أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي















المزيد.....

وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 11:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يختلف معنى الديمقراطية أو وجهتها باختلاف الوضع الذي يعترض الديمقراطيون عليه. فهي تكتسب مضمونا ليبراليا في مواجهة الأنظمة الجمعوية، الأبوية والتسلطية والشمولية وتنويعاتها، فتركز على الحريات العامة وضبط سلطة الدولة وسيادة القانون وحقوق الإنسان والمبادرة المستقلة، الفردية والجماعية، بما في ذلك في الميدان الاقتصادي. بالمقابل تحوز مضمونا اشتراكيا ومساواتيا في مواجهة النظم النخبوية والاستغلالية، فينال توسيع دور الدولة الاجتماعي وقطاعها الإنتاجي وتمكين الطبقات الأكثر حرمانا دورا أكبر. وبينما تحتل الحرية، ومن ثم الفرد، موقع القيمة المركزية في الحالة الأولى، فإن المساواة هي التي تبرز في الحالة الثانية، ما يدفع إلى التفكير بالمجتمع كطبقات وشرائح.
وتصلح الديمقراطية كفكرة احتجاجية على صنفي الأنظمة لأنها تطل في آن على الأفقين الليبرالي والاشتراكي. فهي في الأصل، أي كما برزت في أوربا القرن التاسع عشر بخاصة، مسعى لتعميم الحقوق الليبرالية عبر تمكين الشعب من أن يتمثل في السلطة العمومية ويكون له "صوت" في الشؤون العامة. أما الاشتراكية فقد ولدت من نزوع راديكالي إلى المساواة، يتطلع إلى تمكين المنتجين، أكثرية السكان المستغلة والمفقرة في القرن التاسع عشر، من ديمقراطية مباشرة في مجال الإنتاج كما في مجال السياسة. إنها تطلع إلى تجاوز المساواة القانونية إلى مساواة سياسية واجتماعية، ما يقتضي كذلك سيادة مباشرة للناس على حياتهم الاجتماعية، وما يضع سيادة الدولة القومية موضع تساؤل.
في صيغتها التي عرفها القرن العشرين، الصيغة الشيوعية، خانت الاشتراكية التطلعات الديمقراطية الجذرية والتحررية لاشتراكيي القرن التاسع عشر مثل برودون وباكونين. ولعل نزعات ماركس الدولانية واهتمامه بتغيير ملكية وسائل الإنتاج وليس بالتملك الاجتماعي للتغيير، وضعف اهتمام نظريته بسبل السيطرة على الدولة التي أراد لها أن تنفي الرأسمالية والحق البرجوازي قبل أن تنفي نفسها، لعلها كانت وسيطا في هذه الخيانة. فكان أن خفضت الشيوعية السوفييتية من قيمة المساواة القانونية وسهلت انتهاكها دون أن تضمن شيئا من المساواة السياسية، ودون سيادة لمجالس العمال أو المنتجين (السوفييتات)، ومع ضمان شكل مشوه وأبوي من المساواة الاجتماعية. وركزت السيادة بالمقابل في أيدي دولة أخطبوطية، أين منها الدولة البرجوازية الحديثة أو الملكية المطلقة أو السلطانية القديمة. ولقد عانى السكان في ظل الدولة "الشمولية" تلك شكلا شاذا من الاغتراب السياسي والروحي يداني العبودية، إلى حد أن بدت الليبرالية الحقوقية واستعادة حياة دينية عادية في النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين مستقلة تحررا من كابوس مديد.
في مواجهة هذه الدولة أعيد الاعتبار للديمقراطية البرجوازية، وأخذت المقاومات الممكنة شكلا ليبراليا وثقافيا عبرت عنه ظاهرة المنشقين الذين انحازوا للغرب كنموذج اجتماعي سياسي ليبرالي.
وفي الغرب الرأسمالي هذا كانت الاشتراكية السوفييتية مهمازا لتطوير شكل رأسمالي وقومي من الديمقراطية، ما سيسمى بعد ستينات القرن العشرين دولة الرفاه. يقوم هذا الشكل على حريات ليبرالية وارتفاع بالمستوى المادي للعمال وضمانات اجتماعية ضد البطالة، لكن دون سيادة عمالية ودون مساس بأسس النظام الاجتماعي الرأسمالي الليبرالي. أظهر هذا الشكل ديناميكية متفوقة بالمقارنة مع نظيره الاشتراكي الأبوي أو الشمولي في الاتحاد السوفييتي ثم في أوربا الشرقية. ولقد أظهر أنه حليف لتطور القوى المنتجة أكثر من الشكل السوفييتي الذي كان سوغ نفسه بتفوق مفترض لطاقته التحريرية في هذا المجال على الرأسمالية.
