أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - بالطباشير: اِسفكسيا الجمال














المزيد.....

بالطباشير: اِسفكسيا الجمال


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2154 - 2008 / 1 / 8 - 11:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فاجأني حازم العظمة بهدوء: ‘’لِيكي أنا ما بْحِبْ فيروز!’’ فاجأني مرتين. فمرةً لأنه شاعر. ومرّةً لأنه طبيبٌ أمراض نفسية. ومرّة لأنه على المستوى الإنسانيّ شخصٌ وديع ورقيق. هذه هي الثالثة. ثلاث مرات إذًا. لا بأس. أدهشني. ليس لأنني أعتبر فيروز فوق النقد كأحد أيقونات الجمال غير المعيارية التي لا تخضع لأسباب بعينها حال تفنيد جمالها. لكن لأنني أعتبر عدم تذوّق فيروز خطأ جماليًاّ ووجوديًّا وفلسفيًّا. فكيف يأتي الخطأ من شاعر وعالم في أحوال النفس البشرية؟ فضلا عن كونه سوريًّا، (هذه الرابعة) يعني من تلك البلاد التي حكيها العادي موسيقا صافية! أعني بلاد الشام الكبرى قبل تقسيمات السير سايكس والمسيو بيكو في بدايات القرن الماضي. قرأ علامات الدهشة والاستنكار في ملامحي التي تتأهبُ لمعركة فبادرني بتفسير لا يخلو من وجاهة وفلسفة. قال: فيروز أكثر جمالا مما يحتمل المرء! وااااو. حتى ولو كانت سفسطةً وهروبًا ديبلوماسيًّا من مأزق جماليّ، فإن كلامه يحمل حقيقة ما. فثمة درجات من الجمال تصيب المرء بالاختناق. أسميها ‘’اسفكسيا الجمال’’، وهذا اختراعي الخاص. حدّثنا ماركس أن أقصى اليسار السياسيّ هو أقصى اليمين السياسيّ. فالتطرّف التام في معارضة النظام ينطوي، بشكل أو بآخر، على انضواء تام تحت لوائه. وبالقياس، فإن الدرجات العليا من الجمال قد تتأبى على الاحتواء ضمن الذائقة البشرية المطمئنة. أجلى الأمثلة التي يستهويني تأملها دوما هي النار. ليس أجمل من شكل اللهب في تراقصه وتبدّل ألوانه وفيوضه بين الأحمر والبرتقالي والأرجواني والأزرق. لذلك ابتكر الإنسان الشمعة ليحصّل مشاهدة النار التي تغذي فيه منازع الجمال والرومانتيكية. النار في بهائها اللانهائي هذه لا نستطيع لمسها. ليس لأنها حارقة، لكن لأن درجة جمالها تفوق قدرة المرء على التحمّل. كيف بوسعنا أن نستوعب أن هذه الشمعة تتوسط حبيبين يتناجيان في مكان ما، هي ذاتها تجعل طفلا في مكان آخر يصرخ وجعا بعدما التهمت جسده!
وأما جون شتاينبك، الأديب الأميركي حاصد نوبل العام ,1962 فيحدثنا في قصته ‘’اللؤلؤة’’ عن الصياد الهندي الأحمر الفقير جدًّا ‘’كينو’’ وزوجته ‘’جوانا’’ وابنهما الرضيع ‘’كويوتيتو’’ يعيشون في كوخ من أعشاب الشجر يصطادون اللؤلؤ من خليج المكسيك، فيشتريه التجار الشطّار بالبخس بسبب جهل الصيادين وفقرهم الذي لا يشبهه فقرٌ آخر. وذات منحة سماوية، أو جحيمية، ينجح كينو في اصطياد ‘’لؤلؤة العالم’’، أكبر لؤلؤة صنعها بحر. لكنها، من فرط جمالها، كانت نقمة عليه وعلى أسرته، تسببت في حصده كراهية الجيران وحرق بيته وقاربه وموت طفله، فما كان إلا أن ألقاها من جديد في الماء!
كنتُ وصديقاتي نلعب لعبة مصباح علاء الدين. تقول كلُّ واحدة ماذا ستطلب من الجنيّ. واحدةٌ قالت: أن أصبح أجمل امرأة في الكون. فقلتُ: أحمقُ الأماني. فلا شك عندي أن تلك الحسناء هي أتعس البشر. لن تتمتع بلحظة واحدة في حياتها. ما أسوأ أن تحرمك العيون خصوصيتك وحريتك أن تلهو وتركض وتنام على الأرض! هل تقدر أجمل امرأة في العالم على هذا؟ الجمال المفرط مثل الثراء المفرط مثل الشهرة المفرطة كلها مهالكُ للفرح وللحياة. قلتُ سأطلبُ من الجني أن أغدو أذكى البشر. ورجعت رأسا عن قراري، فليس أسوأ من الجمال المفرط إلا الذكاء المفرط.
أما أذكى إنسان في العالم، إحصائيا، فراقصة ألمانية جاهلة. تعدى ذكاؤها ذكاء آينشتين في اختبار IQ (معدّل الذكاء (Intelligence Quotient. هي حصدت 153% بينما نيوتن وآينشتين لم يتعديا 145%. فهل من حسن الطالع، أم من نكده، أن تلك الراقصة لم تدرس الرياضيات ولا الفيزياء؟
وانتبه مصممو الأزياء العالميون إلى أن الإنسان العصري بدأ يضجر من الجمال المعياري التقليدي فشرعوا، مع صيحة ما بعد الحداثة، في تدشين ثورة منظمة ضد الجمال. فظهرت موديلات الشعر الأجعد المنكوش، والأظفار السوداء والزرقاء، والملابس الممزقة والمرقعة والمكرمشة، واختفت ظاهرة كيّ الملابس التي كانت سمة الأناقة في الستينات وما قبلها.
كنا في الفرقة الثالثة بكلية الهندسة. وفي هذا قسم العمارة يأتي الطلبةُ الصغار ليساعدوا الكبار في تبييض مشروعاتهم كي يتعلموا منهم. وجاءت طالبة تساعدني في مشروعي. جميلةٌ جدا لكن فقيرة لدرجة أن بنطلونها الجينز ممزقٌ عند الركبة فانفطر قلبي. همست في أذن زميلي: انظرْ إلى شجاعة البنت وثقتها بنفسها، لم تخجل من الحضور إلى الكلية ببنطلون ممزق! ألم أقل لك إن ديكتاتورية البروليتاريا قادمة أيها المتشكك؟ أين أنت يا ماركس حتى تشد على يد تلك الفتاة الرائعة؟ فقال لي: طيب اسكتي وسيبي ماركس مرتاح في نومته، مفيش داعي تزعجيه، دي ابنة رئيس القسم وملابسها تأتيها بالطائرة من باريس كل شهر!
جريدة "الوقت" - البحرين



