أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - السرد وميثاق التخييل















المزيد.....

السرد وميثاق التخييل


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2174 - 2008 / 1 / 28 - 08:49
المحور: الادب والفن
    


نعرف مع تودوروف أن القاعدة الأولى في توصيف الرواية أنها عمل تخييل، ويتحدث أمبرتو إيكو في كتابه ( 6 نزهات في غابة السرد )* عن ميثاق تخييلي مع جمهور القراء، مع الأخذ بنظر الاعتبار ما يسميه كولريدج بـ ( تعطيل الحس بالارتياب ) "فعلى القارئ أن يعلم أن المحكي قصة خيالية دون أن يعني ذلك أنها مجرد كذب... إننا نقبل الميثاق التخييلي ونتظاهر بأننا نعتقد أن ما يروى لنا وقع فعلاً". وإيكو الذي كتب بضع روايات ترجمت إلى لغات عديدة وبيعت منها ملايين النسخ يدرك أسرار الفن الروائي من موقعين: موقع الناقد وموقع الروائي، وهذا ما يعزز سلطة القول عنده. فهو يجوب عوالم الواقع والخيال إلى جانب البحث في المجال النظري المجرد لاكتشاف الاحتمالات اللانهائية للعلاقة بينهما، واعياً أنه لا قوانين نهائية قارّة تحكم تلك العلاقة. وعدم وجود مثل تلك القوانين يمنح الفن السردي، ولاسيما الروائي، بنية غير مستقرة، ومن هنا كما يقول باختين ليس بوسعنا التكهن بجميع إمكانيات تشكل العالم الروائي.
كم من الواقع وكم من عناصر التخييل المقبولة ينبغي أن ينطوي عليه نص روائي ما بمستطاعه أن يعيننا في معرفة عالمنا الواقعي؟. يخبرنا إيكو أنه لا قوانين متفق عليها تُفرض علينا بهذا الصدد. وإذا كان ماركيز يقول أن الواقع سيثبت آجلاً أو عاجلاً أن المخيلة على حق فإن إيكو يستنتج أن "كل ما لا يسميه النص أو ما لا يصفه بشكل جلي باعتباره مختلفاً عن العالم الواقعي، يجب أن ينظر إليه ضمنياً باعتباره متطابقاً مع قوانين ووضعيات العالم الواقعي". وهو إذ ينبئنا منذ الصفحات الأولى أن ما يشغله حقاً هو وضعية القارئ في نص الحكاية. ومع أن القارئ يجوب عالماً متخيلاً يتوجب عليه أن يكون على دراية كافية بالعالم الواقعي وإلاّ تعذرت عليه عملية التواصل، ولغدا عالم النص بالنسبة إليه أرضاً غريبة. يؤكد إيكو؛ "يجب أن نكون على إطلاع واسع لكي نقرأ قصة".
نخضع لحقيقة أن لا قواعد، في أثناء قراءة عمل تخييلي، نهائية، لاشك فيها، ولا خلاف حولها. فهل هذا يعني أننا سنكون عندئذ إزاء متاهة، أو مجبرين على التعاطي مع معمّيات؟ ما وضعنا، قراءً، إنْ لم تكن ثمة مثل تلك القواعد؟. ينصحنا إيكو بتقديم تخمينات استناداً إلى المعايير الاقتصادية المتحكمة في العالم التخييلي. أن "نفترض هذه القواعد في اللحظة التي نتهيأ لاستنتاجها من النص". فالقراءة مراهنة "نراهن على أننا سنكون أوفياء لاقتراحات الصوت الذي لا يقول لنا صراحة إنه يقترح علينا شيئاً ما".
بم تفيدنا المخيلة؟ أهي أداتنا الفعالة للمعرفة، معرفة أنفسنا والعالم؟ أم وسيلتنا للهرب منهما؟ أم تراها تقودنا في النهاية للتماهي مع عالم الروح؟. يعلن كالفينو أنه يلتمس في المخيلة أداة للمعرفة من النوع الذي يقع خارج ما هو ذاتي، أي أنه نصير لهذا وذاك في الوقت نفسه طالما أن القصة عنده أيضاً "اتحاد بين المنطق العفوي للصور، وبين خطة تنفّذ على أساس قصد عقلاني". لنكون دوماً أمام أفق لا يحد. ذلك أن المخيلة "ذخيرة للكامن والافتراضي ولما لا يوجد ولم يوجد ( قـَط )، وربما لن يوجد أبداً، ولكنه قد يوجد". هنا نبحث في تحقيقنا لفعل القراءة عن ذلك الرابط الجدلي بين المؤلف والمؤلف النموذجي، كما لو أن القارئ النموذجي هو قرين المؤلف النموذجي، تجليه، مرآته، أو ربما ندّه الضروري.
هل في مرحلة ما من فعل القراءة يتحد القارئ النموذجي مع المؤلف النموذجي حيث تتحقق إستراتيجية النص، أو أنهما يتبادلان المواقع؟. إلى أي مدى علينا المضي مع هذه الافتراضات، بالاستناد، طبعاً، إلى إيحاءات وإشارات النص ذاته طالما أننا نتكلم عن قوى في النص لا يمكن تحديدها مباشرة، وقد نختلف على كيفية وجودها ووظيفتها؟. وها هو إيكو ينبئنا أن "بحثنا عن المؤلف النموذجي هو بحث عن بديل، عن صورة أخرى، عن أب ضائع وسط ضباب لا نهاية له، إلى درجة أننا لا نكل أبداً عن التساؤل لماذا هناك وجود وليس هناك عدم"!.
