أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير صاحب - الكتابة السومرية















المزيد.....

الكتابة السومرية


زهير صاحب

الحوار المتمدن-العدد: 2138 - 2007 / 12 / 23 - 01:26
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



أ- مقدمة في رمزية الخطاب السومري :
في حوالي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد ، وعلى ارض سومر (المبجلة) . جلس أول تلميذ على (دكة) من اللبن لتلقي المعرفة ، ووقف أول (معلم) في تاريخ المعرفة ، ليلقي محاضرة في فلسفة الوجود . انه إبلاغ (رمزي) ، يؤطر ماهو زائل، بإطاره الأبدي الخالد ، كمظهر للعقل والتفكير . نوع من أعادة صياغة الطبيعة في جوهرها وماهيتها ، وذلك بتحليل عناصر الصور المرئية ، بغية تفعيل قوة التعبير الكامن في الذات المتفلسفة وبالتالي اسقاط الذات على الطبيعة والإنسان. فكان الفكر رمزياً كونه يعيد بنيته بالأشكال الرمزية ، وتركيبياً كونه يشيد هذه الاشكال بوساطة (العلامات) ، ويشكل نظام (رياضي) يعرض ذاتهِ كأنظمة أشكال معرفية متحررة من محدودية القيود الحسية .
ان الفكر السومري (الإبداعي) ، وهو يؤسس انظمتهِ الأولى في تاريخ الإنسانية، كان يَستلم (خطاب) البيئة المعلن بفعل المحسوسات ، ويؤولها إلى منظومة دلالية في بنيتهِ . وهي بمثابة تقابلات صورية ، مكثفة بأشكال رمزية أو (دوال) علامية . وعلى هذا النحو ، تحولت الظواهر إلى رموز ومفاهيم ، هي بمثابة تكثيف للأفكار خطاب التشكيل . وهذا هو التفسير (العقلاني) ، باتجاه خلق موازنة ، بين الإحساس الداخلي (الذات المنفعلة) وعالم التجربة الخارجي (قراءة الموجودات) ، حيث تكون (مُهمّة) التشكيل إدراك هذه الموازنة . ذلك إن صلة التشابه المادية المنظورة ، قد تمت الاستعاضة عنها بصلة روحية غير مرئية هي صلة الرمز ، حيث ترتقي (المدلولات) فوق الظاهرة الطبيعية المنفردة . وبنوعٍ من التضايف بين المادي والروحي وبين الطبيعي والرمزي .
أن سمة مثل هذه الصور الفكرية الرمزية السومرية ، تكمن في عدم وجود توافق ، بين المدلول ونمط التمثيل . فلا تمثل الأشكال ذاتها ، بما فيها من خصوصية فردية ، بل تكون أشارة وتلميحاَ واختزالاَ لمدلولاتها . باعتبارها أنساق علامية ، ترتبط بالأفكار والمفاهيم ، بآليات وكيفيات تمثيلها . داخل بنية من الخطابات الرمزية المفعمة بالتجريدات والترميزات . طالما إن (الرمز) هنا ، ليس مستقلاً قائماً بذاته ، وإنما دلالة أي رمز هي في صميمها ، دلالة موضوعية تتحد بالسياق الذي تّرد فيه .
وأزاء تغييب محاكاة (تعقيدات) الطبيعة ، وجَد الفكر السومري الابداعي ، ان بإمكانه قلب العالم الخارجي باتجاه عوالم الفكر الداخلية المغلقة . فمن صفات الفكر والفن العظيمين ، انهما يخّبئان في داخليتيهما التوتر والتناقص . فهما لا يصدران من معاناة للوقائع فحسب ، بل لابد لهما من عملية تركيب . أنهما يقومان على أعادة بناء العالم في حالتهِ السرية الداخلية ، بحيث لم يعد لطبيعية شيئية الأشياء من دلالة ، ألا بقدر تحولاتها لتعكس وضعاً إنسانياً .
لقد كان الشكل الكتابي والتشكيلات السومرية ، تتحرك في دائرة ثقافية قوامها الرمز . فهناك المضمون والغاية والمدلول ، ومن جهة ثانية ، هناك التعبير والتظاهر والواقع ، وما بين هذه المظاهر تداخل وتشابك . فماهية الفكر هنا ، تميل إلى تمثيل الأشكال في كلياتها ، في أشكالها الموحية بالمعنى المرتبط بالشكل. وهنا يمكن أن نصل إلى نوع من الرمزية الواعية في توظيف (مظاهر) الأشكال باتجاه ذائقية الوعي الجمعي . انه الخطاب التشكيلي المتحرر من الطبيعة ، ببنية أشكاله الجوهرية الخالصة . هذا التحقق التاريخي لعالم (المُثل) بوعي الجمال الروحي في اللانهائية المتحققة بإبلاغات التشكيل نحو (المطلق) ، هو فلسفة الفكر السومري برمتهِ .

ب_ أنظمة الكتابة السومرية :
حققت الحضارة السومرية في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد قفزة معرفية من النوع الكوبرنيكي ، وأسست أول مجتمع متحضر في التاريخ ، مؤسسة تاريخها من خلال نشاط حركة الأفكار المتحولة والمتجددة بشكل متسارع ، ملئ بالمستجدات والإبداعات . ففي مدينة الوركاء جاء اختراع الكتابة ليعلم البشرية (الحرف) ، وبقدر ما يمثله اختراع الكتابة من انتصار معرفي عظيم ، أذ حفظ تاريخ الإنسانية من الضياع . فأن في بنيتها نظاماً من العلاقات الجمالية ، بصدد (تسطيرها) وانتظام خطوطها ، وتقنيات حفرها ، وتناسقها . أنها التفعيل الأول للفكر الإنساني ، حين حفر على الطين – مادة الخلق الأولى – ذاته حفراً ، وحتى أعمق مناطق الروح .
وفي مدلولات العلامات السومرية ، تشتغل العلامة كبنية (دال)، في منطقة المتخيل ، خارج مساحة التكوينات العينية ، باعتبارها تقدم تفسيراً حدسياً للامرئيات بقوالب المرئيات . ذلك أن (العلاقة) الكتابية تشبه ذاتها في القصدية الطبيعية ، لكنها خارج حضورها الواقعي كبنية (مدلول) فهي عبارة عن تلخيص للدلالات التي تمثلها. والتي تشفر عن مغزى دلالي كامن خلفها (تحت النص) في مدلولاتها في بنية مفاهيم الفكر الاجتماعي . ومن هنا أكتسبت (كونيتها) وبدت كمفاهيم ازلية الحيوية .
كان المعبد السومري ، باعتباره اهم ركائز المؤسسة الدينية ، حيزاً مكانياً ذي دلالة قدسية ، تفوق كثيراً حضوره المرئي . مكتسباً حضوره القدسي بفعل حلول الروحي فيه حلولاً. وهكذا قد لا يقلّ الفكر السومري نجاحاً عن الفكر الحديث بهذا الصدد ، ألا أن بنية النظام السومري لا تقرر بالمقاييس الموضوعية، بل بادراك عاطفي (حدسي) للقيم . الأمر الذي فَعّلَ سيطرة المعبد على
معظم الفعاليات الاجتماعية ، وغدى المعتقد الديني كحقيقة تفرض نفسها على العقول ، لها صفة الفضيلة الآمرة . وبفعل هذه الهيمنة المعبدية ، جاء اختراع الكتابة في بؤرتهِ ، وقد وصفها المرحوم (طه باقر) : "بأنها كانت كتابة صورية ، تعتمد على تمثيل صور الأشياء المراد كتابتها" (طه باقر ، 1973، ص 241) .

ويبدو منطقياً ، أن يقع الفكر في بدايتهِ ، تحت هيمنة المحسوسات والتمثلات التي تؤسسها المرئيات في مراحلهِ الأولى . قبل ان يؤسس تحولاته الكيفية نحو الحدوس ، والتي تختزل بموجبها التفاصيل ، الى مفاهيم مجردة .
كان تحقيق (الدلالة) في نظام الكتابة الصورية ، يتكون من ثلاث جزئيات : الشئ المشار أليه وهو المعنى ، والإشارة وهي الإشارة الكتابية ، والتشابه المفترض بين الاثنين . وقد كان التشابه مهماً في بنية النظام الكتابي الصوري الأول . ذلك أن المعرفة في زمانها ومكانها ، يصعب التأكد من صحتها ، دون رابطة حقيقية بين الإشارة والمشار إليه .
وان التعبير في الكتابة الصورية ، لا يتظافر ألا بعقد صلة الارتباط الحيوية، بين المضمون والشكل الذي ينظمه ويُظهره ، حيث يدعم كل منهما الأخر، داخل كلٍ مترابط هو البنية الكلية للنص المكتوب . (فماهية) الكتابة هنا ، تعيش في محيط ذو مدلولات ومفاهيم ثقافية اجتماعية ، تتبادل معها الأثر والتأثير بطريقة دينامية متفاعلة، من خلال إطار نوعي اكتسب مضمونه من الخارج ، وهو مرتبط بالحالة العامة للتفكير ، باعتباره مرجع تسترشد به الجماعة ، باعتباره خطاباً تداولياً ، ليصبح في النهاية ، حصيلة الفكر الحضاري الذي تبثه الجماعة للأجيال القادمة .
وكأي اختراع ، يبدو في البداية بسيطاً رغم كونه انتصاراً ، ومن ثم يخضع لمفهوم التطور، بفعل تعاظم الخبرة المستندة الى التجريب . حيث أعقبت الكتابة الرمزية مرحلة الكتابة الصورية ، ليتعاظم هرم المعرفة ، في مرحلتهِ النهائية بالكتابة الصوتية _ المقطعية ، المستندة إلى اصوات المقاطع في كتابة الكلمات . وذلك (لعَمري) أعظم نصر فكري في تاريخ المعرفة .
ففي المرحلة الرمزية ، وَجَد الفكر أن صلة (الشبه) المادية المنظورة ، غير كافية لتدوين شتى (الأفعال) المجازية . فاستعاض عنها بصلة روحية غير مرئية هي صلة الرمز ، حيث تتجسد قيمة الرمز الجوهرية الروحية ،بالتحول من الفردية نحو التعميم المطلق .

ذلك أن (العلامة) الكتابية في طورها الرمزي ، مّفرغة تماماً من وجودها المادي، ورّحلة بفعل ضغوط البنية الفكرية العميقة إلى منطقة (تتوسط) الشعور واللاشعور، حيث التحرر من قيود السطحية والمباشرة ، سعياً لتأكيد وجود حقيقي وجوهي . فالرمز (الكتابي) يحمل معنى أكثر تحديداً من الشي الذي يرمز إليه ، فيستفيد الشي المرموز إليه من المعادلة ، ويحصل على (مدلولات) جديدة أكثر تحديدا من الرموز إليه أصلاً . فالشيء هو معنى أشارتهِ ، بيد إن الرمز هو معنى شيئهِ .
وبفعل تداول هذه الرموز الكتابية في ذهن الجماعة ، بفعل استمرار الممارسة والفهم . ان غدت هذه الرموز حقيقة اصطلاحية ، لا تتطلب استغراقاً ذهنياً من قبل الفرد و الجماعة في استيعاب دلالاتها ، باعتبارها أداة تواصل ، بوساطة ضرب من التناغم في الفهم ، وقد وجد مدلولاته بشكل (تمثلات) ذهنية ثابتة .
وفي المرحلة المقطعية – الصوتية ، اكتسبت الكتابة تماسكها الداخلي المنُظم والخاص بها . فام تعد الكتابة تتكون فقط ، من ممثلات و أصوات تقوم بدورها بتمثيل الممثلات . بل أنها ألان تتركب من عناصر شكلية تنتظم داخل نسق خاص ، يفرض على الأصوات و المقاطع تنظيماً ليس (تمثيلياً) . أي أن الكتابة تحولت من وسيط تمثل فية الكلمات الأشياء التي تشير إليها دون زيادة أو نقصان ، إلى أنساق خاصة تكتسب دلالاتها من علاقاتها الداخلية كل منها بالأخر. فالعملية ليست تمثيل الكتابة لأشياء موجودة – في تطورها الأعلى – لكن النقيض هو الصحيح .



#زهير_صاحب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري ...
- جنوب إفريقيا.. مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من على جسر
- هل إسرائيل قادرة على شن حرب ضد حزب الله اللبناني عقب اجتياح ...
- تغير المناخ يؤثر على سرعة دوران الأرض وقد يؤدي إلى تغير ضبط ...
- العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان مساعدة إنسانية عاجلة- لغزة ...
- زلزال بقوة 3.2 درجة شمالي الضفة الغربية
- بودولياك يؤكد في اعتراف مبطن ضلوع نظام كييف بالهجوم الإرهابي ...
- إعلام إسرائيلي: بعد 100 يوم من القتال في قطاع غزة لواء غولان ...
- صورة تظهر إغلاق مدخل مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل بال ...
- محكمة العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان توفير مساعدة إنسانية ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير صاحب - الكتابة السومرية