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطعة من الفراغ-قصائد إيميلي ديكينسون
- صقيعٌ لم يَحُلْ دونه أحد
- الدينُ لله، فهل الوطنُ للجميع؟
- بالطباشير: لفرط حضورِكَ، لا أراك!
- بالطباشير: عِقابُ المرايا
- بالطباشير: يا قمر على دارتنا
- بالطباشير: عمتِ صباحًا يا استاطيقا القبح
- بالطباشير: أنا أندهش إذًا أنا إنسان
- بالطباشير: شاعرةُ الأشياء الصغيرة
- أيُّ مسلمين وأيُّ شعراءَ يا شيخ يوسف؟
- مهرجان الشعر العالمي 2007
- الشعر والطبقية - نعم للبستاني ولا للقروي!
- صعوبةُ أن تُختَصرَ في حذاء أو حقيبة
- -طنجة الأدبية- الآن في مصر والبحرين
- الأخبارُ القديمةُ ذاتُها تتكررُ مثل تبغٍ رخيص
- الفتنة في مصر- أين تنامُ؟ ومن الذي يوقظُها؟
- الحجاب، وصعوبة أن تُختصَرَ في حذاء
- عادل السيوي يقدم مرثية للعمر الجميل
- صراع التاريخ مع المصير في رواية -ينزلون من الرحبة-
- الرهان على الشباب في صنعاء- فكرةٌ نبيلة يعوزُها شيءٌ من القس ...


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - بالطباشير: اِسفكسيا الجمال