أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عقد من أجل إصلاح سورية















المزيد.....

عقد من أجل إصلاح سورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2153 - 2008 / 1 / 7 - 11:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في عام 2008 الذي هلّ لتوه تدخل سورية عقدها العاشر من العمر. زمن قصير تقاسمه مناصفة سبعة عهود بين 1918 و1963، منها الانتداب الفرنسي (1920-1946)، مع عهد بعثي يقطع الأنفاس، مخيم منذ عام 1963.
بلد فتي جدا. لكنه يبدو متعبا مع ذلك. كل شيء فيه بطيء إلى درجة محبطة. والكآبة تبسط ظلها القاتم في على وجوه سكانه.
آن وقت التغيير. تغيير يجدد شباب البلد، ويمكنه من إنتاج الحداثة بدل التقادم واستهلاك العمر على طريقة دول ابن خلدون.
يبدو الكلام على التغيير في غير أوانه. فالنظام خرج لتوه من محنة مصيرية كانت بمثابة تطعيم فعال ضد أي تغيير، والقوى الداخلية المطالبة بالتغيير والعاملة من أجله قصيرة اليد، مهما أمكن لها أن تكون بصيرة العين. بيد أننا لا نفكر على مستوى الزمنية القصيرة. والتغيير الذي نتكلم عليه هو "إصلاح أكبر من ثورة"، حسب تعبير لإلياس مرقص كان ميشيل كيلو لا يكف عن اقتباسه، إصلاح أساسي في الدولة والمجتمع، وليس محض تبديل لنظام الحكم. بل لعل التغيير الوحيد الممكن للنظام هو ذاك الذي يندرج في تغيير عميق وثوري في الدولة والمجتمع.
عبر النظر في التحديات التي تواجه سورية على المدى المتوسط، العقد الذي يفصلنا عن تمام قرن من عمرها، أو حتى عام 2020، يتطلع هذا البحث إلى المساهمة في إعادة بناء الفكر السياسي السوري وتأسيس استراتيجية العمل الوطني عليه. ولعل في منح مزيد من الانتباه للبعد التاريخي، ما يسهم في إخراج الفكر والسياسة في سورية من مأزق لا ريب فيه، وفتحهما على آفاق أرحب وأجدى.
ثمة خمسة تحديات كبيرة تواجه سورية اليوم.
1. تحولات الاقتصاد والمفاعيل الاجتماعية المترتبة عليه؛
2. استعادة الجولان المحتل إلى السيادة السورية والتوصل إلى تسوية منصفة مع إسرائيل؛
3. صوغ دور إقليمي جديد لسورية في محيطها؛
4. تحدي بناء نظام سياسي أكثر ديمقراطية؛
5. إعادة بناء الهوية الوطنية.

تجري اليوم، وبسرعة تفوق الإجراءات القانونية والتنظيمية التي تبادر إليها السلطات، لبرلة الاقتصاد السوري دون "خصخصة" ودون تفكيك لـ"القطاع العام"، لكن أيضا دون رقابة اجتماعية. يستفيد من هذا التحول الفئات التي كانت انتفعت من الاقتصاد الحكومي، فيما تظهر الآثار الاجتماعية الكلاسيكية للبرلة: فقر، بطالة، تهميش، .. وتكون "أمتين" في البلد على نطاق التعليم والصحة والسكن والنقل وأنماط الحياة والثقافة..إلخ. ومن المرجح أن تعود الفجوة بين المدينة والريف إلى الاتساع. ومن المحتمل أيضا أن تكون الفئات الأكثر تهميشا أرضا خصبة للتطرف والنزعات الطائفية. إن ابتكار حلول فعالة لهذه المشكلات بما يضمن تنمية حقيقية يستفيد منها أكثرية السكان وتتفاعل إيجابيا مع العولمة، ينبغي أن يكون هدف السياسات الاقتصادية والاجتماعية الذي لا يتقدمه هدف آخر.

بعد 17 عاما من انطلاق "عملية السلام" في مدريد، وأكثر من ضعفها على آخر حرب على الجبهة السورية الإسرائيلية، وأزيد من أربعين عاما على حرب حزيران 1960 لا تزال مرتفعات الجولان محتلة. ولا يزال احتلالها مضخة لعسكرة الحياة السياسية والثقافية في سورية وتسويغ حالة الطوارئ وتسخير الوطنية لإدامة الانفراد بالسلطة. استعادة الجولان، عدا كونها حقا بديهيا للسوريين، هي أكبر هدية لتطور ديمقراطي في سورية. وهي كذلك مدخل محتمل إلى أوضاع مستقرة إقليميا تتيح لسورية إعادة هيكلة دورها الإقليمي على أسس جديدة. على أن استعادة الجولان لا تعني بحال حل المشكلة الإسرائيلية. فطالما بقيت إسرائيل طليقة اليد كحالها منذ أربعين عاما، لن ترتاح سورية، والمشرق ككل. بيد أن من شأن استرجاع الجولان أن يضع سورية في موقع أفضل للتعاطي مع المشكلة الإسرائيلية.

