفض البلاشفة في أكتوبر 1917 واستولوا على السلطة في روسيا لم يكن في برنامجهم استخدام العنف ضد أي طبقة من طبقات المجتمع الروسي آنذاك سوى تلك التي كانت ستحول دون تنفيذ الإصلاح الزراعي الذي كان من الأهداف الرئيسية للثورة البورجوازية في شباط. من استخدم العنف في الثورة المضادة هم الرجعية القيصرية والبورجوازية بمختلف أطيافها وأولهم المناشفة والاشتراكيون الثوريون. ففي آذار 1918، وبحجة معارضتهم لمعاهدة صلح برست ليتوفسك وشروط الصلح مع الإمبراطورية الألمانية، رفع هؤلاء السلاح بوجه البلاشفة وحددوا المعادلة في أن تبيدوا أو تبادوا. الرجعية والبورجوازية هم من فرضوا الخيار الإشتراكي الذي أصبح الخيار الوحيد فقط في العام 1919. عاد البلاشفة إلى استخدام العنف في بداية الثلاثينيات عندما خطط الفلاحون الأغنياء إلى إسقاط البلاشفة عن طريق تجويع العمال وسكان المدن من خلال حرق وإتلاف الحبوب والحيوانات. هل كان على البلاشفة أن يتخلوا عن السلطة لتتم إبادتهم بعد أن كانوا قد قدموا ملايين الضحايا في الحرب الأهلية وحروب التدخل 1918 ـ 1921 كيما يصح نقض السيد رحيم غير الصحيح لكارل ماركس؟ ثم عن أية مآسي وأفشال ذريعة أفضت إليها طرق العنف يتحدث السيد رحيم؟ كان الإتحاد السوفياتي سيكون فردوس الإنسانية لو سلم من ذئاب الإمبريالية المسعورة التي أحاطت به من كل حدب وصوب، من تشرتشل ودالادييه إلى هتلر وموسوليني وفرانكو .. ألخ

يقول السيد رحيم .. " انهيار جدار برلين وتفكك الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية في شرق أوروبا، هذا كله شرع طريقاً آخر (أخرى) للوصول إلى ماركس والتعاطي مع فكره ثانية ". وهكذا يصفق جذلاً السيد رحيم لتفكك الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية، فزوال المشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية سمح للسيد رحيم وأمثاله بالتعاطي مع الفكر الماركسي ثانية بعد انقطاع!! هكذا يقدم رحيم نفسه على أنه من أشد الداعمين لرونالد ريغان في وصفه الإتحاد السوفياتي بإمبراطورية الشر. لكن خروشتشوف وخلفاؤه من القادة السوفيات لم يضربوا السيد رحيم على دماغه كيلا يتعاطى مع الماركسية! ولماذا يربط رحيم انقطاعه عن التعاطي مع الماركسية بوجود الإتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية طالما أنه بداية يدحض ماركس وتصوراته القديمة البالية وقد سبقت وجود الاتحاد السوفياتي؟؟

ويقول رحيم أيضاً أن الماركسية قد غدت في الإتحاد السوفياتي .. " إيديولوجية تسوغ الشر والظلم والموت، توطد باسم العقلانية والنفعية نظاماً توتاليتارياً أو دكتاتورياً بغيضاً... تقوم باسمه أنظمة تدمج الإنسان في ماكنة الدولة من خلال عمل قسري تسلبه حريته " ـ ألا يلاحظ الماركسي جداً رحيم بأنه يغترف من أقوال الإعلام الأميركي الرأسمالي الإمبريالي عن الإتحاد السوفياتي ـ وإزاء مثل هذه الأقوال البغيضة لا يسعني إلا القول بكل ثقة أن السيد سعد محمد رحيم لا يفقه من علوم السياسة حتى لا أقول الماركسية أي مفردة من مفرداتها .. لا الحرية ولا الدولة ولا الدكتاتورية ولا التوتاليتارية. ولدحض مثل هذه الترهات القديمة قدم الإمبريالية أسال .. دولة من تلك التي يصفها رحيم بهذه الأوصاف القبيحة؟ هل هي دولة طبقة استغلالية تختزن ريوع الإنتاج للإثراء؟ أم دولة عصابة (Closed Circle) تنفق عوائد الإنتاج على متعها؟ لمصلحة من تضاعف الإنتاج الوطني في الإتحاد السوفياتي عدة مرات خلال عشر سنوات 1928 ـ 1938؟ كيف لدولة تسلب مواطنيها حرياتهم وترغمهم على عمل قسري، دولة شريرة ظالمة بغيضة، تستطيع وقبل أن تستعد جيداً أن تسحق ألمانيا النازية بجيوشها الهتلرية الجرارة المزودة بكل موارد القارة الأوروبية المادية والبشرية؟ لقد ظهر جلياً في الحرب الفرق الكبير بين العسكر الأحرار وغير الأحرار، الأحرار الذين دافعوا عن حرياتهم باستماتة الجنود السوفييت وغير الأحرار الذين انهزموا في الحرب مثل الفرنسيين والإنكليز والألمان والأمريكان ؛ عندما أوشكت عشرين فرقة هتلرية أن تبيد الجيوش الإنجليزية والأمريكية المطوقة في جبال الآردنز شمال شرق فرنسا ولم يفك أسر هذه الجيوش إلا الجيش الأحمر بعد أن تضرع تشرتشل على التلفون باكياً لستالين في ليلة الخامس من يناير 1945. ليس غير الشعب الحر الذي يستطيع إعمار كل ما دمرته الحرب وهو كامل القسم الأوروبي من الإتحاد السوفياتي في خمس سنوات فقط 1945 ـ 1950 بينما عجزت أوروبا الغربية بالمقابل عن استعادة حالها قبل الحرب خلال ذات الفترة بالرغم من المساعدات الأميركية بموجب مشروع مارشال وقد بلغت 12,5 ملياراً من الدولارات وبالرغم من أن الدمار الذي لحق بها لم يتجاوز ربع الدمار الذي لحق بالأراضي السوفياتية حيث انهزمت القطعان الهتلرية عن أرض محروقة أمام الجيش. ليس أرخص من الكلام المستعار من الصحف الإمبريالية الصفراء يا رحيم! عيب على كل دعيّ بالماركسية أن يأتي بمثل هذه الأقوال الكاذبة والسخيفة.

