أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هويدا طه - سوق الفتاوي وفتاوي السوق في دولة الأزهر!















المزيد.....


سوق الفتاوي وفتاوي السوق في دولة الأزهر!


هويدا طه

الحوار المتمدن-العدد: 667 - 2003 / 11 / 29 - 05:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إدانة الأزهر للعمليات الفدائية التي تنفذها جماعات المقاومة الفلسطينية ـ أياً كانت مشاربها السياسية ـ ضد أهداف إسرائيلية مدنية لم تكن مفاجئة كثيراً، بل ويمكن القول أنها لم تثر غضباً مفاجئاً من قبل بعض المراقبين لسياسة الأزهر تجاه ما يواجه المجتمع من قضايا. فالأزهر ومنذ زمن ٍ طويل يتبني كثيراً من المواقف التي يصعب قبولها من مؤسسة دينية ويصعب تصديق أنها نابعة من منطلق ديني خالص.
ويمكن رصد الكثير من الملاحظات علي ما آل إليه حال مؤسسة الأزهر ومدي تأثيره علي حياة الناس الخاصة والعامة والقضايا الشائكة التي تعترض طريق المجتمع في فترة من أحلك الفترات التي يمر بها في التاريخ الحديث.

موقف الأزهر من منتقديه

قبل البدء في تفسير حال الأزهر ربما يكون من الضروري والحاسم تأكيد أن الاختلاف مع الموقف الأزهري ليس اختلافاً مع الدين الإسلامي الذي يمثل العمود الفقري لثقافتنا وهويتنا، فالأزهر مؤسسة دينية يضطلع بمهامها أفراد غير مقدسين وغير معصومين من الخطأ بل والهوي ولا يمكنهم إدعاء ذلك مع كامل الاحترام لما يمثله هؤلاء في نفوس العامة، وينبغي التصدي لأسلوب التشهير والتهديد بل والتكفير أحيانا الذي يتبعونه ضد منتقديهم لإيذائهم في حياتهم وأرزاقهم، فهم يبادرون أي معارض لفتاواهم (أو مواقفهم) أو منتقد لها أو حتي متسائل بشأنها بالهجوم عليه وتصويره خارجاً علي الدين (أي عليهم) لتهديده وكتم صوته وإخراجه من ساحة تكوين الرأي العام حول قضية ما من قضايا المجتمع أو الأمة. وهو شكل من أشكال إرهاب الناس، فالأزهر ليس هو الدين وإنما هو مؤسسة دينية، وإذا تركت للقائمين علي هذه المؤسسة وحدهم ودون غيرهم تكوين المواقف العامة فإننا نجد أنفسنا حتماً أمام نموذج إسلامي لمحاكم التفتيش التي أرهبت الناس مفكرين ومبدعين وعلماء وأناس عاديين فيما أطلق عليه ـ بسببها ـ عصور الظلام في أوروبا. وهو المصير الذي لا يريده مسلم لا للإسلام ولا للأزهر حتي لو أضطر إلي الدخول في عش الدبابير للملاحظة المتأنية لعلاقة المشايخ بباقي مؤسسات المجتمع وأولها السلطة.

