أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد هجرس - شيزوفرينيا وطنية .. مخيفة!















المزيد.....

شيزوفرينيا وطنية .. مخيفة!


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2129 - 2007 / 12 / 14 - 10:50
المحور: المجتمع المدني
    


تعيش مصر حالة من "الشيزوفرينيا"، أو ازدواج الشخصية، فى كل المجالات وعلى كل المستويات، بصورة تبعث على القلق، ليس فقط من جراء تداعياتها على الأجيال الحالية، وإنما أيضا بسبب عواقبها المستقبلية إذا لم يتم تدارك الأمور قبل أن يتسع الخرق على الراقع.
خذوا – على سبيل المثال – الاقتصاد المصرى، حيث لا نجد الاقتصاد "الرسمى" فقط وإنما سنجد إلى جانبه ومتداخلا معه اقتصاداً "غير رسمى" أو اقتصادا "سريا" أو "موازيا" .. سمِّه كما شئت.
وهذا الاقتصاد السرى – على عكس ما يبدو من اسمه – ليس شيئاً خافياً عن الأعين وبعيداً عن الأنظار، وإنما هو "جبل" ضخم يسد عين الشمس ولا يستطيع أحد التظاهر بأنه لا يراه، بل إن الحكومة ذاتها تقدره بما يتراوح ما بين 60 و80 مليار جنيه، فى حين أن هناك مصادر غير حكومية تقدره بنحو 95 مليار جنيه.
بل إن البعض يذهب أبعد من ذلك كثيراً ليقدره بنحو 200 مليار جنيه بإضافة الأنشطة غير المشروعة كتجارة المخدرات وبيزنس الدعارة.
فإذا استبعدنا هذه الأنشطة غير المشروعة سنجد القطاع غير الرسمى (الشرعى ) يتركز فى اقتصاد الرصيف (الباعة الجائلين وغيرهم) والمنشآت الحرفية والورش الصغيرة التى تمثل – فى بعض التقديرات- نحو 30% من الناتج المحلى الاجمالى. وفيما يتعلق بالأراضى والعقارات يلفت النظر أن ما يقرب من 60% من إجمالى الأصول العقارية فى مصر غير رسمية.
وعلى وجه الاجمال فإن هذا القطاع "غير الرسمى" يوظف 40% من العاملين ويضم ما يقرب من 80% من المنشآت الاقتصادية.
وبطبيعة الحال فإن هذا الاقتصاد "السرى" ليس اختراعا مصرياً، وإنما هو موجود فى كل المجتمعات. ولذلك فإن السؤال يتركز حول حجمه واتجاهاته وهل يسير خطه البيانى إلى الأعلى أم إلى الأسفل، وبأى وسيلة؟!
وغنى عن البيان كذلك أن لجوء ملايين من البشر إلى الانخراط فى أنشطة الاقتصاد السرى ليس رغبة مزاجية، وإنما له أسبابه "المنطقية" المتعددة، ومن بينها على سبيل المثال الرغبة فى الهروب من الاجراءات الحكومية، وبالذات عندما تكون الدولة "جبائية" فى المقام الأول، وعندما يعتبر المواطن العادى أن هذه "الاتاوات" الباهظة التى تحصل عليها الحكومة منه بلا مقابل اجتماعى أو عائد من أى نوع.
ولذلك فإن بعض الدراسات الاجتماعية تنظر إلى اتساع نطاق الاقتصاد الموازى فى مصر باعتباره شكلا من اشكال "الابداع المصرى فى التحايل على المعايش"، خاصة عندما يعجز أكبر الخبراء الاقتصاديين فى تدبير ميزانية مواطن مصرى يتقاضى مائة جنيه أو مائتى جنيه أو حتى خمسمائة جنيه، بينما يعول زوجة وعدداً يزيد أو يقل من الأطفال، حتى لو اقتصرت الميزانية على ما يقيم أوده بالكاد وحتى لو كانت الوجبات الثلاث مكونة من الفول والطعمية والعيش "المدعوم"!
والأخطر أن هذه الشيزوفرينيا ليست مقتصرة على الاقتصاد، وإنما هى لصيقة لكل المجالات. ففى السياسة نجد أحزابا رسمية، وأحزابا محجوب عنها الشرعية، ناهيك عن الجماعة "المحظورة" رغم أن لها 88 مقعدا فى البرلمان!
وفى النقابات نجد إلى جانب النقابات "الرسمية" نقابات موازية لاسيما بعد تصاعد حركات الاحتجاج الأهلية والاضرابات العمالية، والتى نلاحظ أن مطالب القائمين بها عادة ما تتضمن سحب الثقة من التنظيمات النقابية "الشرعية"!
ونفس الشيء نجده فى اتحادات الطلاب، حيث اصبحت الاتحادات الموازية جزءا لا يتجزأ من المعادلة.
حتي القضاء لم يسلم من هذه الازدواجية، حيث نجد إلى جانب القضاء المتعارف عليه، قضاء "عرفيا" يتم اللجوء إليه بوتائر متصاعدة وبالذات فى الاحداث الطائفية التى تهدد الوحدة الوطنية.
كذلك الحال فيما يتعلق بـ "العمران". ويكفى أن ننظر إلى الاسكان "العشوائى" وكيف أصبح هو القاعدة بينما يتقلص الإسكان "الرسمى" و"النظامى" وتنكمش رقعته ليتجه إلى أن يكون الاستثناء.
ثم كيف أن العشوائيات الاسكانية سرعان ما تكتسب "شرعية" وتضطر الحكومة إلى تقنين أوضاعها، ولكنها قبل أن تفعل ذلك تكون يد العشوائية قد خلقت أحياء سكنية خارجة عن كل القوانين والاعراف والاذواق.
ومع تعاظم واستفحال هذه العشوائيات السكانية، نشأت بالتوازى معها ثقافة عشوائية، أو ما يمكن تسميته بـ "ثقافة الميكروباص". وهى "ثقافة" متكاملة الأركان وتسرى فى جميع مناحى الحياة وليست مقتصرة على ظاهرة شعبان عبدالرحيم ومغنى "بحبك يا حمار" ومن لف لفهما!
حتى المؤسسة الدينية الرسمية، إسلامية كانت أو مسيحية، أصبحت تنازعها وتنافسها مؤسسة دينية موازية تضم أكثر من ألف مفتى ومفتى، و"دعاة" من أنواع ما أنزل الله بها من سلطان ينتشرون فى كل حى وكل شارع وكل حارة وكل قرية وكل نجع.. وينشرون أفكاراً وأذواقا وموضات "موازية".
ولم يكن غريباً والحال كذلك أن يوجد كذلك إلى جانب الزواج الرسمى أنماط متنوعة من الزواج السرى أو الزواج غير الرسمى، ابتداء من الزواج العرفى ومروراً بزواج المسيار وغيره.
مع العلم بأننا لا نتحدث عن استثناءات أو حالات فردية وإنما نتحدث - بالأحرى – عن ظاهرة متنامية ومستفحلة أصبحت – وفق كثير من التقديرات –تضم ما يقرب من تسعة ملايين حالة زواج سرى فى مصر، مقابل انخفاض حالات الزواج "الشرعى" من 592 ألف حالة عام 2000 إلى 506 آلاف حالة عام 2006 .
ولم يكن غريباً أيضاًً- والحال كذلك – ان نرى إلى جانب الثقافة الرسمية، التى تتحدث عن العقل والعقلانية والعلم والبحث العلمى، ثقافة غير رسمية تشكل العمود الفقرى لأكبر مؤسسة فى مصر حاليا، ألا وهى مؤسسة الخرافة، التى جعلت آلافا مؤلفة من المصريين يتدافعون بالمناكب إلى طريق القاهرة الاسماعيلية الصحراوى لا لشىء إلا لـ "التبرك" بشجرة !! ومتى؟! عام 2007 فى مطلع القرن الحادى والعشرين والألفية الثالثة!
كل هذه المظاهر المتفشية فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تعنى أننا ازدواجية شاملة تهدد ليس فقط بالاستقطاب حول خطابين، خطاب رسمى يتم تعاطيه فى المحافل العامة والمناسبات الرسمية وخطاب غير رسمى يتداوله الناس العاديون – مثلى ومثلك – فى الواقع والحياة اليومية، وإنما هى ازدواجية تهدد بانقسام المجتمع إلى مجتمعين، مجتمع للصفوة ومجتمع للعامة أو "الدهماء"، وانقسام الدولة إلى دولتين، دولة رسمية ودولة موازية.
وهذا مصير أكثر تعاسة وبؤسا وخطرا من التخوفات القديمة مما يسمى بـ "الدولة الرخوة" وما هو على شاكلتها من تنويعات.
فهل ننتبه .. قبل أن تقع الفأس فى الرأس؟!



