أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الجواهري - استئصال الطائفية والعنصرية ضرورة موضوعية 1 &2















المزيد.....


استئصال الطائفية والعنصرية ضرورة موضوعية 1 &2


حمزة الجواهري

الحوار المتمدن-العدد: 670 - 2003 / 12 / 2 - 02:14
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


استئصال الطائفية والعنصرية ضرورة موضوعية – أولا
المثلث السني العربي رهينة لدى فلول البعث

تحركات بعثية:
لقد كثرت التحركات ذات الطبيعة الطائفية العنصرية من حيث الشكل، وفي مضمونها بعثية صرف، تبنتها أحزاب، أو دكاكين سياسية أنشئت في ظل الفوضى التي تسمى جزافا بأنها ديمقراطية. إن ما يجري في العراق هو محاولة لبناء الديمقراطية من قبل العراقيين الذين ذاقوا الأمرين من الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة ذات الطبيعة العنصرية الطائفية، ومازلنا لم نبني المجتمع الديمقراطي بعد. تحركات تلك الدكاكين السياسية البعثية، المدعومة عربيا، أعطت صورة مشوهة عن طبيعة المجتمع العراقي لا تعكس حقيقة الصراعات التي تجري فيه. يجب أن نعترف إن هذه الجماعات قد حققت نجاحا حين تبنت دول عربية مشروعها الكريه، وتم طرحه عربيا على الإدارة الأمريكية، ومازالت هناك مخاوف كبيرة من أن يخطا الأمريكان ويتم تبني الموضوع من قبلهم أيضا، ذلك إن الخلاف الأمريكي - الأمريكي بهذا الشأن بدأ يطفو على السطح، وظهر تيارات أمريكية متضاربة بشأنه، البريطانيون هم أيضا لهم رأيا بهذا الموضوع، ويبدو من نتف الأخبار عما يدور خلف الكواليس، إن بعض البريطانيين يؤيدون هذا المشروع المسخ الذي سيؤدي بالعراق إلى متاهات، لا يعلم بمنتهاها إلا الله.
بالإضافة إلى ذلك، لقد كثر الحديث عن الدستور وكتابته، والكثير من المداخلات التي ظهرت، كانت تكرس الطائفية ولا تحاربها، وأخرى تكرس العنصرية ولا تحاربها، رغم حسن النوايا من قبل المداخلين.
إن محاربة العنصرية والطائفية المقيتة واستئصالها من المجتمع العراقي، لا يمكن أن يتم إلا من خلال فهم كل تفاصيل المشهد القومي والطائفي بكل تجلياته الجميلة القبيحة.
• إن الإحتراب العنصري في العراق والحروب ضد الأكراد كانت من صنع نخب عسكرية ذات توجه عنصري طائفي وجروا إليها كل العراقيين قسرا.
• وتكريس الطائفية من أجل الاستئثار بالسلطة والجاه والمال، ذلك الذي جر العراق إلى متاهات الدكتاتورية الدموية لتبقى تعبث بمقدرات العراق عقودا من الزمان، لم يشهد التاريخ بشاعة تفوقها بشاعة.
• واليوم يريد أصحاب المشروع الطائفي العنصري إلى تكريس ذلك الأمر من أجل إعادة الدكتاتورية إلى العراق.
• أزمة ثقة مستحكمة بين أطياف الشعب لثقل الإرث الثقيل من ممارسات الأنظمة السابقة على أسس عنصرية وطائفية.
• والعراقيون الذين يريدون كتابة دستورهم الجديد الذي يضع أسس الديمقراطية في هذا البلد الجريح ويصونها، نجد هؤلاء العراقيين الشرفاء وأصحاب النوايا السليمة، يقعون في مطبات الطائفية والعنصرية، وذلك لكثرة الفخاخ التي نصبها لهم أصحاب تلك المشاريع الخبيثة وورثتهم. 
• النظام الفدرالي، الذي أسيء فهمه، ومازال يساء له ويتم التآمر عليه، قد يكون الحل الأمثل لحل كل تلك الإشكاليات والخرج بالعراق من الأزمة التي تعصف به وربما سيكون لها من التداعيات ما لا تحمد عقباه.
• سلطات الاحتلال تعيش مأزق تريد الخروج منه بأي ثمن، حتى لو كان مستقبل العراقيين جميعا.
• تدخلات خارجية من دول الجوار سافرة تذهب أبعد مما يتصور المرء.
• أكداس من السلاح، باستطاعتها قتل كل شعوب الأرض، تركها النظام بأيد فلوله، يقتلون بها حتى الأطفال، مكرسة لمشاريع طائفية عنصرية.
• بلد مهدم لابد من إعادة بناءه، ونظام ديمقراطي لابد من إقامته كبديل يرفع الحيف عن كل العراقيين.