المشايخ والسلطة

ربما لا يكون جديداً علينا هذا التحالف بين رجال الحكم ورجال الدين ضد المصالح ـ الحقيقية ـ للمحكومين. فقد عاني منه الناس كثيرا عبر التاريخ قديمه وحديثه، وكانت أبرز أسلحة هذا التحالف في التاريخ الإسلامي لجوء بعض المشايخ الموالين لمؤسسة الحكم وهم من أطلق عليهم في أدبيات المسلمين فقهاء السلاطين بكل ما يملكونه من سطوة علي عقول البسطاء وهم الغالبية الساحقة من الشعب إلي انتقاء الآيات القرآنية الكريمة وإخراجها من سياقها لخدمة أهداف الحكام ولرسم الخطوط الحمراء بين الحاكم والمحكومين، ولعل أشهرها اللجوء الدائم عبر العصور إلي الآية الكريمة وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم وحيث أنه لا يوجد مسلم علي سطح الأرض يعترض علي طاعة الله تعالي ورسوله (ص) فإنهم نجحوا في ربط الطاعة المطلقة لله والرسول (ص) بطاعة الحاكم في وعي الناس، وهو ما جعلنا نبدو أمة عدوة للحرية والديموقراطية بطبعها وليس بظروفها، وجعلنا فريسة لنزوات الحكام علي اختلاف دولهم وزمانهم. والأزهر بالذات خرج منه من يردد الآية الكريمة وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل.. في العهد الناصري حيث كانت السلطة حينئذٍ في عداء صريح للصهيونية العالمية، ثم خرج من نفس المؤسسة من يردد الآية الكريمة وإن جنحوا للسلم فاجنح لها.. ! رغم عدم وجود شواهد علي جنوح العدو للسلم بل من جنح هو السلطة في مصر، بل وخرج من الأزهر من يقبل باستقبال الحاخام الإسرائيلي في مكتبه بالقاهرة! ثم قرأنا ـ وفي وسائل إعلامنا ـ أن شيخاً فاضلاً يهدد من يعارضه (بضربه بالجزمة)! وبكل ما للقرآن وآياته الكريمة في نفوسنا من مكانة عظيمة فإن التلويح بها من قبل الأزهر بمكانته الدينية والتاريخية إشارة إلي الناس بتعطيل أي انتقاد لمواقف الدولة التي يساندها هذا الانتقاء الأزهري لآيات القرآن الكريمة، والسلطة تعرف ما للدين من مكانة في نفوس الناس وقلوبهم ووعيهم، وحين تريد (تسويق) ما لا يتفق مع مصالح الناس الآنية أو المستقبلية تلجأ إلي ـ بعض ـ رجال الدين لأداء المهمة دينياً! وهؤلاء يقومون بالمهمة بالسيطرة علي المشاعر الدينية للبسطاء وتأليبها علي المثقفين المناوئين لاتجاه السلطة التابع للغرب والواعين من رجال الدين الآخرين الذين يستلهمون روح الدين في مواجهة الحاكم الذي يضر بمصالح البلاد، وذلك بتنفير الناس منهم وإبعادهم عن التفكير فيما يطرحونه إما بتكفيرهم أو بإعلان عصيانهم أو باتهامهم بما رسخ عبر السنين في أذهان الناس أنه (تهم) مثل العلمانية أو التقدمية أو التحررية أو الاشتراكية.. إلي غير ذلك مما رسخ في أذهان الناس أنه كفر! وهي وسيلة ما زالت ناجعة في بلدٍ مثل مصر تغلب فيه روح التدين العفوي الذي اشتهر به المصريون أياً كانت ديانتهم عبر العصور. وهذه الفئة من رجال الدين التي تقبل الاضطلاع بهذا الدور طمعا في التقرب من السلطة والاستفادة منها معنويا وماديا تقابلها فئة أخري لا ترضي علي نفسها أداء هذه المهمة وتعرف بالفطرة أولوية المصالح الوطنية، لكنها تهمش وتحارب ربما بالطرد من المؤسسة الدينية بأكملها وقد يحارب بعضهم في رزقه أو يفرق عن زوجته ليكون عبرة لمن يعتبر.

