عصام الخضرا
الحوار المتمدن-العدد: 2128 - 2007 / 12 / 13 - 11:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تعيش الأمة العربية اليوم حالة من التردي والإحباط لم يسبق لها مثيل في أنظمة ضعيفة متخلفة ,تفتقد إلى روح التجديد والتطوير, فانحطت الأوضاع الاقتصادية في البلاد غير المنتجة للبترول وأصبح المواطن لا يفكر إلا بتامين لقمة العيش غير عابئ بما يجري حوله من أحداث .
لقد ظهرت في أمريكا منذ أكثر من عشرين عاما حركة من سموا بالمحافظين الجدد تتلمذ نخبتها أمثال ديك تشيني ودونا لد رامسفيد وبول وولفوتس اليهودي من اصل نمساوي – تشيكي على أيدي الأستاذ الجامعي اليهودي الألماني ليو شتراوس الذي تخصص أول الثلاثينات بدراسات الكاتب البريطاني المعروف توماس هو بز صاحب نظرية الردع ومؤلف الكتاب الشهير ليفياثان.
بذلت هذه النخبة جهودا كبيرة لإقناع الرؤساء الأمريكيين منذ عهد الرئيس ر يغن وحتى بوش الأب بغزو العراق ووجدوا عند بوش الابن إذنا صاغية , حيث قدم له وولفوتس فكرة الشرق الأوسط الجديد الرامية إلى تقسيم بلاد الشام إلى دويلات عرقية وطائفية تضمن سيادة إسرائيل عليها لأجيال .
ومشروع وولفوتس هذا ليس بجديد , إذ تعود جذوره إلى معاهدة سايكس بيكو عام 1916 التي أبرمها حلفاء العرب في الحرب العامية الأولى ( بريطانيا وفرنسا) وتقاسموا بموجبها بلاد الشام فيما بينهم ,وكما يمارس اليوم الرئيس بوش الضغوط على المنظمة الدولية ليحصل منها على تفويض رسمي بمهاجمة من يريد تحت غطاء مكافحة الإرهاب استصدرت فرنسا وبريطانيا من عصبة الأمم المتحدة تفويضا بوضع بلاد الشام تحت الانتداب في مؤتمر سان ريمو 1920 وحصلت فرنسا على سوريا التي دخلتها في تموز 1920 . وما إن حل 31 آب 1920 حتى اعلن المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو تشكيل دولة لبنان بأن ضم إلى سنجق لبنان ذي الحكم الذاتي منذ عام 1864 كلا من سهل البقاع وصيدا وصور وبيروت وطرابلس , كذلك قسم باقي البلاد إلى دويلات دمشق وحلب وجبل الدروز ورتب لإقامة دويلة علوية على الساحل السوري.
بررت الحكومة الفرنسية سياسة التقسيم هذه بأنها نابعة من صميم رغبات الشعب السوري وتراعي الاختلافات العرقية والطائفية القائمة في البلاد , وهذا عين ما يردده المحافظون الجدد حيال سياستهم في العراق .
لقد واجهت سياسة التقسيم الفرنسية في سورية انتقادات شديدة من المجتمع الدولي وعصبة الأمم المتحدة وأفرزت مقاومة شعبية باسلة حيال المستعمر شارك فيها نخبة من أبناء سوريا ينتمون إلى جميع الأطياف , نذكر منهم الكردي إبراهيم هنانو والعلوي الشيخ صالح العلي والدرزي سلطان باشا الاطرش وكانوا كلهم يطالبون بإلغاء التقسيم ومقاومة الاحتلال وقد تحققت أحلامهم وتكلل كفاحهم بتحرر سوريا عام 1946 .
لم تكتف الإدارة الفرنسية بتقسيم بلاد الشام بل قامت من خلال معاهدات صداقة وحسن جوار مع جمهورية أتاتورك الفتية بإعادة ترسيم الحدود السورية التركية والتنازل عن أجزاء كبيرة من الأراضي السورية , بدءا بكيليكيا وانتهاء بسلخ لواء اسكندرون , منتهكة بذلك نصوص صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم المتحدة .
إن ما يريده المحافظون الجدد هو إعادة التاريخ إلى الوراء وتفتيت سوريا والعراق إلى دويلات يسهل التحكم بمصيرها الى أجيال طويلة بحجة النهضة الاقتصادية او إدخال الديمقراطية . إن كان ادعاؤهم بأن ما يقومون به ويروجون له نابع من إرادة شعوب المنطقة نظرا للتعددية العرقية والتباين الطائفي فإننا ننصحهم بان يبدأوا مشروعهم في إسرائيل حيث تعيش حوالي 86 أقلية عرقية ودينية لكل منها طموحات لابد من مراعاتها .
إن المعارضة السورية ممثلة في العديد من الأحزاب في الداخل والخارج ,علمانية كانت أو دينية , تعي تماما أبعاد هذه اللعبة السياسية الخبيثة .
لقد طرح حزب الحداثة العلماني ومعه بعض أحزاب المعارضة ذات التوجه الإسلامي أو القومي أفكارا في مؤتمر بروكسل أمام البرلمان الأوربي- في الحادي عشر من كانون الثاني يناير من 2007 – تتضمن مناشدة النظام السوري الإفراج عن المعتقلين السياسيين واحترام حقوق الإنسان وإلغاء حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 1963, كما ناشد الحزب أعضاء البرلمان الأوربي ممارسة الضغط على الحكومة السورية ومطالبتها بإطلاق حرية الصحافة وتجديد مناهج التعليم لتتناسب مع روح العصر , إضافة إلى تعددية حزبية وإجراء انتخابات نزيهة تحت إشراف مراقبين دوليين . وأخيرا طالب الحزب بانفتاح اقتصادي يضمن للمستثمرين العمل في جو من الحرية والاستقرار لنتمكن من بناء طبقة وسطى تكون دعامة للديمقراطية التي لابد منها والتي تسلب الغرب أهم حججه التي يتذرع بها دائما وهي حماية الأقليات واحترام حقوق الإنسان أو ان اسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
#عصام_الخضرا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