وأخيراً يدحض رحيم محوراً رئيسياً من محاور الماركسية فيقول بالاحتمال التاريخي بدلاً من الحتمية التاريخية التي قال بها ماركس. ويفهم من مثل هذا الاكتشاف الرحيمي ( نسبة إلى رحيم ) أن الإشتراكية لن تعقب الرأسمالية حتماً بل احتمالاّ، من المحتمل أن تعقبها ومن المحتمل ألا تعقبها !! لكن السيد رحيم لم يكلف خاطره بأن يسأل نفسه عن احتمال غير المحتمل. فإذا كان من المحتمل ألا تأتي الإشتراكية بعد الرأسمالية فما الذي سيأتي؟ لم يسم ِرحيم أي نظام آخر وهو ما يشي بخلود النظام الرأسمالي. وهنا يتجاوز رحيم فرانسس فوكوياما الذي عاد وأنكر نظريته عن نهاية التاريخ عند إقتصاد السوق لكن رحيم تجاوز ذلك وأبّد الرأسمالية. وهو يستحق تهنئة حارة من الإمبريالية على مثل هذا الاكتشاف العظيم لكن لسوء حظه فقد توفيت الإمبريالية قبل ثلاثين عاماً.

لأن السيد رحيم رفض المادية التاريخية، ولا أقول دحضها حيث لم يأت بأي برهان، فقد قال بالاحتمال وليس بالحتمية مما يدلل على عدم فهمه لآلية عجلة التاريخ. ولست أعجب من ذلك فمعظم أدعياء الماركسية لا يفقهون جوهر الصراع الطبقي الذي هو محرك التاريخ. بفعل الصراع الطبقي تتطور قوى العمل عمقاً ومساحة كما تأتي بوسائل إنتاج جديدة. وسائل الإنتاج الجديدة هي التي تقرر طبيعة النظام الإجتماعي الجديد. وهذه الوسائل لم يقررها سوى أدوات الإنتاج القديمة. ولهذا قال ماركس قولته الشهيرة .. الشعوب تصنع التاريخ لكن على غير ما تشتهي.

السيد سعد محمد رحيم من مواليد العام 57، وفي ذلك العام المشؤوم حدث إنقلاب قصر عسكري في الكرملين حيث اجتمع المكتب السياسي للحزب الشيوعي في حزيران بكامل نصابه وقرر سحب ثقته من خروشتشوف، لكن خروشتشوف المتكالب على الزعامة لم يتنحَ عن منصب الأمين العام كما يقتضي النظام في الحزب مثلما كان مالنكوف قد تنحى في العام 54، بل تآمر مع المارشال جوكوف ـ المرشح لعضوية المكتب السياسي وكوفئ بعد الإنقلاب بالعضوية الكاملة وطرد بعد أربعة أشهر ـ الذي جمع جميع أعضاء اللجنة المركزية من أنحاء الإتحاد السوفياتي القصيّة بالطائرات الحربية دون دعوة من المكتب السياسي كما يقضي النظام، وقرر المجتمعون إلغاء قرار المكتب السياسي وطرد جميع البلاشفة وعددهم ستة منه. منذ ذلك الإنقلاب شبه العسكري بدأت الثورة الإشتراكية بالتراجع وكذلك التنمية الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي. طرد البلاشفة من القيادة مكن خروشتشوف وعصابته في قيادة الحزب وقيادة الجيش من إتخاذ قرار بإلغاء دكتاتورية البروليتاريا في المؤتمر العام للحزب في العام 59. أود الإشارة من كل هذا إلى أن السيد رحيم لم يعايش يوماً الثورة الإشتراكية أيام تعاليها وفتح كل الحدود في العالم أمام اشتعالها. الصورة البائسة التي رسمها خرشتشوف وخلفاؤه للإتحاد السوفياتي هي ما دفعت السيد رحيم وكثيرين مثله إلى رفض القواعد الأساسية للماركسية متوهمين أن خروشتشوف وخلفاءه من بعده إنما كانوا يسترشدون بمنارة الماركسية ولم يتحققوا من أن أولئك القراصنة كانوا يجرون المركب لنهبه وإغراقه بعيداً في عتمة الليل البهيم. ليس باستطاعتي بالمقابل أن أثبت اليوم كل الألوان الوضاءة للإتحاد السوفياتي فيما قبل السبعينيات والستينيات بغير بعض الشذرات التي لم تطلها أيادي الأشرار لتمحوها. ثمة ما يشهد على أن الإتحاد السوفياتي خلال النصف الأول من عمره قد احتل دائماً المركز الأول في التنمية المادية كما البشرية. أجمع الذين زاروا الإتحاد السوفياتي في الخمسينيات على أنه كان فعلاً إمبراطورية الطفل ومملكة المرأة وهذا وذاك هما دائماً مؤشران لقمة الأنسنة، كان الإنسان السوفييتي من طينة مختلفة لا مثيل لها في العالم كله وكانت الديموقراطية الحقيقية تتجلى في كل مفاصل دولة دكتاتورية البروليتاريا. كانت أنفاس ماركس ولينين هي ما تنفخ الحياة في شرايين الدولة السوفياتية.