المشايخ ورجال الأعمال

في بداية شهر رمضان الكريم تداول الناس الحديث عن فتوي بعدم جواز شراء الفانوس الصيني! وهو ما قد يثير عديدا من علامات الاستفهام، فالصين درست السوق المصرية وعرفت أن المصريين ابتدعوا الفانوس وارتبط في وعيهم بالشهر المقدس عندهم كمسلمين، فأرادت أن تستفيد منهم إلي حد (بيع المياه في حارة السقايين!)، لكن التساؤل الأول هو حول دولة السقايين هذه! فمهمة منع استيراد منتج أجنبي ترفيهي له مثيل وطني في ظروف حالكة السواد علي الاقتصاد المصري هي مهمة دولة وليست مهمة رجل دين، وهي قضية (منع استيراد) وإصدار قوانين لصالح الاقتصاد الوطني وليست قضية (تحريم)، والتساؤل الثاني يدور حول المستفيد المباشر من هذه (الفتوي)، فبعض المنتجين المصريين الذين أنتجوا هذا المنتج العزيز علي المصريين ركدت بضاعتهم في منافسة خاسرة مع منتج الصين الرخيص، وهؤلاء التقطوا من السلطة خبرتها الأصلية في تأثير المنحي الديني في (تمرير) المواقف، وربما لجئوا إلي رجال الدين لاستصدار (فتوي) في غياب دور الدولة لحماية منتجهم، وربما لجأت إليهم الدولة نفسها لإصلاح ما ارتكبته من جريمة ضد الاقتصاد المصري بفتح الباب بلا حدود أمام رجال الأعمال الذين لا تهمهم لا الدولة ولا المجتمع ولا الاقتصاد الوطني ولا الدين تحت وطأة الجشع والرغبة في الربح حتي علي ظهر الطوفان إلي حد استيراد اللبن الزبادي والشيبسي ! وقد قويت شوكتهم وسيطروا تماما علي الدولة في فساد لا تخطئه عين، وهي مسألة خطيرة إذ يصبح هناك رجال دين جاهزين لإصدار فتاوي في الاستيراد والتصدير والتصنيع وتطوير المنتجات ونوعيتها ودراسة السوق وحاجات الناس الأخري! كارثة إذن أن تغيب الدولة المدنية وراء واجهة دينية تعرض فتاواها في السوق لصالح فئة دون أخري، فقرار منع الاستيراد الاستفزازي قرار مرحب به إذا كان من الدولة ولكنه مثير للحذر إذا كان فتوي، فهذا يعني إن هؤلاء انتقلوا من تعاطي مواقف السلطة إلي تعاطي مواقف رجال المال والأعمال! وانهم علي استعداد لحماية نهب رجال الأعمال لأموال الناس مقابل ثمن لا نعرفه مثلما حدث في شركات توظيف الأموال التي كانت توظيفا للإسلام للاستيلاء علي أموال الناس بربط المال بالدين! بل وقد أصبح بعضهم من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع والمزارع الشاسعة والسيارات الفارهة، وهو ما يدلل علي خطورة فئة تلعب بأهم ثلاثة محاور في المجتمع: السلطة والمال والدين. وهو ما يعبر عنه بعفوية شديدة رجل الشارع حين يقول سمعتم آخر فتوي في السوق؟ ! ولا تعليق!

المشايخ والإعلام

في الأيام الأولي للانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي وقد أطلق عليها انتفاضة الأقصي، راج سوق المشايخ الإعلامي في التليفزيونات الفضائية العربية، وهو ما قدم لهم فرصة الظهور والانتشار والشهرة علي ظهر حصان الانتفاضة الفلسطينية الوطنية، أشرفت الفتاوي أن تصبح فتوي كل ساعة! وراح يفتي الكثيرون رجال دين وغيرهم، وراحت فتاوي متناقضة تطل علي الناس كل ساعة من الفضائيات، ولا يخفي حتي علي البسطاء ـ وهم وقود هذه المعارك بين التيارات السياسية ـ أن تلك الفتاوي تناقضت لأنها تعكس مصالح متناقضة ومواقف سياسية متناقضة بل حزبية أحيانا، حتي ان بعض المفتين تناقضت فتاواهم في أقل من ثماني وأربعين ساعة! ربما طبقا لما تلقوه من تعليمات! وقد ظهر أحدهم في نشرة أخبار علي الهواء مرددا الآية الكريمة اقتلوهم أينما ثقفتموهم.. حيث كانت حينها المشاعر متأججة في ربوع الوطن العربي رغبة في التصدي للإسرائيليين، لكنه وعلي نفس الشاشة الفضائية بعد أقل من يومين ارتد عن فتواه وقال انه (لم يقصد ذلك) وبرر تناقضه الذي يسهل علي ابسط العقول التقاطه بأن الفتوي في الدين لا تجوز إذا عارضت اتفاقية تلتزم بها الدولة! وفترة الانتفاضة الفلسطينية الممتدة منذ اكثر من عام شهدت أكبر عدد من الفتاوي المتناقضة يسمعها المسلم العربي، حتي كاد مفهوم الفتوي يفقد قدسيته في نفوس المسلمين، وهو أمر خطير، وقد مثل الإعلام الحديث وانتشاره الواسع بين الناس علي اختلاف شرائحهم حصانا آخر يركبه البعض لتحقيق مزيد من الشهرة والنفوذ، لكن الخطير في الأمر انه ومرة أخري يتلاعب بالدين، رغم إن الدين في جوهره ثورة علي الظلم والنفاق، ثورة هدفها الأول في حياة الناس ـ بعد التوحيد وتعميق الإيمان بالله تعالي ـ تحقيق العدالة والسلم الاجتماعي، وقد ظهر جليا استخدام الإعلام من قبل تحالف السلطة ورجال الدين لتمييع المواقف الوطنية عندما استغل المرحوم الشيخ الشعراوي أسلوبه البسيط الذي يسلب البسطاء وعيهم ليقول ذات مرة في التليفزيون المصري أنه حمد الله وسجد له شكرا لهزيمة عبد الناصر عام 67، لأنه كافر ! فغابت عن رؤيته هذه ان الهزيمة لم تكن لعبد الناصر بل كانت هزيمة لمشروع وطني ولامة ولإرادة شعب، مؤامرة سجد رجل الدين لله شكرا أنها وقعت. وفي تاريخنا الإسلامي أمثلة عظيمة لا تروج في مثل هذا المناخ الرديء المنافق، فأين وسط كل هذا النفاق من يذكر مقولة أبي ذر الغفاري عجبت لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرج الي الناس شاهرا سيفه أو مقولة علي بن ابي طالب القرآن حمال اوجه وأين حديث الرسول (ص) أنتم أدري بشؤون دنياكم ، بل وأين من يدين الملوك الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها! وأين من يدين معاوية الذي فرض ابنه وابلغ الجميع بشكل مباشر إن السيف لمن لا يقبله، وأين غيرهم من أمثلة تدلل بما لا يدع مجالا للشك إن الإسلام ثورة وليس نظاما للحكم ونهب أموال الناس وتهديد أرزاقهم وتكميم أفواههم وتعطيل تطورهم.

