أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجم السراجي - قصة قصيرة : الحمار ... ثالثنا















المزيد.....

قصة قصيرة : الحمار ... ثالثنا


نجم السراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2170 - 2008 / 1 / 24 - 08:52
المحور: الادب والفن
    



قريتنا / أم الخيرات / أغنية ارددها كل فجر ، تطربني / صوت الملاح / ترنيمة عاشق / ناسك / تخدشها أصوات : نباح الكلاب السائبة ، نحنحة ـ عسس المكان ـ وفحيح الخوف الذي يرعب أهلها حتى تعودوا عليه / استسلموا إليه / وتركوني في حيرتي ، قرار عقلي الواعي يحدثني بضرورة التصدي له ومواجهته حتى أؤكد موته في نفسي ! أو أن اسلك دربهم ... أتكيف ، أتعايش معه ، أقرأ آية اطمئن بها قلبي كل فجر وللفجر في قريتنا رسل ٌ ، ينشطوا قبل أن يستطير الضوء في الأفق ،ً يهمس أحدهم في أذن مؤذن المدينة أن ـ حي على الصلاة ـ ويهمس أخر في أذن راهب الدير أن اضرب بناقوسك ـ ابتهل ـ وآخر يداعب ندى البساتين ورابع يوقظ ديوك المدينة وبلابلها والعصافير، وخامس يحمل ( تسبيحاتَ ) و ( سجدة َ شـُكـْر ) جدتي إلى الأعالي ينثرها في السماء دفئا ً يعتق خيوط الفجر الصادق الذي يبشر بولادة يوم جديد :
ـــ صبحنا وصبح الملك لله .

***
يوما ً ، من أيام القيظ ، اشتدت الحرارة فيه بشكل غير معهود ، تبخرت كميات كبيرة من مياه ـ النهر الخالد ـ واستحالت غيوما تحمل السواد والمجهول ، استعمرت كامل سماء القرية وأسرت فجرها ، أهل القرية لم يعتادوا ذلك ، قد تمر سحب خفيفة متقطعة في الصيف لكنها لا تبرق ولا ترعد وهذا ما زاد من مخاوفهم ودهشتهم ، مع ذلك خرجوا إلى ميادين رزقهم كل في محله وعمله المعتاد إلا عسس المكان ، خرجوا من ثكناتهم يطوفون الأزقة والشوارع يتقدمهم المنادي ـ لسان السلطان ـ يقرع الطبل :
فرمان سلطاني : الحاضر يبلغ الغائب :
ـ يمنع التجوال في كل جمعة وحتى إشعار آخر .
ـ يمنع الهمس في كل أنحاء القرية ليلا ونهارا !
ـ تمنع التكتلات والتجمعات بكافة أنواعها .

