أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - قتلى الورق أهم من قتلى الشوارع














المزيد.....

قتلى الورق أهم من قتلى الشوارع


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 673 - 2003 / 12 / 5 - 02:39
المحور: الادب والفن
    


في هذا الزمن العراقي الاستثنائي والغريب والفاجع لا شيء يثير العجب بما في ذلك ظهور الجن الأزرق في فناجين القهوة أو الطيران بالسرير أو مصافحة ملوك الأزمنة المنقرضة في منعطف شارع.

وفي لغة السحر ليس أمرا عجيبا أن يقول لك الساحر أو المشعوذ  أن محطة قطار في جيبك، وأن جبلا من الذهب في نهاية الغرفة، أو أن بحرا من الدخان سيطلع من ثقب في الجدار.

كل شيء محتمل.
وحين تتحول لغة السحر إلى عالم السياسة يصبح ضحايا هذه الشعوذة أكثر بكثير من ضحايا لغة السحر الظريف الجاهل الفردي والممتع.

وكما في عالم السحر الأول يوجد ملائكة وشياطين ومعجزات وخوارق، يوجد في عالم السحر السياسي كذلك هذه المخلوقات أيضا.

ومن أغرب أمثلة لغة السحر والدجل السياسي التي لا تهدف إلى مقاربة الهم الوطني بفكرة منتجة ، أو وجهة نظر تلفت نظر الآخر نحو قضية جدية محترمة تنفع الناس، هو الإحصاء الغريب والنادر الذي قام به أحد ( عباقرة)  هذا الزمن العراقي المشوه الذي يبدو أن المفكر الإيطالي الشيوعي غرامشي قد قاربه إلى أبعد حد، حول عدد القتلى في مقال واحد لكاتب هذه السطور وأحصى هذا المؤرخ الفلتة عددهم ب( 49) قتيلا.

ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكانت صورة الكاريكتير أقل كوميدية لكنه أستدرك ليكشف النقاب عن( جريمة ) أخرى هي أن كاتب هذه السطور يستخدم( بإفراط) حرف الواو !

 يوم كتبت ثلاثية( زمن البرابيك) التي تضم رواية الأعزل، وسنوات الحريق، وعزلة أورستا، لم يفطن مع الأسف الجميع نقادا أو قراءً، إلى ان هذه الروايات كانت تومئ صراحة وبلغة مكشوفة وعارية وصريحة وفاضحة إلى أننا ننحدر نحو واحدة من أبشع مراحل التدهور والتشوه بعد سقوط هذه الدكتاتورية الكريهة.

وأخطر هذه التشوهات هو الشرخ الخطير في روح الإنسان، وهو شرخ عميق وعريق، الذي سيحتاج إلى زمن طويل كي يعود إلى صورته الأصلية التي طمرت تحت ركام وازبال وأوحال وأنقاض ومفاهيم وأفكار وعقد وأمراض. وبتعبير غرامشي نفسه: لا الجديد يولد ولا القديم يموت.
إنه طلق بلا ميلاد.
أو عاصفة بلا هبوب.

ومن أعراض حقبة التشوه هو ما كتبه هذا العبقري الذي لا شك عنده بأنه سجل فتحا كبيرا في تاريخ وطن ملئ بالهزائم. وهذا النوع من الاستحمار العلني المكشوف هو قرين الجهل ومع الجهل عمى القلب.

ترى كم من الوقت أستغرق وهو يبحث بين السطور عن عدد القتلى في مقال واحد لي ولم يخصص ربع هذا الوقت في إحصاء عدد القتلى من شعبه الذين يتساقطون علنا يوميا أمام الشاشات وقبلهم قتلى الحصار؟!

وكذلك لماذا يكون استخدامي المفرط لواو العطف جريمة لغوية، مع انه أمر صحيح، ولا يكون الاستخدام المفرط للرصاص من قبل المحتلين وغير المحتلين جريمة إنسانية هي الأخرى في الأقل مساوية لجريمة واو العطف؟!

واحدة من علامات الخرف هي أن المصاب لا يستطيع التمييز بين البول على حائط أو على نصب تذكاري لبطل وطني أو قومي، ولا بين ركوب قطار أو نافذة، ولا بين فتح أزرار البنطلون أو فتح أزرار القميص.

فليس مهما خراب العراق اليوم مادام حرف العطف سالما معافى وبخير، وكذلك ليس مهما قتلى الشوارع، ليس مهما الدم العراقي الذي يسيل، رخيصا، في الشوارع،  لكن الأهم هو قتلى الورق وسلامة الواو!

كم هي رخيصة هذه الشعوب حين يكون حرف العطف أهم من الدم، وسعر الورق أهم من الجرح العلني المفتوح، وكم هو ضحل المثقف الذي لا يرى هذا الإفراط العلني المفتوح للرصاص على أجساد العراقيين لكنه يرى الإفراط في حرف الواو!

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكتشفو السراب
- ذهنية السنجاب المحاصر
- حين يختزل الوطن بمسميات
- رائحة الوحش
- محمد شكري وعشاء الثعالب الأخير
- الزعيم الغائب
- زمن الأخطاء الجميلة
- السياسة والشعوذة
- الكلب الأرقط النابح على العالم
- محاربو الغسق والشفق
- السياسي العراقي من الخازوق إلى المسمار
- حنين إلى حفلة
- مغني الفيدرالية
- لصوص الأزمنة الاربعة3
- العراق نحو الهاوية
- لصوص الأزمنة الأربعة1 &2
- غيمة في بنطلون مبقع
- جنازة رجل شهم!
- علاء اللامي وبئر يوسف
- سليم مطر وردة لك وأخرى عليك!


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - قتلى الورق أهم من قتلى الشوارع