الموقف من العنصرية والطائفية:
من الإشكاليات التي تواجه المثقف العراقي، وفي كثير من الأحيان، الخوض في بعض تفاصيل ما يسمى بالمقاومة، وذلك لوجود الرابط بين هذه الأعمال التخريبية البعثية والطائفة السنية من العرب العراقيين. إن المثقف العراقي يخشى أن يوصم بالطائفية إذا ما خاض في هذا الموضوع، ذلك إن إحدى الأدوات التي رافقت مثل هذا النوع من الإرهاب الفكري للمثقفين ومنعهم من الخوض فيه، هو وصمهم بالطائفية. ولكني قررت الخوض فيه بالرغم من تلك المخاطر التي تعرض لها الكثيرين من مثقفينا، عسى أن أوفق بما سأحاول أن أوجز للقارئ العراقي خصوصا والعربي عموما.
إن الموقف من الطائفية المقيتة وفضحها ودراسة أشكالها وأساليب تكريسها، ليس موقفا طائفيا، بل على العكس من ذلك، إنه موقف مبدأي يجب على الجميع، وخصوصا كتابنا ومثقفونا، الخوض به بعلمية وتجرد، لدراسته بشكل موسع من أجل إنهاء هذه الحالة الشاذة التي يمر بها شعبنا، وكذا نزع آخر ورقة توت يتستر بها البعثيون كمحاولة منهم لإعطاء بعد أوسع عن حقيقتهم كفلول مهزومة أصبحت نهايتها واضحة للعيان. بذات الوقت، إن مناهضة الطائفية والعنصرية أمر عرفته الشعوب عموما، وتشكل منه قاموسا غنيا بالأفكار والمقاييس والمعاني، فالزنوج في جنوب أفريقيا حينما يناضلون من أجل نيل حريتهم ضد التمييز العنصري لا يمكن أن ننعتهم بالعنصريين، ولا يصح ذلك على الزنجي الأمريكي أيضا، ففي هذه الحالات، تصح تسمية واحدة فقط هي ""النضال ضد العنصرية"". وكذا الأمر، إذا كان هناك اضطهاد قائما على أسس طائفية، فإن النضال ضد الطائفية ليس طائفية، بل نضال ضد الطائفية، فما بالك وإنه أصبح اليوم بمشيئة بعثية نضالا ضد البعث الدموي أيضا، فالنضال قد أصبح الآن ضد البعث  والطائفية المقيتة معا.