***

تعودت أن اخرج كل فجر إلى عملي احمل خرجي وفيه رغيف خبز وقطعة جبن وحبات زيتون مباركة وأن أجمع هموم كل ( أمس ) في صرة وارميها إلى عين الشمس عند الفجر وانا ذاهب الى عملي في المدينة ، كنت افعل ذلك وأنا صغير ، علمتني ـ جدتي أن أجمع أسناني اللبنية الساقطة في صرة وارميها إلى عين الشمس .
في هذا الفجر لم أجد الشمس كي ارمي إليها هموم الليلة الماضية ومشاكل والدي وحالة الهلع والبرق والرعد الذي لم يخف جارنا الغريب القادم من مدينة في القارة السمراء ، كان منشغلا في تحليل فكرة طرأت على باله وهو يقف جنبي عند باب الدار ننظر إلى سرعة الغيوم وسوادها وكثافتها الغير عادية فوق سماءنا
قال :
ـ أتعلم يا جاري أن البرق عندنا هو نفسه عندكم وكذلك الرعد ؟ هذا يعني أن مصدرهما /خالقهما / هنا وهناك واحد ، ويعني أن الذي خلق بشرتي السوداء هناك هو نفسه الذي خلق بشرتك البيضاء هنا ...
تأملت فكرته / تحتاج الى وقفة / لمحت سواد بشرته ، فكرت أن اسأله عن سبب اختيار قريتنا للعيش فيها لكني لم افعل ، أولا ًلأني أؤمن أن كل الأرض لكل الناس ، ولا أؤمن بحدود أو لون ، ثانيا ً خوفا ً من إحراجه.
خرجت إلى الشارع مهموما ، لم أفطر، اكتفيت بكوب شاي ، استقبلني كلبنا في باب الدار كعادته كل فجر ، يلقي علي تحية الصباح أفهمها من خلال نظرة عينيه ، يتركني بعدها امتطي حماري / وسيلة نقلي / يودعني وأنا أقرأ تراتيل الدعاء في عينيه ، تقول جدتي أن الكلاب أفضل من القطط ، لأنها تدعوا الله أن يزيد رزق أهل البيت حتى تأكل أكثر معهم وتدعوا القطط الله على أهل البيت بالعمى حتى تأكل طعامهم .
في قريتنا الغنية ـ أم الخيرات ـ والنفط والجداول والبساتين لا املك إلا هذا / الحمار / سار بي على بركة الله ... وقف أمامي ـ الكلب ـ لم يفعل ذلك من قبل ، لم يعترض طريقي يوما ، لم أفهم سر معارضته / يقولون أن الكلاب من الحيوانات التي تعلم قرب حدوث الزلزال فتهجر المكان قبل وقوعه / تجاهلت نباحه ، تابعت المسير ، تبعني ...
الطريق هي الطريق ، لم يتوقف الزمن بعد كما اعتقدت ليلة أمس ، هناك زقزقة عصافير ، نهيق حماري ولهاث كلبي والحيرة التي تصرخ في داخلي عن سر الصمت الذي يزداد كلما تقدمت صوب المدينة / مكان عملي / ويزداد قلقي كلما قصرت المسافة الى هناك ، ـ ـ أين الناس والأصوات والضجيج ؟ وجدتني وحيدا أطوق الأزقة والطرقات بنظراتي وخوفي وحيرتي
ـ هذا سوق العطارين والصابون والتوابل ، دكاكينه ليست كعادتها ، مغلقة ! يقول الحاج سلمان أن قائد العسس يأخذ منه التوابل الهندية الجيدة الخاصة / السلطان يحب التوابل ، يقدسها / يعشق حرارتها لكنه يفضل حرارة التصفيق والهتاف باسمه أكثر / تمنى لو يعمل له تمثالا ً من التوابل الحارة الخاصة بالسلاطين ...
ـ هذا سوق الأقمشة ( مغلق أيضا ) وهذا دكان ـ الحاج سعيد ـ ابن عم والدي ، اقسم أن يكون جهاز زوجتي من محله وعلى حسابه ، لم اصدق قسمه لأنه بخيل
ـ هذا محل العم ـ قاسم ـ ( مغلق ) خباز المدينة / حبيب السنابل والفقراء / تحرسهم / آلهة الطعام /
الصمت في هذه اللحظات يختلف عن الصمت الذي اعشقه حين أجلس تحت نخلة الدار أداعب النسيم ، الصمت هناك احتجاج وتمرد على الصخب / تحته بالضرورة بركان / هو افضل تربة ، خصوبتها ، تحفز أوهامي / إلهامي / اكتب ما يغازل أفكاري أو ما يكدرها ، ثم أمزق ما كتبت ، يضحك القمر! لكنه هنا عالم مخيف / يدور معي وأنا أجوب الطرقات ، أراه يطرق الأبواب ، يسكنها ، يحذر أهلها ...
الصمت هنا أغنية مهجورة وهبت نفسها ـ لوحدتي ـ
ـ أ أنا الوحيد الناجي من طاعون هذه ـ المدينة ـ ومن فلتات اللسان ؟
أنا السلطان ... لا أحد سواي في هذا الحي ، أول مرة أحس أن لي ملكا ً ما على هذه الأرض !
واصلت المسير ، عليَّ أجد من أسأله ، لم أجد ، همست في أذن حماري ، اعتدت أن أهمس في أذنه ، أبوح له كل أسراري ، أثق به ، لم يصدف أن أفشى سرا ً من أسراري ... ربما لأنه حمار ! أو أن في منظومته العقلية قوى خفية يعجز عقلنا القاصر عن فهمها !
همست في أذنه ثانية ربما أجد الجواب ... أوقفني قائد ـ العسس ـ كان مختبئا ً خلف جدران ضوء الفجر
ضحك كثيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا :
ـ ثلاث تهم ...
أخذني مكبلا ً إلى حضرة السلطان ... جلس على يميني قاضي القضاة يتبعه مفتي الديار وعلى شمالي قائد الجيوش / لم أر من كان خلفي لكني شممت رائحة نساء /
تقدم ـ رئيس العسس ـ وقف بخشوع أمامي :
ـ مولانا السلطان ... عرض تهمتي / تهمي الثلاث /
أصدرت ُ الحكم ووقفت ُ انتظر دوري في ـ الجلد ـ بعد رُسـُلَ الفجر الذين همسوا في آذان المؤذن والراهب وقطرات الندى والعصافير والديوك
جلدني الجلاد / مائة جلدة / لأني خرقت حظر التجوال ودنست صباح الجمعة ، ومائة جلدة أخرى لأني همست في أذن الحمار / الهمس ممنوع /
وجلدني وكلبي والحمار ثالثا ً بتهمة ـ التكتل والتجمع الذي خدش هيبتي / أنا السلطان /
سألت ـ قائد العسس ـ وأنا في طريقي إلى عالم ـ الغيبوبة ـ / تمنيت لو دخلتها بعد أول سوط لامس ضلعي المعقوف / الغيبوبة / تضمن لي عدم الإحساس بألم ما تبقى من الجلدات وسوف تضمن لي أيضا عدم رؤية كلبي وهو يموت قبل آخر جلدة ...وسوف تضمن لي كذلك عدم سماع ضحكات السلطان !!!
ـ أين التجمع سيدي ؟ كنت وحيدا ً في ذلك الشارع ! من غيري ؟
أشار إلى رفيقي الدرب !
ـ لكنهما : كلب و حمار...
ابتسم وقال :
ـ ......... حمير .......... كلاب ..........

انتهت

الدكتور نجم السراجي
النمسا 2007



#نجم_السراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نص : إلى دجلة
- قراءة نقدية


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجم السراجي - قصة قصيرة : الحمار ... ثالثنا