أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي فريدي - تأملات في الحالة العراقية (3)















المزيد.....

تأملات في الحالة العراقية (3)


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 2139 - 2007 / 12 / 24 - 11:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(تناص سياسي)

(الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب، قلّ أن تستحكم فيها دولة)/ عبد الرحمن ابن خلدون

تتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق، كان أول تعبير مباشر عن كيان دولة عراقية بالمفهوم السياسي الحديث، وبالحدود الجغرافية التي لا زالت متعارفة حتى اليوم. كما كانت الدولة الوليدة يومئذ أول دولة عصرية في الشرق الأوسط، ومن بواكير الكيانات السياسية المتوالدة عقب الحرب العالمية الأولى*.
يذكر أن (إسم) العراق الذي أشيع إبان الحكم العربي للبلاد لم يكن له مدلول سياسي أو إداري حيث تنقسم البلاد الى مدن وأمصار كالبصرة والكوفة والري، على خلاف الأمر مع سورية (الكبرى) التي كانت وحدة سياسية وإدارية قبل وصول العرب واستمرت كذلك حتى تقسيمها في معاهدة سايكس بيكو (1916).
*
على الصعيد العسكري، أنه فيما كان الانجليز يتذوقون طعم انتصاراتهم السياسية والعسكرية، و قوات (الثورة العربية) تتقدم ضد العثمانيين مخترقة خط الحجاز باتجاه دمشق، كانت الانتفاضات الشعبية تواجه سلطات الاحتلال البريتاني في كل من وادي النيل (1919) ووادي الرافدين (1920) على التوالي. بينما كانت القوات الفرنسية بقيادة الجنرال غورو تستولي على بلاد الشام مزيحة حكومة دمشق الوليدة بعد تسعة اشهر من تشكلها.
تختلف مصر عن العراق في هذا المفصل التاريخي في أكثر من جانب. فالعمر السياسي لمصر -(تأسست دولة محمد علي في 1805م)- يتجاوز القرن من الزمان مقارنة بالعراق. وقد اكتسبت الحركة الوطنية المصرية وتياراتها السياسية خبرة وتجربة واسعة، سيما زعامة حزب الوفد التاريخية ممثلة بسعد زغلول. أما العراق الخارج للتوّ من التبعية العثمانية فلم يكن قد عرف الحياة السياسية، وبالكاد كانت مفاهيمه الوطنية قد تشكلت. لم يكن - يومئذ- في الساحة غير القوى التقليدية ممثلة بالزعامات العشائرية والدينية. ولم تكن هذه بالوعي المناسب لقيادة المجتمع على خطى الحياة العصرية.
وعلى الصعيد السياسي تركت ثورة العشرين آثارا سلبية على سياسات المستعمر تجاه الأهلين، حدا به الى استبعادهم من الصفوف الامامية في الحكومة المقبلة. ويعلق الملحق العسكري البريتاني في بغداد (1923-1958) العقيد جرالد دي غوري قائلاً أن جريدة التايمز نشرت في يوم السادس من شهر نوفمبر صورة تتويج ملك العراق، بدا فيها أن الصفوف الثلاثة من المشاهَدين تقريباً كانوا من البريتانيين، بل أن الأشخاص المحليين البارزين الذين تجمعوا في المؤخرة لم يسمح لهم بالمشاركة في الاحتفال*.
هذه القراءة التاريخانية تكشف مدى التناص البنيوي بين ذلك الأمس البعيد والأمس القريب الذي لما يزل صبحُه لم ينجلِِ، حسب قول أقدم ملوك العرب*:
ألا أيها الليل الطويلُ، ألا انجلِ.. بصبحٍ، وما الإصباح منك بأمثلِ

وقد انسحبت ظاهرة الجفاء بين الأهلين والساسة على رموز الحكم الجدد إسوة بالأجانب، وألقى بظلاله السوداء على عموم المشهد السياسي للنصف الأول من القرن العشرين، متوجا بمجزرة العائلة المالكة (14 يوليو 1958) لتدشين فجر العسكرتاريا.
*
بذل الملك جهده لتقريب النسيج الاجتماعي للسكان عبر الاتصال والتواصل مع رموز مكوناتهم التقليدية أملا في تحقيق فرز طبقي اجتماعي يتكفل بدور في عملية التحول الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. ولم يكن الأمر بالسهولة، كما كشفت عنه مذكرات الملك فيصل من بعد. لم يكن الملك هو الحاكم الوحيد، وفي أحيان معينة ربما شعر أن السلطة في مكان آخر. كان المندوب السامي هو الحاكم الفعلي للبلاد، يعاونه جيش من المستشارين متوزعين في كل الوزارات والمؤسسات الرئيسة، ولم يكن الوزراء والمسؤولون المحليون في الغالب غير واجهات سياسية لا تملك من أمرها شيئا، وبالصورة التي وصفها الشاعر*:
المستشار هو الذي شرب الطلا.. فعلام يا هذا الوزير تعربدُ

وكانت الرؤية الانجليزية تهدف إلى اعداد نخبة جديدة من المتعلمين في صفوف القوات المسلحة لتعويض العسكر القديم في إدارة مسؤوليات الدولة الجديدة. على الجانب الآخر، كان رؤساء الوزارات المتعاقبين متفاوتين في رؤاهم السياسية وقدراتهم الادارية. وإزاء الشرخ الموجود بين البلاط ودائرة المندوب السامي (القنصل أو السفير فيما بعد)، كان بعضهم يسعى لتبني رؤية خاصة به أو بحزبه، كانت سببا للاطاحة به في بعض الأحيان. على العموم، لم يكن المسؤول التنفيذي (المحلي) محسوداً على وضعه بين طرفي الجذب. وبشكل أو آخر، كانت رؤى ومصالح الحكومة تتقاطع وتلتقي مع رؤيتي البلاد والاحتلال. ففي حين كانت تولي أهمية لتربية القوات المسلحة الوليدة، كانت تحاول مغازلة قوى الاقطاع في الجانب الاقتصادي والاجتماعي. وظهرت جملة تشريعات، كان من شأنها، ظهور طبقة جديدة من اقطاع الدولة عبر تخصيصات الأراضي والدعومات المقدمة لبعض رجالات الحكومة والمتعاونين معها. ومع انتشار رقعة التعليم وتطور اقتصاد السوق، كان ثمة مجتمع جديد ينمو تحت قشرة المجتمع التقليدي، بانتظار التمرد على (الأب) والقيام بالدور الرئيس اللاحق.
*
القاسم المشترك لمعادلات الرؤى الثلاثة هو التعويل على العسكر الجديد.
- يتمتع العسكر بمستوى لائق من التعليم ومعرفة الحياة العصرية.
- يتمتع العسكر بمقدرة في الإدارة والقيادة والنجاح الاجتماعي لدى مختلف الطبقات.
- يشكل العسكر الخط التوفيقي بين السياسي والعسكري وبين المصالح المحلية والأجنبية.

كانت ثمة شروط دقيقة لانتقاء المقبولين في دورات الضباط، عبر التأكيد على أصولهم الاجتماعية ومراقبة ولاءاتهم العشائرية والطائفية والاقليمية. ولذا كان حظ الجنوب متراجعا قياسا للمناطق الأخرى الأقل مشاركة في أحداث الانتفاضة (1920). وهو ما أسفر عن ظاهرة شعبية على صعيد المجتمع تصف أن أرقى ما يبلغه ابن الجنوب هو درجة ضابط صف (نائب عريف) في الجيش، ناهيك عن تردي مستويات التعليم وانتشار جيوب الفقر والتخلف في الجنوب بنسبة أكبر من باقي أنحاء البلاد، مما لا يمكن تحميل كل تبعاته على سياسة الاحتلال. وكما أن جنوب بغداد يشكل ثلثي مساحة البلاد، يشكل سكان الجنوب ثلثي نفوس البلاد تقريبا، بما يمثله هذا من أعباء إدارية مضاعفة على السلطات الرسمية.
هذا التوزيع الدمغرافي والسوسيوثقافي لما يزل على حاله بعد مرور قرن. وإذا ما أخذ بنظر الاعتبار طبيعة الفئة الممسكة بزمام الحكم الممثلة للتيار الشيعي (الجنوب) ووجود إدارات محلية تتوزع المدن الرئيسة، فما زال مستوى الخدمات في أردأ مستوياته في مدن الجنوب، ومعاناة سكان الجنوب هي الأشدّ قياسا لبقية أنحاء البلاد. لو كانت الفئة الممسكة بالحكم من طائفة أو إقليم غير الجنوب، لاتخذت الأدلجة وعقلية المؤامرة حيزا رحبا في توزيع الاتهامات والمظلوميات. لكن أهل الجنوب، اليوم كما بالأمس، هم المتقدمون في التضحيات والواجبات، والأول في المعاناة وقوائم الخسائر والنسيان. سوف يتم ترحيل معاناة الجنوب لبرامج انتخابية مقبلة تتاجر بها فئات وواجهات متبدلة لجماعات وأشخاص بعينها، وكما عبر بعض أهل الجنوب في واحدة من أهازيجهم المتمردة*، سيسمعون وعودا جديدة، ومتجددة، لأن الحلم بالشيء أجمل من الحصول عليه.
*
أمس.. (و) اليوم؟..
بالمقارنة، بدأت كل من الدولتين من الصفر.
- النظام الملكي الدستوري
- النظام الدمقراطي الطائفي

حظى الانجليز ببلد خام، عملوا على تجهيزه وترتيبه حسب مقاساتهم. وقام الاميركان بالغاء الدولة القائمة، لإعادة تشكيلها حسب مقاساتهم ومقدراتهم. وعلى غرار الكلية العسكرية كانت دورات أكادمية للشرطة والجيش داخل العراق وفي بلدان الجوار وبمصاريف باذخة، لاعداد جيش وقوات أمن داخلي جدد، ووفق النظام العسكري الأميركي. وكما تصارعت ثلاث قوى في السابق بين البلاط والاحتلال والحكومة، تتصارع جبهات متعددة بين الحكومة والمعارضة والاحتلال، ولكنها لا تتصارع سياسيا ورؤيويا حول بناء البلاد، وانما تسعى وراء أغراضها الشخصية باستخدام العنف العسكري والثوري والجهاد المقدس متفقة في سحق الأهلين ورفع معدلات الخراب والتخلف والآلام إلى أقصى درجاته.
تنافست مختلف الفئات المتحاصصة والمتصارعة على زيادة نسبة أفرادها (حصتها) في قوى الجيش والدفاع المدني الجدية. وفي نفس الوقت، عملت على اعداد قواتها المسلحة الخاصة، إن بشكل سري أو علني، وبشكل قادر على تبدل الأدوار مثل جيش الاحتياط الاسرائيلي. بدون ذراع عسكرية قوية لن يتأتى لفئة سياسية أو طائفية أو عشائرية أن تسجل هدفا في مرمى المحاصصة. الدورات العسكرية القديمة كانت طويلة، أما دورات القرن الحادي والعشرين، فهي على جناح السرعة، والخفة السياسية.
أما المفارقة بين الأمرين..
فهي تحلي العسكر بنسبة من التعليم والأهلية والوطنية والواقعية والانتماء والنظر للأمام،
مقابل طائفية يعشش فيها الجهل والانغلاق والشمولية والطوباوية واللاانتماء والتحجر.
*
وكما كان العراق أول دولة عصرية تولد في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، كان أول دولة تنهار على أعتاب القرن الحادي والعشرين، وثاني دولة تنحل بقرار سياسي شخصي بعد دولة غورباتشوف (1989).
*
لندن
الثاني والعشرين ديسمبر 2007
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 كانت أول حكومة عربية دستورية في التاريخ الحديث قد تشكلت (عام 1918) في دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين بن علي، لكنها انتهت بدخول الجيش الفرنسي دمشق بقيادة الجنرال غورو قبل أن تكمل عامها الأول.
 العقيد جرالد دي غوري- ثلاثة ملوك في بغداد- ترجمة: سليم طه التكريتي- ص37.
 الشاعر النصراني حندج ابن عمرو بن آكل المرار الملقب بامرئ القيس ملك دولة كندة عقب مقتل أبيه، وقد خلفه أخوه في الحكم بعد موته في طريق عودته من رحلة الروم.
 الشاعر معروف الرصافي (1871- 1945).



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في الحالة العراقية (2)
- دين.. دولة ومجتمع
- عوامل الطرد السكاني وعوامل الجذب
- العلاقة الطردية بين التعليم والأمية
- التجارة العربية في لندن
- مندَم
- بين سقوط الحضارة ونهاية التاريخ
- مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات
- الجغرافيا ليست وطناً واللغة لا تعني أمة!..
- المرأة الكردية بين التطور العلماني والتطرف السلفي


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي فريدي - تأملات في الحالة العراقية (3)