المثلث السني:
"المثلث السني" عبارة أو مصطلح مستفز للغاية للعراقيين عموما، وللمسلمين السنة من العراقيين الأحرار خصوصا، المقصود به كما يحلوا للبعض أن يسميه مثلث المقاومة السنية. ولكن ما نعرفه عن ذلك المثلث هو إنه يحتضن جزءا من أبناء شعبنا الأبرياء، وكذا مازال يحتضن فلول البعث المهزومة التي تحاول بكل ما أوتيت من قوة لوقف عملية إنجاز بناء الديمقراطية وإعادة الأعمار. إن استعمال مصطلح المثلث السني تعني محاولة إعطاء أعمال ما يسمونه بالمقاومة بعدا طائفيا وربطه بالسنة العرب الذي معظمهم يرفضون مثل هذه الأعمال الإرهابية، فليس جميع أبناء هذه الفئة من العراقيين يؤيدون مثل تلك الأعمال الإجرامية، على العكس تماما من ذلك، فالغالبية العظمى من السنة العرب لم تشترك فيها وترفضها رفضا مبدئيا.
مما يثير الاستغراب، وكما يلاحظ الجميع، إن مستوى الرفض من أبناء هذه الطائفة ليس بالمستوى المطلوب، وهذا ما جعل الكثير من المراقبين يوجهون الاتهام لهم، مرة بالتستر على هذه الأعمال، أو تأييدها تأييدا ضمنيا مرة أخرى، ومنهم من راح أبعد من ذلك ليوجه تهمة الانخراط بها. هذا ما كان يثير استغرابي جدا، ولكن قليلا من التأمل بهذه الحالة، نجد إن الأمر يفسر نفسه بنفسه، حيث إن معظم القتلة من فلول النظام الذين يحملون السلاح، هم جميعا، إما من أبناء هذه المنطقة أو انتقلوا إليها كملاذ آمن لهم لممارسة أعمالهم الإجرامية، وهؤلاء لا يتورعون عن قتل أي إنسان يقف بوجوههم من الناس المسالمين العاديين والرافضين لمثل تلك الأعمال لوقفها، أو حتى الاحتجاج عليها، خصوصا لو كان المعارض لها من أبنا تلك المنطقة.
حقيقة، إن ما تقدم كان محض استنتاج مني، ولكن عندما سألت الأخوة، السنة تحديدا، الذين زاروا العراق أخيرا، كان جواب الجميع، بلا استثناء، هو إن هذا الأمر معروفا وما كان يجب تسميته استنتاجا. أمانة، أنا لم أسأل أي من الذين يؤيدون مثل هذه الأعمال الإجرامية، لعدم التقائي بهم أولا، وثانيا لقلتهم في المكان الذي أعيش به.
حقا، ما كان يجب أن أعتبر الوصول لذلك الاستنتاج عبقرية مني، فالإرث البعثي الذي أعرفه، كان من حيث الأساس معتمدا على أسلوب سهل للغاية، وهو تصفية المعارضين تصفية جسدية. المعارضين لهم وأهاليهم يكونون هدفا للبعث حتى ينتهون من ذلك المعارض. ولعلنا لم ننسى ممارسات نظامهم المهزوم الذي يعتبر أهل المعارضين رهائن حتى يسلموا أنفسهم، وغالبا ما كان ينتقم من الأهالي إن فشل في النيل من ذلك المعارض ذات نفسه.

تهيئة الملاذ الآمن للبعث:
إن مجرد العود للماضي القريب، وإجراء استقراء بسيط لممارسات البعث، نجد إن البعثيين حين عادوا للسلطة في المرة الثانية، بدءوا بتصفية أعدائهم ومعارضتهم من العراقيين، كان الضحايا الأول هم من أبناء هذه المنطقة بالذات الذين اعتبروها هي الساحة الأرحب والتي يجب أن تكون معقلا يحتكرونه والملاذ الأخير لهم. على هذا الأساس تم تصفية كل القيادات الوطنية من حزبهم والتي لا شأن لها بمثل هذه الأعمال، ومن ثم الأحزاب أو الكتل السياسية التي تناهضها من أمثال القوميون العرب وما سمي بحزب البعث الجناح السوري، ذلك الحزب الذي كنا نعول عليه أن ينتشل البعث من براثن الشوفينية، حيث كان يتبنى الاشتراكية العلمية بدلا من هرطقيات منظري البعث من أمثال، إس الشر العربي، عفلق.
فأنا لازلت أتذكر يوم اعتقلوا زميل الدراسة هاني وهيب، البعثي اليساري، وهو مازال طالبا في السنة الأخيرة من كلية الهندسة قبل الامتحانات بأيام قليلة. طبعا، بعدها خرج وهيب من المعتقل وهو بعثي تائب، أي تم تعميده كمجرم قسرا، وإن أصبح الإجرام قناعة مطلقة له فيما بعد.
فالأسلوب البعثي بالعمل معروف جدا وكان يجب أن لا يغيب عن بالي.

تكريس الطائفية والعنصرية من أجل البعث:
منذ اليوم الأول الذي وصل به البعث للسلطة في العراق، عن طريق المؤامرة طبعا، كان يحمل مشروعه الطائفي العنصري الخفي عموما، والمعلن أحيان أخرى تحت مسوغات مختلفة. بهذا الحدث كان المشروع الطائفي العنصري قد بلغ ذروة انتصاره على المشاريع السياسية الأخرى. ففي واقع الأمر لم يكن ذلك المسخ وليد يومه، بل كان نتاجا لتجارب السنين الطويلة من التكريس السافر للطائفية والعنصرية في العراق. فمنذ تأسيس العراق الحديث بعد نيله الاستقلال في أوائل القرن الماضي، كانت الطائفية والعنصرية من أهم أسس الحكم الملكي، فمجرد مراجعة تاريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني نجد إن إثنان وخمسون ( 52 ) وزارة سنية من أصل تسعة وخمسون ( 59 ) وزارة كانت قد شكلت خلال ذلك الحكم، كانت عربية سنية، وكان نصيب الشيعة منها هو ثلاثة وزارات والأكراد إثنان فقط، رغم إن التركيبة العراقية أصبحت معروفة للجميع. وإن مجرد مراجعة بسيطة لسجلات الكلية العسكرية وكلية الأركان، نجد إن المؤسسة العسكرية في العراق تاريخيا كانت مبنية على ذلك الأساس العنصري والطائفي.

