أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سهيل أحمد بهجت - نقد العقل المسلم ح 27















المزيد.....

نقد العقل المسلم ح 27


سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)


الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 09:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن العلاقة بين الإنسان و البيئة يربطها معتقده و أُلوب فهمه للبيئة و المجتمع ، فالملحد المادّي الّذي لا يؤمن بأي شيء عدا القوانين المادية ، ينتهي الحال به إلى أن يكون هو الآخر جزءا من المحيط الجامد و الغير إنساني ، و الإنسان الموغل في التدين أيضا يمثل الجانب السلبي المقابل للملحد ، إذ غالبا ما يكون هؤلاء المتديّنون إنطوائيين و منغلقين و كسالى "تحت شعار التّوكل على الله" ، لكن يبقى هذا الموضوع شأنا شخصيا ، إذ لا يمكن لأيّ أحد أن يفرض هذه القناعة أو تلك على الرأسمالي "صاحب رأس المال" ، لكن في الحضارة الغربية ـ و تحديدا في النموذج الأمريكي ـ نجد الملاّك و الأغنياء يتبرعون بملايين الدولارات لصالح الكنائس ، و حتى المساجد ، و الأعمال الخيريّة كالإنفاق على المشردين و الذين يحتاجون المساعدة ، و هذا مما يؤكد أن النظام الديمقراطي الرأسمالي قد تخطى تحدّي "الإغراق في المادّيّة" و استطاع خلق علاقة بين أصحاب الأموال و العمل الخيري.
يقول السيد الصدر:
" فنظرة إنسان العالم الإسلامي إلى السماء قبل الأرض يمكن أن تؤدي إلى
موقف سلبي تجاه الأرض وما في الأرض من ثروات وخيرات يتمثل في
الزهد أو القناعة أو الكسل إذا فصلت الأرض عن السماء وأما إذا ألبست
الأرض إطار السماء وأعطي العمل مع الطبيعة صفة الواجب ومفهوم العبادة
فسوف تتحول تلك النظرة الغيبية لدى الإنسان المسلم إلى طاقة محركة وقوة
دفع نحو المساهمة بأكبر قدر ممكن في رفع المستوى الاقتصادي. وبدلاً عما
يحسه اليوم المسلم السلبي من برود تجاه الأرض أو ما يحسه المسلم النشيط
الذي يتحرك وفق أساليب الاقتصاد الحر أو الاشتراكي من قلق نفسي في
أكثر الأحيان ولو كان مسلماً متميعاً سوف يولد انسجام كامل بين نفسية
إنسان العالم الإسلامي ودوره الايجابي المرتقب في عملية التنمية" إقتصادنا ـ ص 17.
إنّ كلام السيد الصدر ها هنا يبدو لي و كأنه استشراف لحقيقة العلاقة الواجب إيجادها بين القِيَم الدينيّة و الإقتصاديّة الدنيويّة ، الأمر الذي سيحقق للمجتمع هدفين أساسيين هما: أولا: تنشيط التجارة و حركتها السريعة في تبادل رؤوس الأموال و الأرباح. ثانيا: توفير المال للعمل الخيري و الخدمات الأساسيّة من طعام و مأوى للمسحوقين أو الذين لم ينجحوا في الحياة. لكن يبقى الأمر ها هنا هو مسألة تنظيم قوانين لا تتغلف بغلاف الدين ، بمعنى أن أي قوانين يُصاحبها خطاب ديني أو وعظ ، تُقابَل عادة بالرفض و التهرب ، و لأنه لا يوجد إنسان كامل ، و حتى أؤلئك الّذين رافقوا الأنبياء كانوا بشرا لهم رغبات و شهوات و حتى أن كثيرا منهم أطاع الشيطان ، إذا لا يمكن لنا أن نتّهم إقتصادا من الإقتصادات ، كالرأسماليّة هنا ، بأنها فاشلة لأنّ بعض الأغنياء و المترفين تهرّبوا من دفع الضّريبة للدولة ، و حتى في إيام النبي محمد عُرف أحد المسلمين و هو "ثعلبة" بأنه بخل و لم يدفع الزكاة و بالتالي تركه النبي محمد و قرر أن لا يكلّمه إلى أن مات ثعلبة و كان عقابه الوحيد هو أن النبي محمدا لم يُكلّمه.
