أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - برهان شاوي - الـــدوخــة الفـلســـفية















المزيد.....

الـــدوخــة الفـلســـفية


برهان شاوي

الحوار المتمدن-العدد: 671 - 2003 / 12 / 3 - 05:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


 ترجمة وتعقيب: بُرهان شـاوي
  مـاذا يمكننا ان نقول عن هذا الوجود؟ عن كثافته، غموضه، عن دقته واشكاله
المتعددة؟ لقد أدركنا ان الوجود المستقل بالنسبة لنا عصي على الإختراق، ولا يمكن معرفة كنهه الى ما لا نهاية، وربما كان من حسن حظ الفكر المعاصر، ان يجري هذا التقاطع ما بين الفلسفة والعلم، ومحاولتهما معا ان يرسما صورة مشتركة للوجود رغم عجزهما عن كشف كل الاسرار. ولكن رغم ذلك يبقى السؤال المثير: ما معنى الوجود؟ لم وجُـد الوجود؟ ولماذا يوجد شيء ما ولا يوجد العدم؟

  إن هؤلاء الذين اقحموا انفسهم في التفكير بعمق هذه الاسئلة، سيعانون من (دوخة) فلسفية قوية. ان الفيلسوف (تايلهارد دي جاردين) كان في السابعة من عمره حينما وجد نفسه أمام بعض الاسرار، إذ ان أمه أخذت خصلة من الشعر، ثم أخذت عود ثقاب وأشعلت النار، ورأى الصغير كيف ان خصلة الشعر احترقت ولم يبق منها شيء، وما ان انطفأت النار حتى أحس الصغير(تاليهار) بعبثية (الوجود) وبعبثية (العدم)، كما أحس فيما بعد أيضا، بان تجارب النفي، الموت، الخوف، الألم، والأثم هي اقوى من نقائضها، وقد أتاح ذلك له ان يسأل نفسه: لماذا توجد الأشياء؟ ومن أين جاء الوجود الذي هو في داخلي، الذي هو (أنا)؟

  إن الكون هو: مئات المليارات من النجوم والكواكب، مقسمة الى مليارات المجرات التائهة في السكون والفراغ اللامحدود، هذا الكون الذي يدفعنا للسؤال: لم يوجد؟ فبعد حوالي عشرين مليار عام من وجودها تبدأ المادة بالحركة في (الزمكان)، ولكن الى أين؟

  إن (علوم الفضاء) تجيب بأن الكون ليس أبديا أو خالدا، وأنه لا بد من أن يصل الى نهايته حتى وان كانت هذه النهاية بعيدة جدا وخارجة عن القياس،لكن( موت) الوجود لا بد أن يكون،انه آت أما عن طريق (الانجماد) أو عن طريق (الاحتراق).

   بالنسبة للاحتمال الأول: يبدو أن الكون مفتوح: فآفاقه مفتوحة، بحيث ان المجرات ستتيه في اللامحدود، وان النجوم والشموس ستنطفيء الواحدة بعد الأخرى، بعد ان تنتهي الطاقة الاحتياطية لها، وبهذا فإن (الجانب الآخر) الذي يمد بعمر (البروتون) سيحطم المادة نفسها، وتأتي اللحظة الأخيرة، حيث أن الجزيء
الأخير من الغبار الكوني سيختفي في (ثقب أسود) هائل، وهو الذي سيبتلع (الزمان) و(المكان) وسيسقط (الوجود) في ( العـدم) ثانية.!!

  ولكن لماذا يوجد هذا (العدم)؟ وماذا يبقى من كل هذه (المعلومات) و(النظام) الذي يقود الكون منذ مئات المليارات من السنين؟ وربما سيتم التأكد علميا من ذلك في المستقبل، وربما سيجد العلم ( العلاقة) ما بين هذا ( النظام الكوني) الحالي وبين ( الانهيار الكوني)، بين (النظام )و (اللانظام) الوجودي المقبل، الذي سيلغي الكون!

  إن (نظرية المعلومات) تؤكد: بأن (الفوضى) هي دليل على ان اي نظام معين يحتوي على كمية محددة من المعلومات، مما يدفع العلماء الى الاعتقاد بأن (اللانظام) الذي سيطرأ على الكون له علاقة بما (حُدد سلفا) في ( الجانب الآخر) من ( المادة). وهنا تتداخل حتمية الكون في نهايته، حيث ان تاريخ الكون الذي يمتد لمئات المليارات من الأعوام سيعود في اللحظة الأخيرة الى ( الارادة الاولى)
والى (الكلية المعرفية الصافية)، الى ( العقل المحض).

