أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عياد أبلال - أسس ومرجعيات البحث السوسيولوجي عند الباحث المغربي - محمد مهدي -















المزيد.....


أسس ومرجعيات البحث السوسيولوجي عند الباحث المغربي - محمد مهدي -


عياد أبلال

الحوار المتمدن-العدد: 2154 - 2008 / 1 / 8 - 11:33
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


إذا كان من بين أولى أهداف علم الاجتماع القروي – كما هو الحال بالنسبة لكل العلوم ذات الصلة - وضع نتائج أبحاثه في متناول جمهور واسع, يتمكن من خلال هذه الأبحاث أن يعرف واقعه ومستقبله,وكان من بين وظائفه الأنبل دراسة المجتمعات المختلفة /لا المتخلفة, كما شاع ذلك في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من خلال الدراسات الأنثربولوجية التي ارتبطت بالاستعمار,في البداية وتأطرت وفق النظرية التطورية,وفيما بعد وعلى المستوى المنهجي والنظري بالبنيوية, التي أعلنت مبكراً موت الإنسان والثقافة والاختلاف كما يقول روجي جارودي , والذي لا يسمح المقام بالاستفاضة أكثر بهذا الصدد,فإن تقديم كتاب الباحث المغربي "محمد مهدي" يندرج في هذا السياق والذي هو ثمرة اشتغال ميداني عميق على المختلف فينا / وعنا , على منطقة وقبيلة وطقوس, بقدر ما أتى من خلاله محمد مهدي بإضافات نوعية مكملاً بذلك أعمال كل من عبد الله حمودي وحسن رشيق في سياق الدراسات الأثنوغرافية والأنثربولوجية الاجتماعية بصفة عامة, بقدر ما وضع المفرد فينا تحت المجهر ليبدو الإنسان ذلك التعدد الذي لا يقبل الاختزال والمطابقة , فلكل مجتمع خصوصياته وطقوسه والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال دراستها بمعزل عن الأبعاد المادية والتقنية للحياة الاجتماعية, وهو ما سوف نراه مع الباحث محمد مهدي, الذي يدعونا جميعاً لزيارة رعاة الأطلس / وقبيلة الغيرايا, ومنطقة " أوريكا "و " أوكيمدن".فكيف ولماذا درس هذا الباحث هذه المنطقة ؟ وما هي منطلقات ومرجعيات البحث السوسيولوجي عنده؟ وماهي مختلف التقاطعات التي يمكن تسجيلها في كتابه بين علم الاجتماع والأنثربولوجيا والإثنوغرافيا؟ وما هي الثغرات التي سقطت فيها الدراسات السابقة في هذا السياق؟ ما هو البديل المفاهيمي والإجرائي والنظري الذي اقترحه محمد مهدي لتجاوزها؟ أسئلة ضمن أخرى سوف نحاول الإجابة عنها من خلال هذه القراءة العاشقة لكتاب رعاة الأطلس:الإنتاج الرعوي, القانون والطقسي .
إن اطلاع محمد مهدي على الدراسات والأبحاث السابقة والتي عرضها بشكل مقتضب في المقدمة قادته انطلاقا من حسه التصنيفي إلى عرض آرائهم وأطروحاتهم التي يمكن تقسيمها إلى صنافتين: الأولى تتكون من الدراسات التي ارتكزت على البنيات وأشكال المجوعات الإثنية, والثانية تميز الباحثين الذين اهتموا بالمعتقدات والتطبيقات الدينية والطقوسية,وفي إطار قراءة خلاصاتهما يوضح محمد مهدي أنها ظلت محدودة ومسيجة في إطار مستقل وأحادي, لهذا يؤكد أن المحاولات الأولى التي أتت لربط وتعالق الطقوسي بالوقائع الاجتماعية, وفي بعدها السوسيو-سياسي, بدأت مع جاك بيرك و جيلنير, فهذه التطبيقات الشعبية كما تؤكد الدراسات هي من وجهة نظر أصحابها بقايا ديانات وطقوس شعائرية سابقة, استمرت في التواجد جنباً إلى جنب مع مذهب الصلحاء من جهة والإسلام من جهة أخرى, ولكن دون أن تحدد هذه الدراسات كيفية وميكانيزمات المحافظة على هذه الاستمرارية والبقاء les mécanisme conservatoires de survivances des pratiques religieuses , انطلاقا من ربطها بالمكونات والعوامل التقنية والمادية للحياة الاجتماعية, وهو ما سوف يضطلع به كتاب pasteurs de l ATLAS . وهنا تجدر الإشارة إلى عمق ومساهمة محمد مهدي في هذا السياق انطلاقا من استفادته من الدراسات السابقة, بفضل تجاوزه للثغرات التي سقطت فيها مما يجعل كتاب هذا الباحث إضافة نوعية واكتشافا لعدد من العناصر المتحكمة في الحياة الرعوية المادية والطقوسية من خلال تبيانه للتعالق والتعدي الحاصل بينهما, في هذا السياق تأتي استفادته من خلال مساهمة شارل لوكور في الإثنوغرافيا الدينية التي بدت له متميزة, وخاصة من خلال كتابه " الطقس والأداة " الصادر سنة 1939 ,
" LE RITE ET l outil " والذي يطرح مشكلة الفرق بين الفعل التقني والفعل الطقوسي, واللذان يشكلان مفاهيميا وعلى مستوى العلاقة الجدلية بينهما الفعل التام والكلي, وكمثله من الأثنوغرافيين في عصره, فقد أثارته المكانة التي تحتلها الطقوس في الحياة المغربية, واهتم بالمعنى الذي يمكن منحه لها.إذ يعتبر بأن العيد يحتل مكانة متميزة وهامة في الحياة وفي الاهتمامات الواقعية للمسلمين, هذه الثنائية المفاهيمية والإجرائية في آن سوف تقود محمد مهدي إلى اعتمادها في ملاحظاته لقبيلة الرغاية,كما تبدو في نفس السياق أهمية ارتكاز محمد مهدي على التطبيقات الشعبية الدينية انطلاقا من مساهمة دوتي, في نفس الإطار من خلال كتابه السحر والدين في إفريقيا الشمالية الصادر سنة 1908 والذي يعتبره مساهمة في تاريخ الدين بهذه المنطقة من العالم, حيث يؤكد هذا الباحث أن هناك فرق بين الإسلام من جهة والمعتقدات والتطبيقات الما قبل إسلامية من جهة أخرى, والتي ظلت متواجدة بالرغم من محاولة الإسلام التخلص منها, إذ يؤكد على أنه كيفما كانت قوة التسوية للإسلام force de nivellement فإنه لم يستطع الحسم مع العبادات والمذاهب السابقة, ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذه المعتقدات والتطبيقات الشعبية, نفس الظواهر, الطقوس الأهلية سوف تشكل صلب اهتمام باحث آخر من المدرسة الإنجليزية, WESTERMARC الذي عالج الموضوع في إطار بقاء هذه المعتقدات والتطبيقات الوثنية, والتي حاول العودة بها إلى أصولها وجذورها التاريخية والتي تمتد إلى الحقبة الرومانية, بالرغم من كون بعضها انصهر في بعض الدول العربية في إطار فهم معين للإسلام وتطبيقاته, إلا أن مساهمة " وسترمارك" من خلال اشتغاله التأويلي وذلك بربطه لكل حدث وواقعة بأفعال ووقائع مشابهة أو معارضة وارتكازه تأويليا على القول المأثور والأمثال الموريسكية (المغربية- الإسبانية ) والتي هي بالنهاية تأويل أهلي ومحلي لهذه الوقائع الدينية ،وارتباطه بالوقائع المحلية لفهم وتأويل الأحدات الدينية ،سوف تجعله يتموقع عن خطأ – حسب محمد مهدي - ضد الاثنوغرافيين الفرنسيين ، خاصةBEL . A و E.Laouest و DOUTTE. إن الفرضيات التي اعتمدها هؤلاء الباحثين لشرح أصل الطقوس البربرية كما فهمها وسترمارك, ترتكز على نظرية الإله الخافت/ والمحتضر, التي صاغها جيمس فرايزر, أكثر من ارتكازها على الوقائع المحلية, وبخلاف " وستر مارك" تأتي أعمال A.BEL خاصة من خلال مقال له نشر سنة 1934 SURVIVENCE D UNE FETE DE PRINTEMPS A TUNISE , إذ يشير إلى غياب تاريخ ديني لشمال افريقيا ولو أن هذا التاريخ كان قد كتب لكانت مكانة مهمة قد شغلتها الممارسات الدينية الما قبل إسلامية, وهو الأمر الذي يلتقي فيه مع دوتي, وهكذا يقترح A.BEL منهجاً متميزاً يتجلى في قراءة وتأويل سرد