أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - عادل سمارة ومسعد عربيد - العبودية بالإختيار! التحرير هو اساس كل الحلول... والاشتراكية هي الخيار الوحيد















المزيد.....



العبودية بالإختيار! التحرير هو اساس كل الحلول... والاشتراكية هي الخيار الوحيد


عادل سمارة ومسعد عربيد

الحوار المتمدن-العدد: 2167 - 2008 / 1 / 21 - 11:03
المحور: ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين
    


حول الحل الاشتراكي في فلسطين
العبودية بالإختيار!
التحرير هو اساس كل الحلول... والاشتراكية هي الخيار الوحيد

لم نكن لنراه مستهجناً لو كتب أحد القراء أو المشاركين قائلاً/مستهجناً أو حتى ساخراً: "وهل هذا وقت تحديد أو الإختلاف على حل الصراع العربي الصهيوني؟ وأي حل!! حل ديمقراطي علماني، أو حل إشتراكي؟ وربما سأل كثيرون أنفسهم هذه الأسئلة. أي حل إشتراكي والصراع نفسه أُحيل من قبل الأنظمة العربية إلى فلسطيني-إسرائيلي، وبموجب أنابوليس قد يُحول إلى "غزاوي-إسرائيلي"، وإذا استمرت هزيمة قومية الطبقات الشعبية العربية أمام القطريات المتناسلة أميبياً قد يصبح الصراع بين عائلة كذا وبين الكيان ومعه النظام العالمي، وقد نصل إلى الإعتذار للكيان الصهيوني على محاولات المقاومة منذ عام 1919. ألم تقف أنظمة عربية مع الغزاة البيض للعراق 1991، ووقفت بوضوح مع الكيان الصهيوني عام 2006 ضد حزب الله والمقاومة اللبنانية!

لا حل دون التحرير

وقبل أن ندخل صلب الموضوع، لا بد من التأكيد بأن اي حل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني لن يكون إلا بالتحرير . هذه هي القاعدة والأساس لبناء حل حقيقي. وعليه، فالحل الإشتراكي الذي نقصد، لا يتم إلا بتحرير فلسطين وإسقاط الكيان الصهيوني الرأسمالي. ولكن، لو بدأنا النقاش بموضوعة التحرير وتوقفنا عندها لتوقف النقاش هناك، ولم يتواصل .

نعم، قد يبدو النقاش في حلول من هذا الطراز ترفاً فكرياً، وابتعاداً عن الواقع. ولكن اي واقع!

فهل كانت محادثات واتفاقات "مدريد- أوسلو" حلاًً وهل دولة "انابوليس- خريطة الطريق حلاً" لهذا الصراع؟ وهل يعني أنابوليس ومؤتمر باريس الإقتصادي شيئاً سوى أنهما مزاد سياسي؟ اقتصادي لدفع "ريع" مقابل التنازل السياسي وتصفية القضية؟ هل هو حل حينما يقول رئيس الحكم الذاتي في مؤتمر باريس "...إن على جيراننا أن يزيلوا السواتر الترابية في الضفة الغربية..."؟ وماذا يريد الكيان أكثر من أن يصبح جاراً نعاتبه بدل أن يكون نقيضا تناحريا نقاومه! وليس هذا التطبيع مع الكيان هو الخطر الكارثي الوحيد، بل التطبيع مع بُناة وحُماة هذا الكيان، مع بلدان مركز النظام الراسمالي العالمي، الذي يزف فلسطين "مغتصبة" لهذا الكيان لتلد العملية سفاحاً صغيرا اسمه "دويلة 2008" للفلسطينيين! وهي دويلة ستعيش أبداً تحت وصاية سيدها/اسيادها.

بالمعنى المعكوس، فإن الحل الإشتراكي يصبح ضرورياً بل الخيار الوحيد، كلما ناقشنا بتعمق أكثر مسيرة التسوية، من اوسلو إلى أنابوليس إلى باريس، "سلام راس المال". صحيح أن هذا الحل يحتاج إلى وقت لا نعرف تحديده، ولكن العمل من أجل وقت قادم، أكثر شرفاً من التلاعب بحلول جزئية، تآمرية تصفوية بطبيعتها، حلول جعلت القضية الوطنية القومية لعبة لراس المال.

