أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هوشنك بروكا - جمهورية سعدالله خليل















المزيد.....

جمهورية سعدالله خليل


هوشنك بروكا

الحوار المتمدن-العدد: 2172 - 2008 / 1 / 26 - 11:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مقاله المنشور بإيلاف، أمس(19.01.08)، تحت عنوان "تلك الأرض الطيبة تدعى سوريا"، أتحفنا الزميل سعدالله خليل بدفاعٍ طويل عن "جمهوريةٍ مثالية" أخرى، أضافها لرصيد "الجمهوريات الكلامية"(على غرار "جمهورية الكلام" الإفلاطونية)، التي أُطلقت كلامياً،، في الماضي الفلسفي البعيد، عبر هواء "المنطق الطلق".
"جمهورية سعدالله خليل"، هي جمهورية "عربية الهوى والمكان"، هذه المرة، إذ تُعرف في الراهن الرسمي ب"الجمهورية العربية السورية"، التي هي في الحقيقة السورية الراهنة "جمهورية آل الأسد"، و"جمهورية القرداحة"، و"جمهورية الأمن العسكري"، و"جمهورية البعث"....وسوى ذلك من الأسماء والصفات، التي تليق بحال "سوريا الراهنة"، الخارجة عن كلّ المكان وكلّ الزمان.

لدى قراءتي للأول من المقال، بدءاً من عنوانه، حسبتُ أن الكاتب الزميل، سوف يتطرق إلى سوريا، بإعتبارها أول المكان، وأول المدينة، وأول الإستقرار، وأول الزراعة، وأول الري، وأول الكتابة، من وجهة نظر تاريخية، ميثولوجية، إسطورية عتيقة، كما كان قد درسها الباحث والمفكر السوري المعروف فراس السواح، في سلسلة أبحاثه عن "مغامرة العقل الأولى/ دراسة في أسطورة سوريا وبلاد الرافدين" (1976)، و"لغز عشتار" الله(1985)، ودين الإنسان"(1994)، و"آرام دمشق وإسرائيل" (1995)، و"الأسطورة والمعنى" (1997)، وسواها من الدراسات والأبحاث، التي تناول السواح في بعضها، "سوريا" وجاراتها في "المكان القديم"، ك"أولٍ للأبجدية" و"أولٍ للمستقر".

إلا ان الجديد على مستوى "المكان السوري"، في خطاب الزميل، هو أنه حاول التأسيس ل"جمهورية كلامية" جديدة، عربياً، لا وجود لها، إلا في الكلام المولّد للكلام.
ف"سوريا" أو "تلك الأرض الطيبة"، التي تناولها الكاتب سعدالله خليل، هي "سوريا كلامية"، يمكن لأي باحث عن شئون المنطق والكلام، أن يقرأها في بطون "مجلدات كلامية"، هي من الكلام إلى الكلام.
"سوريا زميلنا"، هي سوريا نريدها ونبتغيها، لا تلك التي عشناها(ونعيشها) وعاشرناها (ونعاشرها). "سوريا، تلك الكلمة الطيبة" التي من كلام الزميل، هي سوريا نسعى إليها، ونرجوها، ولكنها في الواقع والمعاش، لم تلد ولم تولد بعد.

ففي الأول من تأسيسه، ل"الجمهورية الكلامية"، يقول الكاتب: " لم أعد أذكر اسم ذلك العالم الذي قال: (على كل إنسان متحضر أن يقول: إن لي وطنان. الوطن الذي أعيش فيه، وسوريا). فسوريا إذن أصل الحضارة، والبلد الأول للإنسان، منها انطلق، واعتنق، وبنى البلدان. وأوروبا التي كانت في بحر من الظلمات أخذت حضارتها عن سوريا، دون أن نبخس مصر حقها، واليونان. فمنذ الألف التاسعة قبل الميلاد استصلح السوري الأرض، واستقر فيها، وبنى في العالم أقدم المستوطنات الزراعية- تل المريبط في حوض الفرات".