سورية نقطة تقاطع محورين غربي شرقي وشمالي جنوبي. فهي حلقة وصل بين الاتحاد الأوربي والعراق المدمر والثاني عالميا من حيث احتياط النفط والذي يمكن لإعادة إعماره أن تسهم في إعادة إعمار سورية ذاتها (انطلاقا من وضع أقل سوءا بكثير طبعا). وسورية حلقة وصل بين الشرق والغرب بمعنى ديني أيضا. أي عالمي الإسلام والمسيحية، فإذا تمت استعادة الجولان وتحقق سلام منصف في المنطقة كانت بلدا أقدر من غيره على احتضان تفاعل الديانات الإبراهيمية الثلاثة. ثم إن سورية تقع على محور شمالي جنوبي يصل تركيا (التي قد تنضم للاتحاد الأوربي) والقوقاز بالخليج النفطي الغني، أي عالمي الماء والنفط في مستقبل سيرفع من سعر الاثنين.. ثم إن سورية "قطر عربي"، أكثر من أي بلد عربي آخر. فلا يسعها أن تدير ظهرها للعروبة ذات يوم، وإن كان يتعين إعادة هيكلة العروبة في إطار إعادة بناء الهوية الوطنية السورية.
إن سورية اليوم ليست دولة صديقة للاستقرار في إقليمها، وهي بالمقابل حليفة قوية للركود في داخلها. هذا نصيب تعيس يتعين تغييره أيضا.

احتلت قضية "التغيير الديمقراطي" موقعا متضخما قياسا إلى القضايا الأخرى في السنوات المنقضية من هذا العقد والقرن. آن الأوان لوضعها في إطار أوسع، ولبناء مفهومنا لها على تصورنا لآفاق معالجة المشكلات الأخرى. ستبدو من هذا المنظار نسبية وأقل إلحاحا، وسينتقل التفكير بها من زمنية المدى القصير إلى زمنية المدى المتوسط، ما من شأنه أن ينعكس استرخاء وتطورا إيجابيا على سيكولوجية الناشطين السياسيين، وما يحتمل أن يجعل طرحها مثمرا أكثر. الجوهري في هذا الملف هو الانتقال نحو نظام سياسي ذاتي الإصلاح وتجاوز نظام الاستثناء. وأساسي فيه أيضا تطوير نموذج نظام متحرر من الطائفية. السؤال المهم هنا: كيف نخرج من الاستبداد دون أن نقع في "ديمقراطية توافقية"؟ تقديم إجابة متسقة هو العلامة الأصدق على النضج الفكري والسياسي لنخبة البلد المثقفة وناشطيه السياسيين.

بناء هوية وطنية سورية متميزة ومتينة هو القضية الأصعب. نفكر في المسألة من وجهة نظر عملية، وليس إيديولوجية: كيف يمكن تكوين أكثرية وطنية ضامنة للديمقراطية والعلمانية والاستقرار؟ ونضع الوطنية السورية في تقابل استبعادي مع الطوائف والروابط الإثنية، وتقابل استيعابي مع العروبة أو الإسلام. بلى، ننحاز إلى السورية كمقر للسيادة، ما يزيح العروبة والإسلام إلى موقع المسود، لكن هذا لقطع الطريق على الطائفية والتجزؤ. في سورية لا يستطاع التعامل مع العروبة باستهانة. السؤال: كيف يمكن تطوير السورية مع احترام العروبة الضروري بكل المعاني؟

هناك بالطبع مشكلات أخرى، لكنها ليست سورية حصرا: مشكلات الدين والثقافة بخاصة، وهي ذات مدى عربي وإسلامي.

سورية في مرحلة انتقالية من وجهة نظر أي من التحديات الخمس: الاقتصاد، الجولان، الدور الإقليمي، النظام السياسي، والهوية الوطنية. إنها في أفق التغيير موضوعيا. هذا وضع خطر وخصب في آن معا. تعذر التغيير بفعل معادلات إقليمية وداخلية قد يثير تفاعلا تعفنيا، نظن أننا نلمس بوادره منذ الآن على الصعيد الإيديولوجي والسياسي والسيكولوجي.
وكما سبقت الإشارة فإن من شأن التفكير في هذه القضايا أن يكون أرضية لإعادة بناء الفكر السياسي واستراتيجية العمل الوطني على المدى المتوسط. هذه حاجة لا مجال للمبالغة في إلحاحها. طوال سنوات تقترب من العقد، عمل الديمقراطيون دون توجه ودون فكر. والانقسام الراهن لحركة المعارضة السورية دافع إلى بلورة مخارج تقدمية من أزمة فكرية وسياسية متفاقمة. ومهما أمكن لإبداع رؤى وأفكار جديدة أن يكون شاقا، فإن العودة الفكرية إلى الوراء هي درب التعفن والتحلل لا الحل. أما الارتجال فلا يجدي.
(مقدمة بحث مطول بعنوان "عقد من أجل إصلاح سورية")



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عقد من أجل إصلاح سورية