الحل الإشتراكي المنشود، لا يعني باي حال من الأحوال، رفض اية خطوة يمكن أن تكون من مكونات أو الممهدات لهذا الحل. فطرد الإحتلال من مناطق الإحتلال الثاني، هو خطوة على طريق الحل الإشتراكي، ولن يقف أحد ليقول: "إما دولة اشتراكية أو بقاء العدو". ولكن يقول الكثيرون لا لدولة في اجزاء من الضفة والقطاع أو في كلها على حساب فلسطين المحتلة 1948 ولا لإقامة دولة يهودية فيها.

حول ضرورة التربية الاشتراكية

ظل، وسيبقى، تركيزنا على الحل الإشتراكي منذ اللحظة لأننا، وبعد تجارب كثيرة، نؤكد أن تربية المواطن على الثقافة والمبدأ الإشتراكيين، ضروري مبكراً، ليظل ممسكاً ببوصلة الإشتراكية، لكي لا تتم سرقة النضال الدؤوب من قبل أدعياء الوطنية والقومية والإشتراكية. إن تسلح المواطن، أو على الأقل الكادر بالفكر الإشتراكي يُبقي عليه متنبهاً للنضال من أجل هذا الحل في اللحظة المناسبة، وهي اللحظة التي يقوم عندها انتهازيو اليسار ، أو الماركسية أو الشيوعية أو الإشتراكية بخيانة الطبقات الشعبية وخيانة الثورة. نقول الخيانة ونؤكد على الكلمة، لأنها حقاً خيانة، ولأننا نعيش تداعيات "التغطية" عليها على الأقل منذ أوسلو والعديد من "الوثائق" التي وُقعت بين هذا الفلسطيني وذاك الصهيوني، أفراداً أو أحزباً أو رأسماليين.

ولنأخذ مثالاً فكرياً عيانياً من التجربة الفلسطينية ذاتها.

حفلت مرحلة م.ت.ف 1964-1993 بالعديد من القوى السياسية التي لم تزعم أنها شيوعية أو ماركسية وحسب، بل كانت كل قوة تسمي نفسها: "المنظمة/الحزب الماركسي-اللينيني الوحيد" وكانت في سباق ماراثوني إلى موسكو ودول كتلة الإشتراكية المحققة للحظوة بالمقعد الأول. في حين كنا منذ السبعينات ننتقد التحريفية السوفييتية، ومنذ أن صدر كتاب "بريسترويكا" لجورباتشوف، كنا نقول: "هناك رائحة كريهة في هذا". بينما بقيت هذه القوى تمدح البريسترويكا والوطن الشيوعي الأول إلى أن "ذاب" كل شيىء. ونحن نوجه هذا الحديث تحديداً، إلى: الحزب الشيوعي في المناطق المحتلة "حزب الشعب بعد انهيار الكتلة الإشتراكية" والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وفي حدود علمنا كانت القيادة العامة في فترة قد أعلنت ماركسيتها، كما أن "فدا" بررت انشقاقها عن الديمقراطية بأنها حركة للعودة إلى الماركسية الحقيقية! وحتى حزب العمال الشيوعي الفلسطيني الذي انحل لكي تتوزع "اسلابه" بين فتح وفدا، وراس المال المالي محلياً وصهيونياً! أما على الصعيد العالمي، فلم تقم حركة سياسية يمينية في أميركا برفد المحافظين الجدد بكوادر قيادية كما فعلت أجنحة تروتسكية!

ليس هدفنا، لا هنا ولا لاحقاً، مناقشة حدود ماركسية هذه القوى، فالحدود معلومة. إنما نورد المعلومة، فقط ليرى القارىء أن هذه القوى جميعاً قد تخلت عن كل ما كتبت وأعلنت من شعارات، وانتقلت من قوى "كوزموبوليتية" إلى قوى أقل من قطرية، وأصبحت قياداتها تسابق حماس إلى "الصلاة السياسية العلنية"، ولم يعد في خطابها اي ذكر لأية مفردة يسارية اشتراكية ماركسية...الخ. أما تروتسكيو البيت الأبيض فيبنون كل يوم "كنيسة إنجيلية مسلحة" لتتحول إلى "كنيس".

