أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سهيل أحمد بهجت - نقد العقل المسلم ح 28 الفرد و الدّولة















المزيد.....

نقد العقل المسلم ح 28 الفرد و الدّولة


سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)


الحوار المتمدن-العدد: 2162 - 2008 / 1 / 16 - 00:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


""الهمجي" هو أيضاً متمدن بمعنى هام من معاني المدنية، لأنه يُعنى بنقل تراث القبيلة إلى أبنائه- وما تراث القبيلة إلا مجموعة الأنظمة والعادات الاقتصادية والسياسية والعقلية والخلقية، التي هذبتها أثناء جهادها في سبيل الاحتفاظ بحياتها على هذه الأرض والاستمتاع بتلك الحياة، ومن المستحيل في هذا الصدد أن نلتزم حدود العلم، لأننا حين نطلق على غيرنا من الناس اسم "الهمج" أو "المتوحشين" فقد لا نعبر بمثل هذه الألفاظ عن حقيقة موضوعية قائمة، بل نعبر بها عن حبنا العارم لأنفسنا لا أكثر؛ وعن انقباض نفوسنا وانكماشها إذا ما ألقينا أنفسنا إزاء ضروب من السلوك تختلف عما ألفناه؛ فلا شك أننا نبخس من قيمة هاتيك الشعوب الساذجة التي تستطيع أن تعلمنا كثيراً جداً من الجود وحسن الخلق؛ فلو أننا أحصينا أسس المدنية ومقوماتها لوجدنا أن الأمم العُريانة قد أنشأتها أو أدركتها جميعاً إلا شيئاً واحداً، ولم تترك لنا شيئاً نضيفه سوى تهذيب تلك الأسس والمقومات لو استثنينا فن الكتابة، ومن يدري فلعلهم كذلك كانوا يوماً متحضرين ثم نفضوا عن أنفسهم تلك الحضارة لما لمسوه فيها من شقاء النفس؛ وعلى ذلك فينبغي أن نكون على حذر حين
تستعمل ألفاظاً مثل "همجي" و "متوحش" في إشارتنا إلى "أسلافنا الذين يعاصروننا اليوم"؛ ولقد آثرنا أن نستعمل كلمة "بدائي" لندل على كل القبائل التي لا تتخذ الحيطة، أو لا تكاد تتخذها، بحيث تدخر القوت للأيام العجاف، والتي لا تستخدم الكتابة أو لا تكاد تستخدمها؛ وفي مقابل ذلك، سنطلق لفظ التمدن على الأقوام التي في وسعها أن تكتب، وأن تدخر في أيام يسرها لأيام عسرها" ـ قصة الحضارة للكاتبين الكبيرين ول و آرييل ديورانت. ج 1 ص 18 ـ 19.
يُمثّل الفرد قمّة الوجود الإنساني ، فالجماعة هي تعدد الأفراد ، و الإنسان كمخلوق يحمل في داخله تصوره الخاص للحياة و المجتمع و كل المنتج البشري ، و مهما تشابهت قناعة جماعة أو دين من الأديان ، يبقى الفرد في داخله ـ ذاته ـ حُرّا في أن يؤمن أو لا يؤمن ، يُصدّق أو لا يصدّق ، فهو مالك نفسه ، و أرى "سارتر" محقا فعلا حينما يؤكد أن الإنسان هو الّذي يخلق ما يؤمن به ، فشخص ما قد يكون مؤمنا بدين من الأديان إلى حدّ أنه مستعد أن يموت في سبيله ، ثم تحث تحولات فكرية لديه فيصبح هذا المتديِّن "ماركسيا" مثلا و يصف الدّين الّذي كان يؤمن به بالأمس أشدّ الإيمان بأنه: أفيون الشّعوب .."! ثم نراه مستعدا أيضا أن يموت في سبيل "الماركسية" كما كان مستعدا بالأمس أن يموت في سبيل لله ..!! و في كلا الحالتين فإنه كان يعتقد أنه قد توصّل إلى الحقيقة الكاملة.
إنّ الإنسان في جوهره هو "مجموعة ردود أفعال" و هو في الوقت نفسه لا يقوم بردّ الفعل اعتباطيا أو آليا! بل إن الإنسان ـ كل إنسان ـ لديهِ رغبة ما نحو شيء ما ، سواء تعلق ذلك الشّيء بذاته أو بمحيطه ، و هو لكي يصل إلى كمال الذّات "الأنا البراقة" فإنه يبحث عن وسائل للوصول إلى هذا الكمال الّذي يراه الفرد كمالا ، و هو ما قد لا يكون كذلك في نظر آخر ، فالحصول على مرتبة دينية أو القيام بفرض ديني أو قتل أحدهم في سبيل الله !! يبدو في عين المتدين "كمالا" و بريقا لذاته العطشة للأفضل ، بينما يحتقر الماركسي "مثلا" كلّ ذلك و يعتبر الكمال في أن يصبح "رفيقا" في حزب يساري أو يقتل عدوا من أعداء الثورة و الطبقة الكادحة!!.