المؤرخين, مثل الذي كتبه ابن عربي القيرواني في القرن السادس للهجرة, القرن 17 للميلاد بخصوص عيد احتفالي بتونس, ومن هذا المنطلق جاء التركيز على الاثنوغرافيا والتاريخ لتتبع الطفرات والتحولات المتعددة والمعقدة التي حصلت على مستوى قبيلة الرغاية , لذلك فإن محمد مهدي ، بقدر ما اعتمد المقاربة الإثنوغرافية ،بقدر ما كان يشتغل بمرجعية وتوجيه المحدد التاريخي ولعلنا نجد في الصفحة الأولى من المقدمة التي خص بها الكتاب ما يشير إلى بوحه للقارئ بهذا الخصوص والذي يلخص المراد من العمل وآليات ومرجعيات اشتغاله ،لذلك نورد هذه الفقرة كما وردت بلغتها الأصلية ( الفرنسية ): nous avons cru nécessaire décrire les différents de aspect de la vie sociale et économique, d,une tribu du haut-atlas, qui continuent à être gérés suivant les principes traditionnels.
Nous nourrissons le même intérêt pour les structures sociales du haut- atlas, dans leur devenir. Ces structures ont subi et continuent à subir des mutations multiples. Notre intérêt à leur égard est animé par le désir d en faire à la fois l ethnographie et l histoire. C est ainsi que d heureuses circonstances, nous ont conduit à nous intéresser à l organisation , pastorale dans une autre tribu berbère du haut- atlas et à la place qu y occupe le phénomène religieux

هكذا إذن فمن بين أهداف العمل :إظهار وبلورة الأهمية القصوى للظاهرة الدينية في شرح وفهم الظواهر المتعلقة بالتنظيم الرعوي باعتبارها منظومة اجتماعية ومادية تقنية عبر صهر البعد المادي التقني والديني الروحي والطقوسي في إطار السياق البحثي الذي يصعب تسجيله وتصنيفه في إطار علم الاجتماع القروي فقط ,لأنه يمتح من الاثنوغرافيا والأنثربولوجيا ويتغدى من مناهجهما وإولياتهما التحليلية
طيب,فإذا كان "جاك بيرك" قد ركز اشتغاله على المجموعة ،GROUPE والأراضي المجالية " TERRITOIRES " باعتبارها مقاطعة تابعة للمجموعة وعلى الأولياء SAINTS فإن محمد مهدي يرى أن هذه الثلاثية برغم كونها مفيدة على المستوى التحليلي, فإنها غير كافية لتحديد تعقد العلاقات ،لذلك يقترح إضافة المعتقدات والممارسات الشعبية /الدينية والتي تشكل فضاء ومذهباً إلى جانب الإسلام الأرتودوكسي وقداسته ومذهب الصلحاء CULTE DES SAINTS وتتقاطع معهما, فجاك بيرك من خلال كتابه "البنيات الاجتماعية للأطلس الكبير " يربط البعد الديني بالوضع القروي ،لذلك يعتبره " محمد مهدي" الباحث الوحيد الذي كانت لديه حدوسات أكثر نضجاً بخصوص هذه العلاقة,وذلك من خلال اقتراحه لسبل البحث الممكن اتباعها . إن خلاصاته بخصوص التمفصلات الممكنة بين الظاهرة الدينية والوضع والتنظيم القروي ،تبدو حقيقة مسالك البحث الغير المستثمرة في المبحث الاثنوغرافي ،لذلك فجاك بيرك, وكما يرى محمد مهدي ،يمتلك نظرة رصينة ومتفحصة وكأنه رجل قانون المؤسسات الدينية الذي يمكنه استنباط مفاهيم القانون ،لذلك فقد انتقد الإثنوغرافيا الدينية لعصره نظرا لغياب المتمفصلات ما بين الاعتقادات والتطبيقات الدينية من جهة والنسق القروي من جهة أخرى, إلا أن إفادته الأساسية والتي شكلت شرفة ومنظاراً لمحمد مهدي, هي تلك العلاقة المحينة (التي تم تحينها) بين التطبيقات الدينية والقانونية ،إذ من خلال وعبر المساطر القانونية والتشريعات العرفية التي تنظم العلاقات الاجتماعية ،تجد الظواهر الدينية في الاجتماعي تمفصلاتها .
