أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ديرار عبد السلام - في ضيافة الفلسفة بالمعنى الجديد -قراءة في كتاب عبد السلام بنعبد العالي : -لعقلانية ساخرة -















المزيد.....



في ضيافة الفلسفة بالمعنى الجديد -قراءة في كتاب عبد السلام بنعبد العالي : -لعقلانية ساخرة -


ديرار عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 2143 - 2007 / 12 / 28 - 01:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يمكن أن يجادل إلا مزيف مأجور أو مستلب يغط في الجهل و الضياع ، في كون العرب و المسلمين يمرون اليوم بواحدة من أحلك مراحل تاريخهم الطويل ، لأنهم اليوم مستهدفون من قوى لاغتيال الحياة عديدة محلية و خارجية تلتقي مصالحها في التنكيل بالإنسان العربي و المسلم و الدفع القسري به نحو أدنى مراتب الآدمية لتسهيل نهب خيراته و تعطيل السيرورة الطبيعية لمشاريعه و إمكانياته الحضارية ) كبقية شعوب الأرض ( هذا بالنسبة لقوى الاغتيال الخارجية على الخصوص، و للانفراد بالاستهلاك السفيه لتلك الخيرات و توزيعها العابث على الأهل و المخبرين و العملاء و الأصحاب بدون حسيب و لا رقيب )بالنسبة لقوى الشر المحلية ( . و بناء على ذلك أمست حاجة العرب و المسلمين أكبر من ماسة إلى مفكرين و مثقفين حقيقيين يصدحون بالحقيقة و يرفضون التواطؤ الرخيص، و الأكثر من ذلك و الأهم منه، مفكرين يعلنون الطلاق مع الزائف من الأسئلة و البالي منها ، فادرين على زعزعة استقرار السائد من التصورات و اليقينيات ، مالكين الزاد الضروري المؤهل للامساك بمواطن الداء.
و فيما يخص حقل الفلسفة على الخصوص الذي يمثل عاملا بؤريا في مصيرنا بشكل عام لما له من موقع حاسم في تحريك العقل و تنشيط الميتا-معرفي بعد شبه تلف بفعل الفعل التسطيحي والتخريبي الخبيث لقوى الشر التي تراهن على أن ننام إلى الأبد ، هذا الحقل الذي بين تضاريسه يصول و يجول الكتاب الذي نسعى لقراءته في هذه الورقة ، فلا يمكن الجدال في كوننا في حاجة قصوى إلى من يعمل بكل إصرار من أجل اختراق النموذج التقليدي للعمل الفلسفي الذي تستمر و تكرس أصداؤه في سماوات فصولنا الدراسية و مدرجاتنا الجامعية في الغالب ، ذلك النموذج المهترئ الذي ينظر للفلسفة "كمؤسسة للحقيقة أو خطاب للكينونة أو ملكوت للعقل أو سلم للقيم" ، و بالتالي فأبحاثها الأساسية تتركز-تبعا لهذا التصور التقليدي- حول الوجود و أصله و غاياته و دلالاته...،و الروح و مغازيها و علاقتها بالجسد و بالفناء...و...والخير و الشر و درجاتهما و البون بينهما...، وهو النموذج الذي لا يدرك أن التفلسف يصار إلى ممارسته اليوم بأسلوب جديد ما دامت الحكمة لم تعد مشروعا أو مذهبا أو نظرية، و لا يهمها مطلقا أن تتشخص في شكل نسق أو أن تتخذ طابعا برهانيا...،بل هي أساسا نقد و خلخلة و تفكيك للأفكار وللوقائع أساسا أخذا بعين التقدير كون الإنسان وقضاياه يشكلان الموضوع المركزي للفلسفة بالمعنى الجديد.
أ-مستويات قيمة الكتاب:
-1تكسير المألوف في صيغ عرض المنتوج الرمزي:
كل قارئ للكتاب يجد نفسه أمام نموذج ناذر في عرض الأفكار و الاشتغال الفعلي للعقل على موضوعات ، خصوصا في السياق الثقافي العربي، إذ لا نجد إلا قلائل يشتركون مع عبد السلام بن عبد العالي في هذه الخاصية )2(. فالكتاب ليس موزعا إلى أبواب و فصول ، ثم انه لا يضم ديباجة أو تقديما ، و لا خاتمة أو استنتاجات ، بل يجد القارئ نفسه مباشرة و بمجرد فتح الكتاب أمام عقل يشتغل بضراوة توحي بورشة حقيقية " للصناعة العقلية " بكل ما يمكن أن ترمز إليه من نقد و تفكيك وأدوات للخلخلة و لزعزعة اليقينيات، تتخذ شكل نصوص)44 نصا( تبدو للقارئ التقليدي و كأن لا رابط بين مواضيعها ، بل قد ينعتها البعض بالفوضى و العبثية أو على الأقل اللانظام، و إن هي إلا الروح الفلسفية الجديدة التي تفلت من " النمطية و اليقين و الوضوح و الجد و الوقار و الوثوقية" ومن القواعد التقليدية في التصنيف و التصفيف و العنونة و التبويب...، إننا أمام تنوع هائل في مواضيع تلك النصوص و الذي يمتد من تحديد " العقلانية الساخرة " أو العقل الساخر الذي هو على طرف نقيض مع العقول الجدية الواثقة من نفسها المطمئنة إلى صوابها المزهوة بوقارها ،إلى الفكر و أشكال المقاومة ، ثم إلى الهاجس التوحيدي الذي يتوهم العمل النظري و كأنه يتم بصيغة المفرد، و بيان كون الرؤية النظرية باتت تكتفي ببعث الفراغات بعيدا عن منطق التوحيد و الإخضاع لسيادة الكل. ثم إلى خلخلة مدوية لمنطق الحرب الأمريكية على العالم، و ل "الشائعات و الأخبار " و مركزية مفهوم الشائعة كفضيحة بالنسبة لثنائية الصدق و الكذب )كلها ثنائيات ميتافيزيقية( .ثم خلخلة لنظرية " صدام الحضارات " تعريها و علاقتها ب"سياسة الحقيقة" و تدبيرها في عالمنا المعاصر . و تورط في مناقشة الآليات الجديدة الماكرة للتحكم في رقاب البشر بالمجتمعات الحديثة من خلال تعميم الخوف من الخوف.