المهم في الأمر، أن عناصر هذه القوى الفلسطينية، لم يُساورها قلق الإحتجاج الفكري، أو الإنشقاق. بل والأمر أنكى بكثير، فلم نقرأ وثيقة واحدة من بضعة أفراد يسألون هذه القيادة أو تلك: "نعم ايها السادة (لا سيدات لأنهن لسن هناك اصلاً) نحن لسنا من طراز "نفذ ثم ناقش" بل من طراز "ننفذ ولا نناقش"، ولكن إعطونا تفسيراً، سلحونا بتبرير نرد به على المتسائلين والناقدين، قولوا لنا "غيرنا الفكر والنظرية لأسباب هي التالية". كل هذا لم يحصل، لا حصل تفسير من القيادات ولا كانت العناصر مُرَباة على الإحتجاج والخروج . لذا، لم يرتفعوا إلى درجة "خوارج" العصر. لكن تربية هذه الكوادر ومنها الممتازة كفاحياً كانت تربية المتلقي والمأمور وترديد الشعارات والإكتفاء باعتقاد أن القيادة تفهم الماركسية وهذا كافٍ.

ذات مرة في سجن نابلس 1968 قال أحد قياديي تنظيم فلسطيني "القائد...قادر على حل اية قضية نظرية"! شكراً. ولأن القادة قادرون على هذا، فقد نقلوا أولادهم من غابة الماركسية إلى أمان اللاعقيدة. ويكفي أن نرى أن كوادر هذه التنظيمات قد زودت منظمات الأنجزة والبنك الدولي ووزارات الحكم الذاتي ومفاوضات مدريد- أوسلو- أنابوليس-باريس....وربما لاحقا مكة بكوادر ذات كفاءة تنازلية مرفوعة إلى "أُسٍ" لا يستوعبه الحاسوب.

مرة أخرى، لو كانت هناك تربية فكرية عقائدية، لتحولت هذه القوى عن الإشتراكية بتحليل وقناعة وليس كما حصل حيث "سَيقت" إلى اللاشيىء، واللاشيىء في هذه الحقبة فلسطينياً هي "التسوية" رغم تراث الشهداء والمناضلين.

على خطى "الضبع" الصهيوني

"من كان منكم بلا خطيئة فليرجمني بحجر". رحم الله السيد المسيح فقد سبق "أطفال الحجارة". نسوق هذ للقول ومن ثم التأسيس، بقدر علمنا ونحن على الشاطىء وحسب، لمسألة غاية في الأهمية وهي "كفاكم أستذة...وكفانا تلمذة". لقد لمسنا على جلدنا التلمذة للتحريفية الموسكوفية ماذا أعطت، وها نحن نلمس اليوم كيف يتتلمذ البعض على يد "أجنحة تروتسكية، هي صهيونية قلباً وقالباً، تبدأ من تزويد المحافظين الجدد بقيادات تحقق دولتها "الأممية" عبر إمبراطورية الدماء في واشنطن، وحين قررت ذبح العراق، كأن أول من "نصحها واستجداها لذلك" التروتسكي العتيق (محمد جعفر)، ولا تنتهي بتعليم ماركسيي "المغادرة" من الفلسطينيين، على يد الماركسيين الصهاينة بأن الحل هو الدولة الديمقراطية العلمانية. فبقايا التروتسكية، وهم اليوم الأغنى والأكثر ثراء، ولا ندري كيف! يريدون الإشتراكية في فنزويلا، وكوبا والصين وكل العالم ، يريدونها منذ أمس، أما في فلسطين والوطن العربي...لا تنفع الإشتراكية: "تكفي الدولة الديمقراطية العلمانية". وهنا يرتكب هؤلاء الفلسطينيون خطيئة الإستمرار في التلقي، والجبن عن "التخطي".

قد يقول البعض، إن المشروع الإشتراكي في كل مكان هو للمستقبل، وليس للتطبيق اللحظي. نعم، ومن قال أن المشروع الإشتراكي في فلسطين جاهز اليوم؟ كل ما في الأمر أننا نؤكد على وجوب التربي على القناعة والثقافة بالإشتراكية كنظام حماية من خيانة المشروع لاحقاً، كما حصل الكثير، بل لحماية الفلسطينيين من حل يحولهم من لاجئين قسراً، إلى عبيد في أرضهم طوعاً، تماماً كما أرادهم التلمود "حطابين وسقائين" ، أما ملكية الأرض فتحصرها الدولة الديمقراطية العلمانية في اليهود ، وبذا يكون قدامى الماركسية علمانيين على الأرض ولا علمانيين في السماء إذا صحت خرافة "أرض الميعاد".