لذلك حصلت لدى محمد مهدي قناعة و رغبته في استثمار وتوظيف : الرعاة ،الأراضي الجماعية ،مسارات الترحال ،لعبة ميكانزمات المقدس وأهمية الصلحاء والأولياء في إطار التنظيم الشامل, بغية استخلاص نتائج حقلية تتجاوز الدراسات الإثنوغرافية السابقة, وفي هذا السياق ورغم اشادته بالدراسات الأنثربولوجية الاجتماعية في المغرب وشمال أفريقيا بصفة عامة ،خاصة وأن الباحثين كانوا يركزون مجهوداتهم على قبيلة أو مجموعة من القبائل, بمعنى حصر الموضوع وتحديده تحديدا دقيقا على المستوى الميداني ،وهي في العمق تعتمد مبدئيا مقاربة اثنوغرافية، فإنه ومن خلال اطلاعه العميق على التراكم الكبير للدراسات الميدانية في هذا السياق قد سجل مفارقة ابستيمولوجية ،لخصها في كون المساهمات الاثنوغرافية الدينية لم تكن تشير بالاسم إلى القبيلة أو مجموع القبائل موضوع الدراسة ،إذ أن كل شمال إفريقيا أو المغرب كان يشكل موضوع الدراسة الحقلية, الذي بقدر ما كانت تبتغي الوصول إلى قوانين وخلاصات شمولية تطبيقية بقدر ما كانت قد أغفلت التعدد والاختلاف الثقافيين,والطقوسي والتقني من قبيلة إلى أخرى وهو الأمر الذي سيجعله يركز اثنوغرافياً على منطقة جد محددة ،إنها قبيلة "الغيراية " بالأطلس ،من خلال استئناسه بأعمال كل من (حسن رشيق 1986) و ( عبد الله حمودي 1988), تلك الأعمال التي يعتبر كتاب محمد مهدي pasteurs de L ATLAS تتمة أطروحية لها , وإضافة نوعية للمكتبة السوسيولوجية والأنثربولوجية المغربية ،ففي إطار الاثنوغرافية الدينية , وبالتحديد ما يتعلق بالتقنعية كطقس تنكري يصاحب الاحتفال بعيد الأضحى ( ربما نجد في ظاهرة سونة نموذجا لذلك ) يندرج عمل عبد الله حمودي LA VICTIME ET SES MASQUES وهو عمل اتخذ من نفس القبيلة Gheraya موضوعا اثنوغرافيا للبحث, نفس الشيء بخصوص حسن رشيق في كتابهLES REPAS SACRIFICIELS ESSAI SUR LE RITUEL DU MAAROUF DANS UNE TRIBU DU HAUT- ATLAS فالعملين بالنسبة لمحمد مهدي يشكلان قطيعة جوهرية مع التقليد الاثنوغرافي السابق .إذ لا يتعلق الأمر بتقديم مجموعة من المعتقدات والممارسات الدينية ولكن بالملاحظة النسقية لطقس من الطقوس انطلاقا من المقاربة الاثنوغرافية والبحث عن تأويل لهذا الطقس بمرجعية محددة سلفا ،وهنا تبدو أهمية العملين,كما يذكر بذلك محمد مهدي في كونهما وعبر مجموع مكوناتهما يكشفان عن كل العلائق والتعالقات الكائنة بين الطقوسي والمجتمعي, وانطلاقا من تموقع " محمد مهدي" في إطار نفس الشرفة والرؤية النظرية السابقة ( رشيق / حمودي ) يبوح للقارئ كما سبق الذكر, بأن اشتغاله العميق على الطقوس أتى صدفة إذ أن هدفه الأولي كان معالجة ودراسة الحياة الرعوية بمختلف أنشطتها بغية استيعاب ميكانزمات الإنتاج الرعوي ،ومادام الطقوسي يتبلور في مركز الحياة الرعوية ،فان مسألة دراسة جانب دون أخر تبدو صعبة للتعالق والتجاذب الحاصل بينهما ،فالمعتقدات والممارسات الدينية المرتبطة بالحياة الرعوية فرضت نفسها بإلحاح ،وبالتالي كان لابد من وصفها وخلخلتها ،خاصة وأنها حاضرة بقوة في تفكير وممارسات الأهالي /الرعاة .وفي هذا السياق بالضبط ينتقل محمد مهدي من عالم اجتماع قروي إلى انثربولوجي واثنوغرافي متمرس ،كما يتضح ذلك من خلال الخلاصات التي توصل إليها,وتماسك اشتغاله النسقي في هذا الكتاب," موضوع المداخلة "،وهو الشيء الذي يبدو جليا كذلك من خلال انتقاده للمقاربات الإثنوغرافية الدينية,من منطلق كونها اعتمدت مقاربات غير نسقية واكتفت بروابط وعلاقات سطحية بين الظاهرة الدينية والسياق الاجتماعي ،لهذا فالمقاربة الإثنوغرافية المفصلة والموضحة حقلياً