نعم، كانت هذه سوريا الماضية، التي باتت تُعرب الآن، بإعتبارها خبراً "ثقيلاً" ل"كان" وأخواتها. ولكن الغريب، هو أن كاتبنا الزميل، يحاول ان يساوي بين سوريا "الميثولوجية"، الماضية، كأولٍ للحضارة، وسوريا الراهنة القرداحوية، كأولٍ وربما آخرٍ للديكتاتورية.
فهذا الكلام عن "الوطن الكلامي"، يشبه في بعضه، إلى حدٍّ كبير، ذلك الخطاب العربي الممجوج، الذي طالما انتقده الزميل، وأقصد الخطاب العائد إلى الوراء، والذي يبكي دائماً على "خلفه" الماضي، ببلاده الماضية، وعلومه الماضية، وحضارته الماضية، التي كانت في مقدمة العالم الماضي، فيما الأوروبيون كانوا يسبحون، زمانئذٍ، في بحرٍ من الظلمات!!!"
فأين هي "سوريا الوحشية" الراهنة من حضارتها الماضية؟
أين هي مدنها "الخراب" الراهنة، من مدنها العامرة الماضية؟
أين هي "استخراب" أرضها الراهنة وزراعتها، من "الإستصلاح" الذي كانته ذات الأرض الماضية، أيام زمان؟
أين هي "سوريا الأسد" من "سوريا أدونيس"(أدونيس، هو من أشهر آلهة الخصب في الميثولوجيا السورية)؟

كاتبنا الزميل، العزيز، يرى في سوريا(ه)، أو "جمهوريته الكلامية"، "ملاذاً للهاربين من أوطانهم خوفا من الموت، أو من جحيم التمييز والاضطهاد القومي والديني والسياسي. ووطناً لمن لا وطن لهم يلجأون إليه. فتحت لهم أبوابها واحتضنتهم وأمَنتهم وصاروا جزءا منها، ولن نذكر أواخر القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين. بل الأزمان الأخيرة، وخير شاهد، العراقيون الذين لم تُفتح لهم أبواب دولة عربية، كما فُتحت لهم أبواب سوريا. وأيضا الفلسطينيون الذين لم ينالوا حقوقاً كما نالوها في سوريا، فمنذ (1948) وهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوظيفي السوري". انتهى الإقتباس.

ولا أدري، أيّ "ملاذٍ" آمنٍ يمكن أن تكونه "جمهورية الكلام" ل"الغرباء" الذين "لا وطن لهم"، في الوقت الذي لا يمكن لها ان تكون ملاذاً لمواطنيها الأصليين، الذين هم من شحمها ولحمها.
وهل من "تمييزٍ وإضطهادٍ قوميٍّ ودينيٍّ وسياسيٍّ" لعين، يمكن الحديث عنه، أكثر مما هو قائمٌ على قدمٍ وساق في "سوريا الأسد"؟

ودليلنا على ما شطح به الزميل، كما تشطح سوريا بقيادة دكتورها المناضل(حفظه الله) بشار الأسد، على الطالعة وعلى النازلة، يكمن في الإجابات الطويلة على هذه الأسئلة السهلة، الكثيرة، والتي لاتزال قائمة، على طول سوريا وعرضها:
من حرّم عشرات الآلاف من المواطنين الأكراد الأصليين(حوالي 300 ألف كردي)، عبر ما يسمى ب"الإحصاء الإستثنائي 1962" السيء الصيت، من حق التجنس بالجنسية السورية، أسوةً بسائر المواطنين؟
من سمّى مواطنيها الأكراد المولودين في سوريا، أباً عن جد، ب"الأجانب السوريين"، أو "مكتومي القيد"، وبالتالي، أخرجهم من كل حقوق المواطنة السورية، خلافاً لكل الأعراف الدولية المتعارف عليها، علماً أن هؤلاء لا يزالون "مواطنين ممنوعين"، لا إعراب لهم في الجملة السورية، وخارجين عن كل الحقوق، إذ يعيشون كمواطنين "مفترضين" في "سوريا الخارج"، أكثر من عيشهم في "سوريا الداخل"؟
من صادرَ أراضي مواطنيها الأكراد في مناطق الجزيرة، ومنحها، تحت شعارات شوفينية معروفة، ل"عربها" الوافدين من مناطق قصّية في الداخل والشمال السوريين؟
ومن وقام ببناء مستوطناتٍ نموذجية لهؤلاء العوائل العربية الوافدة، شبيهة، بتلك "المستوطنات الإسرائيلية"(أكثر من أربعين مستوطنة)، لتغيير المعادلة الديموغرافية، في شمال شرقي البلاد، ذات الأغلبية الكردية؟
من خطط وأسسّ لما يسمى ب"الحزام العربي" الأمني بإمتياز، الواقع، راهناً، والمطوّق للمناطق الكردية، في الجزيرة السورية؟