  ولكن هل يمكننا من خلال التخمين بنهاية الكون أن نصل الى خاتمة ما؟ ماذا يمكن للمرء أن يقول عن (وجود) بين ( عدمين)؟؟

  الحقيقة الجوهرية هي: أن هذا الكون لا يمتلك (سمات الوجود في ذاته)، إذ أن من (أوجده) هو (موجود) مسبق عليه، يختلف عنه وخارج عنه. فإذا ما كان وجودنا محكوما بالزمان فإن (العلة الأولى) للوجود سرمدية ولا نهائية، ومتسامية عن الزمان والمكان، وهنا نقترب نحن من ( العلة الأولى) الذي تسميه الأديان بلفظ الجلالة (اللــه).

( تعقيب:
         هنا نتذكر طروحات الفلاسفة المسلمين القائلين : بالتوحيد، والتنزيه والتجريد، لاسيما (ابن رشد) الذي لخص المبدأ الأول بالعبارة التالية: أن المبدأ الأول للوجود هو القوة التي تهيمن على الوجود هيمنة القوانين التي تحفظ عليه النظام، وتفيده التركيب والعلاقات الجدلية وتشمله بالاحاطة التي هي العلم، فهو عقل الوجود وعلمه ونظامه ومحركه، المنزه عن المادة وعن مشابهة أي شيء وصل الى تصوره عقل الانسان، كما يقول ابن رشد في (تهافت التهافت): (اذا وجدت موجودات ليست في مادة وجب ان يكون جوهرها علما وعقلا) - ب- ش).


  إن العلم يطرح ثلاث وجهات نظر مختلفة حول الوجود لكنها تؤكد وجود فكرة (علية) على وجودنا:
أولا:
     إن الكون يبدو لنا من الناحية العلمية نهائي ومغلق في ذاته، فاذا قارناه بفقاعة الصابون، فماذا ( يحيط) بهذه الفقاعة؟ وما هو كنه الذي يحيط بها؟ إنه لمن المستحيل تصور (مكان) خارج (المكان) يحيط (بالمكان)!!. لذا فانه من وجهة نظر الفيزياء فإن مثل هذا المحيط الخارجي لا يوجد (فيزياويا)؟ لذا فإن (وجودنا المحقق) ليس إلا موجة محيط لا نهائي لامادي!!!

ثانيا:
     هل ان تحقق الوجود (ضرورة) أم (مصادفة)؟ هل يوجد وراء (لا يقينية) الكمات ثمة (حتمية)؟ لقد أثبتت (نظرية الكم) من خلال التفسير الاحتمالي، ان هناك (علة أولى) وراء الوجود هي المسؤولة عن هذا الانسجام والتناسق العظيم الكامن فيه.

ثالثا:
     الدليل الأهم وهو : ( المبدأ التراتبي)، إذ ان الكون مصمم ومركب بدقة متناهية، ومؤلف من قيم ثابتة ومترابطة، هي معايير مقاسات لا تتغير، يمكن عدها وحسابها، لكن لا يمكن تفسير سر اختيار هذه القيمة أو تلك في بناء الوجود. إن العلماء يقفون بحيرة أمام (المعجزة الرياضية) التي يقف عليها عالمنا، والتي تختلف عن عالم الجزيئات الذي تحكمه (الفوضى المطلقة)، حيث الرقص الفوضوي للذرات، إذ تتشابك وتتباعد وتختفي ثانية في منبعها!!! ومن هنا فإن الكون ليس إلا صورة لنظام عظيم يقود الى وجود ( العلة الأولى).. يقود
الى ( اللــه).

  إن العام 1927 كان له أهمية خاصة واستثنائية في تاريخ الفكر المعاصر، لأنه كان بداية للفلسفة المادية-الروحانية، انه العام الذي قدم فيه (هايزنبيرغ) تعاليمه عن (مبدأ عدم اليقين)، وفيه قدم (جورج لومير) نظريته عن (تمدد الكون)، كما قدم فيه (آينشتاين) مقترحاته عن نظرية (الحقول الموحدة) ونشر فيه (تاليهارد دي جاردين) أول أعماله الفلسفية، كما انه العام الذي عقد فيه(مؤتمر كوبنهاكن)، والذي تم الاعلان فيه رسميا عن تاسيس (نظرية الكم)، واعتقد ان على الفلاسفة ان يطرحوا على أنفسهم السؤال الواضح: ماذا يريد العلم أن يقول لنا؟ ,اية قيم جديدة يقترحها علينا؟ وكيف ستكون لأستنتاجاته الدور في تشكيل نظرة كونية جديدة؟
    ولكي نجيب على هذه الأسئلة، علينا ان نقف على أرضية مادية صلبة، فلأول مرة يوجه (العلم) ضربات (للفلسفة)، وفي نفس الوقت يمنحها الوسيلة من أجل أن تعيد صياغة نفسها، وتخلق تركيبة ما بين المادية والروحانية، وتخلق الموازنة ما بين ( الواقعية) و(المثالية). ف(الوجود الماورائي) الذي نتقبله الآن علميا ضمن المقترحات والاستنتاجات لنظرية الكم تلتقي مع (مبدأ التسامي) فلسفيا. إن اية وجهة نظر فلسفية تبدو اليوم عاجزة عن إعطاء الجواب الحقيقي، لأن النموذج الوحيد للعالم والمقبول اليوم هو الذي يقوم على الفيزياء المعاصرة)