أليست من قبيل المفارقة النادرة، أن تدعم قيادات هذا اليسار في الضفة والقطاع مشروع دولة أوسلو وتصطف إلى جانب قيادة الحكم الذاتي تحت راية م.ت.ف بحجة مواجهة حماس، وهو خلط خبيث. فنقد حماس أمر والقبول بالتسوية أمر آخر، في حين أن قيادات هذا اليسار ومثقفيه في الخارج يحملون لواء "الدولة الديمقراطية العلمانية" ويجرون معهم عرباً. فأين يمكننا تصنيفها! هل قررت هذه القوى في الداخل اقتفاء اثر "ضبع" الحكم الذاتي/ وفي الخارج "ضبع" اليسار الصهيوني؟

اليسار الصهيوني ضد الحل الإشتراكي في فلسطين، لأنه صهيوني ومعظمه يهودي، وهو يرى، وإن لم يكتب، أن أرض فلسطين هي "أرض الميعاد". وإلا لماذا لا يؤمن بالتأميم ـ تأميم الاراضي والموارد؟ وهو "يسار اشتراكي في كل العالم، ولكن راسمالي في فلسطين لأن امتلاك الأرض والمصانع...الخ يجب أن تكون لليهود فقط، اي الملكية الخاصة لليهود" ولا ملكية خاصة للأغيار. نعم حين يصبح الأغيار مالكين، من الذي يخدم ابناء التلمود!.

بيت القصيد في هذا الحديث المطول هو التحصين ما أمكن أمام الردَّة المحتملة من قوى كثيرة تزعم الماركسية والإشتراكية...الخ، ولكنها ترتعد فكرياً أمام اطروحات اليسار الغربي المترسمل، فتغير جلدها.

إشتراكيون دون حل إشتراكي

إذا كانت القضية المدرجة أعلاه عملية، فالقضية التالية هي في التجريد النظري، وهي قضية إذا لم يتم ضبطها فإنها سوف تسمح للمشكلة، القضية، الأولى بالحدوث بحيث يبدو حدوثها طبيعياً.

كيف يمكن لإشتراكي أن يطرح مشروعاً إستراتيجياً غير إشتراكي وأن يقول في نفس الوقت أنه ماركسي أو إشتراكي؟

ربما لهذا السبب اسمت منظمات الماركسية الفلسطينية نفسها بعد أوسلو: "القوى الديمقراطية". وتسمية قوى ديمقراطية يسمح لقيادات هذه القوى بأن "تتحرر" من:
• إتخاذ موقف طبقي
• اتخاذ موقف فكري نظري عقيدي
• ومن اتخاذ موقف قومي
• ومن اتخاذ موقف اقتصادي
• ومن اتخاذ موقف سياسي

فتسمية قوى ديمقراطية مثابة تعويم كتعويم سعر صرف العملة، بحيث يصبح سعراً متنقلاً طبقا لقانون القيمة في النظام الرأسمالي العالمي.

قد يبرر البعض أن مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية هو مرحلة إنتقالية على طريقة أطروحات الإشتراكية الديمقراطية في بدايات القرن العشرين. وهي المسألة التي بقيت نصوصا نظرية باستثناء ستة اشهر لجيرنسكي في روسيا وحسب. ثم، هل شرطاً أن تمر كل التجارب بهذا الطرح الخطّي linear؟. هل نحن أمام مساق مدرسي على الطالب أن يجيب على السؤال كما هو في الكتاب؟

لعل المدخل الأصح هو، لتكن "الإنتقاليات" حسب كل بلد، ولنا في فنزويلا اليوم مثالاً. ولكن، لا بد أن يكون الشعار الإستراتيجي واضحا منذ البداية كي لا يتم اللعب به على ايدي من "يُكوِّعون"، أي اللذين يتساقطون خلال الطريق. وهم في حقيقة الأمر قد قرروا ذلك مسبقاً، وفريق الإنحصار في الدولة الديمقراطية العلمانية وفقط، هو مثال على هذا الطريق.

