أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باقر جاسم محمد - أسئلة الوجود و فضاء المتحف















المزيد.....

أسئلة الوجود و فضاء المتحف


باقر جاسم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2166 - 2008 / 1 / 20 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


تعد المتاحف بكل أنواعها مظهرا ً أساسيا ً من مظاهر اهتمام الإنسان بموروثه الحضاري. فهي تحفظ ذلك الموروث و تجعله في متناول أيدي الباحثين و المثقفين فضلا ً عن الإنسان العادي. كما تعبر المتاحف عن وعي حضاري متقدم ينظر إلى تجربة وجود البشر على سطح الأرض بوصفها كلا ً متصلا ً يبدأ من الماضي الموغل في القدم وحتى اللحظة الراهنة. و بذلك يتصل فضاء المتحف بتجربة الوجود الإنساني أعمق اتصال. و توسع هذه التجربة الوجودية فضاء المتحف و تعمقه لأنها تغنيه بالجديد دائما ً.
و تتعدد تخصصات المتاحف، فمنها ما هو متخصص بالتاريخ و الآثار، و منها ما هو متخصص في التاريخ الطبيعي، و منها ما هو متخصص بتطور وسائط النقل...إلخ. أما متاحف الفنون التشيكلية فهي تحتل مكانة مهمة و أساسية بين المتاحف. و لو تذكرنا متاحف الفن التشكيلي، مثل اللوفر في باريس و الأرميتاج في موسكو و متحف برلين و متحف لندن، لرأينا أنها تحتل مواقع مهمة و أساسية في تلك المدن و تحظى باهتمام ورعاية فريدين لأنها تؤدي وظائف متنوعة و مهمة و مترابطة على نحو وثيق تجمع بين الثقافة و المعرفة و الترفيه. و من هذه الوظائف تلك التي تتعلق بالفن نفسه و بما يقدمه من متعة بصرية و ذوقية و فكرية لزوار المتحف. و هنا يكون وجود المتحف علامة حضارية بارزة، و دليلا ً على أن المجتمع الذي يهتم بإنشاء المتاحف و بزيارتها إنما هو مجتمع قد أحرز مكانة حضارية متقدمة. و من وظائف المتاحف الفنية أنها تسهم أيضا ً في إشاعة الثقافة الفنية و البصرية بكل ما يرتبط بهما من أبعاد معرفية تسهم في تعزيز فهم الإنسان لتجربة الوجود؛ و كذلك تدعم المتاحف عمل الأكاديميات التي تدرس الفنون فضلا ً عن إسهامها مباشرة أو ضمنا ً في ما يمكن أن نسميه باقتصاد الفن. و أعني باقتصاد الفن الجانب التجاري الموازي لكينونة المتاحف من تجارة الأعمال الفنية، و اجتذاب السياح الأجانب المهتمين بالفنون، و تشغيل نسبة من الأيدي العاملة الوطنية. و هنا تبرز المتاحف الفنية بوصفها جزءا ً جوهريا ً من ثقافة المجتمع و اقتصاده في آن واحد. و قد لا نغالي إذا قلنا أن تعدد المتاحف و تنوعها و انتشارها في بلد ما، فضلا ً الاهتمام بها و بزيارتها هو واحد من أهم المعايير في القول برقي تلك الأمة في ذلك البلد و تقدمها.
و من وظائف المتاحف المهمة تلك الوظيفة الضمنية و الرمزية. أعني أنها الوظيفة التي تتعلق بمحتوى الأعمال الفنية التي تحتويها المتاحف. تلك الأعمال التي تعبر عن رؤى الفنانين من شتى الثقافات و الحضارات و المعتقدات و هم يتأملون وجوه التجربة الوجودية في أبعادها الاجتماعية و السياسية و الفكرية و الذاتية التي عاشها الإنسان طيلة حياته و هو يتقلب و يعاني و يتطلع إلى السبل التي توصله إلى لحظة الاندماج في موسيقى الوجود نفسه. و إذا كانت هذه الرؤى، و منذ القدم، من أعظم هموم الإنسان، فإنها ستبقى كذلك في المستقبل. فليس هناك ما يشير إلى تراجع أهميتها بسبب التطور العلمي و الحضاري. و هذا مما يجعل وظائف المتاحف تحتفظ بأهميتها الخاصة المتزايدة؛ ذلك أنها من أهم وسائل الإنسان التي تفتح بصيرته على ما يتجاوز حدود التجربة الفردية، و هي مما يغني تلك التجربة و يجعلها أقرب إلى حلم الخلاص من محاولات قهر الإنسان و هزيمته.
و تمثل زيارة المتحف تجربة فريدة من نوعها. فالداخل إلى المتحف سيخرج بعد ساعات و قد اقترب حثيثا ً من لحظة هي أقرب إلى مفهوم التطهير الأرسطي. ففي المتحف، لوحات و منحوتات كاملة بارزة و نقوش خطية تشتبك بحميمية و عمق مع شتى المشكلات التي عاشها الإنسان و تجسد همومه. فهناك لوحات المناظر الطبيعية التي تعبر عن الصلة بالطبيعة، و تسمى في الإنجليزية Paintings landscape، و لوحات و تماثيل تجسد عالم الأساطير و الحكايات بكل ما يحفل به من رموز مثل لوحات مولد فينوس لساندرو بوتتشيلي و ميدوزا لكارفاجيو، هناك الصور و التماثيل الشخصية مثل لوحة دكتور بول كاشية لفان كوخ. و هناك الرسوم المنحوتات المستمدة من الفكر الديني مثل تمثال موسى لمايكل أنجلو. و إذا كان الإنسان ذا صلة لم تنقطع بالطبيعة فهو سيرى اللوحات التي تصور مشاهد من الطبيعة بعين خبير بالطبيعة، و ستنشأ قراءة بصرية ذات جوهر حواري مع اللوحات؛ و حين يشاهد الطبيعة مرة أخرى، بعد زيارته للمتحف، فسيراها بعين مختلفة. عين أكثر خبرة و حصافة. فهي عين واعية و مثقفة تأثرت بالكيفية أو الكيفيات التي نظر فيها الفنان أو الفنانون إلى الطبيعة. و حين يشاهد الزائر منحوتة من الرخام أو الخشب أو النحاس أو الطين لعلاء بشير أو محمد غني حكمت أو هنري مور أو رودان أو منعم فرات، فسوف تتدفق في داخله، بفعل المشاهد البصرية المدققة، أحاسيس و انفعالات ترتقي به على ما يعيشه من مشاعر و أحاسيس يومية مألوفة. و تلعب فنون الخط و الزخرفة دورا ً مهما ً كذلك في تهذيب الذائقة الفنية للمشاهد فضلا ً عما تعبر عنه من موضوعات أو ثيمات دينية و فكرية و شعرية.
و تقترن شعرية التلقي للفن التشكيلي بالمتحف تحديدا ً لأنه المكان الذي يوفر للفرد فرصة الإطلاع الواسع على تجارب و رؤى فنية مختلفة. و تكون هذه الشعرية متميزة لكونها تجري في بيئة المتحف التي تمنح المتلقي طاقة أكبر على التفاعل لما يمثله المتحف من مكانة ثقافية رمزية مهمة. فالمتحف مركز ثقافي متعدد المهمات و فيه مكتبة لها دورها في رفد القارئ بكل ما يحتاج إليه من كتب في الفن و فلسفته و تاريخه. و يرتبط المتحف بهيبة و قيمة الفن في الحياة من جهة و بمختلف الفنون من جهة أخرى. فالمتحف نفسه تحفة فنية من حيث كونه مكانا ً تتجلى فيه قدرات فن العمارة. ذلك الفن الذي يربط القيمة الجمالية بالقيمة الاستعمالية في وحدة واحدة. و ثمة صلة واضحة بين المتحف و المسرح، و المتحف و الموسيقى التي تعزف عادة في أبهاء المتاحف فضلا ً عما يعقد فيه من ندوات فنية و فكرية تتناول تجارب الفنانين و سمات و ملامح التيارات الفنية المختلفة.
و هنا يبرز سؤال: هل يختصر المتحف الحياة و تجربتها؟ أو هل يكون بديلا ً عنها؟ و الجواب هو بالنفي، لأن وظيفة الفن، ممثلة بالمتحف، هي فهم التجربة الكيانية و ليس إلغاؤها و الحلول محلها. و لعل وجود النصب و التماثيل و الجداريات في الأماكن العامة حيث تمور الحياة و يعيش البشر كل يوم تجربة الوجود و كأنهم يواجهونها للمرة الأولى، يمثل إجابة أخرى، رمزية في جوهرها، على هذا السؤال. فإذا كان المتحف، أيا ً كان حجمه، لا يستطيع أن يستوعب الفن كله، فإنه بالتأكيد لا يستطيع أن يستوعب الحياة كلها. إذن، ليس المتحف مكانا ً لتحنيط الأعمال الفنية أو الفنانين الموتى بقدر ما هو مجموعة من النوافذ و البوابات التي تفضي إلى عرض تجليات رؤيا الإنسانية لحركية الحقيقة الفنية في صيرورتها منذ الأبد و إلى الأزل. و ليس هو مجرد ذاكرة فنية و حضارية و إبداعية، بل هو تجربة حية متجددة. لذلك كان المتحف و ما زال من المظاهر الحضارية التي توليها الأمم أهمية كبيرة. فإذا ما تعرضت الأمة إلى خطر ما، سعت إلى حماية أهم و أثمن المعالم و المقتنيات فيها، و تأتي المتاحف في المقدمة من هذه المعالم و المقتنيات. فالمتحف هو المكان الذي يلهمنا القدرة على تثقيف بصرنا و بصيرتنا في آن واحد، و هو يحفظ تراثنا الروحي و يسهر على إدامة صلتنا به، و يعبر عن خصوصيتنا الحضارية، و يبرز نقاط التشابه و الاختلاف بين شتى الحضارات، و يظهر تصميمنا على أن نكون مبدعين و من صناع الحضارة في المستقبل.
أليس كذلك؟