( تعقيب:
         لقد حاول المفكرون المسلمون أن يجيبوا على الكثير من الأسئلة التي
يطرحها (جان جويتون والأخوة بوغدانوف)، بل انهم توصلوا الى إستنتاجات عميقة سبقت( نظرية الكم)، فها هو الفيلسوف الاسلامي (ابن رشد) يذكر في كتابه الشهير (تهافت التهافت):( للموجودات وجودان: وجود محسوس، ووجود معقول.. كما ان للصور وجودين: وجود معقول اذا تجردت من الهيولي، ووجود محسوس اذا كانت في الهيولي. ).
  
   كما توجد هناك الطروحات الفذة للامام الغزالي حول مفهوم ( الزمان) الذي لم يكن له وجود قبل خلق العالم، والتي جاءت في كتابه (تهافت الفلاسفة):(ان الزمان حادث ومخلوق وليس قبله زمان أصلا.. وما تصوركم وجود الزمان الا من عجز الوهم، فان الوهم يعجز عن فهم وجود مبتدأ الا مع تقدير (قبل) له. وذلك (القبل) الذي لا ينفك الوهم يظن أنه شيء محقق موجود هو (الزمان).
 
   وكذلك طروحات علماء المسلمين الآخرين أمثال(ابن مسكويه) و (ابن سينا) وكذلك الطروحات الفذة حول (الحركة الجوهرية) للإمام صدرالدين الشيرازي،  و(أخوان الصفا)، ولكن كان كل ذلك على صعيد الفلسفة..!! - ب - ش ). 


                                عن كتاب (اللـه والعــلم)
                                لجان جويتون والأخوة بوغدانوف
                              

 



#برهان_شاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحـظـات حـول مفهـــوم الـصــورة في الثـقــافـة العــربيـة ...
- صـــرخـة الحــــلاج حول كتاب (نصوص التصوف الاسلامي) للمستشرق ...
- عرض كتـاب: أندريــه بيـــلي.. في - مشـاكل الإبـــداع
- الســـينمـا.. الموسيـــقى.. وشـكل القصيـدة
- قــُــــداس جنــــائـــزي
- عن الإبـداع.. وسـلوك المـــبدع
- هـل هنـاك ( رأي عــام ) عــربي حقــا؟؟
- حـقـــوق الإنسان فـي البـلـدان العربـيـة...!!!!
- عن قنــــاع المثقـف... العراقي..!
- فـي الثقــافـة الـعراقـيـة الجــديـدة
- مـن قصــــــائد الحـجــــــر
- مـن ( أعـصــــاب ) فلاديميـر فيسـوتسـكي
- الفضائيــات العــربية.. والعـــراق 3 - 3
- الفضــائيـــات العربيـــة.. والعــــراق 1 / 2
- آنا آخماتوفا


المزيد.....




- لعلها -المرة الأولى بالتاريخ-.. فيديو رفع أذان المغرب بمنزل ...
- مصدر سوري: غارات إسرائيلية على حلب تسفر عن سقوط ضحايا عسكريي ...
- المرصد: ارتفاع حصيلة -الضربات الإسرائيلية- على سوريا إلى 42 ...
- سقوط قتلى وجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من م ...
- خبراء ألمان: نشر أحادي لقوات في أوكرانيا لن يجعل الناتو طرفا ...
- خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ -ستورم شادو- بريطاني فر ...
- كم تستغرق وتكلف إعادة بناء الجسر المنهار في بالتيمور؟
- -بكرة هموت-.. 30 ثانية تشعل السوشيال ميديا وتنتهي بجثة -رحاب ...
- الهنود الحمر ووحش بحيرة شامبلين الغامض!
- مسلمو روسيا يقيمون الصلاة أمام مجمع -كروكوس- على أرواح ضحايا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - برهان شاوي - الـــدوخــة الفـلســـفية