|
ثلاث قصائد مُبْتلّّة
سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2155 - 2008 / 1 / 9 - 06:45
المحور:
الادب والفن
" نابِــل " في الشتاء
تتجمّع الأمطارُ في كانونَ ... طولَ العامِ تنتظرُ المدينةُ قطرةً ، وتَئِنُّ . يبدو الـمَرْجُ بُنِّـيّـاً وأزرقَ في المساءِ . وفي المساجدِ سوف تَستسقي الصلاةُ الـنَوءَ . هل تأتي إلينا القيروانُ ثقيلةً بالقَحْطِ والتاريخِ ؟ نحنُ هنا السواحلُ ، عِرْقُنا ذَهبٌ : أغارقةٌ ، ورومانٌ ، أمازيغٌ ... هنا ، في المعبدِ المنهارِ ، في ليلِ اليراعاتِ الـمُضيءِ ، نقومُ : حوريّاتُنا يضحكنَ في الـحَـمّامِ ، يستعجِلْننا . تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ... في الكورنيشِ ، صيّادونَ لم يَحْنوا الجباهَ لسطوةِ الأنواءِ ، بضعةُ فِـتْـيَةٍ تــاهوا مع الفتَياتِ . في الكورنيشِ ذكرى أو رسائلُ . كان كِشْكُ مثلّجاتٍ يحتمي بالريحِ . سوف نكون ، في مَغْنىً ، هنا ! " الروتوندُ " ماثلةٌ ، هي الكورنيشُ والبحرُ ، الـمَقامُ بلا وَلِيٍّ ، والولايةُ دونَ والٍ . إنّ " نابلَ " تحتمي بالبحرِ ، " نابلُ " تدفعُ الصحراءَ عنها ، والأذى ... تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ... كان السوقُ مفتوحاً ، وكان المطعمُ الشعبيُّ ( لَبلابي وصحنٌ تونسيٌّ ) مقفراً . هيَ جَوعةُ الزرزورِ . لا سوّاحَ . لا أشباحَ . أحياناً يوَدُّ الـمـرءُ أن يُصغي إلى ما ليسَ يُسمَعُ .... هل صليحةُ ههنا ؟ سأسيرُ في السوقِ . الدكاكينُ الصغيرةُ مثقلاتٌ . قالَ لي ولدٌ يُرَبِّي لحيةً : إن البضائعَ كاسداتٌ . لا زبائنَ . " نابلٌ " ، كالنسوةِ الإغريقِ ، تهجعُ بانتظارِ البحرِ ... مَنْ يأتي غداً ؟
تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ...
لندن 06.01.2008 * نابل ( نيابوليس الإغريقية ) مرفأٌ تونسيّ على الرأس الطيّب .
رياح الأطلســيّ
تأتي رياحُ الأطلسيّ وقد جلبْنَ الماءَ محمولاً بآلافِ الصهاريجِ التي صُبِغَتْ بلونِ الغيمِ ... ثمّتَ سِــربُ طيرٍ جاءَ من إفريقيا ومصائدٌ للأرنبِ البرّيِّ ؛ ثمّتَ غفلةٌ ، وســعادةٌ ليستْ تبِيْــنُ ومَوطِيءٌ في مَسْلَكِ الأحراشِ للسّـارينَ فـي الليلِ ...
الرياحُ وئيدةٌ حتى كأنّ الغيمَ يَـثْقُـلُ فوقَ داري ثم يدخلُ في الحديقةِ ...
كانت الأزهارُ ( جيرانيوم ) تلمُســهُ ، وتشربُ ماءَه العذْبَ ، العناكبُ لا تزال تُقِـيمُ ، واثقةً ، مصائدَها وتَكْــمُنُ ...
والرياحُ وئيدةٌ ماذا سيَحْدُثُ لو أخذتُ عصايَ ، بعد دقيقةٍ ، وهجرتُ ما أنا فيهِ منطلقاً إلى ما لستُ أدري ؟ كلُ ما في الكونِ يرتحلُ : الكواكبُ ، والأفاعي ، والثعالبُ ، والضفادعُ ، والزرازيرُ الذئابُ ، ودودةُ الأرضِ ، الخنافسُ ، والجذورُ ، وزهـــــرةُ الخشخاشِ ، والموتى ، وأوراقُ الخريفِ ، وبذرةُ الــــتفّاحِ إني الآنَ أخطو خطوتي الأولى الرياحُ وئيدةٌ وعصاي تمضي بي إلى ما لستُ أدري ...
لندن 30.9.2006
قصــيدةٌ مبتلّــةٌ
لثلاثةِ أيامٍ ، وثلاثِ ليالٍ ، ظلَّ المطرُ الصامتُ يدخلُ في الجِـلْدِ ، ويســـري في الدمِ ، حتى ابتلَّ إطارُ الألـمنيومِ وأوشكتِ الصورةُ - مجرىً جبليٌّ – أن تغرقَ . كان العشبُ يميلُ ويَخفُقُ ، كان يسيلُ . الغرفةُ باردةٌ . لا صوتَ ولا امرأةٌ . والغرفةُ باردةٌ تَلتفُّ بزُرقـتِها وتنامُ . السجّادةُ تُنْبِتُ أزهارَ البوشْناقِ الواسعةَ . الضوءُ الذّرِّيُّ يرشُّ على الأزهارِ غباراً ذهباً . تَسّاقَطُ أوراقٌ بيضٌ من سقفِ الـغرفةِ . والريحُ تدقُّ على الشبّاكِ . المطرُ الصامتُ ينطقُ . مـاءٌ في الـمرآةِ ، وماءٌ سِــرّيٌّ في العينيـــنْ .
لندن 09.01.2007
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقفُ التابعُ مطروداً
-
آليات انمساخ المثقف الحرّ مثقفاً تابعاً
-
المثقف التابع : محاولة التماهي مع المستعمِر
-
خريطة العراق في قلادة برقبتي...ولن أعود تحت راية أمريكية
-
لِمَ الهجرةُ ... إذاً ؟
-
أربع قصائد
-
الحربة الثلاثية
-
وتقدّرون فتضحك الأقدار
-
نظام المثقف التابع وعلاقتُه بتأييد الاحتلال
-
الشاعر العراقيّ الوحيد - سركون بولص ( 1944-2007 ) ، يرحل في
...
-
خريف باريس ، ربيع الأمل
-
الاستنكار أضعف الإيمان
-
قصائد نيويورك 3
-
قصائد نيويورك 2
-
The three coloniesالمستعمرات الثلاث
-
قصائد نيويورك
-
ديوان ُ صلاةِ الوثَنِيّ
-
فرقة المشاة الثامنة الأميركية The American Eighth Infantry D
...
-
ديوان حفيد امرىء القيس
-
كتبتُ كثيراً عن بني اللقيطةِ
المزيد.....
-
الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا
...
-
الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور-
...
-
الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
-
على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس
...
-
الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
-
“جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور
...
-
فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
-
بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema
...
-
NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال
...
-
فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|