الاشتركية وما بعد ماركس

القضية الثالثة: هي في ضرورة قراءة ومتابعة ونقد الأطروحات الإشتراكية والشيوعية المعاصرة وهي أدبيات هائلة، لا بد من متابعتها لمن يطرح نفسه كاشتراكي، ولا نقصد متابعة المتلقي، بل يجب أن لا تكون كذلك.

من نافلة القول أن تلغي الإشتراكية الملكية الخاصة، وإذا لم تفعل فما معنى تسمية نفسها "إشتراكية"، ناهيك عن وجوب إلغاء العمل المأجور. لكننا اثرنا أكثر من قضية هامة للنقاش: "قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وأنماط الإنتاج وتمفصل أنماط الإنتاج ونظرية القيمة...الخ وهي مفاصل مركزية في شيوعية ماركس!!!

في ما كتبنا في هذا الشأن، وفي ردنا على البعض أثرنا بعض القضايا النظرية قاصدين عدم الإنحصار في ما كتبه ماركس نفسه، ليس تلافياً لموقف أصولي وحسب ولكن ايضاً لأهمية ما ابدعه الكثير من المفكرين وما أنجزته الكثير من التجارب الإشتراكية في انتصارها وانكفائها. ونحن نؤكد بوضوح أن وراء علاقة "الضبع والمضبوع" عدم إطِّلاع كثرة منا على ما يتطور فكرياً على الصعيد العالمي. وهذا الفقر نفسه هو الذي يجعل من الكثيرين مثابة تلامذة وراء "اساتذة". لقد علمتنا التجربة أن اعتماد حفظ "نصوص" ماركس وإعادة قرائتها وكتاباتها ليس سوى عملاً على طريقة "خلاط المولينكس" يخلط مواد كثيرة هو لم ينتجها وبالخلط لا يخلق شيئاً جديداً، بل يقدم خليطاً.

الملكية الخاصة والأرض

إن أي حل لا يقوم على المبدأ الإشتراكي، إنما هو منطلق من الركوع الثقافي للملكية الخاصة، حتى لو أقسم حاملوه بأنهم "ماركسيون". فأرض فلسطين هي للشعب الفلسطيني، بينما أقام المستوطنون عليها قاعدة صناعية زراعية عسكرية عدوانية، وهذا أدخل في روع أهل هذه الدول قناعة وياساً بأن من يملك ما على الأرض أحق ممن يملك الأرض، فلجأوا إلى الديمقراطية والعلمانية...الخ وبالتالي ركعوا لراس المال وليس للحق.

من هنا، فنحن نعتبر الحل الإشتراكي هو أكبر مساومة تاريخية ممكنة، بحيث لا يتبرع أصحاب الحق بحقهم لكي يترجم أو يحول إلى لعنة الملكية الخاصة لحالة "طبق/عرقي/لوني". فالحل الإشتراكي هو تفضل من اصحاب الحق على الغزاة كي يتحولوا إلى بشر حقيقيين، وهذا تسامح تاريخي. أما التبرع للغزاة بالأرض والإكتفاء باللجوء أو عودة بعض الفلسطينيين فهو مثابة تأكيد للغزاة على صحة ما فعلوا واستدخال للهزيمة تاريخياً، وتماه مع الدونية، وفي أفضل حالاته استقواء بالضعف.

قامت مختلف المستوطنات البيضاء على نهب الأرض. وبالطبع، لا نعرف استيطاناً اسود، أو أحمر، بل نعرف إستيطاناً ابيض على حساب هؤلاء. فكيف نتبرع بالأرض لهؤلاء! وما قيمة اي نضال لا يجرد المستوطنين من الأرض التي اغتصبوها؟ بل إن ما نطرحه نحن هو جُماعية الأرض. وأية هدية افضل للمستوطنين من قيام دُعاة الدولة الديمقراطية العلمانية بتعزيز الملكية الخاصة وحصرها للمستوطنين، وضعاً وثقافة وفكراً؟

قد يقول البعض، وما العيب، فبعد إنجاز الدولة الديمقراطية العلمانية يمكن نقل النضال إلى الإشتراكية. ونحن نقول، لا باس، ربما. ولكن هناك محظورين يوجبا طرح الحل الاشتراكي:

الأول: من قال أن المستوطنين ليسوا واعين لهذا؟ إذا لم يكن الكيان قد هُزم بالقوة.