و كلما توغلنا في قراءة الكتاب ، نصاب بالذهول أمام تصاعد وثيرة و ضراوة التفكيك ، ففي ورشة بنعبدالعالي تتعرى الديمقراطية )بمواطنها الأصلية( من ديمقراطيتها ، و تظهر جلية حقيقة الإعلام كخالق لوهم "الرأي العام ". كما تنكشف "تعددية " أحزابنا و جمعياتنا نحن و تبدو واضحة مجرد تشرذم و تعداد حسابي رياضي لا تعددا ما دامت " قوة الحزب و تعدديته هي أن يمكنك أن تقيم "فيه " لا خارجه و بجانبه ". كما تتساقط الأوهام التي تطابق بين الغرب و الحداثة بكشف العقل الساخر أن هذا الغرب " حداثة و تقليد ، أنا و آخر ، تراث و معاصرة ، و هو ليس كائنا موحدا أبدا إلا في ذهن الإيديولوجيات التي تجد نفسها، بما هي إيديولوجيات ، مضطرة لأن توحد خصمها و تغفل الاختلالات التي تنخر جسمه فتتوهم وحدته ، بل تتوهم اتحاده و تطابقه مع الحداثة ذاتها ".
ثم إن الكثير من الرائج في أدبياتنا عن العلاقة بين المثقف أو الكاتب أو الكتابة و المؤسسة يبدو جد موغل في التخلف و السذاجة من خلال حرص بنعبدالغالي على إعادة تقديم " منطق " العلاقة و روحها كما قدمها مفكر كبير هو رولان بارت الذي يعيد لنا بنعبد العالي قراءة قوله الشهير : " لست أعني بالأدب جملة أعمال و لا قطاعا من قطاعات التبادل و التعليم و إنما الذي تخلفه أثار ممارسة هي ممارسة الكتابة ، و أقصد أساسا النص ، و أعني نسيج الدلائل و العلامات التي تشكل العمل الأدبي ، ما دام النص هو ما تثمره اللغة، وما دامت اللغة ينبغي أن تحارب داخل اللغة. سيان عندي أن أقول أدبا أو كتابة أو نصا " . فلا معنى عند بنعبدالعالي بعد بارت لممارسة الكتابة دون خدش ، أي دون خلخلة و زحزحة الأوثان . و ما يلزم الإلحاح عليه هنا عند بارت و يعيد بنعبد الغالي قراءته بشكل رائع منتج هو كون المقصود ليس هو المؤسسة السياسية ) كما هو مشهور و رائج ( أو الاجتماعية أو الدينية ، و إنما " مؤسسة المؤسسات " التي هي اللغة ، فساحة الوغى الحقيقية بالنسبة للكاتب هي اللغة و هنا نفهم إصرار بعض المفكرين و الكتاب الكبار على أنهم لا يكررون ذواتهم أبدا ، بمعنى أن كل نص جديد لهم هو بمثابة حرب جديدة ضد تجمد اللغة و تحجرها أو اجترارها و دورانها حول مركز.
و بارتقاء " ورشة " بنعبد العالي " العقلانية الساخرة إلى مستويات عليا من النشاط و الإنتاجية ، ينخرط في مناقشة علاقة الثقافات بالزمن ) و ما أحوجنا إلى سيكولوجيا الثقافة ( ليكشف أننا ) في السياق العربي ( نحيا الزمن باعتباره حاضرا أبديا ، و لذلك نظل عاجزين عن اللحاق بما يدور حولنا. و يعود مرة أخرى ) هنا في هذا الكتاب ( لسلطة الرمزي ول بيير بورديو ) و كم هو جميل و مثمر إعجاب متفلسف بالمعنى الجديد ببورديو ! ( . و يعيد رسم مفهوم الأزمة في حقل إنتاج الخيرات الرمزية ، حيث تتداعى مألوفاتنا عن هذا المفهوم و نكتشف و كأننا نبدأ من جديد !. و يعود بنعبد العالي ) و للعودة هنا أكثر من معنى ( للغة باعتبارها المستوى الأرفع و الأرقى ل :"الصراع الطبقي". و يتورط في مناقشة مسألة التراث أو " الأثر " بأسئلة ومنطق يجبر القارئ على الاقتناع الراسخ بأن الأمر يتعلق بحقل بكر أو مشروع ينتظر أربابا حقيقيين يخوضون فيه ما دامت كل الكتابات المتضخمة عندنا حوله تنكشف بعيدة كل البعد عن إدراك مركباته . ثم يحفر عميقا في " النظام الجديد للحقيقة " " و في " العودة الكاسحة للروح " في عصرنا الحالي ) العصر المدعى له عصر العقلانية و المجتمع لحديث ( ،و في " أزمة القراءة " و " أزمة الكتابة " ، و في علاقة البرامج الثقافية لوسائل الإعلام باجترار الاستفسارات بدل إنتاج الأسئلة) طبعا لخلق القطعان في الاعتقاد لا خلخلة المعتقدات و المسلمات( ، و في منطق " الصناعة الثقافية " في عصرنا الحالي ، و في صناعة الكائن النجم ) شاعرا كان أم مفكرا أم ممثلا أم لاعب رياضة ما ...(. و أخيرا يغوص بنعبد العالي - تفكيكا و خلخلة - في عمق نظرة الغرب " الغير الطبيعية" بل الدونية لنا. و يعود إلى مبيضّة الكاتب ) النص الناصع النقاوة بعد أن وضع الكاتب حدا نهائيا للمراجعة و " التوسيخ " و " التشطيب " و إعادة النظر...(، التي تتحول إلى مسودة القارئ.)أعترف بالمناسبة أني حولت كتابه إلى مسودة(.
ثم و كأني به في أخر مقاطع الكتاب سباحا أسطوريا يسعى لانتشال الحشود من غرق محتوم في بحر عبادة الخبر ، هذا الجحيم الذي تعده و تحرسه وسائل الإعلام المعاصرة المسموعة و المرئية و المكتوبة ، و التي تعمل بآلياتها الخاصة على التقريب الشديد للسامع و المشاهد و القارئ من الوقائع لمنعه بذلك من إدراكها ، بل لتضيعه في جزئياتها بجعلها تضيع و تتحلل و تتفتت بل و تتلاشى و تضيع أية امكانبة لتأثير ويلاتها مهما بلغت درجة مأساتها على سامعها أو مشاهدها أو قارئها .
و يختم بإشارة ماكرة ذكية في شكل جواب على نصيحة صاحب له ) من الذين يغطون في نوم الفلسفة بالمعنى التقليدي ، و طبعا لا يقول بنعبد العالي ذلك ( ، إلى " الحداثة و الشعرية و البلاغة و البنيوية و التفكيكية " التي باتت كلها في اعتقاد صاحبه ) النائم ( " ما بعد " ، في الوقت الذي يسارع فيه هو ) أي بنعبد الغالي( الخطى للحاق بما يظهر أنه أصبح في طي الماضي.
تلك مواضيع متعددة و متنوعة جاور بينها بنعبد العالي في الوقت الذي تبدو فيه مختلفة و متنافرة و لا مجال مطلقا للتجاور بينها ضمن التصورات التقليدية للفلسفة و لعمل المشتغلين بها.

-2تجسيد الهزة العنيفة التي عرفتها الفلسفة في العصر الحالي :
" لعقلانية ساخرة " كتاب فلسفة بامتياز، فهو كتاب لا يمارس الدعاية لمدرسة أو نظرية أو إيديولوجيا ، بل يمارس التفلسف بجدارة بصدد قضايا و وقائع و أفكار محددة ، و القضايا التي يشغّل عليها " ورشته " الساخرة التفكيكية و الحفرية هي من صميم مواضيع الفلسفة بماهيتها الجديدة ، إنها قضايا الإنسان أساسا . ثم انه يفلت كلية من مزلقين يقع فيهما أغلب المشتغلين بالفلسفة في سياقنا الثقافي العربي: الغرق في التراث و التغني طول العمر بعقلانيته و السبق فيه للطب و الفلك و الهندسة ، و لقيم الحق و العدل و الخير و الجمال، أو استنساخ ما ينتجه فلاسفة الغرب. و في كلتا الحالتين يكون المشتغل بالفلسفة مجرد اسم يكرسه الحاكم " فيلسوفا ")زائفا( بالدعاية له ليملأ الفراغ و ليعمق غياب الفلسفة و روحها . والحال أن بنعبد العالي بكره أن يكون مجرد " كائن تراثي " و يرفض أن يجتر مذهبا أو مدرسة أو تيارا.
و إذا كان علي حرب في كتاب مشهور له )3( يكشف أن التفلسف قد عرف هزة عنيفة و نقلة نوعية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الهزات العديدة التي عرفتها الفلسفة عبر تاريخها الطويل ، و أن التفلسف اليوم يمارسه أهله بصورة مختلفة ، إذ لم يعد الفيلسوف هو الناطق باسم الحقيقة أو مرآتها أو شاهدا عليها أو شهيدا من أجلها ، بل الفيلسوف الفعلي اليوم هو الذي يمارس نقد الحقيقة و يفكك خطابها أو يهدم مؤسساتها و يكشف ألاعيبها ...، وهو أساسا القادر على ممارسة الحفر و التفكيك، إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لحرب ، فان بنعبدالعالي يمارس بالفعل هذه الهزة العنيفة و هذه النقلة النوعية في الفلسفة ، في شكل تفلسف فعلي بعقل جديد فعلي ، ذلك العقل الساخر من نفسه أولا ، عقل يؤلف و يركب أكثر مما يحلل و يقسم ، يعلن الحرب على الأوهام ، أولها وهم الحقيقة و بعدها أوهام الأخطاء، يرفض كل سلطة و لا ينصّب نفسه سلطة، بل و من شدة "رياضته " و " لياقته " بات " ساخرا " ، " محيّرا محتارا " ، ميالا إلى الشك و النقد و...مأساويا....
نحن في كل محطة من محطات الكتاب أمام تجسيد لتخلي الفلسفة عن الخطاب العمومي و الشمولي و عن منطق الكلية ، بل إننا أمام أشارات كبرى إلى كون الفلسفة بهذا المعنى قد "انتهت و حلت محلها العلوم الإنسانية "، و الفيلسوف الفعلي اليوم هو الملم بهذه العلوم، المشتغل بأدواتها ، المتملك لمفاهيمها . و القارئ المتفحص لكتاب بنعبد العالي ) بل لأغلب كتبه( يلاحظ الإعجاب الكبير ب : بيير بورديو ، و الحضور القوي ل : رولان بارت و ميشيل فوكو ، جنبا إلى جنب مع نيتشه)العميق لا السوقي( و دولوز . هذا هو الفيلسوف بالمعنى المعاصر ، انه فيلسوف و عالم اجتماع و عالم نفس و انتروبولوجي و مؤرخ و عالم لساني و ناقد أدبي ...) طبعا بمعنى خاص و ليس بالمعنى التخصصي الأكاديمي(.
وإذا أخذنا في الحسبان كون العلوم الإنسانية في سياقنا الثقافي العربي لم تتشكل بعد ، أو بالأحرى إذا أخذنا في الحسبان شبه الحظر المفروض على هذه العلوم و على رأسها السوسيولوجيا )مناقشة الباحث للدكتوراه هنا معناه التقاعد الإجباري على مستوى إنتاج الخيرات الرمزية اللهم بالنسبة ل " سوسيولوجي " السلطان أو "الحزب"/الزاوية و كلاهما سواء لأنهما معا زائفان( ، ندرك حجم المجهودات الإضافية و المعاناة الحقيقية التي تستدعيها ورشة بنعبد العالي لتشتغل و تفضي إلى " منتوج " كالذي نحن بصدد قراءته.
-3تجسيد كون الفلسفة اليوم هي نقد و حفر و تفكيك:
الفلسفة هي النقد و الحفر و التفكيك و "الخدش" ، هذا ما يجسده بنعبد العالي في شكل " تمارين " فلسفية فعلية على مواضيع من الحياة و الواقع أساسا ) و لا شيء غيرها ( ، تلك التي قصدنا الوقوف عندها مطولا في المحطة الأولى من هذه القراءة . إنها قضايا الإنسان بكل أبعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية...، يجابهها بنعبد العالي حفرا و تفكيكا ، فيزيح أقنعة و يفتت " حقائق " و يشكك في مسلمات و يجعل المألوفThe ordinary) ( غير مألوف
(An extraordinary) و يفتح الآفاق و يخلق المفارقات و يدفع إلى الدهشة و الحيرة و يفكر فيما لم يفكر فيه بعد أو فيما يراد عدم التفكير فيه.
و لا يشكل التنوع الهائل للموضوعات التي يخوض فيها بنعبد العالي عائقا أمام اشتغال ورشته ، وليس الخوض في كل هذه المواضيع بكل هذا التنوع " تطاولا " و لا "غرورا و خروجا عن جادة التواضع " !! ، لا لشيء سوى لكون الحفر و التفكيك شكل من أشكال التفكير جديد يفيد صاحبه و الذين يمارسونه من كل الانجازات الفكرية التي تحققت ) ; و تستمر في التحقق ( في مجالات اللغة و السيمياء و الانتروبولوجيا و التاريخ و السوسيولوجيا و الابستمولوجيا و التحليل النفسي و العلوم المعرفية الجديدة ...، انه مشروع نقدي شامخ و لا خصب " لا يكتمل و لا يتكامل ، بل يفترض دوما إعادة التفكير و الصياغة و الكتابة " ، و خصوبته تتجسد في كونه لا يشبه في شيء المناهج التقليدية التي لا يمكن تشغيلها إلا على ظواهر محدودة، و في قابليته " النزقة" لاستكناه بواطن ظواهر متنوعة و مختلفة) مادية كانت أم رمزية ( . ألا نصادف بورديو فيلسوفا و دولوز سوسيولوجيا و بارت فيلسوفا و سوسيولوجيا و فوكو سوسيولوجيا و مؤرخا و محللا نفسيا ؟.

-4تعليم المشتغلين بالفلسفة في " فلسفتهم ":
نكرر أن كتاب " لعقلانية ساخرة " كتاب فلسفة بكل شيء فيه ، إذ بالإضافة إلى كل ما سبق تضع قراءته المتأنية صاحبها وجها لوجه أمام استهداف جد " مهذب " و راق / فلسفي للمشتغلين في الحقل الفلسفي في السياق العربي )أو لمعظمهم على الأقل ( . و بصريح القول و " وقحه " نحن أمام تعليم لهؤلاء " الفلاسفة " في " فلسفتهم ". و بعيدا عن مقولات مثل " العصاب " كما استعملها جورج طرابيشي في نقده لحسن حنفي ، أو مصطلح " المذبحة " كما فعل مع الجابري، و بعيدا عن وصف المشاريع الفكرية للجابري ب " قصر من كرتون " كما فعل هاشم صالح مع مشروع الجابري ، بعيدا عن مثل هذا النقد الإيديولوجي ، و بعيدا حتى عن حرب الذي تعتبر أدواته النقدية أكثر تطورا و قدرة على فتح إمكانيات للتفكير هائلة في نقده للجابري و أركون ، فان بنعبد العالي يكتفي بممارسة التفلسف بالطريقة الأكثر جدة ، و هو – بذلك – إنما يعري كل الذين شاخوا نياما في الفراش الحريري للفلسفة بمعناها التقليدي ، و كل " السعداء " في " تأملهم " و " حقائقهم " و مناهجهم الصارمة و وقارهم المنفوخ فيه بالآلة الجهنمية الإعلامية ...لا يشير بنعبد العالي إلى أحد و لكن قارئ الكتاب يصدم بكون المشهورين بالبحث في التراث لا يدركون حتى علاقة هذا التراث بالزمن و جدلية الحضور و الغياب فيه ، و بالتالي فكل أسئلتهم و كل مشاريعهم تبنى على طرح مغلوط ، كما يكشف القارئ زيف الكثير من الأسئلة السائدة حول اللغة و الترجمة وخصوصا حول طبيعة الفكر و منطق الكتابة في علاقتها بالمؤسسة...، إلى غيرها من الإشكاليات التي نتوهم أو بالأحرى يتم إيهامنا بكون بعض المكرسين / " النجوم " قدموا لنا أجوبة عنها .
و مما له أكثر من دلالة أن يخصص بنعبد العالي مقالا من المقالات الأربعة و الأربعين التي تشكل الكتاب لهامة من هامات الثقافة و الفكر العربيين المعاصرين ، ألا وهو عبد الرحمان بدوي الذي تنوعت اهتماماته و المواضيع التي اشتغل عليها إلى الحد الذي جعل بنعبد العالي يعتبر أن مؤلفاته " تشكل برنامجا ضخما يكاد يكون هو برنامج الثقافة العربية المعاصرة في سعيها نحو استخلاص الدروس من الفكر الأوربي ، و في محاولاتها للقيام بدراسات حوله و ترجمة روائعه ، لكن أيضا في اهتمامها بتراثها و تقصي أصوله و الوقوف عند منابعه ، و أخيرا في محاولاتها المتعثرة لفتح الآفاق و ارتياد طريق الابتكار و الإبداع ." إنها طريقة بيداغوجية فعالة بكل وضوح لتعليم الكبار المشهورين فيما اشتهروا به أو بالأحرى فيما كرسوا مشهورين به)و هو مغلوط ( ، لتتخربط الأمور ، أمور الفكر و الحياة ، و يتيه الجميع عن الطريق ، و تلك هي الغاية القصوى ل "القوى المضادة للحياة".
ب-في الوفاء لروح كتاب " لعقلانية ساخرة " ،و محاكاة نموذج القارئ الذي ينشده بنعبد العالي:

في واحد من النصوص المشكلة للكتاب ، يحفر بنعبد العالي في سيرورة تحول النصوص من مسودات بكل ما ترمز إليه من " حرية الكتابة طولا و عرضا " ، يمينا و يسارا "، " على السطور و بينها و خارجها "...، و من " إمكانية البدايات المتكررة للنص " ، و من فرص التراجع و الزيادة و النقصان ، و بلغة عادية : إمكانية الأخذ و الرد ، قلت انه يحفر في سيرورة التحول من كل ذلك إلى نص نهائي " ناصع النقاوة " و قد تخلص صاحبه من " مكابدة الفكر " و من " محنة الكتابة " ) و إنها حقا لجحيم و عذاب فادح ، هذه التي يتحدث عنها بعض " مثقفينا ")المكرّسين ( بصيغة المتعة !! ) هنيئا لهم !(، بينما يعتبرها فلاسفة كبار آخرون مجالا للآلام المبرحة ( . إلا أن هذا النص " النقي " " الطاهر " سرعان ما " يسوده القارئ " ) بتعليقاته و حواشيه ( ، لا لكون " القراءة ليست في آخر المطاف إلا تنقيبا يائسا عن مسودة الكاتب الثاوية خلف الكتابة النقية الطاهرة " كما يحصر بنعبد العالي المسألة ، و لكن لكون القارئ الفعلي ، القارئ الناقد الحافر و المفكك هو الآخر ، يمسك بمواقع " الإضمار " و " التستر " و " التحفظات " ....، أو بلغة " سوقية " مواقع غياب الجرأة المطلوبة في النص ، أو على الأقل محدوديتها ، و كدا حدود اشتغال العقل الساخر و خلفيات اختيار مواضيع دون غيرها )رغم استفزازها الزائد ( لسخريته و نقده ، بل و حتى مزالق له . أليس "الانفصال " طبيعة للفكر ؟ ثم أليست مهمته هي "بعث الفراغات " و " فتح الأبواب " و شرع إمكانيات التفكير فيما لم يفكّر فيه بعد ؟
و إذا كنت قد حاولت الإمساك ببعض مستويات قيمة كتاب بنعبد العالي " لعقلانية ساخرة " دون أن أدعي الإحاطة بكل جوانبه ، فان أروع ما يخلفه عند قارئه هو " استفزازه " له و جره ) القارئ الفعلي( إلى تحويل " مبيضته " إلى " مسودة " . إن قارئه كالداخل إلى ورشة فعلية يتخذ إغراؤها للزائر شكل تحريض على ممارسة الحفر و التفكيك و الخدش . و لا هرب من إن يتخذ الحفر هنا شكلا لا يمت بصلة للأساليب التقليدية الإيديولوجية أو القائمة على التمييز في القول بين الخطأ و الصواب ، بين العقلاني و الغير عقلاني ...، لأننا بذلك سندخل على بنعبد الغالي بمنطق غير منطقه و بالضبط ب ب "عقلانية " غير عقلانيته بل متجاوزة بالنسبة له ، ولا نملك إلا اجترار أنها كذلك . فالنقد المنتج و الخصب للمنتوج الرمزي و الفلسفي بالخصوص – كما يقول بنعبد العالي – لا يستقيم بنفيه أو تأكيده ، بل هو الذي ط يؤلف و يركب "و "يبتكر أشكالا ملائمة للمقاومة و تحرير قوى الحياة " ، انه القادر على التفكير فيما لم يفكر فيه صاحب النص الذي يتم الاشتغال عليه . إن قصدنا هنا هو التفكير فيما أتاح لنا " نص " بنعبد العالي التفكير فيه ) وتلك قيمة اضافية أخرى و أساسية للكتاب (.
-1مواضيع تتيح إمكانيات لنشاط "العقل الساخر " أكثر من بعض التي اختارها بنعبد العالي :
كما سبق إن فصلنا ذلك في المحطة الأولى من هذه القراءة ، فان بنعبد العالي يفتتح كتابه بتفكيك قصده بالعقلانية الساخرة و العقل الساخر ، فهو العقل النقدي و الميال نحو الغموض و الشك و السخرية و الهزل ، و هو الذي يؤلف و يركب أكثر مما يحلل و يقسم ، و هو القادر على ابتكار أشكال ملائمة للمقاومة و تحرير قوى الحياة . و ما يهمنا أساسا هنا هو أن هذا العقل هو " مأساة ساخرة و سخرية مأساوية "، إذ هنا بالضبط اشتبكت مع الكتاب و انهلت عليه " تسويدا " و " تشطيبا " ، و كتابة على السطور و بينها و في الهوامش ، كتابة مائلة و غائب فيها أي حرص على جودة الخط و استقامته....، هي معركة حقيقية دارت بيني و بين الكتاب ! ، فالعقل الساخر / المأساة الساخرة و السخرية المأساوية لا بد و أن يكون منجذبا طبيعيا نحو المواضيع التي تتيح له تفجير أكبر قدر ممكن من السخرية و الرقي إلى أعلى مراقي المأساة و النيل من أبشع قوى محاصرة الحياة ) لا الهامشية منها( ، اللهم إلا إذا تعلق الأمر بآليات و ألاعيب خاصة لهذا العقل تؤهله لفرملة عقلانيته و محاصرة سخريته . إن القارئ - الناقد للكتاب من المستبعد ألا يستغرب عدم الحضور الوازن لقضايا و معضلات و مفارقات الوسط الذي يحيا فيه صاحبه ، و الحال أنها أشد استفزازا للعقل الساخر بل منها ما يشكل مسخرات حقيقية و يتطابق حالها مع أرقى مأساة . و حتى النصوص القليلة المخصصة بشكل أو بآخر لقضايا و مشكلات هذا الوسط ، فان العقل النقدي و الساخر يستسيغ بصعوبة الزوايا التي تم النظر إليها منها : ففي نص رقم : 9 المعنون ب :" فلسفة الإشهار " نصادف بنعبد العالي و قد تحول بتفكيكه الفريد إلى نظير لخبير في آليات و منطق الإشهار ، و كشف عن عجز شاشاتنا عن الإلمام بخيوط اللعبة ، و كأني به صاحب سلعة لم تجد طريقها إلى الرواج نتيجة غباوة وسائل الإعلام ، أو كأني به من المطمئنين على قدرتنا الشرائية و لا مشكل إلا في الإشهار العاجز عن إثارة شهواتنا و جرنا إلى" الأسواق الممتازة " التي باتت " تغزونا " رغم أحوالنا ، لنأخذ حسب حاجتنا و حاجة كلابنا و قططنا ! ، و الحال أن متوسطينا أنفسهم ) طبعا بمقاييسنا( ينحدرون باستمرار نحو الأسفل بفعل العولمة و انفراد الأقلية القليلة بخيرات أوطاننا منذ زمان ، و حشودنا تحت عتبة الفقر ، و بوادينا و الأحياء المهمشة لمدننا تحيا خارج مقاييس الآدمية و لا تستهلك شيئا أكثر من دقيق )بحساب عسير( و ماء ، بحساب هو الآخر و ملوث في العديد من الحالات ، و القليل من السكر...، و هي كلها مواضيع بامتياز للعقل الساخر ، يبدو التركيز على الإشهار بالقياس إليها و في سياقها كبوة لهذا العقل و ضياعا لفرص باذخة لسخريته.
و في نص رقم 6 المعنون ب " صحوة الأجساد " يحفر بنعبد العالي في عودة الاهتمام المتزايد بالجسد و خصوصا خلال شهر رمضان بالنسبة لنا نحن المغاربة . و للاعتراف و الإنصاف ، فالحفر هنا عميق و منتج ، و لكن ألا تشكل " صحوة " خاصة للجسد عندنا موضوعا أكثر خصوبة و إثارة للسخرية المأساوية ، و بالتالي لنشاط العقل الساخر، و أقصد استفحال العنف الجسدي )سيوف تشهر في أية لحظة و سرقات و أعمال سطو لا متناهية تعتمد العنف الجسدي، و عصي خاصة للدفاع عن النفس تباع على جنبات الطرقات ...( . و هي ظواهر يمكن ربطها بدرجة كبيرة من الثقة )بلغة العلم طبعا لا بلغة الفلسفة ( بأحوال ثقافتنا وبالضبط بما آلت إليه أحوال المؤسسات المسؤولة عنها )خصوصا المدرسة ( ، والتي تنبئ بالغليظ من الأهوال . و قد ينتج " المتأمل " فيها فلسفيا روائع مأساوية و مآسي ساخرة فعلية . فأي صنف تعبيري غير المأساة قادر على حمل واقع كون صاحب الكرش المتدلية )و إن كانت محشوة تبنا ! أو منفوخة بعاهات ( يحضى باحترام الإنسان العادي و التاجر و رجل الإدارة و حتى مدير المدرسة ، وينظر بقليل من الاحترام الواضح للنحيف مهما كان شريفا و غير ملطخة يداه .
و ماذا عن أجساد بناتنا ) وحتى أبنائنا ( التي باتت تعرض للبيع بالتقسيط للوحوش الآدمية من " أبناء عمومتنا " و من الغرب المثخن بالحداثة ! ألا تشكل عودة خاصة للجسد و "صحوة " له ، لا بل " أرقا " فعليا من شأن تشابك عقل ساخر معه أن ينتج لامفكرا فيه فعلي ، و يكشف و يحاصر في نفس الوقت قوى )للشر ( مضادة للحية خبيثة .
و في نص رقم 13 المعنون ب " الديمقراطية و صناعة الآراء " ، و على الفلاسفة الجدد الكبار ك دولوز و غاتاري و بورديو حين استفزوا الديمقراطية في الغرب مبكرا ، كل بطريقته ، يكشف بنعبد العالي حفا و تفكيكا صعوبة الاستمرار في الحديث عن المجتمعات المسماة ديمقراطية بنفس المفاهيم التقليدية ، نتيجة الأثر الحاسم الذي أصبح لوسائل الإعلام ، فهي التي تتوسط لتخلق الوهم بأن هناك " رأيا عاما " ك خاصية أساسية للديمقراطية . كل هذا تفكير فيما لم يفكّر فيه لحد الآن ، ينم عن قدرة تفكيكية و تركيبة مدهشة تعلم القارئ التفلسف بالمعنى الجديد ، و تدفعه لتجاوز معنى الفلسفة بمعناها التقليدي و مواضيعها الكلاسيكية البالية. و لكن في كل الأحوال ، فالإنسان العادي في المجتمعات الغربية يجني الكثير من الديمقراطية ) على علاتها ( : ) تعميم التعليم ، مدرسة غير مسخرة كلية للسائدين ،الاستفادة من المنجزات العلمية في مجال الطب مثلا ، الإفلات من التهديد بسوء التغذية بشكل سافر و على نطاق واسع ، الحد الكبير من الرشوة و المحسوبية و التبعية الشخصية ، المساواة أمام القضاء ...(. فماذا كان العقل الساخر و المأساوي سينتجه لو تم تشغيله على " منجمعاتنا " نحن التي تحيا أحلك مراحل الاستبداد ، و لكن إلى جانب ذلك يوجد " البرلمان "و "الأحزاب " و " جمعيات و منظمات حقوق الإنسان " و " هياكل " خاصة بحقوق الطفل و المسنين ، و أخرى للنساء و...و..." ككاريكاتورات " بصيغة المطلق لما هو عليه الحال بالمجتمعات الديمقراطية فهل يمكن تصور موضوع لمأساة ساخرة و لسخرية مأساوية أبشع / أرحب من هذا ؟ !