من هو المخطط والمنفذ الفعلي، في "جمهورية الكلام السورية"، للمجازر الطائفية المرتكبة بحق السوريين من الطائفة السنية، في مجزرة حماة(02.02.1982)، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي؟
حسب تقريرٍ للجنة السورية لحقوق الإنسان، بلغ ضحايا احداث حماة فقط 30ـ 40 ألف إنسان، جلهم كانوا من المدنيين.
وبحسب تقارير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فقد بلغ ضحايا مجزرة سجن تدمر(27.06.1980)، حوالي 1000 قتيل. وفي مجزرة حي المشارقة حيث قتلت صبيحة عيد الأضحى 83 مواطنا أنزلوا من شققهم وحصدت أرواحهم، ومجزرة سوق الأحد التي أودت بحياة 42 مواطناً وجرح 150 آخرين. ومنها أيضاً، مجزرة الرقة التي راح ضحيتها عشرات المواطنين الذين لقوا حتفهم حرقاً بعدما جمع المعتقلون في مدرسة ثانوية وأضرمت النيران حولهم، بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبها نظام القرداحة، في مجزرة حماة الجديدة(الملعب البلدي، 04.02.1982)، ومجزرة حي سوق الشجرة(حوالي 160 مدني)، ومجزرة حي البياض، ومجزرة سوق الطويل، ومجزرة سوق الدباغة، ومجزرة حي الباشورة، ومجزرة حي العصيدة، وحي الشرقية، وحي الشمالية، وحي البارودية، ومجزرة الجامع الجديد، ومقبرة شريحين، ومعمل البورسلان، ومجزرة العميان، والعلماء، ومجزرة الأطفال، والفتيات، ومجزرة المشفى الوطني وسواها من "مناسبات" الإبادات الجماعية، التي "تلذذ" بها القائمون على شئون القتل الطائفي آنذاك(يُنظر تقرير المنظمة الآنفة الذكر، 02.02.06).

ثم لا أدري كيف يفتخر الكاتب الزميل بسوريا(ه)، أو "جمهوريته السورية الفاضلة"، لأنها "فتحت" أبوابها للعراقيين "الذين لم تُفتح لهم أبواب دولة عربية" أخرى، كما ذهب.
"من يدري يدري، ومن لا يدري، فهو كف عدس"، على حد قول المثل.
كل عراقي التجأ لسوريا "المفتوحة الأبواب"(على حد قول الزميل)، يعرف أن طريق اللجوء إلى أحضان دمشق(قلعة العروبة)، لم يكن مفروشاً بالورد والياسمين(إلا لقلة قليلة جداً)، كما قد يتوهمه البعض. فالعشرات مممن التقيتهم شخصياً، من العراقيين اللاجئين، في "مكاني السوري"(الجزيرة تحديداً)، فقدوا حياتهم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، نتيجة "مأمورياتهم"، أو أدائهم ل"الواجب"، كما كان يسمى. فهؤلاء كانوا مأمورين، بأوامر رئيس مكتب حزب البعث العراقي، المقيم في سوريا، والمسمى ب"أبو مدين" آنذاك، لتنفيذ عمليات "تخريبية" في الداخل العراقي، تلبيةً لأجندات "سوريا الزميل" البعثية المعارضة، ل"العراق الشقيق".
آخرون قضوا سنيناً طوال، في سجون سوريا "المخابراتية"(وما أكثرها)، لمجرد "وشوشة أمنية"، تلقتها السلطات السورية من هنا وهناك.
فأيّ وطنٍ "مضيفٍ"، هو ذاك الذي يفتخر الكاتب بفضائله، إذ يرسل ضيوفه "المعززين المكرّمين" إلى غياهب الموت "البعثي"، المؤكد؟