المشايخ والنفط

لم تكن الحركة الوهابية وبالا علي الجزيرة العربية فقط، بل امتدت خطورتها لتطال باقي المسلمين في شتي بقاع الأرض عندما هبطت ثروة النفط علي أصحابها فراحوا ينفقون علي نشر هذه الحركة المتخلفة في البلاد الأخري وأهمها مصر، وتحولت إلي تغييب متعمد في ظلمة الماضي وعداء صريح للعلم والتقدم والتطور، ومرة أخري وجدت تربة خصبة في مجتمع غالبيته الساحقة من البسطاء المتدينين في الشعب المصري، وتحولت ثقافة (الإنتاج) التي كرست لها ثورة يوليو في القرن الماضي إلي ثقافة (الريع) التي انفق الوهابيون الكثير من الأموال لنشرها ونشر ما يترتب عليها من تأخر بل واختفاء الفكر الإنتاجي من الساحة المصرية، وكانت أحد أهم العوامل التي أدت إلي ازدهار الحركات الإسلامية المتشددة المعادية للحرية والديموقراطية والتطور علي حساب التيار الديني المستنير الذي كان يساهم في تطوير هذا الشعب المتدين، وانتشرت الأفكار الوهابية بين الناس، فظهر زي المرأة الأسود القادم من الجزيرة العربية وتم تسويقه باعتباره زي إسلامي للمرأة، وظهرت الدعوة إلي عودة المرأة إلي البيت وطالت اللحي وقصر الجلباب! وظهرت شركات (توظيف الإسلام) وأطلت الطائفية برأسها القبيح، ووظف الإعلام لخدمة هذه الحركة بل وظفت الدراما والسينما وشتي أشكال التعبير الثقافي عن المجتمع، ودخلت مصر بمعظم مؤسساتها في سباق لكسب رضي الوهابيين وأموالهم، ومرة أخري اطل بعض رجال الدين ليأخذون المواقع الأولي في هذا الطابور المنتظر لدولارات النفط، واختفي من الساحة رجال الدين المخلصون الداعون إلي التطور والديموقراطية والتغيير إلي الأمام وليس إلي الوراء، لقد ساهمت الدولة عن طريق هؤلاء لنصب الفخ الجهادي الأفغاني لكثير من الشباب المصريين الذين ـ ربما ـ اكتشفوا الآن تحت وطأة صواريخ بوش علي بعد آلاف الأميال الخديعة الكبري التي وقعوا فيها بتمويل من نفط الجزيرة العربية، هل تذكرون كيف وظفت معظم المؤسسات النقابية والإعلامية والدينية لتجنيد مجاهدين أيام الحرب الأمريكية علي السوفيت؟ والمؤسف إن نفس الوجوه الدينية التي خدعت هؤلاء الشباب وقادتهم إلي حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل وقبضت الثمن هي التي تقبض الثمن ثانية لوصفهم بالإرهاب!