والثاني: أن لا ضمان بأن لا يتساقط انتهازيو اليسار للإغراءات أو "التعب الثوري"؟

من هنا ضرورة أن يكون الوعي بالمشروع الاشتراكي واضحاً والموقف منه معلناً سلفاً.

قد يكون هناك تفكير ما او تبرير ما لو أن هؤلاء الغزاة خضعوا لتغيير، وليس تغير، لأنهم مبنيون بحيث يُغيروا بالقوة، تغيير في قناعاتهم، لكان هناك نقاشاً أكثر مرونة. ولكن الغزاة يغزون أكثر ويتسلحون أكثر ويصرون على دولة يهودية نقية، وآخر ما قالته وزيرة خارجيتهم، في إجتماع تثبيت السيادة والبلطجة الإميركية على زعماء العالم في واشنطن، التي تُدفن تحت ملامحها الوسيمة بلاهة عميقة: "لن يعود إلى إسرائيل لاجئ واحد".

لا يخفى أن الصهاينة اليساريين، ومنهم كثرة من سلالات تروتسكية من "أهل الدولة الديمقراطية" يقولون لذاتهم، والعملاء منهم يقولون لسادتهم، لا باس، فقد توصلنا إلى حل ممتاز. فنحن لم نخن يهوديتنا حيث أبقينا الأرض بيد اليهود، ولم نخن ماركسيتنا حيث قدمنا حلاً ديمقراطياً لهؤلاء العرب البدو. لقد إحتفظنا بالدين وبشيوعيتنا معاً. إنهم منسجمون مع جوهرهم الحقيقي وهو التصهين اليهودي. أما العرب وخاصة الفلسطينيون الذين يجارونهم في هذا، فهم ليسوا أكثر من متمثلين للهزيمة.

البعد العربي

يقترن، بل ويشترط، اي حل للصراع العربي الصهيوني استمرار التقاط القضايا المركزية فيه، أي: مسببات الصراع ومكوناته ومجرياته ومن ثم مستقبله واستطالته في الماضي والحاضر والمستقبل.

لم يعد كشفاً جديداً أو خاصاً الحفر الزمني في دور المركز الراسمالي منذ قرون في خلق الكيان الصهيوني، سواء سايكس –بيكو، بالمرستون، نابليون، إنجيلية مارتن لوثر...الخ.

وبالمقابل، هناك كثرة من المعالجات لهذا الصراع التي تتهرب من البعد العربي في الصراع سواء كون المشروع الصهيوني مصمما ضد الأمة العربية لنهبها، وليس فقط ضد فلسطين، او من حيث أن اي حل لن يكون خارجاً عن البعد العربي في هبوط الوضع العربي أو ثوريته. بكلمة أخرى، فإن اي حل يفك فلسطين عن الأمة العربية، عن الطبقات الشعبية العربية وليس الأنظمة، هو حل تصفوي حتى لو كان مطلياً بالأخضر أو الأحمر. كما أن اي حل لهذا الصراع، حينما يتجاهل او يتهرب بخبث من العمق العربي إنما هو في الأساس يخون حق العودة ولكن معتمداً الخبث والإلتواء أو التكتيك أو "التقية" هذه المرة. فبدون العمق العربي، لن يكون حلاً يعيد حقوق العرب الفلسطينيين في وطنهم لأن العمق العربي هو الظهير الحقيقي بل الشريك الحقيقي للفلسطينيين.

هناك العديد من الأطروحات التي تناولت الحل النهائي، سواء حل الدولتين أو الدولة الواحدة. أما وأن حل الدولتين، لا يخفي هويته وجوهره التصفويين، وتكشفه بالطبع تجربته منذ عام 1993، وبالتالي فهو يعاني من شدة وضوحه أو افتضاحه، فإن حل الدولة الواحدة من طراز الدولة ثنائية القومية او الديمقراطية أو الديمقراطية العلمانية هو حل خبيث ولا يقل خطورة عن حل الدولتين.

فحل الدولتين هو إخراج للأمة العربية من الصراع. أو تأجيل للحل الحقيقي، أما "حلول الدولة دون الإشتراكية" فهو للتصفية المنهجية للقضية من جهة وهو حل راسمالي بامتياز من جهة ثانية. وبالتالي فهو حل يتماهى مع العولمة أو هو من إفرازاتها، وإن كان مطروحاً من قوى ومثقفين يزعمون أنهم ضد العولمة ورأس المال وهو كذلك طارد للدور القومي العربي.