أمّا عن الفلسطينيين، فمن دخل "المخيمات" الفلسطينية المنتشرة في أفقر ضواحي دمشق، واطلع على حال "حقوق" قاطنيها، يعرف بالتأكيد، كيف يُعامل الفلسطينيون ك"غرباء"، و"أرباع مواطنين"(هذا في أحسن الأحوال)، وليس ك"جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوظيفي السوري"، إطلاقاً، كما ذهب الكاتب.
هذا عدا استخدام النظام السوري، "فلسطينييها"، كورقة سياسية، تحت الطلب، لعب بها على الدوام(ولايزال)، وقت الحاجة و"الضرورة السورية"، مع أعدائها، على أكثر من جبهة وصعيد. ولعب النظام السوري(ولايزال)، على حبال القضية الفلسطينية عامةً، وعلى "فلسطينييها"، على المكشوف، وذلك بتحويلهم إلى أحزاب، ومعارضات، ومشاورات، وبيانات، ومظاهرات تحت الطلب. لا بل ذهب النظام أبعد من ذلك، أحياناً، إذ استخدم القضية الفلسطينية، عبر جماعاتها الخاصة، إلى "جيوب إرهابية"، لركوب أجندات إقليمية مكشوفة(جماعة فتح الإسلام بقيادة شاكر العبسي مثالاً).
فمَن من العرب(كل العرب)، استفاد من مأساة الفلسطينيين، وتشرد قضيتهم، أكثر من "سوريا الحركة التصحيحية"، ونظامها الذي ترك جبهة جولانه، ليحارب "الأعداء"، في جبهاتٍ بعيدة، بلبنان وفلسطين.
وربما "تقديراً" ل"قدس العرب وفلسطينييها" منح النظام المخابراتي السوري إسم "فلسطين" لأوسخ، وأشنع وأشهر فرع مخابراتي(في دمشق قلب العروبة النابض)، لممارسة شتى صنوف التحقيق القذر، والإرهاب، والرعب، والتعذيب المنظّم.

يتابع الكاتب حديثه عن سوريا "المتعددة المتآلفة"، قائلاً: "ولا بد أيضا لكل إنسان يتصف بالصدق والموضوعية- مهما كبرت أو صغرت درجة قصر أو مد النظر لديه- أن يرى تلك الفسيفساء البشرية السورية، وتناغمها وتآلفها بالرغم من تعدد ألوانها وأشكالها ومشاربها". انتهى الإقتباس.
وهنا أسأل الكاتب أيضاً، من كان السبب في تحويل مباراة كرة القدم بين فريق الفتوة الديري(دير الزور) وفريق الجهاد ذي الأغلبية الكردية(القامشلي)، قبل سنوات(12 مارس آذار 2004)، إلى مباراة دموية، ما أدى إلى سقوط حوالي 40 قتيل(كردي حصراً) وعشرات الجرحى؟
أليس القائمون على رأس النظام في محافظة الحسكة، هم الذين حوّلوا المباراة إلى فتنةٍ(كانت مدبّرة)، واقتتالٍ بين عرب الجزيرة وأكرادها؟
أغلبية المصادر(كردية وغير كردية)، أكدت على تورط محافظ الحسكة آنذاك، سليم كبول، في القتل المدبّر، بإعتباره رأساً للفتنة، لأنه كان المبادر الأول، في استعمال الرصاص الحي، من خلال مسدسه الشخصي، كما ثبت.

كل أحداث الثمانينيات، التي انفجرت في محافظات الداخل(حماة وحلب)، وقعت لأسباب سياسية طائفية بإمتياز، فالشارع السني السوري لا يقبل الشارع العلوي السوري(والعكس بالعكس)، والشارع العربي لا يقبل الشارع الكردي، والأسباب معروفة بالطبع، تتعلق بالإحتقانات المتراكمة، من جراء الممارسات السياسية الخاطئة، ل"أهل الخطأ" القائمين على شئون "سوريا الخاطئة".
فعن أيّ "تناغمٍ وتآلفٍ" بين ألوان الطيف السوري يتحدث الكاتب، في وقتٍ يعلم القاصي والداني، أن حق الحكم الفعلي، في سوريا، محصورٌ في "آل الأسد"، المحسوبين على بعضٍ قليلٍ، من الطائفة العلوية، منذ انقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970. وبالمناسبة، ليس من الصحيح القول بأن الطائفة العلوية تحكم سوريا، كما هو شائع. وعلى رأي أحد أقطاب النظام السابق، عبدالحليم خدام، وأحد مهندسي "سوريا الخاطئة"، فإنّ هناك مجموعة بين 300 الى 500 مستفيد من النظام، لكن مئات الآلاف من العلويين مقهورون، وليست الطائفة هي المستفيدة او الحاكمة، حافظ الاسد كان حاكماً وهو استخدم الطائفة".
ف"سوريا الأسد" استخدمت(ولاتزال) الطائفة العلوية شماعةً لحكمها، أو ك"قميص عثمان"ها، عند الضرورة.