إن الصدر في محاولته خلق علاقة مماثلة بين الرأسمالي "المسلم" و القوانين الطبيعية و البيئيّة ، قد نجح إلى حدّ كبير في فهم العلاقة بين الإقتصاد و خدمة المجتمع ، لكن يبقى الإشكال ها هنا هو : هل من الممكن وضع رقابة فوقية "دينية" على الإقتصاد؟ الحقيقة أن المجتمع الشيعي الإيراني كان أقوى حينما كان يُدير تجارته و تعاملاته في ظل نظام الشاه الذي كان قد فتح أبواب الإقتصاديّات الكبرى أمام الإيرانيين ، و كانت المدارس الدينية في إيران تحصل على ملايين الدولارات من التبرعات و الصّدَقات ، لكن منذ ثورة 1979 و هيمنة النظام الديني ، تراجعت مداخيل الدّولة الإيرانية و راحت بعض مدارس الدولة "الدّينية" تتلقى أموالا حكومية لا تستحقها بالمفهوم الدّيني ، بمعنى أنه لا يجوز لهم أصلا التّصرف بهذه الأموال لأنها تعود للقطاع العام.
إن الظّن بأن إقتصادا "إسلاميا" قائما على المباديء الأخلاقية سيكون ناجحا ، هو ظنُّ خاطيء ، فما أسهل على تاجر أو رأسمالي أناني أن يُطيل اللّحية و يحمل مسبحة و يتمسّح بالكعبة و القرآن و يذرف دموع "التقوى و الورع" ، لكن في السّوق و التعامل المباشر لا تجده يختلف عن عن أسوأ المرابين و المحتالين ، يقول السيد الصدر:
"ومفهوم إنسان العالم الإسلامي عن التحديد الداخلي والرقابة الغيبية الذي
يجعله لا يعيش فكرة الحرية بالطريقة الأوروبية يمكن أن يساعد إلى درجة
كبيرة في تفادي الصعاب التي تنجم عن الاقتصاد الحر والمشاكل التي
تواجهها التنمية الاقتصادية في ظله عن تخطيط عام يستمد مشروعيته في ذهن
إنسان العالم الإسلامي من مفهومه عن التحديد الداخلي و الرقابة غير المنظورة
أي يستند إلى مبررات أخلاقية" إقتصادنا ـ ص 17.
و المبررات الأخلاقية هنا لا فائدة منها ، على صعيد الملموس ، لأنّ المسألة الأخلاقيّة تبقى مسألة شخصيّة و ذاتية ، و لكن يُمكن فرض قوانين ـ و هذا ممكن في كلّ المجتمعات و الإقتصاد الأمريكي معروف بضرائبه الباهظة و عقوباته الشّديدة على المخالفين ـ و بموجب هذه القوانين المشدّدة ، الّتي تراعِ مصلحة المجتمع ، من الممكن أن يتردّد التاجر و الرأسمالي و المستثمر ألف مرّة قبل أن يُقدم ـ مثلا ـ على التهرب من الضّريبة.
أردنا من هذا النقد البسيط لبعض أفكار الشهيد الصّدر الأول أن نوضح أن حزب الدعوة ـ و من خلال مؤسّسه ـ هو أقرب إلى الديمقراطية من الحركات الإسلامية الأُخرى ، و كأن هناك خطوة واحدة بقيت للسيد الصدر ليكون في وسط المعسكر الديمقراطي ، إذ أنه لم ينتقد النظام الديمقراطي الرأسمالي إلا على مستوى بسيط إذا ما قورن بمواجهته للنظامين الإشتراكي ، الشيوعي ، و القومي .. إذ كان نقده لهذه النظريات نقدا على مستوى "الصراع" و إيقاف امتداد هذه النظريات الشّموليّة ، و الملاحظ أنه لم ينتقد "النظام الرأسمالي الأمريكي" ، ربّما لأنه أعتقد أنّ عليه الاطلاع أكثر على مزايا هذا النظام أو لقناعته أنه أفضل نظام موجود.
إن حزب الدعوة و من خلال متابعتي لتصريحات الدكتورين الجعفري و المالكي ، معجبان بالتجربة التركية الحالية و التي ضمنت مشاركة "إسلاميّين" في السلطة مقابل الحفاظ على "علمانيّة" و حياديّة الدولة ، و فعلا فمنذ خروج الحزب من العراق في نهاية السبعينيات و لجوءه إلى إيران و الغرب ، فإنّ الدعوة دخل في خلافات مع "النظام الدّيني في إيران" حول استقلاليته السياسية و تمسُّكه بالخيار الوطني العراقي ، لكنني أستثني و أتحفظ على "الصدريين ـ جماعة مُقتدى الصدر" الّذين شوهوا حزب الدّعوة عبر تبنيهم الخطاب المتطرف ، و مهما حاول "البعثيون" و آخرون يريدون إزاحة هذا الحزب من المشاركة ، و رغم تحفـّظاتي على كثير مواقف و آراء حزب الدعوة ، إلاّ أنه و للحقيقة أكثر تمسّكا بالبرامج الوطنية من كثير من الأحزاب التي ترفع "شعار" الوطنية و العلمانية و هي ليست إلا عصابات وراثية.
