أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عياد أبلال - الإعلام، التنمية والجريمة في المغرب















المزيد.....



الإعلام، التنمية والجريمة في المغرب


عياد أبلال

الحوار المتمدن-العدد: 2149 - 2008 / 1 / 3 - 11:33
المحور: مقابلات و حوارات
    


الباحث السوسيولوجي المغربي عياد أبلال لجريدة " النهار المغربية " (*)
- ما هي طبيعة السلوك الإجرامي المتنامي اليوم في المغرب؟
للحديث عن الجريمة في المجتمع أياً كان هذا المجتمع يجب أن نستحضر طبيعة النسق الاجتماعي ,السياسي ,الثقافي والاقتصادي , إذ أن أي خلل في الأداء الوظيفي لنسق من الأنساق يؤثر سلبا على باقي الأنساق ومن ثم على المجتمع برمته, ومن هذا المنطلق تتكون شخصية المواطن الذي يدين إلى نسق الشخصية كنسق ناتج عن تكامل وتفاعل إسنادي لباقي الأنساق الأخرى التي أتينا على ذكرها,وبالعودة إلى المغرب , هذا البلد المنهك في العديد من المشاكل والأزمات البنيوية على المستوى الاقتصادي( البطالة, انخفاض القدرة الشرائية, ارتفاع مستوى الإعالة.....) والناتجة أساسا عن فشل المخططات التنموية منذ بداية الاستقلال,لغياب رؤية سياسية واضحة وفاعلين وطنيين ,إذ أن أغلبية الفاعلين هم في الحقيقة يشكلون البرجوازية القنصلية بتعبير اقتصاديي أمريكا اللاتينية, تحافظ على مصالح المتربول الغربي ومصالحها الشخصية, الشيء الذي عمق مستوى التبعية الاقتصادية, التي تعمقت أكثر بسبب الفساد الإداري والمالي,( اختلاسات البنك العقاري والسياحي, القرض الفلاحي, الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي, التكوين المهني....) وهو ما أسميه شخصيا بالجرائم الاقتصادية والتي غالبا ما يبقى أصحابها بعيدون عن المحاسبة والعقاب , وهنا نتقاطع مع النسق السياسي الذي أصبح عاجزاً عن استيعاب وامتصاص هذا الانحراف القانوني والمجتمعي, وبالتالي سقط في اللاوظيفية النسقية, ليؤثر سلبا على باقي الأنساق الأخرى, فاجتماعيا أصبحت الوضعية بالمغرب كارثية, مما يجعل أي حديث عنها غير كاف , وكل المساحيق التي تحاول الأجهزة الرسمية صبغها عليها لم تعد قادرة على إخفاءها , والمهم في هذا السياق هو أن هذا الخلل الوظيفي في هذه الأنساق قد أعطى خطاطة ثقافية تواصلية في المغرب تمتح مقوماتها من الزبونية والمحسوبية وأصبح المال القيمة المطلقة بل قيمة القيم وموجه المعايير الاجتماعية, من هنا بدأ السعي وراء المال وغابت القيم الإنسانية والمواطنة الصالحة, أمام هذا الوضع وأمام تراجع الأسرة عن دورها الوظيفي التربوي والتنشيئي كما هو الحال بالنسبة لباقي المؤسسات الاجتماعية الأخرى, في الوقت الذي أصبحت الفوارق السوسيو اقتصادية في ازدياد, أصبحنا نشاهد حالات لأنوميا اجتماعية تتجلى في عدد من المنحرفين والذين كانوا في معظمهم نازحين من القرى المغربية لهوامش المدن خاصة في الثمانينيات, وبالتحديد بعد سنوات التقويم الهيكلي, وهذا راجع إلى فشل سياسة الدولة بالعالم القروي , إذ سوف تكثر الهوامش الغير المهيكلة والمصممة وفق المعايير العمرانية والإسكانية والصحية.... ومن ثم بدأ الانحراف يرتفع والجريمة في ارتفاع كذلك, إلا أن كل الجرائم تقريبا كانت مرتبطة ببؤر الهامش وبعيدة عن المراكز الحضرية, مرتبطة أساسا بالمخدرات والسرقات والخمر تجارة واستهلاكا, وأقل تنظيما , لكن في السنوات الأخيرة أصبحت المراكز الحضرية مسرح أغلبية الجرائم والتي هي ناتجة أساسا عن ارتفاع مستوى الحقد الاجتماعي والتطاحن الخفي بين الفئات الاجتماعية, وأصبحت تتجه أكثر فأكثر نحو التنظيم والتنسيق, في عصابات ومجموعات, يجوز أن نعالجها وفق نظريات الصراع كما صاغها "كوزر" و"دارندروف " بمعنى أن مجموعات الصراع هاته لم تعد تقبل بالنسق الاجتماعي والثقافي المهيمن , وهذا السلوك الإجرامي في العمق ما هو سوى ثورة للاشعورية ومرضية على المجتمع, وبالنتيجة نجد أن طبيعة الجريمة في المغرب هو المعادل المعياري لمفهوم الحكرة الاجتماعية, مما يجعلنا نتكلم عن السوسيو باتية أكثر مما هو الحال بالنسبة لسيكوباتية كمرجعية أساسية للجريمة في المغرب, كما أن التأكيد فقط على المقاربة الأمنية من منطلق كون المسؤولين يعتبرون أن الحالة الأصلية والطبيعية للمجتمع هي التوازن والاستقرار فإن المجرم حالة شادة, هذا فقط صحيح في حالة الأداء الوظيفي الجيد لكل الأنساق التي تكلمنا عنها سالفا, أما في حالة الخلل الوظيفي في نسق من الأنساق فإن الوضع يختلف, بمعنى أن المقاربة الأمنية تصبح لوحدها عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الضبط والسيطرة على السلوك المنحرف وبالتالي مد نسق الشخصية والثقافة بالمتطلبات القادرة على العودة لحالة التوازن والتكامل الوظيفي, عموما فالجرائم في المغرب نوعين, جرائم مسكوت عنها تهم المسؤولين والطبقة الفنية (جرائم اقتصادية, اختلاسات , نهب , تواطؤات سياسية للتستر على اللصوص الكبار,....) وجرائم الهامش , جرائم أسبابها الظاهرة, اللإندماج الاقتصادي والاجتماعي, وأسبابها الكامنة هي الكبث والعقد النفسية الناتجة عن مرور الإحساس بالحكرة واليأس من الوعي إلى اللاوعي ,وبالتالي تتضرر ملكة النسيان ويصبح الإنسان ذو شخصية ارتكاسية وانتقامية وهي شخصية المجرم الذي لم يعد تلك الحالة الشادة كما كان المغرب في بدايات الاستقلال وما قبل, بل أصبح في حكم العادي اجتماعيا, بل إن بعض الأوساط الاجتماعية كما هو الحال في الأحياء الشعبية في عدد من المدن المغربية تقاس البطولة والرأسمال الرمزي للأسر فيها بعدد أفرادها الذين قضوا عقوبات سجنية, عموما هناك ثلاث أنواع من الجرائم بالمغرب, جرائم الدم والمرتبطة بالقتل والتمثيل بالجثث وما إلى ذلك, هي جرائم ذات مرجعية سيكوباتية, بمعنى أن مرتكبي هذه الجرائم يكونون مرضي نفسيا,كما هو الحال في كل سفاحي الأطفال والنساء بالمغرب : محمد بلحرش (الجديدة),عبد الله القاسمي أو النينجا (الدارالبيضاء), حارس عمارة الدار البيضاء الذي عثر عليه منتحراً, مصطفى متشوق (الدارالبيضاء),..و علال حاضي (سفاح تارودانت)... والنوع الثاني ذو مرجعية سوسيو-باتية.أي أن مرتكبي هذه الجرائم يرفضون الوضع القائم اجتماعيا واقتصاديا, وخاصة وضعهم السوسيو اقتصادي, لذلك فإنهم عادة ما يقترفون جرائم كالسرقة والاحتيال والتزوير ... دون أن يقترفوا جرائم دم, والأمثلة كثيرة....
والنوع الأخير يتمثل في حالات تلتقي فيها السيكوباتية بالسوسيو باتية, لذلك لا فرق بالنسبة للمجرم بين جريمة دم وأخرى نظيفة, فالمهم هو المال واللذة, وهذه الجرائم لها ارتباط كبير بالسرقات الموصوفة واعتراض سبيل المواطنين تحت تأثير المخدرات والخمور...
- إلى أي حد تساهم المؤسسات الاجتماعية في زيادة معدلات الجريمة والجنوح؟
تعتبر مرحلة الشباب مرحلة عمرية جد حساسة فيما يخص مختلف التحولات والميكانيزمات الاجتماعية ومن تم تعتبر هذه المرحلة محلالاً أو مدخلاً لدراسة طبيعة التحولات الجارية في مجتمع من المجتمعات, من هذا المنطلق يصبح كل رفض للنسق الاجتماعي وكل خلل وظيفي في نسق الشخصية أو نسق الفعل , في هذه المرحلة العمرية , وبالخصوص مرحلة بناء الشخصية التي تفصل مرحلتي الطفولة والمراهقة, مسألة جد خطيرة ,إذ يسهل بناء تمثلات حول مجتمع افتراضي يلبي متطلبات وحاجيات وأحلام هذه الشريحة والتي هي متطلبات حقيقية بالنظر إلى الأداء الضروري لكل الأنساق في المجتمع, وإلا سقط هذا الأخير في الفوضى واللا توازن, وسرعان ما تتحول هذه التمثلات إلى أفكار ورغبات تعمل شروط اجتماعية معينة على مرورها من الفعل الافتراضي الرمزي إلى الفعل المادي, وكلما كانت المسافة البنائية بين المجتمع الذي يعيش فيه المراهق والشاب في الواقع وبين المجتمع الافتراضي أو المبني , كلما كانت حالات الأنوميا الاجتماعية أكثر حدة, أي حالات الرفض الاجتماعي وحالات العنف والصراع الدموي, ومن تم يتحول المجتمع من حالة التوازن إلى حالة الصراع,لكن يبقى أن الوسيط العلائقي بين مدخلات التو ثر والرفض من جهة وترشيد هذا الرفض وهذا اللاتجاوب الاجتماعي الذي يقع بين الفرد والمجتمع, من جهة أخرى, هو المؤسسات الاجتماعية بمختلف تموقعاتها, فهي الموكول إليها تصريف الحاجيات والمتطلبات وترشيد الفعل وفق الأداء الوظيفي الناجح لكافة الأنساق بما يضمن التطبيع والانضباط من طرف الكل , ومن بين هذه المؤسسات نجد الأسرة, المدرسة, الجامعة , الحزب, الجمعيات.....فبالعودة مثلا إلى دور الأسرة,نجد أن هذه المؤسسة جد حساسة ,بل إنها الراصد الجهوري كل التحولات الاجتماعية التي تمس الأفراد والجماعات كما أنها الوسيط الحسابي الخالص بين الفرد والمجتمع, لذلك فإن كل المشاكل التي قد تمنع هذه المؤسسة من أداء وظيفتها يعتبر في العمق عائقا وظيفيا بالنسبة لكل الأنساق وأولها نسق الثقافة ونسق الشخصية ومن هنا يصبح الانحراف والجنوح منذ سن مبكرة مسألة واردة بامتياز,وأول هذه المشاكل التي تحدث خللا وظيفيا هي الوضع السوسيو- اقتصادي, وهو بالفعل العامل الأول المغذي للجريمة والانحراف في المجتمع, كما أن هذا العامل الأساسي في تكوين الأسرة والاستقرار, يلعب دوراً مهماً في تقليص معدلات الجريمة, خاصة وأن غالبية الجرائم, حوالي 75 في المائة منها حسب آخر الإحصاءات الواردة من وزارة العدل يتم ارتكابها من طرف العازبين,الذين هم في السن الاجتماعية للزواج, ومن هنا يبدو الدور الكبير الذي تلعبه الأسرة والاستقرار في مد نسق الشخصية والفعل بمتطلبات التوازن والانضباط ,لكن في حالة اللاتوازن التي يعرفها النسق الاجتماعي والمرتبطة أساساً بالتوزيع المجحف و اللا تكافئ في الدخل ومتطلبات الإندماج, يصبح من تمة الخلل في وظئيفة مختلف الأنساق مرجعية الأنوميا والانحراف ....فإذا أخذنا مثلا إحصائيات 1994, نجد أن معدل استهلاك الأسر الميسورة يعادل 14 مرة معدل استهلاك الأسر الفقيرة, وأن أزيد من 6 مليون مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر, وهو الرقم الذي ارتفع ليقارب العشرة مليون في السنوات الأخيرة .....فإذا كان هذا الوضع مؤشر سوسيولوجي على الفوراق الصارخة بين الطبقات فإنه بالمقابل مؤشر على مستوى الحكرة والحقد الاجتماعيين, الذي نجد مؤشراته الأخرى في نسق الثقافة, وبالخصوص من خلال تحليل سوسيولوجي للغة التواصل اليومي,وخطاطات التواصل الثقافية – على سبيل المثال نظرة سكان الأحياء المهمشة ودور الصفيح للأسر المتوسطة الاستهلاك والأسر الراقية سوسيواقتصاديا- في ظل هذا الوضع ونتيجة النمو الديموغرافي وارتفاع مستوى الإعالة, المرتبطة أساساً بعجز سوق الشغل عن امتصاص نسبة البطالة أكثر من النمو الديموغرافي الذي أصبح يعرف تراجعاً كبيراً في العقد الأخير .. حيث أصبح الأباء عاجزون عن تلبية متطلبات وحاجيات الأبناء المادية والمعنوية, مما جعل خطاطة التواصل الثقافية التي عرفناها عند الأسر الممتدة في الماضي والتي تتخذ من الطاعة والاحترام والتعاون مسلكا أساسيا جعلت المجتمع المغربي في فترة تاريخية معينة مجتمعا انضباطيا, تنقلب إلى خطاطة ثقافية أخرى تختلف اختلافا جذريا عن سابقتها,خاصة أمام تراجع سلطة الأباء وبالخصوص الأب,نتيجة تدهور وضعه السوسيو اقتصادي,كما أن تخلي الأسرة النووية عن عدد من الوظائف التربوية والتنشيئية لصالح باقي المؤسسات الاجتماعية من مدرسة وجامعة و مؤسسات الشغل, والشارع جعل مسألة التربية وفق منظور الجسد الانضباط بتعبير ميشيل فوكو,مسألة صعبة خاصة أمام ارتفاع مستويات العنف الرمزي في كل المؤسسات العامة التي تكلمنا عنها سابقا,مما أحدث تصادما وتعارضا بين خطاطتين ثقافيتين تربويتين :خطاطة حداثية نتيجة الانفتاح الذي شهده المغرب, والتي يجب أن تستمر بوتيرة أكبر لتفادي كل فشل في منظومة الأنساق الاجتماعية التي هي الآن ضحية الازدواجية في المرجعية, وهو ما يساهم بشكل كبير في تكريس و استدامة الخلل, وخطاطة تقليدية ميزت الأسر المغربية الممتدة, دون أن يتم الحسم لصالح إحداهما,هذه الازدواجية نجدها في كل الأسر المغربية, كما نجدها في النسق الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي,وهنا بالضبط وقع اللاتجاوب الوظيفي بين الأنساق , الذي نجده بارزا على مستوى الأسر وباقي المؤسسات الاجتماعية الأخرى , وهذا ما يشرح أحيانا جنوح بعض أفراد الأسر المتوسطة الاستهلاك, إذ ليس كل مرتكبي الجرائم من الأوساط التي تعيش تحت عتبة الفقر,من هذا المنطلق وعلى مستوى العلاقة بين المؤسسات الاجتماعية, يجب التفكير في إعادة النظر في توطيد التواصل فيما بينها, وفق منظور تشاركي وتكامل نسقي تكاملي,كما أنه لا يمكن الحصول على نتائج إيجابية في هذا السياق في ظل وضع سوسيو اقتصادي كارثي يعاني منه اليوم حوالي 10 مليون مغربي وفق الخريطة الجديدة للفقر والتي أنجزت مؤخراً, إذ أن العامل الاقتصادي كمتغير مستقل أول دافع من دوافع الجريمة والانحراف بالمغرب,أما باقي العوامل النفسية والاجتماعية, هي متغيرات تابعة لما هو اقتصادي وليست مستقلة,لذلك لا الجامعة ولا المدرسة ولا الأسرة بقادرة على القضاء على الجريمة في المغرب في ظل الوضع السوسيو اقتصادي الحالي بما يحمل في ثناياه من فوارق وفساد وو.... صحيح أن الغالبية العظمى للمنحرفين و المجرمين نجدهم من الأميين أومن أصحاب المستويات التعليمية الدنيا,لكن بالعودة إلى خريطة الحركية المكانية نجد أن أسرهم من النازحين القرويين في العقدين الماضيين, والسبب دائما الوضع السوسيو اقتصادي بالبادية, وما يلحقه كتحصيل حاصل للوضع الجديد بهوامش المدن أو الأحياء الشعبية التي يستقرون بها, بما في ذلك دور الصفيح,لكن وبالرجوع إلى النسق الثقافي المهيمن على المجتمع المغربي وخاصة جيل الأباء والذي يجد في المرجعية الدينية أحد أهم أسسه, يكفي تحقيق المتطلبات والحاجيات الأساسية بالنظر إلى الفرد, أي الشغل, والتعليم ,والإحساس بالمواطنة, بما يلزم من تخفيف حدة الحقد الاجتماعي والحكرة, وكذا تحقيق الحد الأدنى من مستلزمات الاستقرار الأسري ,حتى تصبح مهمة مؤسسات التنشئة الاجتماعية أكثر سهولة ومحكومة بالنجاح,دون ذلك فإن أي تحميل للمسؤولية لهاته المؤسسات مجرد تمويه للحقيقة وتسفيه للخطاب السوسيولوجي.
- في هذا السياق كيف تؤثر المسلسلات التلفزية والأفلام السينمائية والروايات والقصص البوليسية على نفسية الأطفال والمراهقين؟
قلت سابقا بأن علينا توفير الحد الأدنى من شروط الاستقرار الأسري, لكون أن السلوك المنحرف والتمثلات الخاطئة بخصوص المجتمع تبتدأ في مرحلة متقدمة من الطفولة وتشتد في مرحلة المراهقة كلما أصبحت المسافة بين عالم المراهقين اللا مندمجين اجتماعيا المبني وفق رؤيتهم وتمثلاتهم وأحلامهم وانكسارتهم, وبين عالمهم الواقعي الذي يعيشونه ويشكل مسرح معيشهم اليومي,وبالنتيجة فإن كل وسائل الاتصال الجماهيرية, وخاصة التلفزة, تلعب دورا كبيرا في تنمية السلوك الطفولي سواء كان إيجابيا إذا كانت مضامين الإرساليات وفحوى البرامج مناسبة وتربوية, أو العكس حين تصبح هذه الأخيرة مدمرة وسلبية بخصوص المسلك البيداغوجي الذي يجب أن يسلكه الطفل والمراهق بتوجيه من الأسرة والمدرسة,لأنه وبكل بساطة كلما كانت المسافة العاطفية بين الأبناء والأباء كبيرة والبون شاسع, كلما جف الجانب العاطفي لدى الأطفال وبرز اللاتجاوب بينهما من جهة ,ومن جهة أخرى يصبح الأطفال في هذه الحالة على استعداد لإكساب السلوك المنحرف , وممارسة العنف الذي يبتدأ بسيطا في مرحلة الطفولة, ويقال عنه أحيانا مجرد شقاوة الطفولة, لكنه وفي ظل ظروف سوسيو اقتصادية واجتماعية تميز عددا من الأسر, يصبح هذا السلوك مرشحا للتطور, ومن بين القنوات التواصلية التي لها تأثير كبير في هذا الإطار نجد التلفزة, وبالخصوص القنوات الفضائية, التي أصبحت لا تراعي إلا الربح والتجارة, وفق ما تمليه بطبيعة الحال سياسة السوق والليبرالية المتوحشة,فقد أجريت عدد من الدراسات في مجال علم نفس الطفل في عدد من الدول من خلال مراكز للبحوث ومن بينها المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا على مدى تأثر الأطفال بأفلام الرعب والعنف والجريمة, فأكدت النتائج بما لا يدع مجالا للشك مدى الخطورة التي تشكلها أفلام الرعب والجريمة,حيث أن عجز الطفل عن تحقيق ذاته في مجالات الحياة الاجتماعية, ومن منظور رغبته في تأكيد ذاته ولفت انتباه الآخرين, وخاصة الأسرة والمحيط الاجتماعي, في حالة ما كان يشعر بالإقصاء والرفض, فإنه يجد في السلوك المنحرف وممارسة العنف شكلا من أشكال تحقيق الذات ,خاصة أمام أفلام وفيديو كليبات ينتهي البطل الذي هو لص أو منحرف نهاية سعيدة بعيدا عن العدالة, وحتى لا نذهب بعيدا نعطي مثلا على مستوى الوطن العربي, بقيديو كليب, وما أكثرها, واحد ليوري مرقدي, يصور قصة غنائية للص ورفيقته يسرقان بنكاً ويلوذان بالفرار,وينتهي الفيديو كليب نهاية غرامية ممتعة, مع العلم أن هذه الكليبات ومن خلال عدد من الفضائيات العربية أصبحت تتوفر على أعلى نسب للمشاهدة, والملاحظة السوسيولوجية, تؤكد أن أغلبية الأسر لا تمنع أطفالها من مشاهدة هذه البرامج, بل ولا تتدخل في اختيار البرامج والفضائيات المناسبة, وبالخصوص في الأوساط المهمشة بما فيها بعض دور الصفيح, التي وأمام تأثير الأبناء على الأباء وحب المظاهر,والتباهي كشكل من أشكال التفريغ والهروب الرمزي من الإحساس بالحرمان والنقص,أصبحت تهتم بالكماليات أكثر من الأساسيات, من بين هاته نجد أن هذه الأوساط تتوفر على الدش وvcd وما إلى ذلك...,وهنا يحدث خلل كبير وتناقض صارخ لدى الطفل, حتى إن افترضنا أن المدرسة قادرة أن تعوض الأسرة , في حالة ما كان هذا الطفل ينتمي إلى وسط منحل وأسرة مفككة, إذ كيف تصبح السرقة والعنف منبوذان في المدرسة , وعاملان من عوامل النجاح والبطولة في التلفزة, والسينما مع العلم أن الطفل/ والمراهق المجرم يكون أقرب إلى الحلم والخيال منهما إلى الواقع, كما أنه أكثر تأثرا بالصور والخطاب الأيقونوغرافي من الإنسان السوي, وهنا يجب اكساب الأطفال مناعة قوية تمكنهم من الدخول السبيرنيتكي , وعالم الأنترنت بشخصية وقدرة على الانتقاء , خاصة امام انبهار المراهق والطفل بالمواقع البورنوغرافية... وهو ما يهدد فعلاً شخصيته وطبيعة جنسانيته المستقبلية, خاصة وان العلاقة جد وطيدة ما بين الاضطرابات الجنسية والأمراض النفسية والجريمة, وهناك مثال مغربي بامتياز لمدى تأثير السينما على نفسية وشخصية المجرم,فسفاح أطفال الدار البيضاء الذي حكم بالإعدام هو وشريكه الزيناني 1978, أكدا للضابطة القضائية أنهما لجلأ إلى اختطاف الأطفال وطلب الفدية , قبل القتل كان نتيجة متابعتهما لفيلم سينمائي يصور قصة اختطاف عصابة لابن ضابط شرطة, هذا بشكل عام.أما الروايات والقصص البوليسية فإنها لا تشكل تأثيرا كبيرا في هذا السياق لكون نسبة القراءة في المغرب ضئيلة في صفوف الكبار, فما بالك بنسبة للقراءة عند الأطفال الذين لا يتمكنون من التخلص من المقرر المدرسي المكثف من جهة, كما أن القراءة كسلوك داخل الأسر لم يصبح بعد سلوكا يوميا وعاديا, كما أن أغلب المنحرفين والمجرمين ينحدرون من أوساط وأسر يعتبر العنف مسألة عادية لديها,العنف بين الأباء من جهة, وبين الأباء والأبناء من جهة أخرى , كما في الحي والشارع وما إلى ذلك, بالنهاية: فمساهمة التلفزة والسينما والمسلسلات البوليسية بالنسبة لانحراف الأطفال في المغرب لا تلعب دورا كبيرا كما هو الحال بالنسبة للدول المتقدمة,حتى وإن كان هذا التأثير يساهم بدوره إلى جانب أشياء أخرى في تنمية السلوك المنحرف عند الطفل..لأنه يكفي أن نخلق مناعة لديه في الأسرة والمدرسة ضد العنف والانحراف بشتى أشكاله حتى يصبح قادرا على المقاومة, مادام يستحيل التصدي لهاته البرامج والأفلام والمسلسلات في القنوات الفضائية المتعددة ,وهذه المناعة لن تكتسب إلا بتوعية الأسر بخطر هذا التأثير من خلال برامج توعوية بمشاركة مختصين وباحثين, يمكن جدا أن تقدم في التلفزتين المغربيتين, وهذا ما لا تقوم به للأسف. وبالمقابل تستمر في عرض أفلام ومسلسلات إن كانت تعمل على شيء فإنها تعمل على المساهمة في تفكيك روابط الاحترام والتواصل البناء بين أفراد الأسر, كما هو الحال بالنسبة للمسلسلات الميكسيكية,التي لا يسمح المقام هنا للحديث عنها.
- إذا كان هذا حال الإعلام السمعي-البصري في المغرب, فكيف ترى مستوى معالجة أخبار الحوادث والجرائم في الصحافة الوطنية المكتوبة؟
بالنسبة للصحافة الوطنية المكتوبة لا بد من الإشارة إلى كون هذه الأخيرة وخاصة في السنوات الأخيرة ونتيجة عدة عوامل داخلية وأخرى خارجية لا تخفى على أحد,مكنت المغرب من التمتع ولو نسبيا بحرية التعبير,بدأت تقوم بعمل رائد في فضح الجريمة من خلال التعرض النقدي لأسبابها والعوامل المشجعة عليها, أكثر مما تقوم به القناتين,كما أن الجرائم الفنية التي كانت وما تزال تقوم بها أوساط نافذة وأقصد الجرائم المالية والاقتصادية, من نهب واختلاس المال العام كما سبق وذكرت والتي هي جرائم كبيرة لكونها السبب المباشر للحالة المزرية التي تعيشها أغلبية الأسر المغربية, كما أنها سبب في فشل كل المخططات التنموية.وإذا كانت هذه الجرائم هي نتيجة الوضع السياسي بالمغرب فإن الصحافة الوطنية المكتوبة وخاصة الصحافة المستقلة,قد أصبحت تقوم بدور فعال لا يمكن للباحث تلافيه, بل أصبحت تمارس ضغطا على الأجهزة الحاكمة, هذا بخصوص هذا النوع من الجرائم, والتي للأسف فإن التشريع المغربي لا يسميها كذلك, أما بخصوص جرائم العنف بشتى أشكاله: اغتصاب ,قتل, سرقات موصوفة.... بما في ذلك الجرائم البشعة التي يشهدها المغرب اليوم, من شذوذ جنسي واغتصاب جماعي مرفوق بالعنف والقتل, وكذا جرائم القتل وتشويه الجثث, فعلى العموم فإن الصحافة المكتوبة ومن خلال متابعاتها الدقيقة والاحترافية أحيانا لهذه الجرائم وكذا تقديمها للخبر ,وأحيانا من خلال ملفات تستضيف من خلالها باحثين ودارسين مختصين من مختلف التخصصات ذات الصلة: علم نفس, سوسيولوجيا, قانون,كريمونولوجيا... استطاعت أن تحقق الكثير في هذا السياق, ولو أن أغلبية الجرائد تكتفي بالتعليقات والتصريحات المقتضبة لباحثين في المجال, مما لا يتماشى وخطورة المسألة, إلا أن هذه الاحترافية في معالجة الجريمة على المستوى الإعلامي, من خلال استضافة الباحثين والمختصين والتي تقوم بها عدد من المنابر – وليس كل الصحافة المكتوبة – من الواجب بامتياز أن تقوم بها وتتميز بها القناتين المغربيتين, وذلك للتأثير الكبير للإعلام السمعي البصري الذي يمارسه على المشاهد /المواطن أكثر من الصحافة المكتوبة, نظرا لكون قراء الصحافة المكتوبة لا يتجاوزون 400 ألف. والسبب في غياب برامج علمية تستضيف هؤلاء الباحثين والمختصين هو كون الدولة ما تزال تؤمن فقط بالمقاربة الأمنية لحل المسألة ومحاربة الجريمة.
- في هذا السياق وكباحث في علم الاجتماع كيف ترى الجريمة الشنيعة التي قام بها ذلك السفاح الشاذ جنسياً في حق أطفال أبرياء في مدينة تارودانت؟
كما رأيت كنت أركز دائما على الأسرة كمؤسسة اجتماعية أساسية في التنشئة السوية ,لأنها وبكل بساطة الخلية الأولى والأولية لتكوين المواطن الإنضباطي في ظروف معينة وشروط سوسيو إقتصادية وثقافية معينة تكلمنا عنها بتفصيل فيما سبق, ولكن في حالة العكس فإن هذه الخلية والمؤسسة تلعب دورا كبيرا في صناعة الانحراف والجريمة, فسفاح تارودانت ينحدر من أسرة فقيرة ,كما أنه تعرض للاغتصاب في طفولته, وأنظر معي هنا علاقة الاضطرابات الجنسية بالجريمة... وعاش حياة بئيسة لم تمكنه من نسيان الماضي , وكما قلت سابقا, حينما تتضرر ملكة النسيان وتطفو وتصعد العقد والإحساس بالظلم والحكرة من اللاوعي إلى الوعي,يصبح الإنسان ارتكاسياً واسيراً لفكر الانتقام, وهو بالضبط ما حدث لسفاح تارودانت,فهذا المثال للجرائم في المغرب, والتي يتداخل فيها النفسي بالاجتماعي,أصبح في ارتفاع, فهذا السفاح وهو يمارس الجنس على الأطفال كان يتصور نفسه يمارسه على أولئك الدين اغتصبوه,ونفس الشيء وهو يقتلهم, وكأنه في غيبوبة,هذه الحالة معرفة جدا عند أخصائيي التحليل النفسي,وهي نموذج من نماذج السيكوباتية,فلو أن هذا السفاح تلقى الرعاية الأسرية الكافية والكفيلة بجعله يبقى بعيدا عن الاغتصاب, ولنفرض أنه لظروف معينة اغتصب, فلو أنه كان ينحدر من أسرة مندمجة سوسيو اقتصاديا ومنسجمة ثقافيا وفق مستلزمات وميكانيزمات النسق الاجتماعي, لكان قد تخلص بفضل الرعاية والاهتمام من عقدة الماضي الذي ظلت تلاحقه , فوضعيته الاقتصادية والاجتماعية لا تخفى على سكان تارودانت كما لم تعد تخفى على المواطن المغربي بفضل المتابعة الإعلامية لهذه الجريمة, هذا بخصوص الجاني, أما بخصوص الضحايا فإنهم يؤكدون بالفعل حساسية الأسرة, فالأطفال كلهم ينتمون لأسر فقيرة من جهة ومفككة من جهة أخرى, فيكفي أن نعرف أن هذا السفاح الذي كان يبيع السندويتشات كان يغري الأطفال بالأكل, حتي يستدرجهم لمسكنه في الكوخ,بل هناك من الأطفال من هو متبنى فقط, كما أن هناك من الأطفال من, باعتراف والديه كان غير ملتزم بأوقات الدخول والخروج والوجبات الغدائية في البيت, ومنقطعون عن الدراسة... بخلاصة حتى الضحايا ينتمون لأسر غير مؤهلة لتكون مؤسسات للاندماج الاجتماعي والتربية التأهيلية والإنضباطية, فحتى لو لم يقتل هؤلاء الأطفال لكان في المستقبل عدد منهم في عداد المنحرفين والمجرمين أو في عداد الشادين جنسيا كما هو الحال بالنسبة لسفاح تارودانت, وعدد كبير من من اتخذوا من الاغتصاب وهتك العرض مسلكا إجراميا لهم, والتي هي في مجملها حالات سيكوباتية تختلف حدتها باختلاف خطورة الجرائم المرتكبة.كما أريد في هذا السياق أن أوضح مساهمة الدولة في تفاقم معدلات الجريمة في المغرب, وخاصة الجرائم المرتبطة بتشرد الأطفال والاغتصاب وقتلهم وهتك العرض... فلا يعقل أن يصبح المغرب بلدا معروفا بالسياحة الجنسية, وبسهولة الحصول على الأطفال,وهذا ما يجعل عددا من السياح يتوافدون على مدن بعينها,بل الأكثر من ذلك أن الدولة ما تزال تتجاهل وقائع الشذوذ الجنسي, واغتصاب الأطفال ... كما أن العقوبات لا تكون في بعض الأحيان في مستوى خطورة الجرائم كما حصل مع حادث الاغتصاب الجماعي لمرأة بضواحي أكادير في السنة المنصرمة, لكن هنا أوأكد على الدور الكبير لجمعيات المجتمع المدني في هذا السياق ... من خلال مساهمتها في انتشال عدد من الأطفال المتخلى عنهم ودمجهم والعمل على تمدرسهم...
يلاحظ عودة عدد من دوي السوابق لعالم الجريمة مباشرة بعد الخروج من السجن, كما تلاحظ نفس المسألة مع الأحداث بعد إتمام المدة التي قضوها في الإصلاحيات, كيف تفسر هذه الإشكالية؟ وكيف تتصور الدور الذي يمكن لوزارة العدل والتربية الوطنية ووزارة الاتصال أن تلعبه في هذا الإطار لوضع حد لهذه الظاهرة؟
هذا يتعلق بطبيعة السجن هل هو مؤسسة إصلاحية أم مؤسسة للعقاب,بالنسبة للمغرب نجد أن المسؤولين ما يزالون تحث تأثير المقاربة الأمنية التي كانت أولى المقاربات التالي عرفتها المجتمعات والدول الحديثة,إذ أن السجين وهو يقضي مدة معينة في السجن,لا يصل إلى مستوى النقد الذاتي والإحساس بالخطأ والرغبة في التجاوز, إذ سيكولوجيا يصبح مؤهلا لتجاوز شخصيته الانحرافية وسلوكه العدواني وهذا صحيح بالنسبة للطفل الحدث وكذا بالنسبة للراشد على حد سواء باختلاف طبيعة البرامج والمقار بات البيداغوجية التي تستهدف كل شريحة عمرية على حدة,لكن العكس هو الذي يقع في المغرب, فالسجن ما يزال تلك المؤسسة التي يتم من خلالها كسر شوكة المجرم, فقديما كانت العقوبات طويلة,فالسجين لا يفرج عنه إلا تأكد أن أصبح منهك القوى, لا حول له , ولا خوف منه, لكن ما الذي حصل , هو أن المغرب وتحث ضغط المؤسسات الحقوقية الدولية, لم تعد كل الأحكام والعقوبات طويلة,كما بدأ يهتم بوضعية السجين وبحقوقه دون أن يتجاوزها إلى التفكير في وضعيته بعد السجن, لذلك كما يدخل السجين يخرج, الواقع الذي تركه قبل السجن هو نفسه بعده, وشخصية المجرم لم تصل إلى مستوى التجاوز والاندماج الاجتماعي,أما بالنسبة لسيكوباتيين, فإن حالهم النفسي يبقى كما هو وأحيانا, تتذمر أوضاعهم النفسية, وتشتد عقدهم وأمراضهم, فالاهتمام بالسجين ليس فقط على مستوى التغذية والصحة الجسدية, بل على المستوى الروحي والعاطفي, وعلى المستوى النفسي والتربوي, وهذا بفضل الاستعانة بالأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين والتربويين,والذين يجب أن يتابعوا أوضاع السجناء وحالتهم النفسية والاجتماعية,كما بفضل مهنيين , بفضلهم يتم تزويد السجين الذي لا مهنة أو حرفة له بتكوين مهني يجعله أكثر اندماجا في المجتمع, بعد السجن, المهم هو الوصول إلى جعل السجين يقوم في نهاية العقوبة بمصالحة مع الذات والمجتمع, وتجاوز السلوك المنحرف والعنف,وإذا لم نصل إلى هذا الهدف فإن الوضع سيبقى كما هو عليه, وهنا يمكن الحديث عن شراكة بين وزارة التربية الوطنية من خلال مد مصالح السجون بالفنيين والتربويين, من جهة وخلق برامج ومناهج خاصة بالسجين, كما يمكن لوزارة العدل مراجعة نظام العفو, الذي وتحت تأثير المحسوبية والزبونية وصل إلى حد الإفراج