أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - الطوباوية : بحر خيال ومتاهة اوهام















المزيد.....

الطوباوية : بحر خيال ومتاهة اوهام


سيار الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 2155 - 2008 / 1 / 9 - 11:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الطوباوية : المعنى والمضمون

نعم ، انها امتداد مخيال في الافق البعيد ، ورسوخ اوهام ، وهو مصطلح من اليونانية U-topos، أي "ليس في أيِّ مكان" . وهو التعبير الذي استخدمه بالمعنى نفسه توماس مور (في كتابه يوطوبيا) ليصف مدينة مثالية وخيالية ، أول ما نستنتج، أنه ليس بوسع هذا البنيان اليوطوبي أن يقوم إلا على جزيرة محمية ومنعزلة في الوقت نفسه. اما إن وسَّعنا المفهوم، فإنه يشمل كلَّ مجتمع خيالي غير قابل للتحقيق ـ على حد توصيف جيرار دوروزوي وأندريه روسيل في معجم ناثان الفلسفي ـ . انني لم اقف عند اول من استخدم مصطلح " الطوباوية " في الثقافة العربية التاريخية والسياسية ، ولكنها بكل تأكيد احدى مولدات بدايات القرن العشرين التي قام بنحتها أحد المترجمين العرب الاوائل .. وهي ترجمة محرفة لفظيا ومعنويا لمصطلح " اليوتوبيا " Utopia ومعناه كما جاء في ( ويبستر العالم الجديد في اللغة الامريكية ) : توصيف لجزيرة التصورات في كتاب تحت نفس العنوان لمؤلفه السير ثوماس مور (1516) ممتلكا لافضل نظام سياسي واجتماعي .. وثمة معنى يقول بالمكان المثالي ، وآخر يقول بالحالة التمام ، ومعنى ثالث ينصّ على الرؤية التصورية الخيالية للمجتمع المثالي الكامل .. ومن المصطلح تولدت الصفة والموصوف ( ص 825 ) . ان الطوباوية غدت اليوم توصف لكل من يحلق بعيدا في الخيال ليرسم لنفسه وللآخرين حقائق وهمية لا اساس لها من الصحة والواقع .. ان اليوتوبيا هي التصور ورسم الافكار غير القابلة للتطبيق ، كما انها الانشاء ورصف الكلمات لاشياء لا اساس لها من الصحة ..

ولقد راج المصطلح كثيرا في اوروبا ابان القرن التاسع عشر ، اذ وصف الفكر الاوروبي التعاوني الاشتراكي بالفكر الطوباوي الذي يجسد الاشياء التي لا وجود لها الا في الخيال .. فارتبطت الطوباوية لدى البعض بالخيالية . وببساطة نستطيع فرز من يمتلك تفكيرا طوباويا من خلال كلامه او كتابته او طبيعة تفكيره .. انه يطنب كثيرا ويهذي طويلا وتقرأ له صفحة كاملة عسى تقف على " فكرة " محددة ، فلم تستطع ! انه خيالي يسبح في الانشائيات والاوهام من دون ان يشعر ان ما يقوله او يعتقده لا اصل له من الصحة .. نعم ، انه يتوهم الخيال حقيقة ، ويؤمن ايمانا حقيقيا بما يمكن البرهنة عليه .. انه يجعل من تصوراته التي يبنيها حقائق ثابتة ويعتقد ان الناس كلهم مثله يؤمنون بما يؤمن .. فيذهب في شططه ويقدّم احكاما ويعلن عن حدود فصل .. ولا يتحرّج ابدا من تصديق الاوهام وبما يتفق وعقليته هذه ! انه اقرب ما يكون للتعميم منه للتخصيص ، بل والمعروف ان اي طوباوي لا يتحمّل التدقيق في الامور ، بل يأخذ الامور على عواهنها .. ولم يتراجع ابدا عن اخطائه لأنه لا يعتقد تفكيره الطوباوي بها مهما كانت كبيرة . وعليه ، فان امثال هؤلاء لا يمكن ان يتلاقى تفكيرهم ابدا مع اصحاب التفكير البراغماتي ، اي الناس العمليين او حتى اولئك الامبريقيين التجريبيين من اصحاب النزعة التدقيقية والتفكير العلمي .. اذ نجدهم دوما على طرفي نقيض ، والفاصل بينهما كبير جدا فتنعدم لغة الحوار تماما بينهما



بماذا نفّكر ؟ وبماذا نعيد التفكير ؟

لابد من إعادة طرح سؤال قديم يتجدد باستمرار : لماذا تأخرنا وتقّدم غيرنا ؟

ومن أجل الاجابة على هذا السؤال الذي ازعم ان فيه نوعا من الغباء عندما يسأل ونحن في غمرات مكونات التاريخ الحديث ، او بمعنى ان تقدما قد حصل في بيئاتنا وطالنا التأخر والتراجع في حين كانت الصورة معاكسة عند الغربيين كما يتصورون ! واعتقد ان ابتعاد التفكير العربي المعاصر عن التعمق في فهم التاريخ البشري وسوء استيعابه للتحولات الحديثة في العالم خلال القرنين الاخيرين قد سبب رواجا لقناعات غير صحيحة ابدا في ذلك التفكير الطوباوي وخصوصا في التربويات المدرسية والثقافة الجماعية الشعبية والاعلاميات الرسمية وكتب الايديولوجيا والسياسات المفبركة والخطابات العاطفية والحماسيات الثورية والشعارات الساخنة .. الخ بعيدا عن المعرفة والمنهج والعقل والنقد والتقييم وتبيان أوجه الضعف والقوة في المجتمع والدولة ، فضلا عن عدم تأسيس اي تمفصل عربي حقيقي بين مؤسسات الدولة وشرائح المجتمع .