ولنا قبل أن ننتهي من مراجعة عبقرية سعد محمد رحيم أن نسأله بعد أن أكد لنا أنه ما زال يحتفظ بالروح النقدية لماركس بعد أن دحض " تصورات " ماركس المتقادمة وخاصة تلك المتعلقة بطريق العنف نحو تحقيق الإشتراكية. نسأله اليوم فيما إذا كان ممكناً تحقيق الإشتراكية أصلاً، وكيف يمكن تحقيق تلك الإشتراكية، وعن شكل النظام الإشتراكي " الرحيمي " وليس الماركسي طالما أن ماركس لا يقر بأن الإشتراكية نظام إجتماعي دائم ومستقر. نسأله كل هذه الأسئلة منتظرين إجاباته الشافية علنا ننقلب إلى " رحيميين " ولا نعود ماركسيين.

لئن كان علي أن أفتش عن عذر لهؤلاء الماركسيين الذين ألقوا براياتهم في الوحول فلن أجد إلا قصورهم الفكري طالما أنهم لم يمايزوا بين دولة دكتاتورية البروليتاريا بقيادة ستالين من جهة ودولة سماها خروشتشوف " دولة الشعب كله " بقيادة خروشتشوف نفسه منذ العام 1954 وحتى العام 1964 وخلفائه من بعده منذ العام 1964 وحتى الإنهيار الكلي في العام 1991؛ لم يميزوا بين الثورة الإشتراكية تتعالى حتى محاصرة مراكز الرأسمالية في العام 1954 وبينها تخلي مواقعها المتقدمة وتتراجع حتى الإنهيار بعدئذٍ؛ لم يميزوا بين قيادة تسترشد بالمنارة الماركسية اللينينية ودولة تشيح بوجهها عن تلك المنارة. إنني أدعوا جهابذة الماركسية الذين ألقوا براياتهم في الوحول إلى الشروع من جديد بدراسة تاريخية تنصب في الممايزة بين الدولتين والقيادتين. ليس لدي أدنى شك في أن الذين يقولون باستمرار النهج الستاليني بعد العام 1954 ـ وهو قول شائع رغم كل العداء الذي أبداه خروشتشوف وخلفاؤه لستالين وتراثه ـ إنما هم أعداء للإشتراكية يعزفون أنغاماً يحسبونها ديموقراطية وهي ليست كذلك.

فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول بيان الأحزاب -الشيوعية- في بلدان شرق المتوسط
- الدكتور سمير أمين (الماركسي!)
- الحرية مفهوم طبقي (روزا لكسمبورغ في مواجهة فلاديمير لينين)
- نحو فهم أفضل للماركسية
- في (درس ثورة أكتوبر الإشتراكية)
- ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول 4- كاظم حبيب
- من يدافع عن الماركسية؟!
- دور المعرفة في بناء الإنسان
- تقادم أحزاب الأممية الثالثة الشيوعية
- - الحوار المتمدن - بين التغيير والإصلاح
- الدولة ما بعد الحديثة
- خطاب إلى أحد منتحلي الشيوعية - رزاق عبود
- أي دولة، في أي فلسطين ؟
- على هامش الفلسفة
- معزل المتثاقفين
- متى تستحق الإشتراكية ؟
- أوجب واجبات الشيوعيين
- ليس من السهل أن تستمر ماركسياً حقيقياً !!
- ماذا لو انهارت الولايات المتحدة الأميركية؟!
- أين هو المشروع الوطني اليوم ؟ (2) الديموقراطية الشعبية


المزيد.....




- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول (5)