أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - منسي الطيب - شعراء الرافضة وشيوخ الصحراء















المزيد.....

شعراء الرافضة وشيوخ الصحراء


منسي الطيب

الحوار المتمدن-العدد: 2145 - 2007 / 12 / 30 - 01:54
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


جـئـتُ لا اعلم من أين ولكني اتـيـتُ
ولقد ابصرتُ قدامي طريقاً فـمشيتُ
وسأبقى سائراً إن شئتُ هذا أم أبيتُ
كيفَ جئتُ؟ كيفَ ابصرتُ طريقي؟ لستُ ادري!

لم أجـد معنى يـفصحُ عن الجهل الفطري الملازم للأنسان ويـبحث عن الحـقـيقـة بكل تواضـع أبلغ من ذلـك الذي رسمه شاعـرُ المهجر الكبـيـر إيليا أبو ماضي في أول رباعية من رباعيات طلاسمه الرائعة. ذلك الشاعـر الذي خاض غبار البحث عن الحقيقة فلم يبتغ بفلسفتهِ الجريئة والبريئة وكل تساؤلاته المشروعة غير الحق الضائع في ظلمات السبل البشرية المتشعبة والمتشبعة بالجهل القابع في عقول ومخيلات واذهان الناس القاصرة. فهـل ، يا ترى ، اناط هذا الفيلسوف عن الحقيقة خمارها الأزلي؟ وهـل كشف لنا عن حقيقة كامنة في سر الغيب المبرقع؟ وهـل داوى في محاولاته الشعرية من شـكى وما زال يشكو صداع الجهل في عالم كعالمنا مجهول الهوية مفتقر الى من يأخذ بيده بعيدا عن قصعة احاديث ابي هريرة وإلاهه الشاب الأمرد؟! أم أنه زادنا جهلاً وحيرة حينما لم يجد مـَـن يرد على طلاسم أفكاره التي تكاد تشبه في كـل خيال من خيالاتها الواسعة أفقـاً ألمعيا بعيد المدى من آفاق عالمنا الرهيب المبتلى بإرهاب من يدعون امتلاكهم للحقيقة المطلقة والممتحن بفتاواهم المبكية المضحكة المحرضة على ملاحقة الانسان وقتله وتدمير حضارته ومقدساته؟!

حسبُ إيليا -- تواضعا وهذا هو ديدن أغلب الفلاسفة والمفكريـن -- في رائعته الشهيرة "الطلاسم" وغيرها ، أنه لم يدّع ِ في كل محاولاته ما ليس له به من علم ولم يجرؤ رغم شجاعة افكاره أن يفنـّدَ رأيَ هذا او يدحض أفكارَ ذاك ، وإنما تركها مجرد تساؤلات إنسانية، حملتْ في مضمونها التفكر في خلق الله العجيب ، قد ترقى إلى مرتبة الإستفسار وقد لا ترقى ، لكنها وفي الحالتين لم تجد لها جوابا شافيا ومقـنعا ، ولحد الأن ، رغم ان الشيخ الفاضـل عبد الحميد السماوي ردّ بمساجلته البديعة "اثباج الطبيعة" على قصيدة الطلاسم بكل ما أوتيَ من افكار و قيم نبيلة وقدرة صادقة في التعبير ، إلا ان الحقيقة ليست دائما كما تبدو لطلاب الحقيقة! يقول الشيخ السماوي رادا :

جـئـتُ لا اعـلــمُ إلا انـني جـئـتُ لأعـلـمْ
فـتخـطـيتُ بكوني ساحة الكون المطـلسـمْ
حيثُ ساد الصمتُ لولا وحيُ عجماء لأعجـمْ
حـيـثُ لا هـامـــسُ إلا وهــو مثـلي لـيـس يـدري!

عـدمٌ كـنـتُ ولـكـنْ لســتُ أدري مـا الـعـدمْ
مـاجَ تـيـارُ وجـودي بـوجـودي واحـتـدمْ
فـاذا لي الـفُ لحن واذا لـيْ الـفُ فــمْ
وإذا بـيْ اتـنـزى فـي خـلـيـط ٍ لـيـس يـدري!

وبالرغم من حرية الفكر والتفكير التي كفلها وشجع عليها الإسلام المحمدي الصحيح -- وعلى القارئ ان يضع الف خط وخط تحت كلمة الاسلام المحمدي الصحيح -- إلا ان هذا الشاعر ، أبا ماضي ، كغيره من الشعراء والمفكرين، لم يسلم من نعوت الكفـر والضلال وكل الصفات الجاهزة التي يبدع بها غاية الإبداع كثير مـن أئمة الجهل والتخلف وشيوخ التكفير الذين ، لحد الآن ، لم يفلحوا بشيء سوى محاربتهم لأي محاوله لفهم الحياة والدين بالطريقة التي قد ترقى بالعربي المسكين الى مستوى الانسانية وتصل به الى استيعاب فلسفة الحياة وتثمين كل لحظة من لحظاتها المقدسة ، وليس التي تمثلها أدمغة هؤلاء الشيوخ المشوهة وشخصياتهم المنفصمة، وكأن الدين والحياة وفهمهما حكرٌ على تلك الضمائر التي لا يـؤنبها شيء في هذه الوجود اكثر من عدم الطاعة والتسليم المطلق لما تمليه عليهم رغبات ونزوات أولياء أمورهم ونعمتهم من السلاطين والحكام على مر الأزمنة. حتى أصبح مجرد الإطلاع على نتاج شعراء مثل إليا أو معروف الرصافي أو جميل الزهاوي من الممنوعات في المملكة السعودية والتي توجب دخول النار ، ناهيك عن خمريات أبي نوّاس ، فتراهم قد قسّموا الأدب العربي ونتاجات الشعراء الى اقسام ، فمثلا: الفرزدق وأبو الطيب المتنبي وابو تمام والبحتري وابو فراس الحمداني وغيرهم من الأسماء والنجوم اللامعة في دنيا الأدب قد وضعوهم في خانة شعراء الرافضة!
لا نعرف لِــكم من عباقرة العالم الإسلامي والعربي سوف تـتسع هذه الخانة الضيقة لو فتحنا بابها على مصراعيه تحت عنوان الرفـض أو ما يسمى بالـرافضة؟! هل سيبقى شاعر او أديب او عالم اسلامي أو عربي في أغلب علوم اللغة والنحو والطب والرياضيات والمنطق والعروض -- القائمة طويلة جدا -- ليس رافضيا أو منعوتا بالرفض؟!
ما هو مفهوم الرفض عند هؤلاء الشيوخ؟!
لماذا يكون المتنبي العظيم رافضيا ويُـنمى الى مذهب معين وهو المتنبي الذي ملأ الدنيا غناء وحكمة وعبقرية؟! ولماذا يكون الخليل ابن احمد الفراهيدي رافضيا وهو الفراهيدي عالم الرياضيات والموسيقى وصاحب علم العروض الذي يضرب هؤلاء الشيوخ المتشددون بعرض جداره كلَ شعر لا يمت بصلة لقواعد علمه وتفعيلات عروضه الشعرية؟!
أمّـا بشار ابن برد وأبو العلاء المعري -- مع كل ما أوتيَ من حكمة وفلسفة ( ورافضي في نفس الوقت) -- فهما من شعراء الزندقة ، اما الأدب الخليع ، حدث ولا حرج ، فنزار قباني على رأس القائمة!
الطريف ان اسم نزار قباني قد أدرجَ مؤخرا في قائمة شعراء الرافضة واصبح يُلعن كلما ذ ُكِـرَ في كتب وفتاوى هؤلاء الشيوخ ، ولا نعرف لماذا يستحق هذه الرجل اللعن؟! ألأنه رافضي ، أم لأنه ابتعد في اغلب قصائد شعره الحر المتمرد على قوالب علم العروض الذي جاء به الفراهيدي الرافضي؟!
ذلك لأن الأدب الفريد والشعر الحقيقي الذي تجوز قراءته عند شيوخ الصحراء هو فقط نـتـف من شعر حسان بـن ثابت وديوان ابي العتاهية ، حتى وصل الامر بهم انهم قد اشترطوا في فتاواهم واجوبة السائلين ان تكون لدى قارئ الشعر او المطــّلع عليه الـنـيّة المسبقة لمعرفة القران من غرض قراءة الشعر ، وإلا أثِـمَ وارتكب محرّم! وكأنما هم حقا عرفوا القرآن وساروا على نهجه القويم لكي يبعدوا الناس عن مجرّد الإطلاع على الشعر والأدب إلاّ بغرض النية المسبقة لمعرفة القرآن الكريم ، ناسين او متناسين المقولة المنسوبة لعمرابن الخطاب ان الشعر ديوان العرب ، وان القرآن جاء في مجمل آياته على نسق شعري من حيث الوزن الموسيقي والقافية او السجع المتبع في اغلب الجمل والآيات القرآنية!

هذا الإنغلاق الفكري تجاه الأدب والشعر ورموزة نجده حتى عند بعض الشيعة ، رغم ان اغلب علمائهم ومراجعهم الدينيـيـن يقرضون الشعر ولهم دواوين وقصائد فريدة من نوعها في الغزل والنسيب كما هو شعر السيد الحبوبي الذي يقول في احدى قصائد الغزل:
يا غزال الكرخ وا وجدي عليكْ كاد سري فـيـك أن ينهتـكا
هـذه الصهباءُ والكأسُ لـديـكْ وغـرامي فـي هـواك احـتـنكا
أعطـني كأسا وخـذ كأسا إليـكْ فـلـذيذ العيـش أن نـشـتركـا
واذا جـُدتَ بها من شـفـتـيـكْ فاسقـنـيها وخـذ الأولى لـكـا

وبالرغم من ذلك ، إلا أنهم لا يشجعون العامة من الشعراء إلا على الشعر الذي تكون لظلامة أهل البـيـت السمة البارزة فيه ، او يكون الهدف من كتابته مدحهم او رثائهم كقول ابي فراس الحمداني في قصيدته "الشافية" التي يبـيّـن فيها مظلومية آل محمد واغتصاب حقهم الشرعي بإمامة الامة بعد الرسول:
الحقُ مهتـظـمٌ والـدينُ مخـترمُ وفـيءُ آل رسـول الله مـقـتسمُ
بنـو علي رعايا في ديارهـمُ والأمرُ تملـكهُ النسوانُ والخـدمُ

ما احوج ما يسمى بشيوخ وعلماء الدين -- والعلم بطبيعته ابعد ما يكون عن جلهم -- أن يفهموا ان الاسلام كديـن سماوي ينأى بتعاليمه ويترفع بقيمه وسلوكياته عن هذا النوع من التقوقع والإنعـزالية في التفكير والهروب من المعرفة والتعرف على اسباب المشكلة الحقيقية التي يعاني منها العقل العربي.
الشعر هو قرآن العرب الثاني حيث تجد فيه الحكمة والأخلاق التي جاء النبي ليتممها في هذه الأمة وينفخ في جسدها روحَ الله الباقية فيها ما بقي للكلمة الطيبة لسان ناطق يبحث في خصوصيات هذا الإنسان الغريب في هذا الوجود ليعرّفه بسايكلوجية نفسه الظالمة التي يترجمها ابو الطيب المتنبي الى حقيقة علمية كانت غائبة حتى عـن علماء النفس الإنسانية ليقول لهم:

والظلمُ من شيم النفوس فإن تجدْ ذا عـفـةٍ فـلعـلةٍ لا يـظـلمُ

لماذا لا يبحث هؤلاء الشيوخ – إن كانوا قادرين -- عن العلة بدلا من تحريمها على من يريد ان يتعرف عليها؟! لماذا يفتخرون على مَـن سواهم من الأمم والاقوام بنتاجات واعمال هؤلاء الشعراء (الانبياء) وفي نفس الوقت يكيلون لهم التهم الجاهزة ويتـنكرون لهم ويضعون اسمائهم في خانات طائفية وعنصرية ضيقة؟! ماذا سوف يبقى لهؤلاء الشيوخ وأمتهم من أدب وحضارة وجـل رموز هذا الأدب وبناة هذه الحضارة وحملة علمها ورسالتها هم من الرافضة الذين يكفرونهم شيوخُ الصحراء ويستحلون دمائهم؟!



#منسي_الطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...
- بسبب متلازمة صحية.. تبرئة بلجيكي من تهمة القيادة ثملا
- 400 جثة وألفا مفقود ومقابر جماعية.. شهادات من داخل خانيونس
- رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي
- الشيوخ الأميركي يقر -مساعدات مليارية- لإسرائيل وأوكرانيا
- رسالة شكر من إسرائيل.. ماذا قال كاتس لـ-الشيوخ الأميركي-؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - منسي الطيب - شعراء الرافضة وشيوخ الصحراء