أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن سعيد الفطيسي - العراق ,, قصة مأساة تنتظر النهاية















المزيد.....

العراق ,, قصة مأساة تنتظر النهاية


محمد بن سعيد الفطيسي

الحوار المتمدن-العدد: 2165 - 2008 / 1 / 19 - 11:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(إن سائق عربة الخيول المفجوع بابنه في قصة تشيخوف الشهيرة، عندما لم يجد أذناً مصغية من أحد ركابه ليروي له مأساته, رواها آخر الليل لجواده، ولكن الإنسان العراقي الأصيل, المفجوع بسنين طوال ضاعت من حياته هدراً, بين قتل وتشريد وغربة واعتقالات، لتتوج باستباحة تاريخه, ونهب آثاره, وسلب مكتباته العريقة وجامعاته وحرقها، لمن سيروي مأساته آخر الليل؟)
وللأسف - فإن ليل العراق الحبيب قد طال كثيرا, فما عاد له من آخر لتروى في نهايته قصة مأساة امة بأكملها, وحضارة عريقة أنارت الكون حين كان العالم غارقا في ظلام الجهل والتخلف والرجعية, ووطن مسلم عربي عظيم, علم الدنيا أهم صفات الإباء والمجد والعروبة, وشعب عربي له من المفاخر والانجازات ما لا يمكن أن ينكره احد شهد ما حققه العراق الحديث, بل إن المأساة نفسها لم تعد كلمة تعبر عن حجم الألم والمعاناة والأسى الذي يعيشه هذا الشعب العزيز ليل نهار, فما حدث ويحدث كل ثانية من الزمن في هذا الجزء المغتصب من عالمنا الإسلامي والعربي, هو كارثة حضارية وإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
كارثة حاقت بالأمة أولا, كون هذا الوطن المسلم العربي, كان ولا زال وسيظل يحمل موضع القلب من جسدها, والرئة التي تتنفس من خلالها الهواء النقي, فإذا ما انهار ذلك القلب أو تعب, أو أصيبت تلك الرئة أو تلوث الهواء الذي تتنفسه, انهار بعدها الجسد بأكمله, أو تتابع سقوطه وانهيار بنيانه وقواعده, وهو ما أدرك معناه أعداء هذه الأمة منذ أمد بعيد, فسعوا لتحقيقه من خلال القضاء على ابرز أركان وحدتها وصحوتها واستقرارها, وواحد من أقوى سواعد الإنتاج والبناء والصناعة لديها, وحاضرة من حواضرها التي تعاقب على ترابه ابرز عصور الإسلام والعروبة الذهبية, بداية بعهد الخلفاء الراشدين, ومرورا بالعهد الأموي, وليس انتهاء بالعهد العباسي, وبالطبع فان ذلك الغزو الموجه لهذه الأمة انطلاقا من بعض كياناتها القوية تحت شعارات خرقاء واهية , كالديكتاتورية والعنصرية وغيرها من المسميات والأكاذيب, ما هي سوى ذرائع أبدعها المحتل للنيل من مكانة هذه الأمة وسيادتها بوجه عام, ومواطن قوتها على وجه التحديد, وفي هذا السياق يقول عراب السياسة الاميركية في سبعينيات القرن الماضي هنري كيسنجر بان: (من يريد السيطرة على الأمة الإسلامية والعربية, فعليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية, فهي الحلقة الرئيسية فيه).
كما أن حجم الكارثة الحضارية هو الآخر كبير بدرجة تفوق كل المقاييس المتصورة, وذلك لما مثله العراق من مكانة في تاريخ الحضارات الإنسانية قاطبة , والحضارة الإسلامية على وجه التحديد, حيث شهدت منطقة وادي الرافدين أو بلاد ما بين النهرين - دجلة والفرات - العديد من الحضارات الإنسانية، التي يرجع أقدمها وفق المعلومات المتوفرة عند المؤرخين إلى العام 3700 قبل الميلاد , وربما أكثر من ذلك بكثير, وهي الحضارة السومرية العربية, ويرجع أصـل سكان العراق للقبائل العربية التي نزحت من الجزيرة العربية إلى وادي الرافدين في الألف السادس قبل الميلاد.