وهذا ما يفسر في هذه الأيام موقف الأكراد والشيعة من الوضع الحالي في العراق، وما يتحلى به من حيادية إزاء التحالف الذي أخرجهم من تلك الحالة الشاذة والتي كان يمكن أن تتسبب بما هو أعظم مما كان.

**********************************************

استئصال الطائفية والعنصرية ضرورة موضوعية - ثانيا
النظام الفدرالي يضمن "حق تقرير المصير
"

 

السنة أول ضحايا البعث:
إن كل الأخوة من أبناء هذه الطائفة يدركون ذلك النوع من الخلل في ممارسة السلطة، وإن طبيعة الحكم طائفية عنصرية، ولا يريدون له أن يستمر، لأنه ببساطة سوف لن يؤدي إلى عراق مستقر في يوم من الأيام، وسيكون سببا لأنهار من الدم في المستقبل، يكون ضحيتها فقط عراقيين، وقدرات عراقية ستهدر باستمرار، وتخريب سوف لن يقف بأي حال من الأحوال. هذا الموقف من الأحرار العراقيين، سواء كانوا شيعة أو سنة أو أكراد أو تركمان، هو ليس من أجل إحقاق الحق فقط، وإنما لوقف ذلك النزيف للثروة والدم العراقي الذي سوف لن يتوقف ما لم يكون هناك مجتمعا يتمتع به الجميع بفرص متساوية في كل شيء، وما سيجنيه العراق من ذلك، هو شعبا متماسكا ومستقرا من كل النواحي. إن هذا ليس مجرد هتاف، ولكن منطق العصر الحديث، وكذا من متطلبات بناء النظام الديمقراطي الذي ينعم به الجميع بالسلام والرخاء الوفير الذي لا يختلف به اثنين من أن العراق هو البلد الأغنى بالعالم. 
وهكذا نجد إن البعث ليس هو الأب الشرعي لهذا الوليد المسخ في أوائل القرن، فالاستعمار كان حقا هو الأب الشرعي له والذي بقي يترعرع تحت رعاية الاستعمار البريطاني حتى بلوغه سن الرشد عبر سنوات الحكم الملكي.
ورثت الحكومات التي تلت كل الإرث الطائفي والعنصري الثقيل واستمرت نفس العناصر التي استأثرت بالسلطان والجاه والثروة دون أن يستطيع أحد أن يغير من طبيعتها، فمحاولات الزعيم عبد الكريم قاسم لجسر الهوة السحيقة بين أطياف الشعب، وإحقاق الحق، وبناء عراق يعيش به الإنسان وهو يتمتع بفرص متكافئة مع الآخرين، محاولات الزعيم هذه، كانت سببا كافيا لهم أن يضعوا نهاية له متعاونين بذلك مع الاستعمار البريطاني الخاسر الأول من عملية التغيير التي كان قاسم يبغي الوصول لها.

تعديل جيني يحول المسخ بعثيا:
البعث الذي ورث ذلك المسخ، نجح بتكريسه من أجل البعث منذ اليوم الأول لاستلامهم السلطة بعد أن أضافوا له الجينات البعثية النجسة ونجحوا من استئصال كل أنواع المعارضة من داخل المثلث السني لمشروعهم، بالتصفية الجسدية، وتحييد الباقين من خلال الإرهاب الذي لا حدود له، كل ذلك لكي يعطوا لحزبهم البعد الطائفي العنصري، خصوصا بعد أن أبعدوا كل البعثيين الشيعة العرب عن القرار وتم لهم تصفية الباقون أيضا جسديا.
إن هذا المسخ الجديد بعد التعديلات، هو اليوم من يعمل بكل جد، وبلا هوادة من أجل عودة البعث المهزوم للسلطة، ومازال الأحرار من أبناء المثلث السني تحت تأثير التهديد اليومي لكي لا يبدوا أي نوع من أنواع المعارضة له، والأكثر من ذلك تم ربطه موضوعيا بالسنة العرب من خلال النشاط المشبوه لجمعية علماء المسلمين التي يقودها رجالا عرفوا بارتباطهم بأجهزة حزب البعث ونشاطه الاستخباري الكريه.

