أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منير شحود - مثقفو وشعب... حبيبتي سوريا















المزيد.....

مثقفو وشعب... حبيبتي سوريا


منير شحود

الحوار المتمدن-العدد: 668 - 2003 / 11 / 30 - 03:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في المرات النادرة التي أُدعى فيها, والمرات الأندر التي أُلبّي فيها الدعوى, للجلوس مع ثلة من المثقفين من أجل الحوار...وغيره؛ سرعان ما أعود محبطا ومغموما, تفوح مني رائحة دخان السجائر وتنباك النراجيل, مع أنني لم أعرف نكهتها في حياتي. أكل وشراب... وكلام يتألق فيه البعض متمسكين بتلابيب اللغة المطواعة, ويمارس المترفون منهم ترفَهم ثقافة هائمة ذكورية الطابع. تبدأ الأحاديث بقضايا راهنة, مرورا بتصفية الحسابات بين بعض الرموز, وتنتهي بالحديث عن أسعار السلع, التي تتباين أنواعها تبعا للوضع المادي للمثقف واهتماماته. أما من يطيح الشراب ببعض عقله, فينساق في سلسبيلية الكلمات التي لا يجمع بينها جامع, فتنفلت وتحتشد وتتطاير, وتختلط السياسة... بالفن والأدب, والتجريد... بالنزوات, والفلسفة... بأسعار الأحذية!.
ويذكِّر الطابع الذكوري الغالب لهذه اللقاءات بالاتحادات الذكورية القبلية السالفة, حيث يشكل الذكور جماعات تهدف لصقل مهارات أعضائها في الأدوار التي أنيطت بهم في إطار تقسيم العمل البدائي. والمرأة لا تشارك عادة, وإن شاركت فهي تأخذ غالبا دور العشيقة, أو يرتبط وجودها بتعزيز الذكورية القائمة عوضا عن تعديلها, وقد تُسترجل إمعانا في اجتياح الرجولة لجغرافيا المجتمع.
منذ سنوات وعقود ونحن نجتر الكلمات والمواقف في حوارات تطول... ونادرا ما تتعمق. حتى مفهوم الوطنية غير متفق عليه تماما, ومازالت تتقاذفه القوى الموالية والمعارضة, لدرجة بات هذا المفهوم لا يعرفُ نفسَه من كثرة ما تم التمسح به واستغلاله؛ ومع ذلك يلتقون جميعا على القضايا "الوطنية", تسترا أو صدقا أو تقية, ويختلفون...
ومن باب الاجتهاد, نقترح تعريفا مبسَّطا للوطنية يتمحور حول موضوع سرقة المال العام. فمن لا يسرق يعتبر وطنيا, ومن يسرق المال العام... فأمر فيه نظر: وباعتبار أن الكثير من المواطنين يضطرون للرشوة والاختلاس والتهرب من الضريبة لدواعي تتعلق بلقمة العيش, فيتم تحديد سقف واضح لكمية الأموال المسروقة, يعتبر مَن يتجاوزه في خانة اللاوطنية, بينما يتنعَّم مَن هو دونه بوطنيته بفرح وحبور, وذلك حتى تحقيق الإصلاحات الثلاثة المرجوة...الإداري والاقتصادي والسياسي!.
وكم أتذكر في مثل هذه الأوقات نموذجا آخر من المثقفين, هو المفكر المرحوم "بو علي ياسين"...شاردا وهادئا وصامتا... ونحيلا حانيا كسنبلة قمح نُتفت جلُّ شُعيراتها؛ وقد ارتضى البقاء بعيدا عن الأضواء والمباهج و...بقّ الثقافة!. كان نموذجا للمثقف الزاهد, ومعلما للتواضع الإنساني الجميل, في وقت كانت تنهار فيه القيم واحدة تلو الأخرى. أذكر آخر جملة قالها لي: "أتمنى أن يمهلني الموت قليلا لأحذِّر الناس من هذا الوحش". كان يقصد التدخين, الذي تسبب له بسرطان الرئة. 
وفي إطار الطيف الثقافي, ثمة آخرون من النوع الذي يطلق عليه "غرامشي" المثقف العضوي ... هؤلاء امتزجوا مع الناس في العمل والحياة مقدمين أمثلة رائعة في العمل والحب والتضحية, وقد استعصوا على محاولات الإفساد, واستمروا يسقون شُجيرة الأمل الظمأى. وآخرون دفعوا أثمانا غالية...وما يزالون, في جدران تضيق تارة, وتتسع أحيانا ؛ وحلق بعضهم خارج كل الجدران والحدود, مثل أدونيس.
وصار لدينا مثقفون... من الموالين والمعارضين (ياعين...ياليل!), في إطار وحدة وطنية  لم يسبق لها مثيل, وهي مرشحة لدخول التاريخ من خلال كتاب "غينيس" للأرقام القياسية, في باب ثبات الثوابت. ومع ذلك لا يرضى بعض "الجاحدين" من مثقفينا بواقع الحال, فيتركون صحفنا الثلاث, الواحدة والموحَّدة والمتحدة, وينهالون على موطئ قلم لنشر مقالاتهم في الصحف العربية. وإذ نتذوَّق الموالاة في "الوطن" العُمانية, فإننا نستشعر المعارضة في "النهار" اللبنانية. وثمة الوسط, بيساره ويمينه, حيث تمتزج آراء مثقفينا في نسيج وطني من الإستبرق الأخاذ!.