المشايخ والتعليم والثقافة

نجح المشايخ في التغلغل في مناهج التربية والتعليم لتكريس هذا الاتجاه الوهابي في توظيف الدين ضد التطور والتقدم، فالتاريخ عند المصريين بدأ منذ ألف وأربعمائة سنة! التلاميذ في المدارس يدرسون ما سبق علي تاريخ فتح العرب لمصر علي انه جاهلية و فراعين شق البحر ليبتلعهم عقابا لهم علي حضارتهم! والأدب والشعر هو جاهلي وإسلامي، وعربي عباسي وأموي! لا يعرف التلاميذ شيئاً عن شكاوي الفلاح الفصيح ، لكنهم مطالبون بحفظ المعلقات! لا يعرفون شيئاً عن التجارة النهرية القديمة عبر نهر النيل التي بلغت أقصي درجات الازدهار قبل آلاف السنين، لكنهم يعرفون رحلات قريش التجارية بين الشام واليمن! وكحال التعليم صار كل منتج أدبي يقيم من حيث موقفه من الوهابية، فالروايات والقصص وأفلام السينما تعرض علي مؤسسة الأزهر، صار الأزهر دولة داخل الدولة دون أن نعرف تحديدا لمصلحة من هذا التسارع إلي الوراء! ولماذا يتم تكفير ومعاقبة بل وسجن كل من يرفع صوته بالدعوة إلي وقفة وطنية ضد هذا الثقب الأسود الذي يتسع كل يوم ليبتلع وطنا له تاريخ عريق وكفاح طويل ضد المستعمر وقوي الطبيعة العاتية؟ هل يشاركون في عقاب مصر علي وضعها التاريخي؟ هل يشاركون في عقاب المصريين لأنهم أول من انشأ حضارة وعمر الأرض في هذه المنطقة من العالم بجرهم في طريق التخلف؟ لماذا يساهم المشايخ في تدمير كل الطرق التي يفتحها المصريون بشق الأنفس نحو التقدم والتطور، المشايخ الآن يعارضون كل منتج ثقافي متطور تماما كما عارضوا ـ مع التحفظ علي الوجه الاستعماري للحملة الفرنسية ـ مطبعة نابليون واعتبروها (أداة للشيطان)!

المشايخ والغرب

يتعرض الناس للالتباس وعدم الفهم عندما يجدون شيوخهم المبجلين يصدرون فتاوي لا يخفي حتي علي رجل الشارع العادي اتساقها تماما مع المصلحة الغربية في تكريس تخلفنا، وتثبيت عجزنا عن استخدام مواردنا لتحقيق التقدم والتنمية وقصر استخدامنا لهذه الموارد علي دفع ثمن بضائعهم وتقوية صناعاتهم وفتح أسواقنا لهم و تدريبنا علي المزيد من الاستهلاك ليحققون هم المزيد من الإنتاج، فنفس هؤلاء المشايخ الذين يلعنون كل دقيقة انحلال القيم في الغرب عندما يكون الأمر متعلقا بقضايا حرية الفكر والنقد والتعبير، ويمارسون التشفي في العلم عندما تفشل تجربة علمية هنا أو هناك، هم أنفسهم من شرع بفتاواه دخول الجيوش الغربية إلي الأراضي العربية لضرب بلد عربي! وهم من يدينون قتل الأبرياء إذا كانوا غربيين أو حلفاء للغرب، رغم إن هذا الغرب نفسه يقتل الأبرياء كل يوم وبشتي السبل من قتل مباشر بالقذائف إلي قتل بالتجويع والحصار، وليس هناك من تفسير لذلك التناقض إلا تحالفهم مع أنظمة تابعة للغرب لا تملك إرادة التصدي لمشروع الغرب السياسي والاقتصادي ضد الدول النامية بل ولا تريد التصدي من الأساس لتضمن استمرارها بالانفراد بالسلطة وما ينتج عن قبضهم عليها من تركز الثروة والنفوذ في أيديهم علي حساب ملايين المواطنين العاجزين عن ردع هذه الأنظمة إما بسبب تجهيلهم المتعمد بجوهر القضية أو بسبب عنف السلطة تجاههم وهو عنف يدعمه الغرب بمساندتهم ضد شعوبهم ويدعمه بعض المشايخ في بلادنا لنيل جزء من الكعكة ويدعمه بعض رجال المال والأعمال للاستفادة من عرق هذه الملايين من البشر لامتصاص أقصي ما يمكن لهم من ثروات البلاد، لكن الأخطر في هذا الحلف هو هؤلاء الذين يستغلون مكانة الدين في القلوب لتغييب الملايين عن حقيقة المصير المحتوم لشعوب لا تنتج غذاءها!