أخيراً يسعى إيكو لتعريفنا ببعض من البروتوكولات التخيليية، وهو إذ يرى أن العبرة في النصوص التخييلية هي مساعدتنا على تجاوز قصورنا الميتافيزيقي، وأن للقصص المتخيلة وظيفة استشفائية، فإنه يتساءل؛ "إذا كانت العوالم السردية تمنحنا راحة كبرى فلماذا لا نحاول قراءة العالم الواقعي بعدِّه رواية؟ وهل لنا أن نؤول الواقع بعدِّه تخييلاً سردياً؟".
يفرّق إيكو، في هذا المقام، بين السردية الطبيعية المرتبطة "بالفعل الذي يحكي سلسلة من الأحداث التي وقعت فعلاً، أو يعتقد المتحدث أنها وقعت أو يريد أن يقنعنا ( وهو كاذب ) أنها وقعت فعلاً" وبين السردية الاصطناعية المتشكلة من التخييل السردي "فهي تتصنع قول الحقيقة أو تتحمل مسؤولية قول الحقيقة في إطار كون خطابي تخييلي". ويعود ليطرح، في استطراداته، سؤالاً آخر؛ "متى يكون ممكناً جعل شخصية تخييلية تعيش في الوجود الواقعي أمراً سهلاً؟". ويرى أن شخصيات من نمط دون كيشوت ومدام بوفاري ولونغ جون سيلفر لاتجد لها مثل هذه الحظوة كما هو الأمر مع شرلوك هولمز وسدهارتا حيث تبدو الشخصيتان الأخيرتان، بعد الفراغ من قراءة قصصهما، وكأنهما من عالمنا الواقعي أكثر من شخصيات شهيرة في الروايات نحس بعد القراءة أنها تخييلية محض.
يشتغل إيكو في الحقل الذي افتتحه نقاد ما بعد الحداثة، فهو لا يقر بوجود نص عاكس للواقع في كليته وحقيقته الصافية. فبينما ننغمس بتأويل الواقع ندرج بعض العناصر التخييلية في ضمن هذا الواقع.. إن مزيجاً من النوايا المسبقة والأهواء والتخيلات والمصالح والشطط والحيل يمكن أن ينتج نصوصاً ملفقة توهم جمهوراً عريضاً بأنها حقائق أو تعبير عنها. غير أننا نلتذ بقراءة الأعمال التخييلية الملفقة حتى وإن وعينا أنها كذلك.. لماذا؟. يقول إيكو؛ "إننا في جميع الحالات، نجاهد من خلال هذه الأعمال، للعثور على صيغة قد تمكننا من إعطاء معنى لحياتنا".
وإذا وافقنا إيكو على بعض تخريجاته فهل لنا أن نقول أن قراءة السرديات ستساعدنا، بهذا القدر أو ذاك، في حمايتنا من أنفسنا والعالم، وحماية العالم منا. أي، بعبارة أخرى، أنها تروِّضنا، تروِّض الوحش فينا؟. أم لأنها ببساطة تجد لذواتنا موقعاً افتراضياً، وهمياً ربما، لكن مطمْئناً، في سياق قصة الكون؟.
من جهة ثانية، يعلمنا إيكو أن الأعمال ذات النسغ السردي تكسب حب الناس وتنجح كلما كانت قابلة للتفكك. ويأخذ أمثلة على ما يقول: فيلم الدار البيضاء لإنغريد برغمان، وهاملت شكسبير، والكوميديا الإلهية لدانتي وكذلك الإنجيل. إذ يظهر أي عمل من هذه الأعمال وكأنه خزان من الألغاز، ويسمح بكل الألعاب التفاعلية الممكنة، "فلكي تصبح الغابة مقدسة، يجب أن تكون أشجارها متداخلة وليست منظمة كحديقة فرنسية".
ولكن لماذا هذا البحث والتأمل "في العلاقة المركبة بين القارئ والقصة.. بين التخييل والواقع"؟. لماذا لا نكتفي بقراءة القصة وحسب؟ بم يفيدنا مثل هذا التأمل؟. يرى إيكو أن هذا التأمل يشكل "نوعاً من التداوي ضد كل تخدير للعقل الذي يولّد وحوشاً ضارية"، على الرغم من أنه يدرك سخف أن نكتفي بفسحات في غابة الرواية علاجاً للمآسي الكبيرة لزماننا.
* ( 6 نزهات في غابة السرد ) أمبرتو إيكو.. ترجمة؛ سعيد بنكراد.. المركز الثقافي العربي.. الدار البيضاء، بيروت.. ط1/ 2005.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس الناقد
- غوايات القراءة: -أن تحسب حصاد السنين بعدد الكتب التي قرأت-
- بحثاً عن ماركس
- رعد عبد القادر ومؤيد سامي: في ذكرى رحيلهما المبكر
- استعادة ماركس
- أسئلة عام جديد
- كاواباتا في ( العاصمة القديمة )
- أحلامنا المؤجلة
- قيم السرد بين كالفينو وإيكو
- حروب المياه
- ( العمى ) لساراماغو
- حفلة التيس؛ فضح البلاغة الرثة للديكتاتورية
- على قلق..
- تباشير فكر النهضة في العراق: 8 نحو الراديكالية
- تباشير فكر النهضة في العراق: 7 بطاطو، والطبقة الوسطى العراقي ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 6 فكر النهضة؛ السرد والصحافة وع ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 5 الشعراء والنهضة ( الرصاقي وال ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 4 الشعراء والنهضة ( الزهاوي مثا ...
- تباشير فكر النهضة في العراق: 3 السياق المصري (من محمد عبده إ ...
- تباشير فكر النهضة في العراق 2 السياق المصري: الطهطاوي والأفغ ...


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - السرد وميثاق التخييل