أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبلة درويش - -وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا-














المزيد.....

-وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا-


عبلة درويش

الحوار المتمدن-العدد: 2128 - 2007 / 12 / 13 - 10:12
المحور: الادب والفن
    


قهر الزمان ارتسم وتجسد في ايد ترتجف، عاجزة عن حمل كيس للحلويات تحمله العجوز السبعينية "ام غالب" لاحفادها في رحلة جابتها من مدينة بيت لحم الى رام الله، في حافلة عمومية، فلم تشفع لها سنين العمر واعباء العمل والعائلة ان تسكن مع ابنائها، الى ان رحلوا الى رام الله تاركينها وراءهم وحيدة في منزل متواضع، تعتاش من بيع الخضار لتقوم بواجب، في وقت اقتضت الحاجة فيه ان تزار ولا تزور.

تسكن "ام غالب" في احدى قرى مدينة بيت لحم، تزوجت كمثيلاتها في تلك الايام في سن الـ 15، في منزل عائلة زوجها لتكون حصتها شبه غرفة، ومطبخ وحمام مشترك لهم، شاركت زوجها "ابو غالب" في العمل في الارض من تنظيفها من الحشائش وقطف الثمار وترتيبها، وحملها من القرية كيلومترات الى المدينة لتبيعها وتعود مشيا الى البيت فتباشر باعمال المنزل، فما انت تنتهي من كل هذا لترعى ابناءها الـ 5، حتى يأتي اذان العشاء، ولتكون بعدها جاهزة لواجبات زوجها الشرعية، رغم تعبها وطول نهار عملها، فلا رأي لها هناك ان تقول لا.

ام غالب انجبت من زوجها في غرفة صغيرة 3 ابناء وبنتان، فاجبر ابو غالب بناته على الزواج وهن في المدرسة الثانوية من ابناء اعمامهن، رغم كبر سنهم، وذهب غالب للعمل في الخليج منذ 25 عاما، ليسمع صوته لامه 3 مرات فقط، ولم يشارك في جنازة ابيه قبل 13 عاما حتى بالهاتف، وتسمع من اهل القرية انه لم يعد غالب فهو الان "ابو محمد"، فلم ترتسم الفرحة على شفاه ام غالب بحفيدها الاول، الى ان اكتست سجادة السماء بغلاف اسود، برحيل ابنائها الاثنين مع زوجاتهم الى رام الله، ليرفعوا سماعة هاتف لها ويخبروها بذلك.

"انوار وبروج" لم تنيرا حياة "ام غالب" بل اطفأتا ما انارته لها الحياة، ولم يرفعا لها بروجا انما اسقطتاها من اعلاها الى الارض، هاتان بنتا "ام غالب"، اللتان كانت تحلم ان تعلمهن وتكبرهن وتفرح بزواجهن، الا ان زوجها "ابو غالب" اجبر بناته على الزواج من ابناء اعمامهن وهن في الثانوية العامة، فلم يكملن تعليمهن، لتكن احدى ضربات الزمان لام غالب، فسكن في احدى القرى المجاورة، ولا يسمح لهن بزيارة امهن كثيرا، الا في المناسبات، ولا يملك مالا لمساعدتها، بل هي تحاول مساعدتهن.

"الابن البكر" كانت اولى البسمات التي ارتسمت على شفاه ام غالب عندما انجبت غالب، في حياة صعبة مع زوج لا يرحم ولا يحترم، وضيق العيش، الا انه عندما كبر ونضج رحل للعمل الى الخليج، تاركا امه رغما توسلها له بعدم السفر، لكن كلمات تطايرت مع نسمات الريح، وامالا معلقة بالعودة، وفرحة سرقها الزمن.

كانت ورود ملونة واشكال متعددة، اصبحت اليوم شكلا واحد دون الوان، ذاك هو ثوب "ام غالب" الذي لا تملك غيره، للعمل والبيت وللزيارات، وحتى "قرط :حلق" في اذنها وسوار اختفت مع ضيق سبل العيش، حيث ترعى الان ام غالب شقيقة زوجها المريضة التي تسكن معها.