وعن لبنان، هكذا يبرئ الكاتب "ذمة سوريا"، بإلقاء كل "لاإتفاق لبنان"، و"حروب اللبنانيين فيما بينهم"، بقوله: "والخلافات في لبنان منذ الاستقلال، سببها ومصدرها الرئيسي أهل لبنان، وسكان لبنان، وتركيبة النظام والدولة اللبنانية، والتبدلات الديموغرافية. وفي كل طائفة لبنانية ألف خندق وألف زعيم وألف دكان. فمتى اتفق اللبنانيون؟ ومتى خمدت الحروب الأهلية فيما بينهم؟ (1958-1974). لا بل متى خمدت الحروب داخل الطائفة الواحدة؟ ومتى تفاهم اللبنانيون على شيء؟ ومتى استطاعوا أن ينتخبوا رئيسا لدولتهم، الذي منذ الاستقلال تقرره لهم الدول الأجنبية: الفرنسية والأمريكية والعربية!" انتهى الإقتباس.
وإذا كان اللبنانيون فعلاً، هم أس مشاكل لبنان(هم) وأساسها، فلماذا احتلت "سوريا الأرض الطيبة"، بقيادة "نظامها البعثي الطيب" لبنان، وركَبته، ونهبته، وأفسدته، وخرّبته، وعصّرته، واستعمرته، وقتلته(ولا تزال)، ومسخته، وجثت على صدور أهله، قرابة ثلاثة عقود من الزمن اللبناني الصعب(1976ـ2005)؟
كل العالم يقول أن سوريا لا تزال تقتل لبنان، وتُعطّل لبنان، وتخرّب لبنان، وتمنع لبنان، وتقسم بين لبنان ولبنان، وتبني وتدعم "جيوبها" الأمنية، وحدائقها الخلفية في لبنان(حزب الله مثالاً)، فيما كاتبنا الزميل يردد مع ماكينة الإعلام السوري، أن "مصدر مشاكل لبنان هو لبنان نفسه".

تحدّث الكاتب، مطولاً، عن "إنجازات" سوريا "التصحيحة"(نسبة إلى الحركة التصحيحية، وهي التسمية البعثية لإنقلاب حافظ الأسد على صلاح جديد 1970). فحدثّنا عن "حرية الأديان والعبادات وممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة"، إلا أنه لم يخبرنا عن حرية التعبير والرأي وعن حرية السياسة وأهلها، الذين يُعتقلون يومياً، على أيدي رجال الأمن والمخابرات، "الطيبين"، في "الجمهورية السورية الطيبة".
الكاتب الزميل، لم يخبرنا عن سوريا "تلك الأرض المعتقلة"، وعن "سوريا السجن"، وسوريا الديكتاتورية"، و"سوريا البعثية العفلقية، التي اختزلت كل ألوان موزاييكها إلى اللون الواحد الأحد"، و"سوريا الأمنية"، و"سوريا المخابرات العسكرية"، و"سوريا الأسد إلى الأبد"، و"سوريا الكيفية، الخارجة على القوانين، والأعراف الدولية، والشرعيات، والإنتخابات إلا بنسبة 99,99"، و"سوريا الفساد"، و"سوريا حاضنة الإرهاب"، و"سوريا تحت خط الفقر"،ووو...إلخ.