اختلاس التفكير : الاردية الممزقة

بالرغم من أن الأسباب القوية للتشاؤم الذي نجم من تجاربنا السياسية والايديولوجية العربية خلال النصفين الأول والثاني من القرن العشرين باختلاف احداثهما وشخوصهما ، إلا أن أحداث النصف الثاني تشير إلى اتجاه مختلف تماماً وغير متوقع عما كان يألفه المجتمع في النصف الاول منه . وإذا بتنا الآن في العقد الأخير من القرن العشرين وعند بدايات العقد الاول من القرن الواحد والعشرين ، نرى أن نخبنا ومثقفينا ككل لم يكشفوا عن شرور وآثام اقترفت بحق تكوينات اجيالنا التي تبلورت حياتها وتفكيرها بعد الحرب العالمية الاولى ، وإنما طرأ عليه تحسن واطراء ومنافع في مجالات واضحة معينة . ومن أبرز المفاجآت التي وقعت في الماضي الغريب ذلك الانهيار التام غير المتوقع للشيوعية العالمية خلال السنوات الأخيرة من عقد الثمانينيات .

وعندما سقط الاتحاد السوفييتي وانهارت معه المنظومة الاشتراكية في التسعينيات ، وهنا لا أجد نفسي إلا متفقا تماماً مع آراء اولئك القليلون الذين فضحوا علاقة الايديولوجية بالتفكير والمعرفة وهيمنة الخطاب السياسي والايديولوجي على الاذهان والعقول ردحا طويلا من الزمن ، وعولوا عليه كثيرا معتبرين اياه المخلص من اطواق الماضي بأسم ترديد شعارات التقدمية والتحررية .. الخ من دون ان يكونوا اقوياء حقا في مواجهة الامبريالية والرأسمالية .. وبالرغم من ادواته ووسائله التي يمتلكها وهي بدون شك مستعارة عن الاخرين في العالم ولا غرابة في ذلك باعتبار ان الجميع قد استعاروا وكانوا من المقلدين ، الا ان الشعارات التي عبرت عن خطاب مؤدلج كانت تستخدم فيه مصطلحات متنوعة ولكنها كانت خالية المضامين ، مثل : الحرية والحقوق والتقدمية والامبريالية والشعبية والصراع الطبقي والتنمية الانفجارية والرسالة الخالدة والوحدة الاندماجية وحرق المراحل والقفزة النوعية ... الخ وهي تعبيرات مفبركة اختلست تفكير الشعوب المتخلفة ولعبت بعواطفهم كما هي كانت ـ مثلا ـ لعبات ما اسمي بـ " الليبرالية العربية " في النصف الاول من القرن العشرين التي وصفت بـ " الرجعية واليمينية " من قبل " اليساريين والتقدميين " ..



واخيرا .. دعوني اقول شيئا !

وإذا ما نظرنا اليوم الى واقعنا نجده قد تخلى بسرعة عن تلك " الشعارات والتعبيرات " عند انهيار مصادر تأليفها في ادبيات المنظومة الاشتراكية التي عمرت عقودا طويلة من القرن العشرين .. واننا لا نجد إلا بنيويات كبرى من الأنظمة الايديولوجية الإستبدادية من كافة الأنواع اليسارية تتهاوى واحدة تلوى الأخرى وبدأت تنشأ عن انهيار هذه الأنظمة دعوات نخبوية وفكرية من اجل تأسيس ديموقراطيات ليبرالية تتمتع بالرخاء و الإستقرار . ولقد تأثرت النخب في العالمين العربي والاسلامي بالدعوات الجديدة لتبدأ تتقمصها من جديد بالرغم من ايمان هذه النخب بكل ما تتضمنه الايديولوجيات على حساب المعرفيات ! ولكن الذي يقف ازاء كل التناقضات اليوم ويشكل بنفسه تناقضات جديدة .. وهذا ما سنعالجه في مقال قادم .



#سيار_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جادة حوار عراقي.. مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور ...
- التفكير الجديد : الخروج من معطف الماضي !
- مفهوم المثقف العضوي ودوره في التغيير
- مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب - الحلق ...
- جادة حوار عراقي مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور ك ...
- جادة حوار عراقي مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور ك ...
- جادة حوار عراقي - مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور ...
- أين البرلمان العربي .. و ما هو دوره اليوم ؟
- جادة حوار عراقي: مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور ...
- سركون بولص حامل فانوس في ليل صحراوي حالك
- الباكستان مشروع فوضى خلاقة جديد !
- تحيّة الى مثقّفي الناصريّة الاصلاء
- رهانات فاضحة بلا نهايات واضحة
- المسألة الاقليمية وخطورة الحزام الشمالي !
- أنابوليس محطة صراع للشرق الاوسط !
- - الديمقراطية - في مجتمعاتنا ...... !! جادة نقاش بيني وبين ا ...
- بنازير امرأة تقف بوجه الاعصار
- - الديمقراطية - في مجتمعاتنا ...... !! جادة نقاش بيني وبين ا ...
- - الديمقراطية - في مجتمعاتنا ...... !! جادة نقاش بيني وبين ا ...
- الملك فاروق الاول : ملاحظات تاريخية


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - الطوباوية : بحر خيال ومتاهة اوهام