ليس إنصافا:
من الواضح جدا إن أبناء هذا المثلث هم الآن رهائن لدى فلول البعث تتحكم بهم كما تشاء كما كانوا يتحكموا بكل الشعب العراقي يوما ما، حيث إننا لم نزل نتذكر كيف كنا وجميع من يمتون لنا بصلة رحم، مهما كان نوعها، رهائن لهؤلاء الجبناء الذين سيبقون يمارسون أبشع الجرائم بحق الإنسانية.
ليس إنصافا ربط الإرهاب بشعب هذا المثلث الذي لا ذنب له سوى إن إرادة بعثية أجبرته أن يكون بهذا الوضع. يجب أن لا ننسى إن البعث نفسه يوم دخل للعراق، فإنه كان قد دخل على أيد من الشيعة العرب وليس أيد سنية عربية. ولكن التكريس ركنهم في عالم العزل والنسيان في أحسن الأحوال، فالكثير منهم من راح ضحية لذلك التيار طائفي العنصري في داخل حزبهم وكرس الحزب بعدها تكريسا مطلقا للسنة، وبالطبع من العرب، أي على أساس طائفي عنصري، وقد اتخذ له هذه المنطقة من العراق كملاذ آمن.
ليس إنصافا أن نضع كل الشرفاء الذين نعرفهم وهم من هذه المنطقة من بلدنا في صف البعث ونقع نحن المثقفين بالشرك البعثي الذي نصب للجميع ونروج لما يحلو للبعث أن يسميه بالمثلث السني.
ليس إنصافا أن يبقى أبناء المثلث يموتون كل يوم كنتيجة لاستمرار العنف الذي يهدف فقط لعودة البعث للسلطة، أنا لا أدعو هنا لأن يتسع نطاق العنف، ولكن لوقفه خشية وقوع المزيد من الضحايا من أبناء هذه المنطقة التي هي جزءا لا يتجزأ من أرض العراق.
هكذا جاء مفهوم ""المثلث السني"" وليس ""فلول النظام"" المحصورين في منطقة جغرافية محددة، وذلك لاختلاط الحزبية وربطها بطائفة واحدة، مارس الحزب من خلالها أبشع أنواع الحكم وأكثرها دموية عبر التاريخ، وهذا من أبشع أنواع التكريس حينما يختلط الأمر بالدم، واليوم يستعمل نفس أساليب التحكم بالسكان التي عرفناها وإكتوينا بنارها.
بقدر ما كان كحم البعث مجحفا بحق الشعب العراقي، فإنه، بذات الوقت، مجحفا بحق العراقيين من السنة العرب من غير البعثيين، وهم الأكثرية من هذا الطيف العراقي، والذين يعانون الآن نوعين من الإجحاف، الأول ربطهم بأبشع دكتاتورية بالتاريخ والثاني  هو ربطهم بالأعمال الإجرامية لفلول النظام المقبور التي هم ضحيتها قبل الآخرين.

