أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - مذكرات كلب غير عابئ ولامخدوع1















المزيد.....

مذكرات كلب غير عابئ ولامخدوع1


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 2136 - 2007 / 12 / 21 - 12:25
المحور: الادب والفن
    


1
ميسور يكتنه أسرار الإنسان والكون


أنا كلب.
كلب ذكي. رهيف العاطفة، أهش للقاء سيدي. نقطة من نقط الضعف، لا سبيل إلى مواراتها. لعل سيدي قد عرف مواطن الضعف هذه مني، فاستغلها. وربما يكون ذلك شأن كل الكلاب أمثالي. مما يبعث على القرف، أنني أوعوع أمام وخلف سيدي، إرضاء لنزواتي، مجرد أن أسمعه يناديني باسمي :
- ميسور !
وأهز أعطافي الكلباوية، أحرك ذيلي طربا حتى يحسبني الرائي أنني على وشك أن أقول له:
- لبيك، سيدي الحاج كردان.
الحاج كردان، قصير القامة، دحداح، ولكنه إلى ذلك ضخم الهامة، أفطس الأنف، بشكل مخيف، يستفز أي كلب. لولا أمانتي الكلبية وإخلاصي، وسائر ما ألصقوه بي من المعاني، لنبحت في وجهه هريرا أحذره من الاقتراب.
على خلاف ذلك، فإن سيدتي، غضة الإهاب. كل شيء فيها يقول: » دونك وهذا الجسد، خذه، افعل به ما تشاء، حطمه !«.
الحاج كردان يحب سيدتي سلطانة، لكن به عنة تمنعه أن يكون رجلا.
يوما، كنت أتوثب حول سلطانة، أدغدغ جسدها بحماقاتي التي لا تنتهي. سمعته يقول لها :»عندي أن الجنس شيء، والحب، شيء ثان، الأول من تدبير الشيطان استمرارا للخطيئة الأولى، أما الحب ؛ فعاطفة نبيلة«.
وعبثا يضمها إلى أحضان ثلجية، فتعتذر أن والدتها على وشك الوصول.
في أهدأ الساعات وأكثرها استمتاعا بالمباهج، يقوم سيدي إلى الطنبور. ما إن يمر بأنامله على الأوتار، حتى تستجيب كلباويتي للطرب: يخيل لي أن الإنسان أكثر قابلية للانسجام والتجاوب مع حركات الكون. لهذا، سيبقى رغم كل سلبياته، لا سيدي -أنا الكلب- فحسب، بل سيد الأشياء الأخرى.
هذا متعلق بالحقيقة كلها، رغم قصوري الكلبي الذي لا يتجاوز سيدي إلى بقية الناس الآخرين. أما علاقاته بالآخرين، ومدى التجاوب بينه وبينهم، فمسألة خارجة عن النطاق ؛ وإن كنت ملما ببعض الاستطرادات، أو أطلق بعض الأحكام. علمت أخيرا، أن الإضافات والإفادات الهامشية، لا تغير من نظام المتن، ما لم يتغير المتن. ما ذلك المتن إلا الواقع المخزي، واقع الإنسان (الغابوي) يأكل الإنسان (الإنساني) المتأصل سلوكا وعلائق.
قيض لي أن أكتسب منه بعض السجايا، أثرت في، وفي سلوكي. لا أراني محتاجا إلى إثبات ذلك بدليل أو ببرهنة. لكنني أكتفي بالقول : إن سلوكي ككلب، مغاير لسلوك كلاب الغابة، أو الكلاب اللقيطة في الشوارع. من هذه الخلاصة، يمكن إدراك ميزتي على بقية كلاب المدينة.
وبحكم صحبتي وملازمتي له، استطعت التعرف على بعض أصدقائه، فأصبحت بدوري، ملما ببعض الفنون والآداب والعلوم، إذ أن من غير المستساغ، أن أكون كائنا خرافيا، سيما في عصر وصل الإنسان إلى القمر، وأخذ يبحث في أكناه الكواكب الأخرى. كان من الضرورة أن أنشر مذكراتي هذه، بألف وسيلة ووسيلة، مادمت أعي اسمي عندما يناديني، وأستطيع التفريق بين المعتاد وغير المعتاد، بما أتمتع به من ذكاء، وقابلية للتعلم والإدراك، وإن كنت عاجزا عن كلام، أو بعض المظاهر التي تكتنف سلوك الإنسان. فأنا أرضى بكل شيء، أرضى وأفتخر باسمي " ميسور"، أو بكلباويتي، إلا أن أدعى كائنا خرافيا. هذا غير وارد. وبما أنه كذلك ؛ فهو غير مقبول. في السنوات الأولى، كان يصحبني إلى دار الشيخ في الحي المجاور. كل يوم، يحمل إلى الشيخ، وجبته من الطعام. دار الشيخ واطئة، ليست مثل فيلا سيدي في » كاليفورنيا« . ورغم أنني كلب؛ فإن لهذا الشيخ تأثيرا علي.
يقبل يد الشيخ، ثم يضع إناء الطعام بين يديه. يظل يستمع إليه، والشيخ يسرد عليه بعض الشروح، ويتكلم عن بعض قضايا الوجود كالحب، والفكر السليم، ثم يغني. نعم، على وقاره يغني، وسيدي مأخوذ مثلي بغنائه.
ولما كانت لي ألفة به، فإنه لم يكن ينهرني، إذا ما زرته متسللا في غيبة سيدي. كنت أقعي أمامه، يبدو لي شخصا آخر، غير ذلك الشيخ المعمم المبجل : الشيخ ما هو بشيخ، بل هو شاب وسيم الطلعة، بهي التقاسيم، مطمئن المزاج، يدندن بالشعر، أكاد أطير طربا قبل أن يرسله غنة، مرتلا قول الشيخ الحصري :

يا ليل الصب متى غده أقيام الساعة موعـده
رقـد السمـار وأرقه أسـف للبين يـردده
فبكاه النجم ورق لـه مما يرعـاه ويرصده
كلف بغزال ذي هيـف خوف الواشين يشرده


يرتله على أربعة أصوات. كل صوت له وقع في نفسي. أنا مجرد كلب. لكن لي إحساسا كافيا لتذوق الشعر، لمعرفة كنه الحياة واستكشاف أغوارها واستبصار آفاق الواقع بكل مآسيه.
واظبت على ملازمة الشيخ في أوقات الفراغ أياما، حتى تعلمت كل شيء، لا أستطيع أن أتكلم أو أصرح بذلك مباشرة.
- سلطانة : لا توا خذيني !
وجرى الحاج كردان في أثر سيدتي، وهو ممسك بأطراف حزام فستانها من الوراء. دارت ودار معها حول الأرائك في الصالة، ثم تهالكت على مقعد متآكل.
اقترب منها. وكدأبها، دفعته عنها، وتصنعت الجد قائلة :» لست مفرغة إليك بعد، قد تكون هذه الساعة، أوان اقتراب مجيء والدتي« .
يطالعني سقف الصالة المنقوش بالجبص، بأفانين الزخرفة المغربية، بوجه بارد. يدب إلى أعماقي شعور بالمأساة.
ثم تملصت منه سيدتي. قالت في اكتئاب: » كيف لي أن أصبر؛ والأوراق تتساقط بلا جدوى في حديقتنا؛ فلا زواجنا أثمر ولدا، ولا بقائي إزاء عنين مثلك، عوضني لذة الحياة ! «.
كانت تتحدث في عصبية. يدها تشير إلى أشجار الليمون والتين في الحديقة. لبثت فترة وجيزة، ثم تركتنا ودلفت إلى المطبخ.
زفر. ثم استدار، فوقعت عيناه على الطنبور المعلق بالجدار. داعبت أنامله الأوتار. مدد وأرخى. وما لبث أن أرسل صوته بالغناء، يردد نفس النغم الذي تعلمه من الشيخ، بأصواته الأربعة. لما وصل قول الشيخ الحصري:

صنم للفتنة منتصـب أهواه ولا أتـعبـده
صاح والخمر جنى فمه سكران اللحظ معربده

دخلت علينا سيدتي بغتة، فأنشأت تقول، وقد خرجت عن حياء النساء : » هذه الثمار قد نضجت، من يقطفها؟«
قال في برودة؛ وعيناه إلى السقف الفضي: »لك الخيار! « وقالت : » وحق أمي، إني لحائرة ! «.



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقود المزيفة
- العام ما قبل الأخير من إشراقات باهتة
- سوسيلوجيا المناقشات في برنامج: -الاتجاه المعاكس-
- أغنية أعلى البروج
- الكلب والقارورة..... ش.بودلير
- عيون الفقراء
- في الواحدة صباحاً...........بودلير
- المغريات أو إيروس، وبليتوس ، والمجد
- هل الإنسان مجرد وهم؟
- اقتراني بالكتابة من زواج سري إلى رباط لاانفصام له
- الفضاء الروائي في المغرب متعدد ويرتبط بالإنسان أصلاً
- النسيم
- الحياة السابقة
- النوافذ لشارل بودلير
- من الدروس التي تعلمناها من نازك الملائكة
- الحس التاريخي
- ثرثرة في حقبة الهزيمة 1
- نعم ...أثر أرسطو في المناطقة العرب
- دليل رحلة رامبو
- إطلاق النار والمقبرة


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الإحسايني - مذكرات كلب غير عابئ ولامخدوع1