إن الإنسان هو ذاته سواء كان فردا من قبيلة تعيش في أكثر المجتمعات رجعية أو بروفيسورا في أرقى جامعات العالم ، يبقى يمتلك الرغبات و الطموح و أن يكون أفضل من غيره ممتازا عما سواه ، و يتفق معي السيد الصدر في كتابه "اقتصادنا" إذ يجعل "حُبّ الذّات" محركا للتاريخ ، فالإنسان و لأنه يحب ذاته و هو شعور مغروس في نفسه ، فإنه ينافس الآخرين في هذه الحياة و كأنه لن يموت ، و حتى عندما يؤمن بالدّين فذلك لأنه يبحث لنفسه ـ ذاته ـ عن الخلود و الانبعاث من الموت الّذي سيعتريه حتما ، بعد كلّ هذا الوضوح في مركزية "الفرد" و كونه أساس كلّ مجتمع ، لا بُدّ من أن نقوم بترسيخ هذا المحرك التاريخي الضخم.
***
تتّسم مجتمعاتنا الشرقية الإسلامية بكونها تمتلك غريزة أكثر من امتلاكها العقل ، و الغريزة قد تصيب أحيانا ، لكنها تخطيء أكثر منها حين تصيب ، و الغريزة غالبا ما تعجب بالخبرة الموروثة من الماضين و ترى في عملهم ، حتّى و إن كان "منطقا عقليا" ، غريزة مقدسة لا يجوز التجاوز أو التحاور حولها بمنطق "النقد" الباحث عن مواطن الإصابة و الخطأ ، بالتالي يخسر المفكر ـ الذي أبدع الفكرة ـ لأنّ ما كان ينتظره المفكِّر من تطوير لفكرته لم يتحقق بل تمّ إضافة إنجازه الفكري إلى قائمة "المقدّسات" الّتي لا تقبل النقاش أو النقد ، من هنا كان من واجب المفكِّرين العمل على نقد أفكار المبدعين ، خصوصا لؤلئك الّذين تتعلق منجزاتهم بمجتمعاتنا الّتي تعاني الأمرّين من التخلف و الجهل و التقليد.
مشكلتنا مع المقدَّس ـ كشرقيين ـ تكمن في أنّه غير قابل للمناقشة و الحوار ، و القائمة الشرقية للممنوع عن المناقشة تتمحور في ثلاث كما يصنفها بعض المفكّرين "الدّين" ، "السّياسة" و "الجنس" ، لذلك نجد الشرقي يبقى يدور في دائرة مفرغة و هو يحاول أن يكون "مفكِّرا" دون المس بالمقدسات ، بينما الغربي يفكر بصوت عالي دون أن يخشى من محاكم التفتيش أو تهمة الهرطقة و الكفر فتكون الحصيلة سلسلة من الإنجازات الفكرية و الاجتماعية ، كما أن أغلب الكُتّاب و الباحثين الشرقيين يقومون بإنشاء أبحاث ـ هذا إذا جاز أن نسميها أبحاثا ـ تقوم على تمجيد و تعظيم المفكر و فكرته أو العكس في أن يقوم الباحث بتسفيهه و تسخيفه و الحط من شأن فكرته ، فليس هناك موقف متوازن للغريزة ، بل هي تبقى مسألة شهوة و ذوق ، فيصوِّر العالم على ما هو يريده و يشتهيه لا على حقيقته و واقعه.
عندما قرأت كتاب "فلسفتنا" أول مرة تأثرتُ كثيرا و أدركت أن مؤلفه "الشهيد الصدر الأول" حمل في نفسه علما و فكرا جمّا ، لكنني و بعد سنوات من البحث و الدّراسة وجدت أن هناك خللا هائلا في نمط التفكير السائد ، حتى على مستوى القمم الفكرية من مرتبة الشهيد الصدر ، و الحقيقة أن تهميش "الفرد" كقيمة حقيقية و موضوعية يجعل المنجَز الفكري يبقى شبيها بأنماط الفلسفات الاشتراكية و الشّيوعيّة و القوميّة ، بل إن عنوان كتابيه المشهورين "فلسفتنا" و "اقتصادنا" ينطلق من منطق المتحدِّث بلسان الجماعة أو الدِّيانة و الأُمّة ، مما يعطي انطباعا بأنّ ماهيّتنا و هُويَّتنا هي "جماعيّة" لا علاقة لها بمضامين "الفرد" لأن لسان التفكير و العقل النظري "فلسفتنا" لا يقوم إلا على "روح الجماعة" و تعريفه هو الجماعة نفسها ، و كذلك الأمر بالنّسبة للعقل التطبيقي "اقتصادنا" الّذي لا يوجد في حيِّز الواقع إلا عبر الجماعة.