وبمزيد من الخشوع والطاعة, تزحف صحفنا الغراء متجهة نحو بوابة متحف الصحافة... يحرسها الرقباء ورؤساء التحرير ومديروه... وهم يغالبون النعاس, ويستفيق بعضهم أحيانا, عند الطلب, فيرتدون أقنعتهم ونظاراتهم, وينهالون على رأي آخر غير مدجَّن بوصفة معدّة مسبقا: حاقد وموتور و....(يعادل هذا الإبداع السياسي علكة "سهام" اللذيذة,  باعتبارهما مفخرة الصناعة الوطنية!)؛ ثم يتابعون مهمتهم المقدسة في حراسة القيم الوطنية والثوابت القومية, فيشذِّبون المقالات التي تضلُّ الطريق, وينقّونها من الشوائب المغرضة؛ مثلما تفعل أُمي المسكينة, بعينيها الصغيرتين, على اقتفاء أثر حبات الزؤان في البرغل المحضَّر للطبخ... احتفاء بقدومي إلى قصرها المؤلف من غرفة واحدة وكثير من الحب.
أمي تنقّي البرغل من الزؤان, وهم يزوئنون البرغل. ليس الأمر تطاولا على اللغة, معاذ الله! بل براً بأمي, حتى لا تغضب وتقول: "ياضيعان ها الترباية!", وتنعتني بالجاحد الذي لم يتعلم شيئا من كتاب "رشيد الشرتوني" لقواعد اللغة العربية, وقد قال لي أخوها -  خالي طبعا, بأن لا نحو عربيا بعد هذا الكتاب, محاولا التدخل في تربيتي, وقد  استمد نفوذه من عصر سيادة الأم؛ لكن والدي, البطريركي حتى العظم, كان له بالمرصاد فأحبط مساعيه شر إحباط, مادام على قيد الحياة, حتى وافته المنية!.
والشعب السوري الحبيب والمحبوب... ماص وممصوص. ولم تعد النرجيلة تُقدَّم في المقاهي التقليدية فحسب, بل اجتاحت البيوت وفئات الأعمار والجنس الآخر, بحيث يمكن لنسائنا العزيزات أن يتسلطن على رحيق المعسَّل ونكهة النيكوتين على الملأ, جنبا إلى جنب مع أفراد الجنس المذكر, الذين يتابعون التصاق الشفاه الحلوة بـ "بز" أنبوب النرجيلة بنوع من الشبق الهادئ والمسالم. ولكن النرجيلة في ورطة الآن, بعد أن انتشر مص شراب "المتة" المستوردة من بلاد "التوكمان" على نطاق واسع, واحتدمت المنافسة بينهما كشركتين خلويتين عملاقتين!.
والشعب السوري صابر ومتصبر, يتدبر أموره بحنكة, غير عابئ بما يقال في الإعلام عن تدني مستوى دخل الفرد في بلده الصامد, ويقف موظفوه بلا طابور لقبض رواتبهم المتواضعة (بسب المجهود الإعلامي والحربي) فرحين مسرورين, حتى لو اقتطع المحاسبون منها "الفراطة", فهم متسامحون, وقد ضحوا بالكثير طواعية مقابل أن ينعموا بالاستقرار ويرفلوا بالأمن, وأي أمن!...تحت خيمة الولاء الرحبة. ومع أن الفروق في مداخيلهم تتزايد اتساعا فإنهم لا يبالون بعد أن صنَّفهم أحد الاقتصاديين في مجموعتين اثنتين: مواطنون شرفاء يرشون ولا يرتشون, وآخرون فاسدون يرشون ويرتشون...فأراحهم بذلك, حفظه الله, من التصانيف الطبقية تمشيا مع نظريات اقتصاد ما بعد الحداثة!.
والمواطن السوري حر وأبيّ وقنوع, ويكتفي بجرعة سنوية من الديمقراطية في المسلسلات الرمضانية, لينهل من معينها عاما كاملا, علاوة على ما تدسه الفضائيات عبر الأطباق التي تفتح أفواهها نحو السماء كعصافير صغيرة جائعة, تنتظر مغمضة العينين أُمها الحنون لتلقمها الطُعم المستسلم في منقارها.
والشعب السوري كف عن أن يكون أفرادُه مشاريعَ زعماء...فليبشر الرئيس شكري القوتلي, ويرتاح في قبره!. وقد طلَّق الشعبُ السياسة, بعد أن عجز عن حفظ أسماء أحزاب جبهته الوطنية وتجمعات المعارضة. واكتفى بالحزب "الوحيد", منتميا إليه, أو متمنيا أن يحظى منه بتقييم يضعه في خانة الحياديين, فيبتهج ويفرح ويضمن لقمة العيش لحين إجراء التقييم التالي, وقد اكتشف طعم الهواء والماء, بعيدا عن ثوابت الخواص الفيزيائية للعناصر!.
حبيبتي يا خارطة سوريا... حلوة كقبرة جريحة, تحشر منقارها الصغير المملوء بأخوتنا من الأكراد والسريان, بين تركيا والعراق...مخافة أن يفلتوا منها؛ وتدير ظهرها للبحر, بينما تفكر بريشات منتوفة من ظهرها وذيلها, فيما تعاني من ألم الرأس المزمن!.