وتبرز الكارثة هنا فيما حدث مع دخول القوات الاميركية الغازية ارض العراق, ولا زال يتكرر إلى يومنا هذا - ونقصد- من خلال حالات النهب والسرقة وتهريب ثرواته الحضارية والإنسانية القيمة تحت أنظار جنود الاحتلال, وفي هذا السياق يقول الدكتور دوني جورج الرئيس السابق للهيئة العامة للآثار والتراث في العراق, وهو شاهد عيان على ما حدث من استباحة لآلاف القطع النادرة والمخطوطات والرقيمات والتماثيل العراقية النادرة, بان: (ما تناقلته بعض الدوائر في الغرب قبل سنة من الغزو على أقل تقدير تؤكد أن أكبر عملية سطو ثقافي في التاريخ لم تكن مصادفة على الإطلاق، خصوصا في ظل التصريحات العلنية التي كانت تقول بضرورة تجريد العراق من تركته الهائلة تلك دفعة واحدة , حتى إن بعض الشخصيات المتابعة لهذا الموضوع أعلنت عن تحضرها للقدوم مع الغزو من أجل الحصول على قطع أثرية محددة من المتحف العراقي).
أما حجم الكارثة الوطنية, والتي لحقت بالعراق كأرض ووطن مسلم عربي, فلم تكن بأقل مأساوية وكارثية عن أي كارثة أخرى سلف ذكرها, بداية بما حدث لمياهه ونفطه الذي استنزف بمختلف الطرق القانونية وغير القانونية, ليصب في نهاية المطاف في جيوب المرتزقة والطفيليات النابتة على جسده, وفي صهاريج وآبار إسرائيل, وشركات النفط العابرة للقارات, حيث أكدت دراسة حكومية أميركية أن العراق يخسر يوميًا نحو 15 مليون دولار نتيجة عدم احتساب ما بين 100 الى 300 ألف برميل نفط من إجمالي الإنتاج اليومي للعراق والمقدر بمليوني برميل، وأرجعت الدراسة فقدان آلاف البراميل من النفط إلى عمليات تهريب النفط والفساد الحكومي, ومرورا بمحاولات سلخه عن عروبته بطرق كثيرة وعديدة أبرزها على الإطلاق, تدمير وتفكيك المؤسسات العراقية العلمية والثقافية والأدبية, وتصفية كوادرها, وممارسة القتل على الهوية ونشر الفوضى وتعميق الطائفية السياسية, والسعي المتواصل والمستمر لطمس الهوية الوطنية.
وليس انتهاء بمحاولات تقسيمه إلى دويلات صغيرة وضعيفة, والتي كانت هي الأخرى على رأس أولويات الغزو الاميركي لهذا الوطن المسلم العربي ومن أهم أهدافه على الإطلاق, وهو جزء من مخطط اكبر رسمته الصهيونية العالمية لتقسيم الوطن العربي الكبير, وتحطيم كياناته القوية بداية من العراق, ففي (اجتماع مشترك بين المجلس اليهودي العالمي في نيويورك ومنظمة ايباك الصهيونية عام 1982, حضره رئيس الوزراء الصهيوني السابق اسحق رابين , وتم في هذا الاجتماع الاتفاق على خطة لتقسيم 7 دول عربية، خمس منها حدد العام 2020 للانتهاء من تقسيمها وهي السودان والصومال والعراق وسوريا ولبنان، واثنتان حدد العام 2030 للانتهاء من تقسيمهما، وهي مصر والسعودية , وقد اقترح رابين في ذلك الاجتماع، دمج المرحلتين والانتهاء من مشروع تفتيت تلك الدول عام 2025م).
