أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نديم علي - وجه في الإطار - قصة قصيرة














المزيد.....

وجه في الإطار - قصة قصيرة


محمد نديم علي

الحوار المتمدن-العدد: 2134 - 2007 / 12 / 19 - 08:56
المحور: الادب والفن
    



وجه قد لا تنتبه لوجوده ، ذو ابتسامة ليست موجهة لشخص ما ، أو موقف ما.
كان وجهها دائم الظهور في خلفية الصورة.
لم يكن يعبأ بها أحد، أو يصادقها أحد ، أو يضمها لمجموعته ، أو أن يلقي إليها التحية.
************
كنت في أمسيتي الشتوية القارصة، مقشعرة مشاعري قبل جسدي ، فآثرت أن أتصفح
كتاب الصور الذي لم أفتحه منذ ما يقرب من سنين خمس من الزمن.
************
شباب الجامعة يملأهم النشاط والأمل ، تمد الدنيا لهم أكفها بصفحات بيضاء ، يرسمون عليها بحماس صورة مستقبلهم ، محاولا كل منهم أن يثبت شخصيته التي ما زالت تراوح بين نزق الطفولة وحيرة المراهقة.
************
لم يكن لها حماقات، ولم نعلم عنها إشاعات ، لم يكن أحد يعبأ أن يحجز لها مقعدا في المدرج ،
أو أن يدعوها لحفل أو لقاء في الكلية ، أو رحلة نقوم بها.
ولكن ما كان يدهشنا ، أننا كنا نراها دائما في خلفية الصور ، يمينا أو يسارا على حافة الإطار،
تمد وجهها الطفولي مبتسمة ،ومشيرة إلى عدسة المصور الذي ربما لم يرها أو يشعر بها.
************
لم أرها يوما تستعير دفترا من زميلة أو زميل ، ولم يعبأ أحد أيضا منا أن يستعير منها محاضرة تنقصه ، بالرغم من أنها هي التي كانت تعرض خدماتها في هذا الشأن .وحين كانت المكتبة تضمنا في رحلات ثنائية بين زميل وزميلة ، كنا نراها هناك تبتسم للجميع، محاولة الانضمام لأي مجموعة .بل كان الجميع يتجاهلونها ، ولا يلقون لها بالا.ولم تكن لتغضب أو تلوم أو تعترض ، كانت تبتسم.
************
لم أعرف عنها ولا أحد كان يأبه أن يعرف عنها شيئا ، لكن مظهرها كان بسيطا بحيث أنها لم تكن لتلفت انتباه أي شاب ،،، أو فتاة.
ولا أدري لماذا وجهها بالذات هو الذي يحثني الآن أن أتحدث عنه بعد سنين؟.
أذكر هذه الصورة جيدا ، حين خرجنا في رحلة إلى معرض الكتاب ، سرعان ما تفرق الجمع اثنين اثنين ، ومارس الشباب نزقهم الساذج ، ولهوهم البريء قبل أن يفكروا في شراء الكتب.ولا أذكر أن أحدا منا نحن أعضاء لجنة الرحلات قد دعاها إلى الرحلة ، لكن ها هي هنا في خلفية الصورة الجماعية تمد رقبتها النحيلة كي يلحق رأسها بحافة الصورة فيدخلها في آخر لحظة قبل التقاطها.وهي تبتسم ابتسامة راضية.
************


أما هذه الصورة فهي في يوم تكريمنا عميد الكلية لترقيته إلى منصب أعلى ، ترى أين هو الآن؟ وقع الاختيار علي وفتاتين أخريين لنقدم له الدرع. كان دخولنا مكتبه في ذلك اليوم ضربا من المستحيل ، لزحمته الشديد برجال الجامعة والإعلام. ÷ا أنا ذا في الصورة والعميد وجها لوجه وبيننا الدرع ، ممسكين به شاهدا على ابتسامات وكلمات مجاملة تعبر بيني وبينه.

يا الهي كيف لي ألا انتبه ؟ في خلفية المشهد : يبدو باب غرفة العميد مواربا ،يظهر منتصفه العلوي بصعوبة بين الرؤوس ، وكان وجهها ، بذات الابتسامة الطيبة الودود كطفل مندهش ، تمد رقبتها النحيلة لتلحق بإطار الصورة العلوي ، بإصرار عجيب ، كي تبدو داخله .
*********
بين طيات كتاب الصور، الذي كان دافئا حد الاشتعال ، كنت أقلب السنين سنة وراء سنة. رأيتها حاضرة في جميع المشاهد ، وفي كل الحالات والمواقف ، دون أن تتبرم أو تشكو، هنا ، وجهها يطل حزينا في خلفية صورة ليوم عزاء وتأبين زميلة لنا رحلت مبكرا، فلا أعلمها أحد منا بالخبر ولم يدعها أحد كي تأتي معنا للمشاركة الوجدانية.لكنها هنا وبذات الود والحميمية التي تكون عليها ابتسامتها ، هو الآن حزنها.
*********
يوم التخرج ، والآمال متوهجة والفرحة غامرة ، وبين شوق لصورة جديدة للحياة ، وحزن على انقضاء مشهد ظنناه يدوم بحلاوته التي لم تذهب من الوجدان حتى الآن ، كان المشهد صاخبا ، والأصوات متداخلة والصور منها الحاد ومنها المغبش ومنها المطموس، صادقنا من صادقنا ، واقترب منا من اقترب وابتعد من ابتعد ، لكنها كانت أيضا في خلفية صورة التخرج ، يطل رأسها وبالكاد يبدو واضحا في الصورة بابتسامتها الطيبة ورغم أنها كانت ترتدي ذات الزى وذات القبعة كغيرها من الزملاء والزميلات ، وكانت بالتأكيد بيننا وإلا لما ظهرت في
الصورة ، إلا أن أحدا ربما لم يلحظها أو يشعر بها ، وهي توزع عنوانها على الزملاء والزميلات، سعيا إلى لقاء ما في المستقبل , وربما أيضا لاحظت أنا يومها ، قصاصات ورقية صغيرة ملقاة على درجات سلم الكلية ، بعد انفضاض الجمع الغفير.
*********
تتابعت سنواتي صورة وراء صورة، التقت عيناي مصادفة بآخرها ، حين هممت بإغلاق كتاب الصور ، تفحصت ، كيف لم أنتبه يا الهي ، ولدهشتي ، كانت هي الصورة الوحيدة التي لم أجد ذات الوجه الطفولي المبتسم في ود ، في مكانها الأثير في خلفيتها عند حافة الإطار محاولة الظهور بأي ثمن ، بل كانت إلى جانبي في صدر المشهد، وابتسامة البهجة والثقة تغمر ملامحها بجمال فريد،ممسكة بباقة من الزهور اعتادت الفتيات أن يمسكنها في ليلة زفافهن السعيد. وها هو العمر أحفظه بين دفتي كتاب ثقيل مغبر ، مدفون بين كتب عديدة في خلفية المكتبة الخشبية العتيقة، وفوق الجدار المواجه لي ، وجهها ، يتوسط صورتها الكبيرة ، التي يحيط بركن علوي من إطارها ، شريط أسود عريض.



#محمد_نديم_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة (أشياء للبيع)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نديم علي - وجه في الإطار - قصة قصيرة