الكاتب لم يحدثنا عن اعتقال د. وفاء حوراني، وميشيل كيلو وأكرم البني وجبر الشوفي وأحمد طعمة وكمال اللبواني وأنور البني ووليد البني وياسر العيتي وعلي العبدالله، وأحمد طعمة وآخرين، إضافةً إلى العشرات من معتقلي الرأي الأكراد، القابعين، تحت ظروفٍ جداً قاسية، في السجون والمعتقلات السورية.
ولم يخبرنا زميلنا، عن "سوريا الخربانة اقتصادياً"، التي اعتقلت أحد أكبر المفكرين الإقتصاديين العرب، البروفسور عارف دليلة(عميد سابق لكليتي الإقتصاد بجامعتي دمش وحلب)، في سبتمبر/ أيلول 2001، لإلقائه كخبير محاضرة عن "الإقتصاد السوري: المشكلات والحلول"، وحكمت عليه في محكمة أمن الدولة شبه العسكرية، بالسجن عشر سنوات مع الأعمال الشاقة.
وكذا لم يكشف لنا الكاتب عن ملف ما يقارب 17000 مفقود، اعتقلوا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي واختفت آثارهم(يُنظر التقرير السنوي الأخير الصادر عن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، 15.01.08).

ثم ماذا عن "سوريا الفقر الكبير"، فحسب دراسةٍ أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية مع المكتب المركزي للإحصاء وهيئة تخطيط الدولة العام الماضي، "ان نسبة الفقر في سورية بلغت 11.4 بالمئة من عدد سكان سورية اي ان 2.2 مليون سوري هم ضمن خط الفقر الأدنى و30.1 بالمئة من السوريين ضمن خط الفقر الأعلى .
وحسب دراسةٍ أخرى لعميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية د. وائل الإمام، فقد بلغت نسبة السوريين ممن هم تحت خط الفقر 30.13 % (سوريا الحرة، 11.04.07).

وماذا عن "سوريا المشرّدة"، و"سوريا القمامة"، حيث جاء في أحد التقارير التي نشرتها وكالة آكي الإيطالية للأنباء، أن "عدد نابشي الحاويات في العاصمة السورية دمشق وريفها يبلغ نحو أربعين ألف نابش، وأنهم يتسببون بأذى بيئي للمدينة لا حدود له". ويضيف التقرير، "أن نابشي الحاويات يشكلون تكتلاً أشبه بـ "المافيا"، وأنهم يسيطرون على "مكبات" النفايات حول دمشق ويؤجرون أكوام القمامة للبحث فيها، كما يقومون باستئجار أطفال لهذه الغاية ينتشرون في معظم أحياء دمشق صباحاً ومساءً لإفراغ الحاويات والبحث بأكياس القمامة عن كل ما يمكن الاستفادة منه كالبلاستيك والمعادن والورق"(آكي، 22 أوكتوبر/ تشرين الأول 2007).

هذا غيضٌ عن "سوريا الخراب الفيض". فالكتابة عن سوريا المسكوتة عنها في خطاب الزميل سعدالله خليل تطول، ولكني أكتفي بهذا القدر، وأختم مكتوبي ببعض قصيدةٍ للشاعر السوري الأصل والروسي الجنسية غيورغي فاسيلييف، بعنوان "سوريا"، إذ يقول فيها:
سوريا
ليست صفةً او اسماً
ولافعلاً او حرفاً
ولا فاعلاً اومفعولاً
ولاعاقلاً او معقولاً
مبتدأ كانت، و ِلكَانَ صارت خبراً



#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كردستان في مهّب الفساد
- شعب الله الشفوي
- القذافي ديكتاتوراً -نبيلاً-
- شنكَال، ظلاً للسيدة الأولى كركوك
- هل الإيزيدية دينٌ اسمه رجل ؟!
- مانديلا(نا) ومانديلا(هم)
- كردستان تأكل نساءها
- وطار الرئيس...
- المام جلال ومحامي الشيطان
- د. سعدالدين إبراهيم: لا فرق بين الزرقاوي وهوشي مينه إلا بالت ...
- أكراد الله وأكراد الشيطان
- صناعة الأعداء عربياً
- الأسد: هوية مقلوبة للجولان المقلوب
- دولة الجبل والعبور التركي الصعب
- بشار الأسد: -عنترة- في أنقرة
- العراق الممكن و-العراقات- الواقعة
- كردستان المطارَدة
- الإيزيديون: نزلاء الذات اللامتفقة أبداً
- الإنتيليجنسيا الزئبقية
- كردستان في زمن الكوليرا


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هوشنك بروكا - جمهورية سعدالله خليل