في علاقة "الضبع والمضبوع" يتم التنكر للبعد العربي في الصراع العربي الصهيوني. وفي هذا الأمر بالتحديد تتضح خطورة التحريفية الستالينية ضد الأمة العربية، والقومية العربية، وربما هذه نقطة الإجماع الوحيدة بين التروتسكية والستالينية. فالكيان الصهيوني لديهما أمة، بل أمة إشتراكية، أما الأمة العربية فهي "أمة في طور التكوين" لدى الستالينية، وغير موجودة وشوفينية وعدوة لكل الأمم لدى التروتسكية!

فالبعد العربي في الصراع يعني أن تحرير فلسطين مسؤولية الأمة العربية. ويعني أن الحل الحقيقي لا يأتي إلا بعد التحرير، فلن يتنازل المستوطنون عن ما اغتصبوا طوعاً وبمحبة! ومن هنا تحديداً ذلك الكره اللامعقول الذي تضمره التروتسكية ضد الأمة العربية، ولذا، فإن دعاة الدولة الديمقراطية العلمانية يعزلون البعد العربي ويحصرون الصراع والحلول بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني وحسب كي لا يتبنوا موقفاً قومياً يزعج معلميهم.

أي حل غير إشتراكي هو راسمالي

يكشف التمسك بأي حل غير إشتراكي عن انهيار معنوي وقيمي وفكري ونظري وإنساني وحتى شخصي لحامله، من قدامى الإشتراكيين – الماركسيين-اليساريين الشيوعيين-...الخ. هو حل راكع "لقداسة" راس المال والملكية الخاصة على اساس هجين هو الأساس "الطبق / عرقي / لوني". فهو حل يصر على أن تبقى فلسطين مستوطنة بيضاء، وحتى "بالمفهوم الرجعي الديني- يهودية" ويتم تلوينها ببعض العرب. وبهذا يكون اليهود "طبقة دينية عرقية عليا" مالكة للأرض والصناعات المتقدمة والجيش العدواني، ومانعة لحق عودة ملايين الفلسطينيين. وإذا ما أُعيد القليل فسيتحولون من لاجئين بالقسر إلى عبيد بالطوع .

فهل يمكن لإشتراكي أن لا ينطلق اساساً من حل إشتراكي؟ وهل راس المال الصهيوني أو الغربي ساذج حتى يتمكن هؤلاء القاصرون في الوعي والعزيمة اشتراكيا او شيوعياً من خداعه ليقبل ب "دولة ديمقراطية" أولا، ومن ثم يقفزون على عنقه كما قفز البلاشفة على حكومة جيرنسكي؟ هناك ليس البلاشفة هم الذين اقاموا حكومة جيرنسكي. أما اليوم، فالتاريخ تغير وهو متغير!

إن حل "الدولة" الديمقراطية، هو مثابة تخاذل أو خدمة أو عمالة لراس المال سواء بمركزه الغربي أو بذيله الصهيوني، هو تطمين "للخواجا الغربي والصهيوني" بأن هؤلاء الإشتراكيين الماركسيين الشيوعيين هم خراف ليست ضالة، وإنما تضلل الطبقات الشعبية، وهذا يخدم راس المال خدمة جُلَّى.. إن هؤلاء لم يقطعوا ولن يقطعوا ابداً مع الخواجا والمركزانية "صهيونياً كان أم اورو- أميركياً" فكل اعتراف بالكيان أو حل غير إشتراكي لا يخرج عن كونه رسالة تطمين للسيد اننا لم نتجاوز الحدود التي رسمها لنا.

مثال جنوب إفريقيا

لقد ثرثر، ولا يزال، الكثيرون - اليسار الصهيوني اليهودي خاصة ـ عن تطبيق مثال جنوب إفريقيا سواء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أو نموذج حل مشكلة الأبرثايد على الحالة الفلسطينية. وكنا قد عالجنا هذا أكثر من مرة في كنعان الألكترونية. ولكن تهمنا الإشارة هنا إلى مسألة إضافية وهي:
- لم يقم المركز بالضغط على المستوطنين البيض إلا حينما كان مصيرهم الهزيمة والتهالك والتفكك أمام نضال الشعب الإفريقي الأسود.
- وبعد أن تأكد المركز أن مصالحه في تلك المنطقة (كل إفريقيا الجنوبية) في مأمن وبالتالي فإن تدفق الربح لن يتأثر بل سيزداد حيث سيعمل السود بنشاط معتقدين (نظرا لخيانة قيادتهم) أنهم احراراً.
- وبعد أن عقدوا الراية للإصلاحي نلسون مانديلا الذي اقام دولة بيضاء بملاءة سوداء ليس أكثر.