مداخلة في كتابة الدستور:
لعل من أكثر الفترات تعقيدا بتاريخ العراق الحديث والقديم، تلك التي نمر بها في الوقت الحالي، حيث إن مجمل الممارسات المفاهيم والمواقف والآراء التي تشكل، في نهاية الأمر، مفردات الواقع السياسي الحالي، هي التي يتوجب دراستها دراسة مستفيضة وإستخلاص الحلول الناجعة من نتائج تلك الدراسات، ومن ثم يجب أن يعاد تشكيلها وصياغتها من جديد، لكي نتمكن من كتابة أية فقرة من فقرات الدستور. فالواقع الحالي، باختصار شديد، بالإضافة لما تقدم، فإنه يتسم بوجود إرث من الممارسات الطائفية والعنصرية من قبل الأنظمة السابقة، خلقت أزمة للثقة مستحكمة بين أطياف الشعب العراقي. وهذا هو الأمر الواقع، سواء رضينا بذلك أم لا، لذا يجب التحرك على هذا الأساس، وليس على أساس حسن النوايا التي تعتبر للكثيرين من أبناء شعبنا، سلعة فقدت صلاحيتها ولم تعد صالحة لهذا الزمان. وعلى هذا الأساس، أيضا، ضمن الأكراد مستقبلهم من خلال فدرالية كردية، وهذا حق مطلق لهم.
المشروع البعثي الذي تبنته حكومات عربية واستساغه الكثير من الأمريكان والبريطانيين، هو بحقيقته تكريسا كريها للطائفية في العراق وجعلها هي المحرك الأساسي لمجمل الحركة في المجتمع. فهذا المشروع يحمل بطياته عدة مفاهيم من العسير تسويقها أو فهمها. منها أن يكون للسني العربي كونه حكم العراق مدة تزيد على 400 عام على حد قول أرميتاج الذي استوحاه من الأخوة المصريين، إن يكون لأفراد هذا الطيف من العراقيين ثقلا أكبر، أي أن يكون لأي عراقي صوتا واحدا، في حين يكون لصوت السني العربي ثقلا أكبر، كأن يكون بصوتين أو ثلاثة لكي يضمنون المساواة لوجود خلل بالتركيبة السكانية لصالح الأطياف الأخرى من العراقيين، كالشيعة العرب أو الأكراد. أو أن يضمن الدستور العراقي حصة مضاعفة للسنة العرب على حساب الأطياف الأخرى. بالرغم من أن المشروع يبدو محاولة لإنصاف أقلية، ولكنه في واقع الحال، مشروع خبيث يمهد لعودة حزب البعث الذي يفترض أن يتم إجتثاثه. هذا بالإضافة إلى اعتبارات أخرى كثيرة لا نريد لها أن تكون في دستور عراق الغد الذي يجب أن يكون ديمقراطيا وليس طائفيا عنصريا. إذا كان الأمر كذلك فإن الصابئي الذي يشكل نسبة من السكان لا تزيد على واحد بالألف، فإن صوته يجب أن يكون أثقل ألف مرة من صوت الشيعي، وهذا الأمر يجب أن يكون صحيحا أيضا بالنسبة للأرمن والآشوريين والكلدانيين وكذا جميع الأقليات القومية. وهذا أمر غاية بالسخف والاستهانة بحقوق الإنسان التي تفرض المساواة في كل شيء. 
لو تم انتخاب شخص ما على أساس طائفي، فإنه سيكون ملزما أمام تلك الطائفة أن يخدم مصالحها على حساب الآخرين دون أن يكون هناك اعتبار للثوابت الوطنية والعدل والمساواة وتكافئ الفرص. فإن هذه المفاهيم ستقتصر على أبناء الطائفة التي منحوه أصواتهم والتي ينتمي لها من وصل لموقع في السلطة، أي إن المساواة "سوف لا تعني مساواة العراقيين" ولكن "تعني مساواة أبناء تلك الطائفة ببعضهم" على حساب الآخرين، وهذا الأمر صحيح لأي مسئول كان. وهذا يعني، أيضا نسفا لكل بنود المسوداة المقترحة للدستور من الأساس، تحديدا لكل تلك البنوده التي تنادي بالمساواة وتكافئ الفرص للعراقيين وليس لطائفة معينة في مجال معين من مجالات الحياة. وهكذا نجد إن أي أساس غير ديمقراطي يوصل المسئول لموقع القيادة، فإن ممارساته ستكون غير ديمقراطية.
لكن الشك من عدم إنصاف المسئولين المنتخبين ديمقراطيا يبقى قائما، فالشيعي الذي وصل لموقع في السلطة، قد لا يحمل بداخله مفاهيم الديمقراطية، وهذا أمر ممكن جدا، وما هو أكثر من ذلك، وجود أزمة الثقة القائمة كنتيجة لممارسات غير ديمقراطية مبنية على أساس طائفي عنصري طيلة عقود طويلة، بل دامت قرون، ربما ستكون هي العائق أمام قبول النوايا الحسنة من جميع الأطراف التي تشكل المجتمع العراقي.