وأخيرا وليس آخرا, فإن الكارثة الإنسانية هي الأخرى لا تقل مأساوية وسوداوية عن غيرها من مآسي هذا الشعب المسلم العربي, خلال سنوات الاحتلال الصهيواميريكي الظالم, وابرز تلك المآسي هو ما يلاقيه هذا الشعب بوجه عام من قتل وتشريد وإرهاب لا ينتهي, واعتداء على الحرمات والممتلكات , وغيرها الكثير من الانتهاكات اليومية, والتي إن دلت على شيء , فإنما تدل على انحطاط في القيم الحضارية والإنسانية التي لا زالت تتمسك بها دول الاحتلال والطغيان في مختلف دول العالم, وما أصاب أطفال العراق ونساؤه على وجه التحديد, هو الدليل على ذلك الانحطاط , فبالرغم من الادعاءات الاميركية بان عدد القتلى العراقيين قد تناقص في العام 2007 م وذلك بسبب زيادة عدد القوات الاميركية في العراق , إلا أن ما أكدته صحيفة الاندبندنت في مقال لها نشر بتاريخ 7 / 1 / 2008 م , نقلا عن المنظمة البريطانية للإحصاء, يدحض تلك المقولة وذلك الادعاء الاميركي الباطل, حيث أكد تقرير نشرته المنظمة سالفة الذكر بان العام 2007 م كان ثاني أسوأ عام من حيث حصيلة ضحايا العنف بعد العام 2006 في العراق ، مشيراً إلى أن عدد القتلى في الأشهر الأخيرة يدل على أن وتيرة العنف عادت إلى المستويات التي سجلتها المنظمة عام 2005 , حيث أشار التقرير إلى أن عدد القتلى في العام 2007 قد وصل إلى ما يقارب 24159 قتيلا مدنيا , مقارنة بـ 27519 قتيلا خلال العام 2006 م.
كما كشفت دراسة أعدها الباحث الاجتماعي الدكتور عدنان ياسين مصطفى- أستاذ الدراسات الاجتماعية، أن حالة العراق، ليست سوى مسلسل من عمليات القتل العشوائي التي تحصد العشرات كل يوم، وفقدان الشعور بالأمن، وتفكك الأسرة العراقية، وازدياد حالات الطلاق، بالإضافة إلى انتشار جرائم الفساد الإداري، والاعتداء على الملكية العامة، وارتفاع جرائم السرقة، والسطو المسلح، والاختطاف والاغتصاب، وجنوح الأحداث.
ومن جهة أخرى، أكد تقرير للأمم المتحدة نشر العام 2007 م يشير إلى إن معدلات الطلاق ارتفعت خلال أعوام 2003- 2006 بنسبة 200%، في حين تراجعت نسبة الزواج لنفس الفترة إلى 50% - بحسب إحصاءات وزارة العدل العراقية.وتسجل التقارير بان التضخم المتزايد في الاقتصاد العراقي يخلق ضغوطا مستمرة ومتزايدة على الأسرة، وأدى الحرمان إلى زيادة أعداد أطفال الشوارع، وتنتشر جيوب الفقر في المدن والقرى على السواء, بينما تجاوزت أعداد اليتامى من أطفال العراق حاجز الـ 7ملايين طفل خلال العام 2007 م.



#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ظلال الهيمنة
- معا من اجل بناء عالم حقيقي للإنسان
- حتى الأموات يعودون إلى الحياة
- الدبلوماسية الأميركية ومأزق المتغيرات الدولية
- من كامب ديفيد 2000الى أنابوليس 2007
- قبل اختفاء الحضارة
- الفيدرالية وخطر تقسيم العراق
- تهديد سوريا سيناريو يتكرر
- مؤتمرات السلام في الشرق الأوسط
- وما كفر الجوع ولكن 000
- النفط ,, حلم الغرب وكابوس الشرق
- سيكولوجيا المحفزات الثانوية للإرهاب
- الرماد المشتعل ,, روسيا كنموذج
- الوحوش الرقمية ونشوء نظرية اللامركزية الكونية
- عملية صناعة القرار
- الثابت والمتغير في الصراع العربي الإسرائيلي
- التنصت على الكرة الارضية
- صناعة المؤامرات ام ثقافة الاستراتيجيات
- السباحة في المياه الراكدة
- الفوضى القادمة في السياسات العسكرية


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن سعيد الفطيسي - العراق ,, قصة مأساة تنتظر النهاية