عن مجرمين , من المفروض ليس استمرار سجنهم ولكن استمرار تكوينهم وتعليمهم سوسيو مهنياً , مستغلين مناسبات العفو الملكي ,كما يجب لوزارة العدل بعد العمل على استقلالية القضاء, وفي شراكة مع وزارة الداخلية تشديد المراقبة وتنظيف السجون من المحسوبية والزبونية وذلك بفصل ومتابعة موظفي الرشوة والفساد, كما بالعمل على معاملة كل السجناء على حد سواء , وليس كما هو الحال اليوم, إذ أن مستوى الحقد الاجتماعي يشتد في السجن أكثر من الخارج,فمعروف أن السجناء الأغنياء والذين عادة ما يقضون عقوبات قصيرة , رغم أن جرائمهم كبيرة (والمرتبطة أساسا بعالم المال والأعمال والفساد الإداري والتجارة في الممنوع: مخدرات خمور...) ينعمون بالراحة والنعيم حتى داخل السجون, كما أن مستوى الإدمان( مخدرات, خمور,مهدئات, عقاقير...) في السجن أصبح ينبئ بالكارثة,أما على مستوى وزارة الاتصال فيمكن خلق شراكة حقيقية بموجبها تتم متابعة كل الأنشطة والشراكات التي تقام لصالح السجناء, كما يمكن لوزارة الاتصال متابعة كل الخروقات التي تجعل من المؤسسة السجنية والقضائية مؤسسات لتفريخ المجرمين وتكوين العصابات والانحراف,وفي موضوع شديد الارتباط بقنوات التواصل والتنشئة الاجتماعية وإعادة التأهيل يمكن لوزارة الاتصال التفكير في إذاعة خاصة بالسجين, أو على الأقل ببرامج خاصة بالأحداث وإعادة تقويم الانحراف . كل هذا في ارتباط استراتيجي بضرورة إدماجهم بعد السجن في الحياة الاجتماعية العادية والمنسجمة, وهل يمكننا الحديث عن هذا المستوى الما بعد السجن في ظل ظروف سوق الشغل الحالية ؟. الأكيد لا..... لكن تبقى مبادرات ملك البلاد من خلال ثقب نظره ووعييه العميق بهذه الإشكالية , ومن خلال تفقده لأحوال السجناء وتركيزه على إعادة إدماجهم في الحياة السوسيو مهنية, جد مهمة يجب أن تدعم بعمل ومشاركة وطنية لكل الفعاليات.
ألا ترى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تصب في سياق ما أوردته, من خلال بعدها التنموي الإستراتيجي, الهادف إلى تنمية البلاد و تطورها, وتأهيل مواردها البشرية , والمادية السوسيو اقتصادية, كما يركز على ذلك صاحب الجلالة ؟
أكيد ولو أن الحديث عن المبادرة يتطلب الخوض في سياق آخر ليس هو صلب حديثنا الآن, فإنني أقول أن هذه المبادرة ليست مناسبة كما نستشف من خلال تحليلنا لخطاب عدد من الهيئات السياسية , لأن المناسبة مقيدة وأسيرة فترة زمنية محددة, في حين أنها مشروع وفرصة تاريخية يجب أن تكون مستديمة , وإلا بطل جوهرها التنموي, وأصبحت مجرد مشاريع مثل سابقاتها, لكن مكثفة هذه المرة و مباركة برعاية ملكية, لهذا فإنني أرى أن الدعوة مفتوحة أمام الجميع : جمعيات , أحزاب وهيئات , مثقفين وكتاب...من خلال هذه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, التي أتمنى أن تصاحب في الأيام القليلة بهيئة وطنية لمحاربة الجرائم الاقتصادية, كما من خلال سن سياسة جنائية تأخذ بعين الاعتبار خطورة هذا النوع من الجرائم على المجتمع وعلى كل المبادرات التنموية الهادفة, ولما لا هيئة للإنصاف والمصالحة, خاصة بسنوات النهب الكبير لترواث البلاد الاقتصادية....لأن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, في بعدها التنموي الاجتماعي, تهم تحسين ظروف عيش الساكنة المهمشة, وتأهيلها من خلال العمل على خلق مناصب شغل وأنشطة مدرة للدخل , كما تهم عدداً من البيات التحتية , من طرق والكهربة وما صالح للشرب وو .. وكلها في نهاية المطاف ستصبح إجرائيا صفقات عمومية, إذن هذه الصفقات العمومية يجب أن تحاط بشروط واحتياطات النجاح الذي لن يتم إلا بسن سياسة جنائية فاعلة , يجب أن تكون في عمقها صمام آمان, ورادعة لكل الجرائم الاقتصادية...لأن كل الجرائم السابقة في زمن المغرب المعاصر تمت تحت غطاء وبصيغة الصفقات العمومية ....
* العدد:509-510-511 بتاريخ 19-20-21 يناير2006
أجرى الحوار: عثمان ودنوني



#عياد_أبلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة المرأة العربية وتفكيك الفحولة المتخيلة في الخطاب السردي ...
- المجال والتحولات الاجتماعية
- السحر والشعوذة, التمثلات الاجتماعية, التطبيقات والتجليات في ...
- المرجعيات الثقافية والاجتماعية للزواج المختلط بالوطن العربي ...


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عياد أبلال - الإعلام، التنمية والجريمة في المغرب