" ETHNOGRAPHIE CIRCONSTANCIEE " والتي يقترحها محمد مهدي ، يتم تأطيرها في سياق مجهود نسقي ،محصور ومحدد مادام الموضوع هو المعتقدات والممارسات الدينية المرتبطة بالحياة الرعوية لغيرايا rheraya , لذلك سوف يحصر مهدي ملاحظاته زمنياً في الفترة: 1983- 1993 وعلى المستوى المجالي في القبيلة السالفة الذكر. والهدف من الدراسة في نهاية التحليل هو صهر وتأليف الوصف السيروري الاثنوغرافي لما هو تقني اجتماعي للإنتاج الرعوي والظواهر الدينية /الطقوسية .وفي هذا الأفق يستحضر محمد مهدي ،،دعوة شارل لوكور بفك وقراءة رمزية السلوك الديني الذي يسميه طقس rite- - والذي يعني في قاموس لوكور العلامة والمسار, وبالتالي فتحليل الطقس يسمح بإعادة تشكيل وإنشاء مسار الفاعلين إذ الطقوس الرعوية ومن منطلق كونها سلوكاً دينياً يعبر بدون شك عن نوع من أخلاق الرعاة وأعرافهم ،والتي لا تنفصل عن رؤية وفرضية الباحث محمد مهدي الذي أراد من خلال اشتغاله الميداني تقديم الدليل على أن الطقوس الرعوية تفهم وتدرك من خلال ارتباطها بالتنظيم القبلي وكذا بالتقنيات الرعوية ،فتقنية رعوية معنية (ترحال, تناسل وتوالد المواشي ...) تستدعي أخلاقاً معينة،فبالنسبة للرعاة فان معرفة الوقائع التقنية والطقوسية ضرورية وتساهم في تنشيط الحياة الرعوية وهو ما يشكل صلب اشتغال محمد مهدي في كتابه pasteurs de l atlas الذي جعل من الأشكال العادية للانتماء للحياة المادية للمجموعة ( القبيلة ) منطلق البحث الميداني ليصل في نهاية الإشتغال, ووفق رؤية نسقية إلى الأشكال المعقدة للحياة الروحية / والطقوسية والتي تختلف باختلاف أماكن الرعي والترحال الذي تحدده أجنده فصلية ( تحددها فصول السنة )،والتي كانت تفرض تنظيما معينا وطقوساً معينة على الترحال بين النجود والمنخفضات،ففي السهول النشاط الرعوي مرتبط بما هو مقدس ويذكر مهدي بمكانة الأضرحة في تنظيم المجتمع عامة ،وفي تدبير النشاط الرعوي خاصة , وفي قلب هذه التقديسات ،تدخل المواسم القربانية والواجبات المباركة التي سبق لبعض المؤلفين أن تحدثوا عنها ،والتي أغناها محمد مهدي باكتشافات جديدة ومفيدة ومكملة,إلا أن الجانب المهم للعمل عند هذا الباحث يهم بالخصوص التحدث عن الأنشطة الرعوية للغيرايا في المرتفعات,للنجود العليا للأوكيمدن .هذا المخزون العشبي ( أكدال ),أرض جماعية مشتركة مع قبيلة أخرى وهي قبيلة ourika المستثمرة في مراحل دقيقة في رعاية الولي الصالح الذي رسخ هذا المرعى, وهو سيدي فارس . هذا الوصف يبين خصوصا العلاقة الوطيدة بين ما هو تقني وما هو عقائدي أو ما هو مادي وما هو مقدس,وعند دراسة الطقوس التي تصاحب صعود الرغاية إلى مكان اصطيافهم في ضواحي الوالي سيدي فارس ،الذي يحظى بتجديد الشعائر ،هنا يبين مهدي أن الترحال والعقائدي ما هما إلا وجهان ملتصقان للنشاط الرعوي