لذا أصبح مانديلا إيقونة بل الإيقونة السوداء الوحيدة في التاريخ، أما جنوب إفريقيا فظلت راسمالية بيضاء تماماً وتحول كل سوادها إلى شامة حزينة على خد السيدة البيضاء لتزيدها "جمالاً". وليس هذا وحسب، بل إن يمينية مانديلا ، وإنبهاره بما تسمى "الإنسانية" اسقط التحول الإشتراكي المحتمل لإفريقيا الجنوبية (انجولا، موزمبيق، ناميبيا...الخ) وهي منطقة كانت ستكون جبهة هجوم ضد راس المال أكثر شدة من أميركا اللاتينية اليوم.

ليس للونه، ولا لثوريته، حظي مانديلا بكل هذه القداسة التافهة، بل لأنه بقي في الثلم يحرث كما يريد منه السيد الأبيض، لذا، بقيت الأرض بيد البيض وكذا الجيش وراس المال وبقي البلد مثابة عمل مأجور اسود، وراسمال ابيض. لقد طمأن مانديلا البيض بأن الدولة بيضاء بوشاح اسود، والوشاح يلبس للمناسبات وخاصة الموت ثم يعود الأحياء لوضعهم. هكذا تُخصى الثورات، نعم صدق المثل : "...ما هكذا تورد يا سعد الإبل"

تنبىء تجربة مانديلا، وإهتمام المركز بالزعماء الذين يخونون جلودهم أن البيض والصهاينة ما زالوا هم الذين يرفعون ويخفضون، فيمنحون هؤلاء جوائز نوبل او غيرها.

وعليه، فإن في تجربة جنوب إفريقيا سلف "صالح" للدولة الديمقراطية العلمانية التي ينادي بها البعض في فلسطين. إن جنوب إفريقيا هي دولة ديمقراطية علمانية، لكن البيض ، وهم اقلية، ما زالوا يسيطرون على ما سلبوه من أراضي السود. والسود مجرد عمالة رخيصة في أرضها. والسيد مانديلا يحصد جوائز "السلام والتعايش ..." الخ.

بقي وجوب القول، إن كل من يؤيد أو يرفع شعار حل الدولتين، أو حل الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية أو غير العلمانية، إنما هو جوهرياً وعملياً، ضد حق العودة، ولكن التدهور الكفاحي للطبقات الشعبية العربية، على تدهوره، ما زال قادراً على لجمه. هذا ناهيك أن هؤلاء هم مع قطرية فلسطينية كيانية هشة، وضد العمق القومي العربي، وهم أتباع لليسار الصهيوني كذلك، ناهيك عن حرصهم على أن يبقوا مقبولين في دوائر الغرب الراسمالي الحاكم والمتمول.



#عادل_سمارة_ومسعد_عربيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد عادل سمارة ومسعد عربيد على مداخلة سلامة كيلة حول الدولة ا ...
- مناقشة نقدية في حل -الدولة الديمقراطية العلمانية-


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- -دولتان أم دولة واحدة؟- - مناظرة بين إيلان بابه وأوري أفنيري / رجاء زعبي عمري
- رد عادل سمارة ومسعد عربيد على مداخلة سلامة كيلة حول الدولة ا ... / عادل سمارة ومسعد عربيد
- الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي - مناقشة الصديق ... / سلامة كيلة
- مناقشة نقدية في حل -الدولة الديمقراطية العلمانية- / عادل سمارة ومسعد عربيد
- ماركس وحده لا يكفي لكنه ضروري - تعقيب على رد الصديقين عادل و ... / سلامة كيلة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - عادل سمارة ومسعد عربيد - العبودية بالإختيار! التحرير هو اساس كل الحلول... والاشتراكية هي الخيار الوحيد