#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر و طبقات المعنى: - أهاجي الممدوح- إنموذجا ً
- أنا الحرية: البنية و التأويل في ( الكرسي )
- الفدرالية و أزمة الحكم في العراق
- روح هجرتها الموسيقى
- لطفية الدليمي: هجرة الإبداع
- الميثوبي و السرد الغنائي
- بين مربدين
- كان شامخا ً مثل نخلة عراقية
- أدلجة سوسور: قراءتا بلومفيلد و تشومسكي لمحاضرات سوسور
- ما تستحقه الكلمات
- نظرية النشوء: نحو منهج مادي تاريخي في تأريخ اللسانيات
- هدف الرغبة الغامض البعيد: علم اللغة
- نزع الميثولوجيا عن اللسانيات الاجتماعية
- من الذي سيكون سيدا ً تأسيس السلطة العلمية في علم اللغة
- الأيديولوجيا و العلم و اللغة
- أبواب
- محو الغربة و تدوين الاغتراب
- مسألة السلطة السياسية هي جوهر الخلاف بين العلمانيين و القائل ...
- جدل الشكل و لامحتوى في السرد الوائي: ( حديث الصبح و المساء إ ...
- العلمانية و الدين و المجتمع


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باقر جاسم محمد - أسئلة الوجود و فضاء المتحف