#منير_شحود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقاسيم على وتر الخوف
- قلب تاريخي
- لبنان: ذكريات حاضرة
- بئس الخطاب القومجي: صاخب ومتعالٍ ولا إنساني
- محللون يحللون التحلل والحلول


المزيد.....




- حاول اختطافه من والدته فجاءه الرد سريعًا من والد الطفل.. كام ...
- تصرف إنساني لرئيس الإمارات مع سيدة تونسية يثير تفاعلا (فيديو ...
- مياه الفلتر المنزلي ومياه الصنبور، أيهما أفضل؟
- عدد من أهالي القطاع يصطفون للحصول على الخبز من مخبز أعيد افت ...
- انتخابات الهند.. قلق العلمانيين والمسلمين من -دولة ثيوقراطية ...
- طبيبة أسنان يمنية زارعة بسمة على شفاه أطفال مهمشين
- صورة جديدة لـ-الأمير النائم- تثير تفاعلا
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 50 مسيرة أوكرانية فوق 8 مقاطعات
- مسؤول أمني عراقي: الهجوم على قاعدة كالسو تم بقصف صاروخي وليس ...
- واشنطن تتوصل إلى اتفاق مع نيامي لسحب قواتها من النيجر


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منير شحود - مثقفو وشعب... حبيبتي سوريا