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتخابات نقابة الصحفيين .. تعليق أخير
- شكر مستحق .. واعتذار واجب .. ل -طلعت حرب-!
- قراءة في تقرير مهم .. مبادرة »ياسين« وتحذير »الجبالي«
- طلعت حرب
- متى نتوقف عن اللت والعجن فى قضايا القرون الوسطى؟!
- هل تتذكرون بنك القاهرة ؟
- جماعة الإدارة العليا .. بامتياز (2)
- القلق لا يليق بإسرائيل .. فقط
- الكل فى واحد : مدارس صحفية متعددة ومطالب نقابية موحدة
- رغم سلبيات تافهة وتجاوزات غير بريئة.. ألف مبروك للصحفيين .. ...
- الثورة الفرنسية .. الثانية
- نشرة حكومية .. لكنها تستحق الاحترام
- يومان داخل عرين -حلف شمال الأطلنطى- .. يا حفيظ!
- إنها الحرية .. يا غبى
- أيها المجتمع المدنى الكسيح .. كم من الجرائم ترتكب باسمك؟!
- جرثومة الكسل الاسلامية!
- لا تقولوا أن -الفلوس- هى السبب !
- أفراح وأحزان.. في احتفالية مكتبة الإسكندرية بعيد ميلادها الخ ...
- ارفعوا أيديكم عن نقابة الصحفيين
- برنامج الأخوان:طلب لجوء سياسى جماعى إلى الماضى


المزيد.....




- وزير المهجرين اللبناني: لبنان سيستأنف تسيير قوافل إعادة النا ...
- تقرير حقوقي يرسم صورة قاتمة لوضع الأسرى الفلسطينيين بسجون ال ...
- لا أهلا ولا سهلا بالفاشية “ميلوني” صديقة الكيان الصهيوني وعد ...
- الخارجية الروسية: حرية التعبير في أوكرانيا تدهورت إلى مستوى ...
- الألعاب الأولمبية 2024: منظمات غير حكومية تندد بـ -التطهير ا ...
- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500
- أخيرا.. قضية تعذيب في أبو غريب أمام القضاء بالولايات المتحدة ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سعد هجرس - شيزوفرينيا وطنية .. مخيفة!