وبعد استقلالها، شكل النموذج السوفييتي مثالا مغريا للاقتداء في عين قطاعات شابة ناشطة، ثقافية وسياسية وعسكرية، في البلدان العربية الأكثر تحديثا. الاشتراكية العربية في الصيغة الناصرية أو البعثية (السورية والعراقية) أو الخاصة بجبهة التحرير الجزائرية.. هي نزعة دولانية معادية لطبقات الوجهاء القديمة التي كانت نافذة في الحكم وحائزة على الثروة في البلدان المذكورة. وهي أقل حتى من الاشتراكية الروسية استبطانا لتراث ليبرالي وديمقراطي راديكالي. ولقد جعلت الاشتراكية هذه الاشتراكيين الشيوعيين في بلادنا بلا قضية. فكان أن انضووا تحت لواء أنظمتها متخلصين من استقلالهم، أو تحولوا نحو الديمقراطية التي برز وجها الليبرالي بقوة. وفي سورية شهدنا كلا صنفي التفاعل هذين في النصف الأول من سبعينات القرن العشرين. في تلك الفترة نفسها علا صوت ياسين الحافظ يسخر ممن ينتقدون "الديمقراطية البرجوازية" في بلدان لا يزال ميراث العصور الوسطى الاجتماعي والثقافي والحقوقي قويا فيها (بينما كان يتفهم نقدا كهذا حين يصدر من شيوعيين أوربيين).
واليوم في سورية، كما في مصر والجزائر وغيرها، تجتمع مظاهر النظم الجمعوية من تسلط واستبداد وأبوية، مع لبرلة الاقتصاد وتكون طبقة مثرية نافذة امتيازيا إلى السلطة السياسية. تتفاقم فوراق الثروة، وفي الوقت نفسه لا تمثيل اجتماعي ولا مساواة قانونية.
وتضاف إليها مشكلات متولدة عن الإخفاق في معالجة وحل مشكلات بناء الدولة -الأمة، بالتحديد الدمج الوطني وتجاوز ما كان يسميه ياسين الحافظ التشكيلات الاجتماعية ما قبل الوطنية من عشائر وطوائف وروابط جهوية. وكذلك عدم اكتمال الدولة الوطنية وعجزها عن احتكار السيادة، بالخصوص في المجال القانوني، أي دون منافسة من قوانين وشرائع دينية.
ومن الواضح أن الوجه الليبرالي للديمقراطية الموجه ضد التسلطية تقل كفايته للرد على تناقضات الطور الجديد. فإذا ميزنا بين ثلاثة أبعاد لليبرالية نفسها، حقوقي وثقافي واقتصادي، ترجح لدينا أن يبقى حاضرا البعد الحقوقي المتصل بالحريات، وربما أن ينال البعد المتصل بالتسامح والحريات الدينية ونقد التعصب أهمية إضافية، فيما سيتراجع البعد الاقتصادي المتصل بتحرير الاقتصاد، وقد كان دوما ضامرا على أية حال عند الديمقراطيين العرب. أما الوجه الاشتراكي للديمقراطية فلا يزال يجد نفسه بالغريزة قريبا من السلطات الأبوية أو متحالفا معها. لكنه قد يكتسب أهمية أكبر بقدر ما يتقدم تحرير الاقتصاد وتظهر المشكلات الكلاسيكية لاقتصاديات السوق. أما رصف الحلول الاسمية، ديمقراطية مع وطنية مع اشتراكية مع علمانية على ما هو شائع في سورية في الآونة الأخيرة، فلا يعدو كونه استحواذا ذاتيا بلا منطق على ما يفترض أنها طيبات الفكر والسياسة جميعا. الأرجح أنه يعكس نوعا من تكافؤ الخيارات يسم المرحلة الانتقالية الراهنة، اقتصاديا وسياسيا وفكريا، في البلد. ولعل هذا أساس كل نزعة توفيقية.
هذا وضع يدعو إلى تحطيم الفكر النقدي للقيود جميعا، السياسية والإيديولوجية والدينية والاجتماعية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي