أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟















المزيد.....

هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2139 - 2007 / 12 / 24 - 11:56
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تبدو سورية بلد السياسة والقضايا الكبرى. بلد يعرف نفسه بلغة المواجهة (أو "الممانعة") والصمود، وبشخص رئيسه وبعقيدة نظامه، لا بلغة الاقتصاد والمجتمع والثقافة. بلد فيه كثير من الدولة وقليل من المجتمع. بلد ساكن لا يتغير. ويبلغ من سطوة هذه الصورة واستقرارها أن مقاربة الشؤون السورية تنتظم وفقا لها، حتى حين يباشرها معرضون في الداخل أو كتاب أجانب.
بيد أن هناك بالتأكد عناصر تحرك وتشوش هذه الصورة الساكنة جوهريا.
ثمة أولا تحولات اقتصادية واجتماعية غير عكوسة على الأرجح، وخارجة على النسق المعتاد في سورية. الاقتصاد "يتلبرل"، و"الطبقات" تظهر إلى العلن أكثر من أي وقت سابق. المهمشون والمفقرون والعاطلون عن العمال يفتشون في حاويات الزبالة كل يوم عما قد يُنتفع به، أو يسندون الجدران بانتظار من يستأجرهم؛ الطبقة الوسطى تتحرك بسياراتها الحديثة إلى مواقع العمل الخاص نهارا، وإلى مطاعم وأماكن لهو مساء، إلى درجة تبيح الشك في العقيدة الشائعة الخاصة بتآكل الطبقة الوسطى واضمحلالها. وكبار الأثرياء يظهرون على صفحات المجتمع في مجلات براقة الصفحات أو يؤسسون شركات جديدة رساميلها بمئات ملايين الدولارات. "المجتمع" أكثر ظهورا من أي وقت سابق. والطبقات تمسي أكثر استقلالا نسبيا عن الدولة، وأوثق ارتباطا بالاقتصاد. لا تزال العملية محدودة جدا، وبالخصوص ليست منفتلة من نطاق سيطرة الدولة عليها، بيد أنها ملحوظة مع ذلك.
وتحولات الاقتصاد هذه تتحرك بسرعة تفوق توجهات السياسة الاقتصادية للحكومة وضوابطها، وتوافق بالمقابل وزن المصالح والكتل الاقتصادية المستقلة (ثلثي الناتج الوطني الإجمالي حاليا، والنسبة تعلو دونما توقف) المؤثرة في الاقتصاد ككل، وفي الدولة ذاتها. لوم الفريق الاقتصادي في الحكومة، على ما يدأب نقاد يساريون على فعله، غير ذي غنى إذن، بل إنه مضلل لكونه يعطي الانطباع بحيازة هذا الفريق سلطة مبالغا فيها في صنع القرارات الحكومية من جهة، ولكونه لا يكاد يقترح شيئا غير العودة إلى اقتصاديات "القطاع العام" من جهة ثانية. الأجدى العمل على تحرير الرقابة الاجتماعية على عملية تحول لا مناص منها، لكن يمكن التأثير على نتائجها الاجتماعية، ولو جزئيا.
في المقام الثاني، وعلى نحو متناقض، تضغط مطالب اجتماعية ثقافية، إثنية وطائفية. هنا أيضا ثمة تطلب للظهور وتطلع إليه. وللاستقلال كذلك أو للذاتية. هذا مرتبط بالتحولات الاجتماعية الاقتصادية وليس فقط بعوامل إقليمية، على رأسها الاحتلال الأميركي للعراق. الطائفية قد تكون شكل انتظام اجتماعي مناسب للتكيف مع تحولات اقتصادية واجتماعية، أو لتعظيم أوجه الاستفادة منها. بيد أن الشكل الاقتصادي من الطائفية، إن صح التعبير، لا يتعارض بالضرورة مع انخراط تنافسي في الحياة العامة، خلافا للشكل السياسي الذي يظهر وجها صراعيا إقصائيا، نشطا أو محتمل التنشيط.
ولا ريب أن حركية المعارضة السياسية متأثرة بهذين العاملين. والسجال الذي تفجر في أوساط "إعلان دمشق"، وأقحم فيه تصور شبحي لليبرالية، ربما يتصل بهذا الجديد الاجتماعي وبمطالب اجتماعية وسياسية وثقافية متناقضة، فجرت أطرها التنظيمية القديمة ولما تعثر بعد على تأطير سياسي مناسب.
ونجد أنفسنا هنا في عالم جديد، مختلف تماما عن عالم سياسة متمحورة حول الاستراتيجية والسلطة والإيديولوجية. عالم متحرك، تنازعي، غير متطابق مع وعيه الذاتي. والفاعلون فيه أفراد أو كتل اجتماعية وليس أمما ودولا وتحالفات دولية.
ومن وجوه هذا العالم نمو حضور الحياة اليومية وإيقاعاتها السريعة ومطالبها على حساب الحياة الأخرى، بل الآخرة، حياة والسلطة والقضايا الكبرى والمقدس.
لا نريد المبالغة في شِأن حضور هذا العالم. إذ لا يزال التسيير السياسي، القسري والإيديولوجي، كثيف الحضور في حياة السكان، عشرين مليونا. بيد أن لهذا العنصر، عدد السكان، مفاعيل اجتماعية لا تقبل الاختزال. فإذا شكلت الطبقة الوسطى المستقلة ربع السكان فقط، وهذا تقدير متواضع عمدا، بلغ عدد أفرادها خمسة ملايين، ملا يمكن إلا أن "يظهر" ويعرض نفسه. لكن بالمقابل يزداد الضغط على الموارد وتلح الحاجة إلى نسبة نمو اقتصادي سنوي عالية وخلق فرص عمل تقارب ربع مليون سنويا. هذا بينما لا يمكن للقطاع الحكومي أن يمتص غير أعداد متناقصة من نمو قوة العمل.
ورغم أنه من غير المحتمل أن يجري الرجوع عن لبرلة الاقتصاد وتراجع وزن القطاع الحكومي في الاقتصاد المحلي، وتنامي الاستقلال الاجتماعي، إلا أن التحكم السياسي بهذه العمليات يبقى ممكنا وميسورا. قد نذكر أن مصر سارت على هذا الدرب نفسه قبل أكثر ثلاثين عاما، ولم يتمخض السير ذاك عن أي تغير جوهري في النظام السياسي، بل إن هذا استوعب صفوة الطبقة الوسطى والعليا بوسائل بيروقراطية واقتصادية، واستطاع التحكم عموما بالطبقات الدنيا، بوسائل أمنية واجتماعية.
إلى ذلك فإن امتناع "السلام" السوري الإسرائيلي من جهة، وتكوين المجتمع السوري ونخبة السلطة العليا ذاتها من جهة أخرى، يمنحان وزنا أكبر لوسائل الضبط السياسي القسري في سورية بالمقارنة مع مصر. ولا يبدو أن كل ما وصفنا من تحولات قد تسبب بأية مشكلة متعذرة التدبر على النظام حتى اليوم. يبدو أيضا أن العنصر الأساسي في توجيه سياسيات النظام وخياراته وتحالفاته هو اعتبارات السلطة والدور والمكانة الإقليمية أكثر من أي شيء آخر.
هل هذا حكم مبرم بأن ما أشرنا إليها هي محض تحولات جزئية، لا تمتحن طاقة النظام السياسي على الاحتواء والضبط؟ لا يصح مقاربة التحولات التي ذكرنا وتقييم وزنها من جهة تأثيرها على مصير النظام. هذه مقاربة ضيقة وقصيرة النظر، تشد نفسها إلى المنظور الذي نحاول التحرر منه، منظور لا يرى الأفراد والطبقات والمجتمعات لوهلة إلا كي ينساهم، ملحقا إياهم بمصير الدول، الأمر الذي لا تكف "الدول" هذه عن فعله. من المفيد كوطنيين سوريين أو كمراقبين موضوعيين التنبه لما يجري داخل "الصندوق الأسود" في كل وقت، وليس فقط حين تتعطل الطائرة.
يبقى أن وعي السوريين عموما، ومنهم المثقفين والناشطين المعارضين، متأخر عن تلك العمليات الاجتماعية. وهو تأخر غير محتوم، والاجتهاد لتداركه ممكن. وهذا ضروري من أجل تحقيق شيء من التطابق بين الفكري والواقعي، في بلد يكاد يرتفع عدم التطابق فيه إلى سمة وطنية أساسية.
أما النظام فيدرك هذه العمليات لأنه يحتل الموقع الذي يتيح لها الإشراف عليها ومراقبتها. ولعله لذلك الأقدر على التحكم بنتائجها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
- هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري ...
- الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
- في نقد الردح والردح الذاتي
- حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق ...
- في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
- نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