النظام الفدرالي هو الحل:
الحل هنا أيضا قد تم حسمه من خلال النظام الفدرالي. ففي داخل الفدرالية سيكون هناك طيف واحد من أبناء الشعب، حيث الجميع إما أن يكونوا أكرادا أو سنة عرب أو شيعة عرب أو شيعة أكراد، هكذا سوف لن يكون هناك أثر يذكر لأزمة الثقة القائمة بين أطياف الشعب العراقي، ولا أحد يلومهم على ذلك بسبب الإرث الثقيل من الممارسات الطائفية والعنصرية والتي امتدت لتكون جهوية (على أساس المدينة أو المحافظة) وحتى عشائرية.
إن معظم بلدان العالم تأسست بعد مخاض عسير وحروب داخلية وصراعات طائفية وعرقية مختلفة، خلفت جميعها أزمة ثقة كبيرة بين أطياف تلك الشعوب، بحيث لا يمكن لها أن تتعايش بأي حال من الأحوال، دون أن يضمن كل طرف من الأطراف حقوقه كاملة. كان في كل تلك الحالات، النظام الفدرالي الحل الأمثل الذي أوصلها لشاطئ الآمان، وقد أثبت إن هذا النظام يحمل الحل الحقيقي لمجمل المشاكل من النوع الذي لدينا في العراق.
من هنا نستطيع أن نقول إن النظام الفدرالي ليس تكريسا للطائفية أو العنصرية ولكن حقا لتقرير المصير، وهذا الحق قد ضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتبنته دولا تعتبر الآن من أكثر دول العالم تقدما. فإذا كان الأمر ممكنا للأكراد من إقامة فدرالية كردية، فإنه سيكون من حق السنة العرب، أيضا إقامة فدرالية تضم هذا الطيف من أبناء الشعب العراقي، آن ذاك سوف لن يشك السنة العرب من أن المساواة فيما بينهم تكون غير مضمونة، وكذا المساواة مع الأطياف الأخرى ستكون أيضا مضمونة على أساس دستوري لا يمكن التلاعب به، وذلك من خلال سلطة مركزية تضمن حصص الفدراليات على أساس عادل فيما بينها.
إن أي دستور يبنى على أساس طائفي عنصري يختلف من حيث المضمون، كما لاحظنا، عن النظام الفدرالي الذي يعطي أبناء الطوائف المختلفة والقوميات المختلفة حقهم في الحياة، وهذا ما سمي بحق الشعوب بتقرير مصيرها، بحيث من خلاله تستطيع أن تنال القومية أو الطائفة جميع حقوقها وتضمن المساواة بين أبنائها. في حين يعجز النظام الدستوري المبني على أساس طائفي، لا تستطيع الطوائف أو القوميات أن تضمن كامل حقوقها مهما حاول المشرعون أن ينصفوا وأن يضعوا ضوابط لمفهوم الفرص المتكافئة والمساواة بين الأفراد، على الأقل إننا متأكدون من وجود أزمة للثقة لسنا مسئولون عنها، بل إرث ثقيل لأنظمة جائرة كرست العنصرية والطائفية أبشع تكريس.



#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوفلبان، أهو شاعر أم عديم المشاعر؟
- عندما يتحول الشعراء إلى قتلة، دو فلبان يدعو إلى ضم البعثيين ...
- البرنامج السياسي البائس – العودة للحكم الطائفي العنصري
- المشروع العربي المرعب لإعادة البعث للعراق
- ردا على علاء اللامي والخبير النفطي مجهول الهوية
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير – خامسا أسلوب لتح ...
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير – رابعا الخصخصة ف ...
- دول الجوار توصي بنزع الأكباد بعد قتل الأطفال
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير- ثالثا أشكال الاس ...
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير - ثانيا الثوابت ا ...
- النفط العراقي بين الهواجس المشروعة والتطير- أولا تجاوزات الب ...
- ليتهم ينقبون عن النفط على حسابهم ليطمئن الأخ علاء اللامي على ...
- الحرب على الإرهاب والأخوة الأعداء
- اتضحت معالم المؤامرة الإيرانية في العراق الجديد
- الأتراك قادمون، فأين المفر؟
- نظام ديمقراطي أم العزف على أوتار مقطعة؟
- أخطر مؤامرة على العراق تنفذ على يد غسان سلامة والأمم المتحدة
- سلاما إلى أرض العراق – 3 - إرهاب بين النهرين
- سلاما إلى أرض العراق – 2 - ثرثرة فوق النهرين
- سلاما إلى أرض العراق – 1 - قصة العودة من المهجر


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الجواهري - استئصال الطائفية والعنصرية ضرورة موضوعية 1 &2