العراق الذي تشكّل بعد تحريره من نظام البعث و حكم صدام في 2003 هو بيئة خصبة لنشر الديمقراطية ، رغم كلّ ما يجري من أعمال إرهابية يشنها بعثيون من أنصار النظام القديم و سلفيين تكفيريين "الحركة الوهابية" و أحزاب قومية و طائفية لم تتمكن بعد من فهم الديمقراطية ، و الأصح أنها لا تريد التعامل بالديمقراطية كونها تؤمن بالـ"قوميّة" على نسق "حزب البعث" إلا أنها قد تكون منتمية إلى قوميّة أُخرى غير عربيّة ، و المشكلة التي يعيشها العراقيون الآن ، بالإضافة إلى الفلتان الأمني ، هو دستورهم المليء بالثغرات و الذي سيتسبب مستقبلا ـ و أرجو أن أكون مخطئا ـ في إفشال العملية السياسية برمّتها و بالتالي دخول العراق في نفق مظلم ، فالعراق ، كما وصف البعض دستوره الجديد ، خلطة مثيرة للعجب و للإشمئزاز في آن واحد ، فلا هو دولة علمانية و لا إسلامية دينية ، و لا هو فدرالية أو مركزية أو حتى مؤلّف منهما ، إنه باختصار دستور موزّع على هيئات سياسية معيّنة ، و إضافة إلى التشوهات الجينية التي أضافها القوميون "العرب و غير العرب" إلى هذا الدستور حول هوية العراق "القومية" ، عمل الإسلاميون إيضا ـ سنّيُّهم و شيعيُّهم ـ على تشويه الدستور بإضافة نصوص دينية يختلف في تفسيرها حتى أصحاب المذهب الواحد.
من الصعب ، إن لم يكن من المستحيل ، إقامة نظام ديمقراطي راسخ و قوي ، في ظل سلطة مركزية هزيلة و صوريّة و لا تملك سلطة فعلية ، و أيُّ مراجعة للأنظمة الفدرالية العالميّة ، تظهر لنا و بوضوح أهمية تقوية المركز للحفاظ على التناسق بين الأقاليم و المحافظات ، و لكن هذه الدولة تسير بصعوبة لأنّ كل طرف كوّن لنفسه نظريّة كاملة و شاملة عن مفهوم الدّولة في العراق و لكي تتناسق الدولة مع "مفهومها" لدى كل حزب ، لا بُدّ من البدء من الصفر ، فالإسلامي يدعو إلى الديمقراطية و الحرية مضافا إليها عبارة "و .. لكن" ، فمن إحترام "الإسلام" مرورا بـ"ثوابت الإسلام" ثمّ "شخصيات التاريخ الإسلامي"! ، تصبح الديمقراطية و الحرية مجرد كلمات رنّانة ، و نفس الشيء يحدث مع الأحزاب المؤمنة بالصراع القومي و بناء دولة داخل الدولة ، إذ لا يجوز التطاول على "الهُويّة القوميّة" و واجب هو "إحترام المناضلين" الموجودين في السلطة و أن الوطن العراقي نفسه حافل بالأعداء !!.. إن الديمقراطية ليست مجرّد انتخابات ـ رغم أهميّة الإنتخابات الحرّة و النزيهة ـ إلى أن هناك حريّات تعتبر من أساسيّات حقوق الإنسان و المواطنة و لا تستطيع أي أكثريّة أو أقلية أن تُلغي هذه الحقوق كونها قائمة بذاتها.
و سنواصل نقد جوانب أخرى من أُطروحات الصّدر الفكرية و سنركز الآن على ماهيّة الفرد في المجتمعات المسلمة.



#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)       Sohel_Bahjat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد العقل المسلم ح 26
- نقد العقل المسلم ح 25
- نقد العقل المسلم ح 24
- نقد العقل المسلم ح 23
- نقد العقل المسلم ح 22
- نقد العقل المسلم الحلقة الحادية و العشرون
- نقد العقل المسلم الحلقة العشرون
- نقد العقل المسلم الحلقة التاسعة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الثامنة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة السابعة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة السادسة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الخامسة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الرابعة عشرة الإسلام و الإرهاب .. ...
- نقد العقل المسلم الحلقة الثالثة عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الثانية عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة الحادية عشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة العاشرة
- نقد العقل المسلم الحلقة التاسعة
- نقد العقل المسلم الحلقة الثامنة
- نقد العقل المسلم الحلقة السابعة


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سهيل أحمد بهجت - نقد العقل المسلم ح 27