يبدأ نهار ام غالب بالخبيز على فرن بيتي، وتذهب للارض لتجني ثمار ارض اعترتها الشيخوخة، فلم تعد تقوى على حرث الارض، ولا الاهتمام بها كما السابق، فتحمل السلة على رأسها لتمشي كيلومترات الى سوق الخضار في المدينة، يوما تعود مسرورة بجني عشرات الشواقل واياما تعود بسلتها ثقيلة.

رصيف ضيق على مطلع سوق المدينة، وقطعة نايلون لتجلس عليها وتستر رأسها من امطار الشتاء وحرارة الصيف، ذاك هو رزق ام غالب، وبسمة تعلو وجهها دوما للزبون، بـ تفضل وجرب خضرتي، تشاركها في ذلك عشرات البائعات ومعظمهن تجاوزت اعمارهن الـ 60.

على اطراف تلك القرية، حجارة قديمة مرتبة على شكل منزل، نوافذ تسترجي الله ان تغلق في الشتاء، بطانية وزيت وطحين وعدس وسردين محتوياته توزعها احدى المؤسسات التي تعني بالفقراء.

عندما اطل نهار ذلك اليوم، ركبت ام غالب الحافلة متوجة الى رام الله، فطلبت منها ان اساعدها بحمل الكيس، لتقول " يا ريت هو ضل حدا هالايام بيساعد"، فروت لي قصتها، لتطول بنا الطريق بين "يا الله ويا ساتر"، وتقرأ القران وتطلب من الله ان يحفظ ابناءها ويعيد لها غالب سالما معافى.

كيس صغير تضعه في جيب ثوبها، اخذت تعد النقود التي بحوزتها ان كانت ستكفي مسيرتها ذهابا وايابا، الى ان رفضت قول سائق الحافلة لها " خلص يا حجة ما تدفعي"، فضاجت غضبا، ودفعت له.

كل هذا، الى ان نزلت وسط مدينة رام الله تنظر حولها، تظن ان احد ابنائها ينتظرها، لكن "لا حياة لمن تنادي"، فاضطرت الى الركوب في حافلة اخرى للوصول اليهم، حاملة لهم ما استطاعت من حلوى للاطفال، لكن لم تحمل حقيبة، فتبرر ذلك بلن يطلبوا مني ان ابقى عندهم.

"كما قلت لك لم يطلبوا مني البقاء عندهم" قالت ام غالب، عندما التقيتها في سوق المدينة بعد حوالي الشهر، فجلست بجانبها وذكرتها من اكون، فوضحت لي ان ابناءها وزوجاتهم عاملوها معاملة "سيئة" كما قالت، وبررت زوجاتهن انهم مشغولين الليلة، الى ان رحلت بعد 3 ساعات فقط من منزلهم، عائدة الى منزلها فارغة اليدين والقلب.

الم تكن ام غالب تمسك ايدي ابنائها حتى تعلموا المشي، لكن، لم تجد من يمسك يدها ليساعدها على المشي اليوم، لنتذكر قول القران الكريم "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمها كما ربياني صغيرا".




#عبلة_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصحافة الالكترونية مستقبل واعد ومتحف ينتظر الصحافة الورقية
- لآلئ تتصدر جلسات المحاكم الاخلاقية في رام الله
- كيف أرسمه يا قلم؟!
- انتظرك هناك يا حبيب
- اليك يا حبيب:عندما يأتي المساء
- الصحافة الالكترونية:
- -الكندرجي- ابو موريس.. حكاية 58 عاما بين المطرقة والسندان .. ...
- -بيت ريا-..عين ماء تملأ الارض خضرة والسماء زقزقة باحلام العص ...
- قصة - الاحتلال يحكم بالسجن مدى الحياة على كنيسة في بيت جالا
- المرأة الفلسطينية مسألة الحقوق
- عرس صوري عن بعد في مخيم الدهيشة .. لمبعد اطفأت -التنفيذية- ف ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبلة درويش - -وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا-