أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فلاح أمين الرهيمي - النظرية الماركسية والعصر الراهن















المزيد.....

النظرية الماركسية والعصر الراهن


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 2153 - 2008 / 1 / 7 - 11:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لماذا نقول أن في وسع النظرية الماركسية أن تجيب على أسئلة عصرنا التي يطرحها التاريخ والحياة ؟إن النظرية الماركسية لم تزعم في يوم من الأيام أنها تحلق فوق الأشياء وفوق البشر وتاريخهم وإنما هنالك ظاهرة ملموسة في النظرية الماركسية لا تقبل النقاش والجدل وحتى ( أعدائها يعترفون بها ) أن هذه النظرية الخلاقة تتمحور جميع مكوناتها حول الإنسان وتطوره وتقدمه وسعادته وحياته ومستقبله الأفضل فهي تبحث وتنصهر مع واقعهم الموضوعي الملموس في الماضي والحاضر والمستقبل وأصبحت أداة موقف وفعل وعمل من خلال تاريخها المشرق الوضاح من خلال الفعل الإنساني المدرك والواعي والخلاق لجميع مستلزمات الحياة المادية والمعنوية والذي ينسجم ويتناسق مع متطلبات الحياة الإنسانية ومتغيراتها ويتفاعل مع الأشياء ومتغيراتها وتطورها والنظرية الماركسية نظرية حية وفعالة تجعل الإنسان يغير نفسه ويبني بيده حسب منطق الحياة وتقدمها وتطورها وديناميكيتها والتي تؤدي صعدا ً في مسيرة التاريخ وتطوره حسب الزمان والمكان وأن العلم مهما تطور وتقدم فهو من إنجاز وخلق عقل الإنسان ووعيه وإبداعاته وذات علاقة وارتباط وثيق بشروط وجوده وذاته وتطوره وتقدمه وحاجاته الضرورية في حياته . إن النظرية الماركسية العلمية بما تملكه من سعة الفكر وعمق المعرفة وجدليتها وديالكتيكها تستطيع أن تجعل العلم إنجاز شفاف وواقعي حسب حياة ومتطلبات الإنسان لأنها شرط وجوده وذاته وإن الماركسيين أنفسهم قد برهنوا على حقيقته الفعلية وعلى واقعه العلمي في كب لحظة جديدة من لحظات التاريخ والارتقاء بوعيهم العلمي والفلسفي التاريخي والأخلاقي والجمالي الى مستوى الظروف التي خلقوها هم أنفسهم وهذا ما كان أنجلز صريحا ً في الإلحاح عليه حيث يقول : ( على المادية بالضرورة أن تكتسب الصورة الجديدة مع كل اكتشاف هام بادئ الأثر في التاريخ ) .
لقد أتت النظرية الماركسية بالدليل على خصوبتها وعلى تطلعاتها وجدواها المبدعة في العديد من مجالات الممارسة فغيرت الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بلدان ضخمة وأتاحت لملايين البشر ظلوا مستعبدين لآلاف السنين أن يدخلوا عالم الحضارة وأن ينعموا أخيرا ً بظروف معاشيه إنسانية . فاستطاع ماركس وإنجلز أن يبصرا الإنسان بإمكاناته الخلاقة وأن يضعا للشعوب المقهورة والمظلومة برنامجا ً لبناء مجتمع يتيح تفتح الإنسان ومنهجا ً هو في الوقت معا ً خطة معركة وطريقة علمية لبناء المجتمع المشرق السعيد .
إن الذين بلغوا سن الرجولة من أبناء الشعوب السوفيتية بين الحربين العالميتين كانت لهم أعين ترى وعقول تدرك الجديد الذي يولد في ظل الاشتراكية الخلاقة وعاشوا في مناخ رائع . . مناخ كفاح وتضحية البلاشفة وانتصارهم على غزو أربعة عشر دولة وتمرد جنرالات الجيش والحرس الأبيض القيصري والكولاك يحرق الإنتاج الزراعي ويقتل البقر والماعز والخرفان ويرمي الحليب ومشتقاته في نهر الفولغا لأجل إفشال ثورة أكتوبر العظمى سنة 1917م . ثم شاهدوا ملحمة الخطة الخمسية التي جعلت الإتحاد السوفيتي من بلد متخلف اقتصاديا وتقنيا في مدى عدة سنوات الى أحد الدول الكبرى في العالم وبعد ذلك استطاع أن يواجه الطوفان النازي وكان الشعب السوفيتي البطل متخندقا وحده في محراب الصمود والتضحية في وجه ذلك الطوفان الأسود بينما كانت أوروبا كلها ترزح وتنوء تحت سيطرة النازية المتوحشة واستطاع الشعب السوفيتي البطل والجيش الأحمر الباسل أن يكبح جماح النازية المتوحشة وإنقاذه العالم في ملحمة ( ستالينغراد ) البطلة التي أدت الى هزيمة البربرية النازية واندحارها . ثم أعاد الإتحاد السوفيتي العظيم إعادة تعمير وبناء آلاف المدن المهدمة والمخربة ليس في الإتحاد السوفيتي فقط وإنما في جميع بلدان المعسكر الاشتراكي الذي هدمته الحرب النازية البربرية وخرج منتصرا ً ترفرف في سماءه راية الاشتراكية الخلاقة . . ثم كانت أولى انتصارات الإتحاد السوفيتي والإنسانية في غزو الفضاء وطيران أول شيوعي من الإتحاد السوفيتي (يوري كاكارين) إلى الفضاء الخارجي .
تلك قواعد من الصخر الجلمود من شأنها أن تدعم الفكر الماركسي الخلاق وإليه تضاف كل الآمال التي ولدتها هذه الحياة الجديدة التي خلقت ( الحرب الأسبانية ) التي جعلت من الشعب الأسباني نموذج وطليعة للمقاومة البطولية ضد الفاشية الهتلرية كما كان للانتصارات العظيمة للإتحاد السوفيتي وانبثاق وتكوين دول المعسكر الاشتراكي وما تركه من أثر عظيم ودور بطولي لعبته الأحزاب الشيوعية في النضال التحرري من النازية ومن التسلط الاستعماري في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ( والمسيرة الطويلة ) للشعب الصيني البطل وانتصار الثورة الكوبية في قلب الدولة الاستعمارية ( الولايات المتحدة الأمريكية ) وكان لانتصار ثورة أكتوبر العظمى الذي كان يمثل الشعوب في عالم جديد يولد وينمو مقابل العالم القديم الذي كان يحتضر وما كشفته القيادة العظيمة لثورة أكتوبر العظمى وما تمخضت عنها الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 التي هزت الأيمان بكثير من القيم بما أفرزته ( معاهدة فرساي ) وتقسيم مخلفات ( الدولة العثمانية ) الرجل المريض بين بريطانيا وفرنسا وكانت بشاعة الاستعمار وجشعه وظلمة واستغلاله تبلغ ذروتها في أزمة (1929) تعصف بآخر ما تبقى من الأوهام بالنظام الاقتصادي الاستعماري الجديد وبجعل السلطان لقوانين الغاب التي جعلت تلك الدول الاستعمارية تقف عاجزة عن حل هذه الأزمة الشاملة إلا بحرب شاملة وعامة أحرقت الأخضر واليابس وقتلت الملايين من البشر وهدمت ودمرت الآلاف من المدن فكان الهجوم الهتلري التعبير الأكمل لها دون أن تكون التعبير الوحيد فضاع كل تميز واختلط الحابل بالنابل بين عسكري ومدني وكانت بدايته ( مدينة غرنيفا )المدينة الأسبانية التي دمرها وسحق سكانها وأبادها الطيران الهتلري الألماني خلال الحرب الأهلية ( عام 1937 ) ومن ثم تأكد ذلك على يد الاستعمار الجديد الولايات المتحدة الأمريكية بضرب ( هيروشيما وناكازاكي ) بالقنابل الذرية في اليابان سنة 1945 .
والنظام الرأسمالي الذي يعتبر صورته ونموذجه ( الولايات المتحدة الأمريكية ) لم تنجح في أن يثبت أهليته لتحقيق الرفاهة حتى لشعب واحد دون الأخذ بسياسة التسلح والحرب ودون استقلال قارات بكاملها وهو صاحب ( الماكارثية ) والمذابح العنصرية في أكثر المدن الأمريكية ومن غواتيمالا والدومنيكان وفنزولا الى كوريا وفيتنام لم يستطع أن يقدم الدليل على أهليته لتحقيق ديمقراطية صحيحة وإنما أصبحت الآن بعد تفكك الإتحاد السوفيتي وبلدان المعسكر الاشتراكي ( القطب الأوحد ) في السياسة الدولية ومستغلا ً الثورة المعلوماتية في الاتصالات والتقدم التكنولوجي وجعلت من العالم الواسع الكبير ( قرية صغيرة ) تحاصرها من السماء والبحر والأرض اليابسة الأساطيل الحربية والأقمار التجسسية والطائرات وحملت معها ( العولمة المتوحشة والخصخصة المتعجرفة ) تخترق بها حدود وزوايا العالم قاطبة بشرت بدستورها الجديد ( الديمقراطية الليبرالية ) وأصبحنا وأصبح العالم تحت سلطان شريعة الغاب ( إستراتيجية الفوضى والبناء ) في ( قرية صغيرة ) تتحكم فيها ( سلطان جائر ) ذات قطب أوحد يحكم بقانون ( العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة ) وأصبحت تستحوذ على الشعوب ثقافة ( القطب الأوحد ) التي اخترقت حتى جدران البيوت بفضل الثورة التكنولوجية في المعلومات والاتصالات والتي يقارن حصيلتها الدكتور محمد عابد الجابري : ( كيف كانت الثقافة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي . . . . فقد كانت ثقافتين . . . ثقافة استعمارية امبريالية . . . . وثقافة وطنية تحررية . . . أما اليوم فالتصنيف الذي يريد تكريسه الواقفون تحت تأثير إيديولوجيتها العولمة هو ذلك الذي يجعل الثقافة صنفين ثقافة الانفتاح والتجديد . . . وثقافة الانكماش والجمود . . . أي أن الأولى ثقافة التبعية والثانية الثقافة الوطنية) .
إننا الآن وفي السابق كنا نحارب الشر المطلق المتمثل بالرأسمالية والعولمة المتوحشة بأيديولوجياتها وثقافتها التي مدت إخطبوطها المدمر لكل القيم الإنسانية وكذلك أصبح واضحاً بأن نعتقد إن قضيتنا عادلة وإنسانية وهي تمثل قضية الخير المطلق للبشرية جمعاء لذلك شعرنا بصحة وإيمان نظرتنا ونظريتنا للعالم بعد أن أصبحنا نر الشر كله يحيط بالعالم بعد تأثير الأيديولوجية المعولمة ودورها في الانحطاط الشامل الذي يخيم على الشعوب ويهددها ويدمرها في عقر دارها مما ينفي أي احتمال بأن تولد فيه أية قيم إنسانية مهما ضؤلت ونرى في الجانب الآخر الخير كله متمثلاً بالنظرية الماركسية العالمية وبنظامها الخلاق الاشتراكية وأصبحنا نعتقد إن في العالم مبدأين النور والظلمة والخير والشر .
لقد حالت الظروف التاريخية الصعبة التي دفعت دون إدراك لهذه الخطيئة المميتة والتي جعلت الاتحاد السوفيتي قلعة معزولة وكانت أنظمة الظلام تمارس عمليات القنص والتشويه والتزوير مستمرين ومواصلين مهمتهم ومسؤوليتهم منذ قيام مذابح وتدمير الحرب العالمية الأولى والثانية والإبادة المتعمدة للشعوب والحضارات في القارات الثلاث تحاربها حرب إفناء عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً لذلك لم يكن خيار القوى الحية إلا أن تستيقظ من غفوتها وتدافع عن الأمل الوليد الذي خلقته (ثورة أكتوبر العظمى) وفكرها الماركسي الخلاق وإلا وضعنا أنفسنا شئنا أم أبينا في خدمة الأيديولوجية والقوى المدمرة والمبيدة للإنسان . إن الكثير من القوى التي انجرفت نحو الأيديولوجية (الديمقراطية الليبرالية) لم تدرك الأسلوب الجهنمي الذي استعملته (سلطة المال والاستعمار والعولمة) من أساليب (حرب الفكرة للفكرة) فانسلخت وتجردت من أيديولوجيتها بدون وعي للظروف التي أحاطت بالاتحاد السوفيتي مبررين انهزاميتهم بإلقاء اللوم على النظرية الماركسية إن الذين ينطلقون بنفورهم وتجردهم من الاشتراكية العلمية الخلاقة من دوافع روحية جدير بهم أن يتساءلوا عن المعنى الحقيقي لهذه الروحية الوحيدة الاتجاه التي جعلتهم يولولون ويهللون للأفكار الجديدة التي جاءت بها (الديمقراطية الليبرالية) وأن يقفوا الموقف نفسه متعاطفين مع أعداء الاشتراكية في موقف وصف واحد الذي يتناقض كلياً مع المبادئ الاشتراكية والذي ناضلوا وكافحوا من أجله طويلاً والذي هو أساساً أسلوب وتصرف العولمة المتوحشة ولكن منطق المعركة والتضليل الذي لا يرحم قاد الكثير إلى عدم التفريق بين الحق والباطل .
إن النظرية الماركسية بالرغم من المكتسبات الكثيرة التي أتت بها للشعوب المظلومة إلا إنه لا يمكن للعلم أن يضعها موضع الشك ويؤدي إلى أ، تتحمل مسؤولية تفكك المعسكر الاشتراكي . إنها نظرية علمية لا تزعم لنفسها تأليف مذهب مكتمل ، مذهب كلي لا يلبث أن يقع في صِدامْ مع الواقع الدائم التغير لأن أي مذهب هو دائماً صورة للماضي الذي يتصف وحده بالكمال . إن النظرية الماركسية هي الجهد لجعل العمل شفافاً أمام الفكر وتحفيزه وتجاوزه لأن ما نطمح إليه هو أن نتحد مع حركة الأشياء ومع فعل الإنسان الذي يغير هذه الأشياء . وتتصف النظرية الماركسية بأنها مادية وبأنها جدلية وهذا يكمن تفوقها على كل الفلسفات الأخرى تفوق مبدئي لأن النظرية الماركسية تستطيع أن تحمل إلى المجتمع النظرة التركيبية التي يحتاج إليها عصرنا بحيث خلقت الشروط الاقتصادية والاجتماعية الضرورية ومن خلال هذا التقدم والتفوق المبدئي على المنظرين والمفكرين الماركسيين أنفسهم أن يبرهنوا عل حقيقته الفعلية وعلى واقعه العملي في كل لحظة جديدة من لحظات التاريخ بالارتفاع بوعيهم الفلسفي والتاريخي والأخلاقي والجمالي إلى مستوى الظروف التي خلقوها هم أنفسهم .
إن النظرية الماركسية قامت وتكونت حول الإنسان وحياته ومستقبله وسعادته ولذلك نجد إن مكوناتها تصب جميعها حول الإنسان فالمادية التاريخية العلمية تبحث منذ نشوء الإنسان وحياته ومعيشته منذ أن كان يعيش منفرداً في المغاور والأدغال ويأكل من صيد الحيوانات ويتكلم بنبرات صوتية ثم دفعته الحاجة إلى الاشتراك مع أبناء جنسه كي يشبع رغباته وشهواته إلا إذا سعى إليها بنفسه للحصول عليها فجعلت تنمو من جراء ذلك تلافيف دماغية أكثر فأكثر حتى أصبح يمتاز عن أعلى الأنواع الحية بميزته الإدراكية التي تسمى العقل المدبر والواعي والخالق لكل مستلزمات الحياة المادية والمعنوية وبهذا العقل الذي وليد المادة الدماغية والذي يستنبط الفكرة تبعاً للحاجة الضرورية وهو يتطور كلما تغيرت الحاجة وهذا العنصر الجديد في الإنسان (أي العقل) هو الذي جعل منه الكائن الأعلى بين الأحياء وهو مستنبط كل فكرة سواء كانت دينية أم اجتماعية أم عقائدية .
لقد انطلقت النظرية الماركسية العلمية من فكر حديث وناضج تقوم على أحدث وأرقى معارف الإنسان في شتى ميادين الحياة وهي مع سعي الإنسان الدائب للخلاص من الاستغلال والقهر وتوقه للحرية والكرامة الإنسانية والعيش المرفه السعيد وقد اعتمد ماركس في نظريته على المذهب العقلي والكشفي معاً واستطاع أن يرتقي بنفسه من المحسوس إلى المعقول ومن المعقول إلى الكشف بواسطة العقل . إن النظرية الماركسية العلمية طريقة عملية وواقعية لتغيير التاريخ والاقتصاد والسياسة والحياة والنزعات البشرية وهي نظرية ودعوة لعمل ما وفلسفة تتناول جميع نواحي النشاط الإنساني ومحاولة لجعل التاريخ بماضيه وحاضره ومستقبله نطاقاً منطقياً يحمل في طياته مصائر محتومة كالقدر وتتكون هذه النظرية من ثلاثة أقسام :
1) المادية التاريخية : هي تعميم للمنهج المادي العلمي على التاريخ ، والتاريخ حسب المفهوم المتداول قائم على التشكيلات المتعاقبة (المشاعية والبدائية والعبودية والإقطاع والرأسمالية والاشتراكية) .
2) المادية الديالكتيكية : تقوم على أولوية المادة على الوعي وعلى شمولية التناقض الجدلي (الهيفلي) وعلى أزواج المادة والوعي والجوهر والمظهر والشكل والمحتوى والكم والنوع .
3) الاشتراكية العلمية : تقسم بدورها إلى الاقتصاد السياسي للرأسمالية والاقتصاد السياسي للاشتراكية مندمجة في قوانين حازمة للانتقال والتضاد والتحول .
إن النظرية الماركسية العلمية تتمحور جميع مكوناتها حول الإنسان وترتبط به ارتباطاً صميما وحميما ولذلك لا يمكن فصلها ونهايتها إلا بنهاية الإنسان من الوجود .
إن الأحداث التي أدت إلى تفكك الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي ليس بسبب النظرية الماركسية العلمية وإنما بطريقة تطبيق النظرية بما يتلائم مع المراحل التاريخية وظروفها وملابساتها ومشاركاتها وإذا عجز التطبيق عن تحقيق النظرية فلابد من وجود خلل في ذلك التطبيق .
يقول القائد الفذ (لينين) : (إن الذي يطبق النظرية الماركسية يجب أن لا يقف من النظرية موقف المتعبد في محرابها بل يترجم نصوصها ويتمسك بالحياة والواقع قبل كل شيء مسترشداً بالنظرية العلمية ومتناولاً إياها من خلال ارتباطها الجدلي بالواقع الموضوعي ومقدار تطابق نصوصها وموضوعاتها وتعاليمها على الواقع التاريخي الملموس . يقول الشاعر الكبير (غوته) إن النظرية رمادية اللون يا صاح ... ولكن شجرة الحياة خضراء إلى الأبد) .
وقد عبر لينين عن جوهر الفلسفة المادية التاريخية بما يلي :
1) إن الأشياء وجدت مستقلة عن الإنسان وعن شعوره ووجدانه .
2) لا فرق بين الأشياء وما ينتج عنها .
3) الاختلاف مرهون بما يعرف عن الحقائق وما لم يصل الإنسان لمعرفته .
4) المعرفة بنت الجدل وهي كغيرها من العلوم ليست محدودة ولا مطلقة بل نسبية وقابلة للبحث والاستكشاف .
5) لا عصمة بالمعرفة إن الجهل بالشيء لا ينفي وجوده ولا صحته .
ومن هذه النظرة وضع لينين قاعدة الانتقاد والانتقاد الذاتي مدللاً على أن النظرية الماركسية العلمية ليست عقيدة حكمية وإن الانتقاد والانتقاد الذاتي يجب أن يكونا عنصرين حميمين فيها من أجل التوصل إلى معرفة الحقيقة .
إن عنصر الانتقاد يدخل في صلب كل فلسفة ولكن لم يسبق لفلسفة غير الماركسية أن أدخلت في صلبها عنصر الانتقاد الذاتي وأحدث على إحلاله عنصراً صميما فيها وهو الدليل على إنها الأكفأ بين كل الفلسفات التي سبقتها لاستطلاع الحقيقة والكشف عنها . بل هو الدليل على إنها الوحيدة القابلة للتطور مع تطور العلم والمعرفة والفلسفة الوحيدة التي في وسعها حل مشاكل الناس .
كما إن الفكر الماركسي الخلاق ينطلق من جدل الفكر مع الواقع الموضوعي للمجتمع الإنساني ويرى إن المطلق الوحيد في هذا المجال هو نسبية الأفكار كما إن الفكر الماركسي يؤمن ويعتقد بأن الفكر يكون أكثر فعالية للحياة والتأثير عليها كلما كانت متغيراته أكثر من ثوابته ولنسبية الفكر الماركسي ثلاثة أبعاد :
1) نسبية من حيث الزمان إذ إن ما يكون صحيحاً في القرن الثامن عشر قد لا يكون صحيحاً في القرن الواحد والعشرين وذلك بسبب تبدل الواقع الموضوعي للمجتمع بين تقاليد وعادات وحياة ذلك الزمن وزماننا الحالي .
2) نسبية من حيث المكان فإن ما يصح في مجتمع ما وفي مكان ما قد لا يصح ويطبق في مجتمع ومكان آخر وذلك لاختلاف الواقع الموضوعي للمجتمع .
3) نسبية بين شخص وآخر فإن ليس هنالك إنسان في الوجود يشبه إنسان آخر من حيث بيئته وتكوينه العقلي والنفسي فكل إنسان ينظر إلى الأمور برؤيا خاصة واجتهاد معين . ولذلك فإن مكونات النظرية الماركسية عند تطبيقها يجب أن تلاحظ بعين ثاقبة هذه المتغيرات في الواقع الموضوعي للمجتمع .
من هذا نستدل بعد وجود ثوابت يمكن تطبيقها على كل المجتمعات وفي كل زمان ومكان وإنما جدلية الفكر الماركسي يعكس الواقع الموضوعي لكل مجتمع في كل زمان ومكان من حيث الشخصية الإنسانية فهي تتغير مع تغير الحياة وتقدمها وديناميكيتها الذي يؤدي إلى مسيرة التاريخ وتطوره وتقدمه إلى أمام فلكل زمن تقاليده وعاداته وقيمه ولكل مجتمع حاجياته ومتطلباته ولكل إنسان رؤياه واجتهاده . فالمسؤولية التاريخية تقع على عاتق المنظرين والمفكرين والباحثين من أجل إعادة الحيوية والنشاط والأمل والرجاء بشجرة الحياة (النظرية الماركسية العلمية) بحيث تعيد مسيرتها ومرافقتها للإنسان التي وجدت من أجله لكي يستطيع أن يواجه ويتصدى بفكر ماركسي خلاق ووعي مدرك للهجمة الكارثية للعولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة .



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية والتقدم الاجتماعي
- دور الوعي الفكري والثقافة الهادفة في تطور المجتمع
- لينين في رحاب التاريخ
- رؤيا في رحاب الفكر الماركسي الخلاق
- العولمة المرحلة العليا للرأسمالية العالمية
- جدل الداخل والخارج
- دور الأنسان في مسيرة التاريخ
- نشوء وتطور البرجوازية
- أشاعة ثقافة العولمة
- دفاعا عن النظرية الماركسية


المزيد.....




- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فلاح أمين الرهيمي - النظرية الماركسية والعصر الراهن