تراجع المثقفين والمستنيرين

صحيح إن ما يتعرض له المثقفون والواعون ورجال الدين المستنيرون من قمع وتهديد وتشريد وقتل في بعض الأحيان في هذا الوطن هو أمر ملموس، لكن هؤلاء لا مفر أمامهم من الاستمرار في تعرية هذا التحالف بين رجال الحكم وفقهاء السلطان، فالناس لن تستمر إلي الأبد خاضعة مغيبة خائفة من الوقوع في شرك الكفر! لابد إن يوما سيأتي يفرق فيه الناس بين الكفر بالله تعالي وهو بغيض ولن يكون في هذه البلاد، والكفر بالحكام والمشايخ وما يمارسونه من قمع ونفاق وجر للبلاد إلي الهاوية، لكن كثيرا من المثقفين في بلادنا آثروا السلامة أمام هذا التحالف العنيف، وانزووا وانكمشوا خوفا من التهم الجاهزة بالكفر والتي تجر علي من تطاله الكثير من المصائب في مجتمع يرفض الكفر ويرفض الكافرين، وممارسة الانتقاء للآيات القرآنية الكريمة ليست حكرا عليهم! فكما يطالبنا الله في منزل آياته بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر منا، فإنه جل شأنه لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم، ويطالبنا القرآن بتقوي الله في حياة الناس وأموالهم وأعراضهم ويطالبنا بالعدل والقسطاس! فأين عدل المشايخ الذين أدانوا قتل مدنيي إسرائيل بينما يقتل مدنيو فلسطين وغيرها، وأين قسطاس المشايخ الذين غضوا الطرف عن تمويل حرب أمريكا ضد السوفيت بمئات المليارات من الأموال العربية بينما يموت مواطنو فلسطين والعراق والسودان جوعا ومرضا وحصارا فيما كانت تكفيهم نسبة ضئيلة من هذه الأموال التي منحت للغرب لتمويل إسقاط السوفييت او بناء القصور وشراء اليخوت لإنشاء مشاريع حقيقية تنمي مناطق هؤلاء الجوعي وتحفظ الأمن والسلم الاجتماعي وتحقق شئ من العدالة التي هي جوهر الدين الإسلامي؟
إن هؤلاء ليسوا الممثلين للإسلام وليس لزاما علينا أن نمتثل لهم فالعقل الذي أعلي القرآن شأنه يرفض سطوتهم علينا ويرفض تبعية فتاواهم للسلطة، وإذ طالبنا الرسول الكريم (ص) أن نستفتي قلوبنا، فإن قلوبنا وعقولنا ترفض ـ بصراحة ـ الخضوع لإسرائيل وأمريكا واتباعهما من رجال الحكم إلي المشايخ وحتي رجال المال والأعمال! والرفض يتبعه تصدي ومقاومة وهو ما يجري الآن حتي وان كان علي استحياء!


 كاتبة من مصر




#هويدا_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحساسية تجاه مناقشة قضايانا دليل علي افلاس سياسي
- هل يفلح مشروع مستقبلي منفرد لدولة عربية بمعزل عن المحيط الجغ ...
- امريكا تهدد دول العالم بالعقوبات اذا لم تفتح اسواقها لها بين ...
- حول موقع مصر في المشروع الاميركي لدمقرطة العرب: المسألة القب ...
- المثقف المصري وأوان المواجهة الشاملة مع العائلة الحاكمة في م ...


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هويدا طه - سوق الفتاوي وفتاوي السوق في دولة الأزهر!