أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عزت - Placebo














المزيد.....

Placebo


محمود عزت

الحوار المتمدن-العدد: 2136 - 2007 / 12 / 21 - 12:25
المحور: الادب والفن
    



أردأ قصيدة يمكن أن تعاقب بها الكون , قصيدة ٌجميلة ٌ..
ككل القصائد الجميلة التي تملأ الصحف و الدواوين , مطابقة للمواصفات و مشذبة بعناية من الطرفين .


البداية تكون حين يتأمل الشاعر ما حوله , فيطالعه كل هذا الكم من القصائد المرتبة الجميلة على الورق و الأغلفة و الندوات , و بالرغم من شعوره الأكيد بعدم الرضا عنهم جميعا , لا يسعه بعد فترة إلا أن يؤدي ذات الميكانيزم في الكتابة نحو " قصيدة جميلة " , ليجرب إن كانت له تلك القدرة على أن يكون مقروءا و موجودا مثل الجميع و مطابقاً لمقاييس الجميع من كتبة القصائد الجميلة .
قليلا , و يتخذ الأمر نوعا من الإتفاق الضمني أن هناك ربما جماليات _لا يراها هو_ في ما قرأ من القصائد الجميلة العادية التي تنال مساحات محترمة في كل مكان و التي بدأ ينسخ هو ذاته العديد منها دوريا للمجلات و الإصدارات.
التسمم الحقيقي في تلك الحالة هو أن يتحول الشاعر بحكم العادة إلى الاعتقاد و بشكل لا يقبل المراجعة أنْ هكذا يكون الشعر , و أعني : موت الشاعر.
أشعر بالشفقة صباح كل جمعة حين أقرأ للشاعر الشهير مربعا داكنا من الشعر داخل مقاله الأسبوعي , شعرا عاديا جميلا يحبه كل الناس , شعرا ميتا لا يُخلّف شيئا على الطاولة .
القصيدة الجميلة , قصيدة لا تخدشك بأي شكل من الأشكال , لا تعاديك ولا تستفزك و لا تربكك , قطعة أنيقة من الحلوى المعتادة , التي لا تستلذ بها بعد فترة من نهمك المتزايد إلا حين تقرر , و بدافع الرغبة في الاستمتاع , أن يكون لها طعم هذه المرة ...
لا تصنع داخلك أي تكوين مميز جديد , لا تتركك مغايرا للأبد عما كنته قبل القراءة , لا تضيف ولا تحذف ُ
أشبه ما تكون بتجارب الأدوية الجديدة على مجموعة من المرضى , يُقدَّم للبعض المادة الفعالة داخل غلاف من الحلوى و للبعض الأخر غلاف الحلوى فارغا , دون أن يكون ذلك معلنا , ليتم تقييم النتائج قياسا على مجموعة المرضى التي لم تتناول المادة الفعالة و تناولت غلاف الحلوى الفارغ أو الـ placebo , بتسميته الطبية .
أحيانا تظهر النتائج أن عددا من مرضى الـplacebo , و تحت تأثير الشعور الأكيد بفاعلية الدواء _ الذي لم يتناولوه _ و الرغبة في الشفاء , يحققون تحسنا ملحوظا !
"نحن نتناول الدواء و نشعر أننا أفضل "
و بعيدا عن النتائج العلمية المبنية على ذلك ,و سواء كان ذلك التحسن حقيقي أم لا , فإن زخم القصائد الجميلة التي تنتج يوميا و دوريا في كل مكان لا يمكن تشبيهها بصدق إلا بـ placebo ضخم , يتناوله الناس يوميا , فيحبون الشعر , أو ما يعتقدون أنه الشعر , إذ أن من كتبه هم شعراء ٌ و أسماء ٌ , لابد تعرف ماهيّة الشعر و جمالياته , كما يعرفها كثيرون أخرون أحبوا هذا الشعر و قرأوه, فتكون النتيجة أن يستمتع به الناس كما يستمتعون بقطعة الحلوى المكررة . بلا نشوة حقيقة , لا يجدون سواه ولا يصلهم غيره , ذلك يشبه أن تخبر طفلك يوميا أن إحدى الخطوط العبثية على جدران بيتكم هي لوحة فنية عظيمة تكتظ بالجماليات ,و بقليل من الإحترام من طفلك لثقافتك الفنية , سيعتقد بدوره أن القاهرة لا تخلو فيها مساحة أسمنتية من جدارية رائعة بها ما يكفي من جمالياتها الخاصة , و التي لا يفهمها بالتأكيد لكن هذا أيضا لا يعني أنها ليست موجودة !
شعر الـ (placebo ) يصنع حالة من الوهم الفني , فإن سلمنا أن الشعر الحقيقي نادر على كل الأحوال و في كل وقت , فإن المد المعاكس من الشعر العادي قد صنع الأن بتدفقه الضخم و المستمر على الإنترنت و الصحف و الدواوين حائطا حال حتى بين الشعراء و أنفسهم من أن يقدموا شيئا حقيقا , دون الوقوع في غواية اللغة و غواية التيمة و غواية التكنيك .
أخشى ما أخشاه أن يزعج الناسَ بعد ذلك طعمُ المادة الفعالة , وكما يكره الناس كل ما هو مغاير للعادة , سيفضلون الـplacebo المعتاد و يستمرون في اقتنائه كما يقتني مثله الجميع و يكتبونه كما يكتبه الجميع.

لا أذكر تحديدا أين قرأت أو وقعت على هذا المعنى:
قصيدة رديئة أفضل ألف مرة من قصيدة عادية , على الأقل الأولى تعلمك أن هناك أفضل .

وإلى أن يكتشف الناس الخدعة أو تسقط من نظر طفلك بشأن جداريات القاهرة , أتمنى وفي أسرع وقت , أن أتخلص كليا من أخر جرعة placebo في دمي.



#محمود_عزت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآخَر
- هكذا قالت القضية...
- صباحُ الخير يا قضية
- أنا..
- أريد أن أحبك الآن ثم تقوم القيامة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عزت - Placebo