و في نص مجاور للسابق يحمل عنوان " التعددية الموهومة " ، يعرب بنعبد العالي حفرا المنطق المرضي الذي يحكم تعددية أحزابنا و جمعباتنا و الذي يقوم أساسا على التنوع في الأشخاص و الزعامات لا على الاختلاف في الاختيارات و التوجهات ، أي أن التعدد هنا مجرد آليات متخلفة يكرسها النسق لخلق لأكبر عدد ممكن من " الولايات السياسية و والجمعوية " الضامنة للتشرذم و التي تساق للتنافس في خدمة السلطان (Power not authority) ، كما تستثمر في نفس الوقت لإضفاء طابع الشرعية على واقع المظالم و الحيف و الغبن و الجور و التسلط ) طبعا هذه لغة السوسيولوجيا !و لن نطالب الفيلسوف بها عارية !( .
و طبعا ينتهي بنعبد العالي إلى أن المشكلة ترجع إلى الخلط بين مفهوم التعددية و بين مفهوم " التعداد الحسابي الرياضي " ، و أن مفهوم " التعددية >" بمعناه الفعلي الصحيح " مفهوم باطني و ليس مفهوما خارجيا " و بالتالي فقوة الحزب و تعدديته تكمن في أن يمكنك أن تقيم " فيه " )وأنت مختلف( " لا خارجه و بجانبه " .) تلزم المسماة " أحزابا " عندنا سنوات ضوئية لبلوغ هذا الحال يا فيلسوفنا !(.
انه التفكير الفلسفي الجديد بمنهجه ومواضيعه ، هذا واضح و لا يحتاج إلى بيان ، و لكن يبدو أن العقل الساخر هنا – ومن فظاعة زيف الفرع – انزلق إلى توجيه نقده و تشغيل آليات حفره على هذا " الفرع " بدل " الأصل " كما الحال بالنسبة لمن يضيع رصاصه في صيد طير لا يؤكل لحمه . فهل هناك من أحزاب أصلا عندنا ؟ ألم يكشف عبد الله الحمودي بحفره السوسيولوجي و الأنتروبولوجي المشهود له به كونيا ، ومن خلال مقولته الذائعة الصيت " الشيخ و المريد " على أن البون شاسع بين منطق الحزب كتنظيم حديث يؤشر على الحداثة السياسية ، و بين ما يوجد عندنا من " ولايات " للمصالح الضيقة ، والتي توظف لإضفاء الشرعية على واقع عتيق بكل شيء فيه. ثم إن الحزب يشترط " دولة " و " مواطنين " و الحال أن لنا " مخزنا " و نحن " رعايا ". و بناء على ذلك ف " الأصل " )المخزن ( يتيح إمكانيات هائلة لاشتغال العقل الساخر و تفجير سخريته بل و بلوغ أعلى درجات مأساويته أكثر مما يتيحه " الفرع " الزائف. أليس الإنصات إلى العلوم الإنسانية أهم أضلاع الفكر الفلسفي الجديد؟.
-2سؤال )محتار / محير (:
هل يستسيغ قارئ هذه القراءة في كتاب عبد السلام بنعبد العالي )طبعا ممن لم تتح له فرصة قراءته ( كون عدد صفحاته لا يتعدى الثمانين و من الحجم المتوسط ، و لا علاقة له بما ترسخ عندنا من تمثلات عن كتب بحجم حزمات التبن ، لكنها لا تستفز قارئا و لا تخلق أسئلة و لا توترات و لا تدفع لتفكير و لا تحرك الميتا-معرفي ، وتبقى على الدوام " مبيضات " أليس هذا وحده كاف لتأكيد أن كتاب بنعبد العالي هو كتاب في الفلسفة بالمعنى الجديد؟.





الهوامـــش:
-1عبد السلام بنعبد العالي : لعقلانية ساخرة – دار توبقال للنشر – الدار البيضاء – الطبعة الأولى 2004.
-2نذكر على الخصوص المفكر اللبناني علي حرب الذي نجده يلتقي بشكل ملفت للانتباه مع عبد السلام بنعبد العالي .

-3علي حرب : الممنوع و الممتنع – نقد الذات المفكرة – المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى -1995.



#ديرار_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صغار المفسدين و كبائرهم


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ديرار عبد السلام - في ضيافة الفلسفة بالمعنى الجديد -قراءة في كتاب عبد السلام بنعبد العالي : -لعقلانية ساخرة -