وهذا ما يوضحه بعمق في الفصل الثاني من الكتاب " التنظيم الرعوي في الأراضي المرتفعة " والذي يشير من خلاله الباحث إلى أن هذه الحركة ليست وليدة اليوم ،كما هو شأن الطقوس والتمثلات المواكبة والمولدة لهذه الحركة ولتقنيات وآليات المنظومة الرعوية ،بل هي ممتدة إلى ليل التاريخ, فالوثائق تشهد أن هذا النوع من الحياة الرعوية قديم جداً, بل ومنصهر في إطار تعالق وتواشج مع الظواهر الدينية. فإذا كانت المسافة قد تبدو شاسعة بين الرموز المحددة والملهمة للحياة الرعوية وباقي المظاهر الأخرى, فإن محمد مهدي قد استثمر ووظف العلائقية على كافة المستويات, لذلك كانت الحياة الرعوية عند الغيرايا هي نتاج تلك العلاقات التي تربط بين الظواهر الاجتماعية,التقنية والدينية, وعموماً فالتنظيم الرعوي يعتبر بمثابة نسق مركب من ثلاث عناصر أساسية : المجموعة, الأرض, والثقافة, على أن الثقافة تحضر بكل دلالاتها ومعانيها ذات الارتباط بالإنسان كما هو الحال بالنسبة للتنظيم الاجتماعي, تقنيات استثمار وتنظيم الفضاء أو المجال الفلاحي-الرعوي وتقنيات تربية المواشي, لذلك سوف يركز محمد مهدي كما سبق الذكر على إدراك وتمثلات الأهالي/ الرعاة للقانون الذي هو في نهاية التحليل أحد الأشكال الديونطولوجية, وقد وضح في إطار تحليلاته العميقة أن هذه الرؤية الأخلاقية تتقاطع وتتداخل مع التنظيم والتاريخ الاجتماعي للمجموعة .ففي هذا المجتمع ذي الهوية البربرية الإسلامية ،الطقوس القربانية توجد في قلب تصورات الأهالي للمقدس وقد بين مهدي في إطار الترحال جرداً مفصلاً مكملاً بذلك في هذا المجال أعمال عبد الله حمودي وحسن رشيق,موضحاً أن التطبيقات القربانية تظهر مسجلة وواضحة من جديد مثلما كانت في اليونان القديمة أو إفريقيا السوداء باعتبارها من بين أهم أسس الرابط الاجتماعي .


------ - --------------------------------------------------
• صدر هذا الكتاب باللغة الفرنسية سنة 1999 عن مؤسسة أدنور , العنوان الأصلي للكتاب Pasteurs de l atlas ; production pastorale. Droit et rituel. وقد سبق لهذه الورقة أن قدمت في حفل تكريم الباحث السوسيولوجي محمد مهدي بتازة- المغرب في 26/4/2004
** باحث في علم الاجتماع والأنثربولوجيا الثقافية





#عياد_أبلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كرة القدم بالملاعب بين التشجيع و الشغب كتعبير عن خلل وظيفي ف ...
- ظاهرة التسول بالمغرب بين الديني والسياسي والاجتماعي
- الإرهاب في الوطن العربي مقاربة سوسيولوجية: أحداث 16 ماي بالد ...
- زواج المتطرفين الأصولين بين زواج المتعة والزواج العرفي، نحو ...
- الزواج المبكر طلب سوسيو ثقافي جنساني وشكل من أشكال إضفاء طاب ...
- الإعلام، التنمية والجريمة في المغرب
- صورة المرأة العربية وتفكيك الفحولة المتخيلة في الخطاب السردي ...
- المجال والتحولات الاجتماعية
- السحر والشعوذة, التمثلات الاجتماعية, التطبيقات والتجليات في ...
- المرجعيات الثقافية والاجتماعية للزواج المختلط بالوطن العربي ...


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عياد أبلال - أسس ومرجعيات البحث السوسيولوجي عند الباحث المغربي - محمد مهدي -