إن أساس الأديان و المنطق الفلسفي ـ حتى الإلحادي منها ـ إنما هو الإنسان كفرد أولا ، بينما تأتي الجماعة في تعريفاتها كحصيلة لقناعات الأفراد ، فإبراهيم و نوح و موسى و عيسى و محمد هم أفراد روّجوا و دعوا لأفكار معينة و بنشوء أفراد كُثُر يؤمنون بهذه الأفكار نتجت الأمم كمجاميع أفراد يتفقون على إيمان مُعيَّن ، و الأمر يتكرر في الدول و الأنظمة السياسيّة الّتي تتفق شعوبها على "عقد اجتماعي" ما يتنازل بموجبه الأفراد عن جزء من حريّتهم لحفظ هذه الحريّة.
و حيث يكون "الفرد" تحت القمع و حيثُ يُمنع من إبداء رأيه دون خوف ، لا يكون للجماعة أيُّ قيمة ، لأنه و نتيجة لقمع الأفراد و منعهم من التعبير الحُرّ عن الأفكار و المعتقدات ، تكون الجماعة مجرد كتلة بشريّة لا قيمة لها ، أو بتعبير آخر "جسدا بلا روح" ، إن حقوق الفرد لا تعني بحال من الأحوال إلغاء الجماعة البشرية ، لكن حاجات و حقوق الجماعة لا تمتلك الأسبقية على حقوق الفرد ، لأنّ الفرد و إن تحصّن بالجماعة و الدولة ، إلى أن الفرد هو الخليّة و العنصر الأساسي لأيّ جماعة ، و التركيز على الفرد لن يعني مُطلقا إثارة ما قد يسمّيه البعض "أنانيّة شخصية" لأنّ التركيز على الجماعة هو أخطر كونه سيحول الكتلة البشريّة إلى طاعة أفراد معدودين و من ثُمّ طاعة الفرد الواحد "الأنانيّة العظمى" الّتي تتجسّد في الحاكم المُستَبدّ ، سواء حكم بالحق الإلهي كما في الدّولة الدّينيّة أو فلسفة قائمة على الإلحاد "النموذج الشّيوعي" أو النظرية القومية العنصريّة "نموذج هتلر و صدام" ، إن المانع من هيمنة الأنانيّة في المجتمع الديمقراطي القائم على أساس الفرد و حقوقه كونه الغاية من كل "فكرة" كالدين و الدولة و الوطنية ، هو وجود مجموع أنانيّات تتحد و تتنازل عن هيمنتها بفعل التعامل اليومي و التداخل الوظيفي ، كما أن هذه الأنظمة الديمقراطيّة تتيح للدّين ، رغم فصله عن السّياسة ، بأن يقوم بتهذيب الإنسان و جعله كائنا حرّا و فعالا و النموذج الأمريكي أصدق مثال على ذلك.




#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)       Sohel_Bahjat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد العقل المسلم ح 27
- نقد العقل المسلم ح 26
- نقد العقل المسلم ح 25
- نقد العقل المسلم ح 24
- نقد العقل المسلم ح 23
- نقد العقل المسلم ح 22
- نقد العقل المسلم الحلقة الحادية و العشرون
- نقد العقل المسلم الحلقة العشرون
- نقد العقل المسلم الحلقة التاسعة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الثامنة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة السابعة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة السادسة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الخامسة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الرابعة عشرة الإسلام و الإرهاب .. ...
- نقد العقل المسلم الحلقة الثالثة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الثانية عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الحادية عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة العاشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة التاسعة
- نقد العقل المسلم الحلقة الثامنة


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سهيل أحمد بهجت - نقد العقل المسلم ح 28 الفرد و الدّولة